الدين والسياسة في عُمان ..
لسنواتٍ طويلة كانَ الدين من أدواتِ السياسة في عُمان، فمنذ كانَ الحكم الديني أحد أبرز التهديدات التي كادت أن تودي بحكم آل سعيد من التاريخ العُماني، أصبحَ المذهب الإباضي، وتديِّن الدولة وسيلة تهدئة واضحة سعى لاستخدامها النظام السياسي في عُمان منذ بداية حكم صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد. وخلال هذه الفترة الطويلة التي امتدت لأكثر من ستة وثلاثين عاماً، يمكن اعتبارها الفترة الذهبية للنظام القائم في عُمان، كان الدين والسياسة على علاقة طيبة، فالشيخ أحمد الخليلي مفتي عام البلاد عوملَ كوزيرٍ من الوزراء، يجول بين ولايات السلطنة في محاضراته المتعددة ناشراً رسالة الخير والتقوى، ونكران الذات من أجل الوطن، ويذكر الناس دائما أن عُمان كانت محظوظةً بقائد فذِّ شجاع عظيم أخرج البلاد من الظلمات للنور، ولم يكف المؤسسة الدينية أن تكون على صلة وثيقة، وأن يمسكَ أتباع الإمامة الفائتة مناصب حيوية وحساسة في الدولة، بل ذهب الأمر لأكثر من ذلكَ، ورعت السلطنة نفسها مجلس حِماية المذهب الإباضي، ورعت كذلك حركة التدين في البلاد بشكل ممنهج ومدروس، فكانت عمليات التجنيد للتطوع واضحة ومُباشرة وفي فترة التسعينيات وتحديدا منذ 94 وصاعدا، شهدت حركة التدين الأباضية صعوداً واضحاً، وكانَ للكثير من المتدينين سيطرة على المدارس العُمانية مُختارين نماذج كثيرة من الطلاب للذهاب إلى المعاهد الشرعية، وإلى معاهد القضاء، ورافقَ ذلك رِقابة لصيقة من قبل الأجهزة الأمنية فما كان يحدث في المعاهد الشرعية من تجنيد [بالمفتشر] للحركة الدينية، وإدخالها عنوةً في الحكومة، وجعل أفرادها خلايا نائمة تقوم بتمرير أجندات الفكر الإسلامي الأباضي كانَ شيئا واضحاً للغاية، ولعل بعض أفراد التنظيم السابق اعترفوا أنَّ السبب الذي دفعهم للانتقال إلى الطور العَملي [طبعا حكاية الأسلحة تلك كانت جزء من الفبركة الإعلامية التي تريد الحكومة إثبات صحة تصرفاتها عن طريقها] ولكن التنظيم كان فاعلاً، وكان يزوِّد نفسه بالعقول العُمانية الشابَّة، ويحاول جاهدا استقطاب المهندسين والمسؤولين وأصحاب المناصب الحساسة في الشرطة وفي الأجهزة الأمنية.
بالطبع لم يكن التنظيم كما وصفته الحكومة لنا، لم يكن على الإطلاق خلية من أجل قلب نظام الحكم، الهدف الرئيسي من التنظيم كان أكثر خطورةً، الهدف يتعلق بكون صاحب الجلالة السلطان الوحيد في العالم بلا ولي عهد، ويتعلق بكونه الحاكم الأباضي في العالم، ويتعلقُ برغبة التيار الأباضي في حفظ تعاليمه وهويته، والتأكد من عدم وقوع البلاد في ما يسموه [بمستنقع العلمانية] وغير ذلك، وعندما اضطر النظام إلى التدخل مرَّة واحدة، كانت هناك خسائر فادحة لشعبيته، إذ لم يكن أمام النظام إلا التدخل لمرَّة واحدة بشكل حاسم وصاعق، ومحاولة استغلال أدواتِه الإعلامية الأخرى لتسويق مشروع السلطان قابوس الإصلاحي. على أية حال حدثَ ما حدثَ وها هي الدولة تتلقى اليوم الضربات من مختلف الجهات، فمن جهة نذهب لليسار الإصلاحي الميِّت في عُمان فنرى شخوصَه غارقين في مشاكلهم ورؤاهم وأزماتِهم، ولم تخرج قلة من الأصوات الإصلاحية منه إلا وجوبهت بالإخراس والإسكات والضغط من قبل المجتمع ومن قبل طبعا المؤسسة الدينية التي تعرف جيدا كيف تظهر الآخرين بمظهر الشياطين، واليمين من جهة أخرى الذي بدأ يتفكك قليلاً، بدأ طلاب الشيخ أحمد يفكرون بصوتٍ عالٍ، ويختلفون معَه في كتبهم ومؤلفاتِهم مما حدا به إلى أن يلقي محاضراته الشهيرة [احذر يا طالب العلم].
