بـسم الله الرحمن الـرحيم
لايتخلف اثنان إن الأمامة الأباضية في عمان إحدى مكونات التاريخ السياسي العماني ، إضافة إلى تأثيرها وطناً وشعباً وتاريخاً , ورغم ما تمتلكه من مزايا إلا إنها تفتقد للكثير من المزايا الأدارية والسياسية في التعامل بواقعية مع الظروف والأحوال سواء كانت سياسية أو إقتصادية أو إجتماعية ، حيث تشير رواية وردت في كتاب "عمان منذ 1856م مسيرا ومصيرا " إلى التذمر الشعبي من وصول إلى الحكم " المحافظين " كما يحب روبرت لاند مؤلف الكتاب ، حيث الرواية وردت على لسان مواطن عماني وفي نفس الوقت تشير إلى سؤ الحالة الأقتصادية التي سادت عمان بعد وصول -عزان بن قيس إلى الأمامة (1868-1871م ) - وفي كتاب تحفة الأعيان لنور الدين السالمي وردت رواية أخرى تشير إلى نفس المعنى ، لا أريد أكون قاسياً في الحكم ولكن أغلب سنوات الأمامة رافقها كساد إقتصادي وتدهور مالي وصل الأمر بالحد الذي أجاز العلماء بهدف التغلب على الأعباء المالية - (عن طريق الأقتراض من المواطن ) المواطن الذي يضج بالأهات ويرزح تحت هم وثقل معيشي ، وبعد المقدمة البسيطة نأتي الى الحديث عن - جانب إقتصادي مهم - أعتمدته الأمامة كمورد أقتصادي تسد به - الفشل في إقامة نظام أقتصادي يحفظ لها القدرة على الأستمرارية ، منذ إمامة الأمام عمر بن الخطاب اليحمدي في أوخر الدولة النبهانية -إنه - الــتغريق -
في البداية لا بد من إيضاح هذا المصطلح ربما الغريب على الكثيرون أبناء الجيل العماني الحالي -


مفهوم التغريق :-
مفهوم فقهي عماني ، معناه المصادرة والتأميم إذا هو بلغة العصر السيطرة على الملكية الخاصة للمصلحة العامة وذلك في بعض الحالات التي يرأ العلماء أو الأئمة إن ثروة هذا الوالي أو المسؤل أو الأمير جمعت نتجية ظلم مارسه تجاه الرعية أو أنهم أخذوا تلك الأموال بدون وجه حق ويصدر قرار التغريق بحكم شرعي من الأمام أو بموافقة من الأمام كم حدث في تغريق أموال السادة في مسقط في عهد إمامة عزان وأيضا ما حدث في تغريق أموال راشد بن عزيز الخصيبي وهناك الكثير من الأدلة التاريخية في تاريخ عمان لحالات مشابهة سوف نأتي على ذكرها :-

- الأحداث التاريخية التي صودرت فيها أموال الرعية :

رغم إن هذا المبحث البسيط هدفي منه إلقاء الضوء على أخر -حالة تغريق - (مصادرة ) تمت في التاريخ العماني الحديث ، إلا أنني وجدت نفسي مضطراً تتبع الحوادث التاريخية لحالات التغريق (المصادرة ) بداية من عهد الأمام عمر بن الخطاب اليحمدي إنتهاء بأخر عملية مصادرة في عام 1919م والتي أثارت جدلاً واسعاً داخل الشأن الأمامي وتعددت فيها الأراء والأقاويل وكثرت الأعتراض -

أولاَ : المصادرة التي أوردتها المصادر التاريخية العمانية (كشف الغمة - مؤلفات ابن رزيق - الفتح المبين ) المصادرة التي تمت في عهد الأمام عمر بن الخطاب في أواخر عهد الدولة النبهانية وبأمر قضائي في عام 1488م ، حيث شكلت محكمة صورية لهذا الغرض ، وتشكلت من مجموعة من الشخصيات ، وهم محمد بن سليمان بن أحمد رئيس المحكمة - وكان يعمل قاضياً للأمام عمر - ومحمد بن عمر بن أحمد (أبن عم رئيس المحكمة ) بصفته وكيلاً عن المظلومين - وأبن عمه الأخر - أحمد بن عمر بن أحمد وكيلاً عن بني نبهان ،إي بمعنى رئيس المحكمة وأعضاءها من أسرة واحدة ، وشكلت المحكمة بعد المعركة التي أنتصر فيها الأمام على السلطان سليمان بن سليمان النبهاني ، بمساعدة من أبن زامل حاكم الأحساء ، وصدرت المحكمة قرارها بإعادة - مزارع - أموال - وكل ممتلكات بني نبهان إلى بيت المال - بعد إن تعذر الحصول على إي - مواطن عماني ظلمته دولة بني نبهان -