&&&
ربما ليس من المُعلنِ عنه، أن نسبة السنة في عُمان أكثر من الأباضية. ولكن حتى عامين فائتين كانَ التلاحم الوطني العُماني، وكانَ الاتكاء على رمزية صاحب الجلالة، وكونه حاكم وسلطان عُمان بمذاهبها كلِّها، كانَ اللحمة التي سار بها العُمانيون طوال سنواتٍ كثيرة، ولم تخل هذه السنوات من مشاكل اجتماعي هُنا وهُناك، مشاكل تتعلق بإمامة الصلاة، أو بمذهب أئمة المساجد، ولكن عدا ذلك بقي المشهد المذهبي في عُمان بعيداً عن هذه الإشكالات، ولم يكن لدينا من يقول إباضي وسني وشيعي، وكان التسامح سمةً من السمات العُمانية المُتعارف عليها.
تنظيمات ثلاثة التي قضت عليها الدولة، الشيعي في بداية عهدها، والسني في منتصف التسعينيات، والإباضي في بداية الألفين، مع وجود تنظيمين أو ثلاثة خرجا من الجامعة، وبعض جَماعة الثورة في ظفار الذي عادوا للعمل الثوري السياسي. عالجت الدولة كلَّ هذا بالتهدئة، وسعت دائما إلى تجنب سفك الدماء، ربما عدا تلك الفترة التي قال فيها جلالته كلمته الشهيرة [احذروا المنافقين] وسعى فيها النظام لإزالة آخر عوالق خلايا العَمل السياسي، وتثبيت عرش آل سعيد، ومن ثمَّ الانطلاق بشكل كليِّ في العملية التنموية. حسناً مع اختلافاتِنا حول [تصنيف] ما حدث، وحول أخلاقيته ومسألة [مع .. ضد ] نستطيع أن نجمل أن عُمان عاشت عصراً ذهبيا متسامحا، تخللته بعض النكبات الاقتصادية والاجتماعية ولكنه عصرٌ مضى بكل أخطائه ليخرج عُمان كما هي الآن.
&&&
ما الذي حدثَ مؤخرا؟
أخبار عُمان الأخيرة ليست مطمئنة، وكلُّ ذلك يدور حول ولي عهد السلطان. أعني هذه هي النقطة التي تبدو لي الآن، الكل يضع يده على قلبه ويدعي أن مستقبل عُمان في خطر إن لم يتم معرفة السلطان القادم، فمن جهة قدَّم مجموعة من المثقفين العُمانيين عريضةً إلى السلطان قابوس من أجل دستور تعاقدي، ووقع في هذه العريضة مجموعة من النشطاء ومن الكتَّاب، من جهة أخرى كانت مقاربة الدينيين الإصلاحية إنشاء حكم ديني قائم على الإمامة الأباضية، ومبايعة إمامٍ قويٍّ والمضي قدما بهذا المشروع الذي أجهضَ في القرن الفائت، والمقاربات الأخرى، مجملها كانت مقاربات إصلاحية من الداخل، بعض الشخوص بما لديهم من قدره يصنعون مجموعة من البشر ويلقونَهم في معمعة العَمل الحكومي أو الأمني، أو القانوني ويعتقدون أنَّهم يحسنون صنعا للوطن وللمواطنين بهذه الطريقة.
ماذا حدث لاحقاً:
ارتفعت حالة السخط الشعبي كثيرا في عُمان في السنوات الخمس الفائتة، ارتفعت بشكل ملاحظ وملموس ويمكن أن تشعر أن الحكومة قد خذلت الكثيرين، سواء بسبب الغلاء الرهيب الذي أطاحَ بالمواطن العادي، أو بسبب تصرفات بعض المسؤولين الواضحة، التصرفات التي جعلتهم أثرياء أضعاف ما كانوا عليه. جهازٌ إعلامي ضعيف يردد الكلام نفسه، وكلام غير مقنع، وشعب أصبح ساخطاً بما يدور. وها هي بوادر التفكك والأزمة ظاهرة، وحدثت أزمة الأهلة الأولى لكي تكون مؤشراً واضحاً أنَّ الوضع الاجتماعي، وذلك التراضي القابوسي الذي صنعه السلطان قابوس قد بدأ بالتخلخل قليلاً، وُهناك كان على النظام أن يحاول التدخل لتهدئة الأمر، فالسلطان قابوس، وعُمان في النهاية ليست دولة الأباضية فحسب، وإنما دولة الشيعة والسنة وغير ذلك من الذين اختاروا مذاهبهم الدينية.
أحبَّ الدينيون طويلاً تدخلاتهم الدينية في السياسة في عُمان. أحبوا كثيراً تدخلهم في منع المحرمات، مثل الغناء، أو التقييد في بيع الكحول، أو المهرجانات. ويطالب الكتاب الدينيون في الإنترنت علانيةً بشرطة آداب، وبهيئة أمر معروف ونهي عن منكر أسوة بالجارة السعودية، ويطالبون كذلك بالكثير الكثير، يطالب البعض [بتأبيض] المناهج بينما يطالب البعض [بتشييعها] وحتى هذه اللحظة يقوم الشيعة في عُمان بتعليم أبنائهم تعاليم المذهب بعد عودتهم من المدرسة، وتصحيح [الأخطاء] الموجودة في المنهج الذي حاولوا جعلَه عاماً وبعيدا عن مذهب محدد. مع ذلك لا زالَت طائفة كبيرة من البشر تنتمي للمذهب قبل أن تنتمي للوطن.
&&&
ماذا حدث أيضاً؟
لم تكفنا النكبات التي أصابتنا في صميمنا، إلا بنكبة نفسية هائلة، ألا وهي اكتشاف شبكة تجسس إماراتية من كان فيها، بعضُ من اعتقدنا فيهم أنَّهم الحماة الأمناء على مصالح البلاد، فإذا بهم هم من يقعوا في هذا الفخ، وسواء وقعوا مكرهين بابتزاز، أو طامعين في المال أو النساء، فإنَّها مصيبة كبيرة في كلِّ الأحوال، أن يكونَ ضباط في الأمن ومسؤولين ضالعين في عَملية تجسس شاملة تكشف وجه عُمان الداخلي، للجار القلق، وطبعا سيقول أحدهم هم يتجسسون فقط من باب حماية أنفسهم، فماذا لو توفى السلطان، وجاء غيره وطالبَ بإعادة هذه الأراضي إلى عُمان التاريخية، المسألة ليست مسألة تفاهم وإنما مسألة حماية أوطان. حسناً ربما يريد البعض من ذوي النية الحسنة أن يتوصل إلى هذا الوهم، ولكن في نهاية المطاف حصلت خيانة كبيرة، ومن قبل من، من قبل هؤلاء الذين اعتقدنا أنهم حماتنا، والذين وضع فيهم السلطان ثقته لإيصال حال الناس، وحال المجتمع إليه. أداته الرئيسية في الحكم، أداة المعلومة، وإذا ببعض التفاحات الفاسدة فيها، وها نحن اليوم في ورطة أخرى.