-وفي عهد الأمام محمد بن أسماعيل وبعد مقتل السلطان سليمان بن سليمان ، أمر الأمام محمد بن أسماعيل بمصادرة أموال قبيلة بني رواحة لا لذنب أرتكبته ولكن - بتهمة إنهم حلفاء للنبهانه في عهد السلطان سليمان بن سليمان النبهاني ، أمثلة وليست حصراً ولكنها ركزت عليها المصادر العمانية لشهرتها وحدثت حالات مشابهة وإن كانت بصورة أقل في عهد الدولة اليعربية ، وتحديداً عندما أصدر الأمام بلعرب بن يعرب حكماً بتغريق أموال - الأمام سيف الثاني في أواخر الدولة اليعربية ، وحالات - المصادرة أو التغريق لا تتم إلا في الحالات التي ينتصر فيها الأمام ودائماً تكون ضد المغلوب أو المهزوم ،

ومع قيام الدولة البوسعيدية في عام 1744م وحسب ما يحب إن يطلق عليه روبرت لادن " الحكم المعتدل " لم يشهد التاريخ العماني حالات تغريق إلى سنة 1868م وهي السنة التي - نصب - عزان بن قيس إماماً بعد هروب السيد سالم بن ثويني ، وإستكمالاً للنهج - الذي أنتهج الأئمه - وأهل الحل والعقد - أصدر الشيخ سعيد بن خلفان الخليلي قراراً شرعياً يقضي - بتغريق أموال - أبناء الأمام أحمد بن سعيد الأحياء منهم والأموات وقد عارض هذا القرار حينذنا الشيخ محمد بن سليم الغاربي السعدي ، ولكن لم يكن لرأيه وزناً أمام شخصية بوزن الخليلي وتأثيرها على الأمام عزان الذي في الواقع إمام دفاع ، أي بصريح العبارة - ضعيف الشخصية - وإمامته مشروطة بشرط إن لا يعدل ولايغير إلا برأي الشيخ الخليلي - وبعد 50 سنة من مصادرة أموال ذرية أحمد بن سعيد ، وفي عهد الأمام سالم بن راشد الخروصي وفي عام 1333هـ أصدر القاضي عامر بن خميس المالكي قاضي قضاة الأمام سالم الخروصي - قرار شرعياً بأخر عملية - مصادرة في تاريخ عمان الحديث ، ولأهمية هذا الحدث التاريخي ، ولقرب العهد والجدل الواسع الذي أثاره القرار سوف أتبعه لاحقاً لأجراء بعض من التعديل على النص الحالي الذي كتبته في عجل



الشيخ راشد بن عزيز الخصيبي قاضياً ومناصراً للسلطة في مسقط :-

ونحن نتحدث حول الشيخ راشد بن عزيز الخصيبي لابد من إلقاء نظرة حول هذه الشخصية , راشد بن عزيز الخصيبي من مواليد وسكان ولاية سمائل ، عمل والياً للسلطان فيصل بن تركي وعينه السلطان تيمور بن فيصل ،وزيراً للأحكام الشرعية وأحد أعضاء أول مجلس وزراء في تاريخ عمان الحديث ، الذي شكله السيد تيمور بن فيصل إثناء غيابه في الهند ، وعمل راشد قبل إن يصبح عضواً في المجلس المذكور قاضياً في مسقط ، وغرقت أمواله في عام 1919م اثناء الهجوم الذي شنته القبائل العمانية على مسقط وسقوط سمائل تحت نفوذ الأمامة ، وتشير بعض الروايات إنه مؤلف النشيد الوطني الذي رتله كل عماني مع كل صباحاً في المدارس (يارب أحفظ لنا سلطاننا سعيد ) و من أشد المناصرين للسلطان فيصل وتيمور. وأعتبر في إمامة سالم الخروصي ومحمد بن عبدالله من أشد (الأعداء ) الى الحد الذي ورد أسم الشيخ راشد بن عزير الخصيبي من ضمن الشروط التي التي تقدم بها – الشيخ عيسى بن صالح الحارثي وسعيد بن ناصر الكندي والتي عرفت فيما بعد بإتفاقية السيب – بمنعه من دخول عمان ( المناطق الداخلية من عمان )

يتبع