ماذا أيضا:
بعيدا عن كل هذه المعمعة الاجتماعية، أعتقد أن أكبر التحديات الجادة التي تواجهنا كمجتمع هو التحدي الذي وقعَ في إساره بعض الدينيين مؤخرا، التحدي الذي يتعلق برفضهم توحيد الأهلة في شهر الحد، وفي شهر الوقفة.
لا توجد أخبارٌ مؤكدة حتى هذه اللحظة، فالتقية الإباضية التي حافظت على بقاء هذا المذهب لألف سنة أو أكثر، تعمله عملها السحري، عدد كبير من المطاوعة رفضوا الصلاة وتبادلوا بين بعضهم البعض رسائل نصية تفيد بما يلي [سوف نصوم يوم تاسع الذي نراه ونصلي العيد في عاشرنا] وهذا مما فتحَ باباً من أبواب الجحيم مرة أخرى بين الدولة والمجتمع، الدولة في النهاية لديها مشاكل عديدة مع المذاهب، وفي المرة الأخيرة عندما اختلف التوقيت حصلت مشاكل من قبل السنة، وهذه المرة عندما اتفق التوقيت حصلت مشاكل مع الإباضية.
الأدهى والأمر
تقول أخبارٌ غير مؤكدة أن سماحة المفتي العام للسلطنة [بدرجة وزير] قد قدَّم استقالته. وهُنا أعتقد أن التحدي قد أخذ مأخذا آخر بالنسبة للدولة، بالنسبة للمطاوعة بغض النظر عن مذاهبهم طموحاتهم الدائمة في إنشاء الدولة الدينية، الدولة الطالبانية لا تزال قائمة، وستظل قائمة، وسيظل هُناك دائما من سيريد إيقاف الأغاني، وإغلاق الحانات للأبد. الورطة ـ في رأيي ــ التي وقعت فيها الدولة أنها لاقت ما لاقاها مجير أمِّ عامر، في بداية العهد ومع وجود الشيوعية من جهة، وبقايا الإماميين من جهة لجأ السلطان قابوس إلى الخطاب الديني لمكافحة الملاحدة الشيوعيين، ومن ثمَّ بدأ رسالته الإصلاحية بالظهور، وظهرت معالم عُمان الحديثة بعض الشيء، مما أعطى للسلطان قابوس مساحةً من القَبول الداخلي والخارجي.
اليوم عندما وقفت الدولة أمام مشكلات المجتمع الدولي بشكل واضح، وقفت في مسألة التدخلات الأمريكية في مسائل المناهج، ومسائل الشهادة والشهداء، وتغيير مناهج الثقافة الإسلامية، ودخولِها في قانون الحرب على الإرهاب، كانت نكسة كبيرة للمطاوعة المشحونين بتحرير فلسطين والموت شهداء من أجل الإسلام، هذه النكسة تحولت إلى تيارٍ كبير موجود بيننا يجيد إخفاء نفسه جيدا، ويريد أن يصل إلى حالة التمكن الكلي ليغير فيها كل شيء.
كلُ الأشياء في يديك أيها السلطان:
أعتقد أن أكبر التحديات التي تعيشها عُمان في هذه اللحظة، هو التحدي الذي سوف نعيشه ذات يوم عندما يسترد الله وديعته من عند السلطان قابوس. الجَميع الآن يضعُ في اعتباره تهيئة مركز قوة حاضر، لكي يفعَّل عندما تسوء الأمور، وبينما النظام يصنع الآن رجالاً كثاراً لحفظِه، والأجهزة الأمنية والعسكرية تحاصر كل شيء وتحميه من أجل مجيء السلطان الجديد، فإنَّ المجتمع لا يزال ضائعا، لا زلنا ضائعين لا نعرف ماذا سيحدث لنا بعد وفاة السلطان قابوس، وهذا الرجل العظيم الذي يحتفل غدا بعيده السبعين، يمثّل لجميع العُمانيين الأب الذي رزقت به عُمان، ويمثل الصانع أو المهندس الذي حافظَ على بعض منجزات عُمان التاريخية، وحفظ السلطنة في عائلته، وواصل مشوار البذل والجهد دون أن يكون باطشاً أو قاتلا أو ديكتاتوراً، بل كان حاكماً فرداً ممتازا بالمقاييس العالمية.
هل يمكنني هذه المرة أن أعترف لكم؟ لست متفائلا إطلاقا لما ستؤول إليه الأمور، فلو كان خبر استقالة الشيخ أحمد الخليلي صحيحاً، فإنَّ هذه ضربة في صميم الوحدة الوطنية التي راعاها الكل والتي قدم الجميع تنازلات باهظة، لو كان فعلا الشيخ أحمد قرر الخروج عن الحكومة في هذه اللحظة، وقرر تحدي أوامر السلطان في هذا الوقت بالتحديد فالأمر لا يبدو حسن النية، وإنما ثمة تهيئة لأشياء أخطر، وأكبر وأكثر ضررا نسأل الله ألا يصيب عُمان شيء منها.
&&&
يجب أن ندرك أن كلنا نخاف على عُمان، وكلنا نشعر بالانتماء لهذا الوطن، وكلنا نريد له الخير، ولكن يجب علينا أن نقف تلك اللحظة وندرك أننا عُمانيون قبل أي انتماء آخر، عُمانيون قبل أن نكون سنة أو شيعة أو إباضية، أو بلوشاً، أو عجماً، أو فرساً، أو هناويةً أو غافريةً، نحن عُمانيون قبل أن نكون بشراً حتى. والانتماء لوطن له ضرائب باهظة، ويجعلك تتقبل كل من فيه، هل المطاوعة سعداء بما يحدث في عُمان من أغاني واحتفالات؟ لا طبعا ليسوا سعداء، ولكنهم يدركون أنّهم ليسوا وحدهم في عُمان، وإن كانوا سخطوا على الدولة الآن، فهي التي ظلت تبني لهم الجوامع وتعطيهم النقود من أجل حملات التجنيد التطوعي العامَّة التي راجت في عُمان في التسعينيات.
&&&
بصدق أتمنى فعلا أن تكون الأخبار غير صحيحة، أتمنى فعلاً أن اعتقال الداعية العيسري غير صحيح، وكنت أتمنى من العيسري أن يؤجل مقالَه المستفز عن الهلال المقتول، وليتذكر أن عُمان ليست للأباضية فحسب، وإنما هي دولة غير مذهبية تحاول الآن فتح نفسها على العالم والتغير من مصادر النفط الناضبة، إلى مصادر السياحة، والسياحة تحتاج إلى انفتاح، وتحتاج إلى أجواء ليبرالية لتسويق الهوية السياحية للبلاد، ولن تنجح هذه المشاريع ما دام أهل الحرام، والحرام، والحرام، والحرام، والمكروه موجودين، فالدولة الآن تُعاني من خيارها الذي صنعته بيدها والحل هو اللجوء للقوَّة الناعمة كالعادة، قبل اللجوء للقوة الغاشمة كما حدثَ في تنظيم 2003.
&&&
الأشياء آخذة في التفكك تدريجيا. عدد الباحثين عن عمل في ازدياد، أوضاع الدولة أقل ما نقول عنها أنها [ملخبطة] فليس من بعيد أقيل وزيران من مناصبها، وقشعت عمارة أحدهما على الشارع العام، ليعودا بعد ذلك رؤساء مجلس إدارة شركات تملكها الحكومة.
لن يعترف المطاوعة أبدا بطموحاتهم الطالبانية بوجود النظام الحالي، وسقوط النظام الحالي سيكون الباب الذي تفتح به كل آفات الأرض للدخول لعُمان، يبدو لي أن السلطان قابوس الآن هو الغدة المناعية التي تحكم جسد عُمان، الغدة الليمفاوية التي إن سقطت فسوف تسقط صحة الجسد كاملة، وها هي الأشياء قد بدأت تنخر جسد هذه البلاد الآمنة، هاهم بعض أبناء عُمان يقررون عنوة الانتماء للمذهب قبل الوطن، وها هم اليوم يشقون وحدة الصف، ومن المؤسف فعلا أن يخرجَ هذا من التيار الأباضي الذي يعرف جيدا كم تساهلت الدولة مع متطلباته، وكم سمحت له، وكم أعطته من مساحة أزعجت الآخرين، رغم ذلك ها هم اليوم ينسفون كل شيء من أجل هلال اغتيل في مكانٍ ما، هلالٍ واجبه أن يحفظَ العلاقة الآمنة بين الجَميع لا أن يكون سببا للتفرقة.
&&&
على أهل الدين أن يتقبلوا هذا المصير، هم الذين سمحوا للسياسة بالتوغل في مكانهم، هم الذين سمحوا لمنصب المفتي أن يكون بالتعيين من قبل السلطان، وهم الذين سمحوا للدولة بالتدخل، فهم الذين تنازلوا عن الدين كاملة من أجل القوة، ومن أجل وهم الحفاظ على المذهب من هجمات الطحان، وجماعة الوهابية، حسنا ها هي عُمان اليوم تتجه إلى أن تكون دولة ليبرالية أكثر مما هي دولة محافظة، وها هم المطاوعة يغضبون من جمعية هواة العود، ومن مهرجان مسقط، ومن الأغاني والحانات، واليوم وصلَ بهم الحال لاتخاذ موقف غير وطني إطلاقاً بسبب قضية الهلال، القضية التي لم نعرف حتى الآن إن كانت الحسابات الفلكية ستكون حلا ناجعاً، أم ببساطة التبعية المذهبية من قبل البعض؟ بصدق الوضع مؤسف ومحزن ومثير للغيظ والإحباط والأسى والغضب.
&&&
كمواطنين عاديين قد تبدو هذه الخلافات الكبيرة بعيدة وعصية على الفهم. نعم تبدو ذلك، ولكنها مؤلمة فعلاً، كما هو مؤلم قيام بعض السنة في العام الماضي بمحاولة إقامة صلاة العيد في غير وقتها، وتسربت ورقة من مكتب الوالي تحمل أوامر السلطان [بنصح هؤلاء في البداية ومنعهم من إقامة الصلاة]. المسألة ليست في أن السنة والأباضية أو الشيعة اختلفوا، ولكن المسألة في الدولة، في الحكومة، والحكومة التي كانت توزع الذهب على الجميع لم تعد تستطيع ذلك، وهذا ما جعل البعض يغضب ويرفع صوته، الحكومة التي كان الجميع راضياً عنها ذهبت لمكان ما، شاخت وكبرت في السن، وها هم اليوم الأبناء يتصارعون فيما بينهم، بين وزراء حتى هذه اللحظة يريدون مرور العيد الأربعين بسلام، ويريدون إقناع السلطان أن حال المواطن العُماني بخير وعافية، وبين مجتمع لديه مطالبات، يحب السلطان ولكنه بدأ يتساءل إن كانت أحلامَه ستتحقق، وبين فئات فكرية في المجتمع تنتظر اللحظة الحاسمة لكي تقول بعلانية ووضوح أنَّها تريد نصيبا من القوة لها، ولم يعد يكفيها المال الذي يغدق عليها.
&&&
نعم الأحوال لا تزال بخير، ولكنها لن تكون كذلك للأبد، ولن تكون بدون قراءة وإعادة نظر لما يمكن أن أسميه [علاقة الحكومة بفئات المجتمع الفكرية] فالوقت الآن وقت وضوح، ولم يعد من الممكن التعامل بالطريقة القديمة. أعتقدُ فعلا أن سبب كل هذا هو القلق على عُمان بعد السلطان قابوس، وأعتقد فعلاً أن القلق هذا لن يزول إلا بمعرفة من هو الحاكم بعد السلطان قابوس، ومعرفة هذا الحاكم تستدعي تغيير النظام الأساسي للدولة، أو تستدعي اجتماع العائلة الحاكمة في حياة السلطان، وتسمية السلطان القادم، وتسليمه مهام ولي العهد، وإراحة كل العُمانيين، كلَّهم، سنة وشيعة وإباضية وبلوش وعجم وفرس وهناوية وغافرية ومجنسين، إراحة كل هؤلاء بأن يعرفوا مصيرهم القادم، وقائدهم القادم.
&&&
الذين التزموا بعُمان:
لا أعرف إن كان يمكنني أن أصدق هؤلاء التجار؟ هل يمكنني أن أصدق أصحاب الملايين؟ هل يمكنني أن أثق أن هؤلاء سيفعلون ما بوسعهم لو أحاق بعُمان السوء؟ هل سنرى هؤلاء يحمون الوطن وينفقون عليه؟ أم سيهربون بملايينهم للخارج ويقولون: دعوا السفينة الغارقة تغرق.
الذي يلتزم بعُمان هو الذي ينتمي إليها ويعرف أنه وإن فارقها فهو مفارقها كي يعود إليها، هؤلاء هم نحن، نحن وأخوتنا وآباؤنا وأمهاتنا وأخواتنا الصغيرات، وأبناؤنا الذين يحبون أو يبكون عندما تصيبهم المحميقا، هؤلاء هم الذين يلتزمون بعُمان، لأنّم وإن لم يعنهم ما يحدث في معمعات الدين والسياسة، فهم مرتبطون بهذه الأرض، وباقون فيها، ولا يمكن أن يحدث أي شيء للتنازل عن أرضهم التاريخية التي امتلكوها وصنعوها بعرقهم وعزمهم.
آن الأوان أن نعرف أكثر، وآن الأوان أن نبدأ بمعرفة ما نريد، وآن الأوان أن ننتبه إلى أهمية مفهوم المشاركة في الشؤون العامَّة [تسمية الدلع للديموقراطية في عُمان] وضرورة البدء في مفاهيم عمل وطني عام، وإعادة النظر في مفاهيم الولاء والانتماء، فالطريقة السابقة بدأت تثبت أنها غير ناجحة، والطريقة السابقة جعلت خبر استقالة الشيخ أحمد الخليلي حديث العصر، والطريقة السابقة أيضا لن تطولَ فهي باقية ببقاء السلطان قابوس فقط، ولا يعلم أحد إلا الله ماذا تخفي الأيام لعُمان، ولنا مع هذه البلاد التي أحببناها وانتمينا إليها. لست مع أو ضد المطاوعة، ولست مع أو ضد الحكومة، وإنما مع التسامح والتفاهم، وإن كانت الدولة قد بدأت أدواتِها بأن تشيخ، فعلى المجتمع أن يصنع أدوات جديدة ليحفظ استقراره، إن نسيت الدولة ــ في خضم فرحتها بالعيد الأربعين ــ فعل ذلك.
ودمتم في حبِّ عُمان ..
المصدر : مدونة معاوية الرواحي
¨°o.O ( على كف القدر نمشي ولا ندري عن المكتوب ) O.o°¨
---
أتمنى لكم إقامة طيبة في الساحة العمانية
---
أتمنى لكم إقامة طيبة في الساحة العمانية
وأدعوكم للإستفادة بمقالات متقدمة في مجال التقنية والأمن الإلكتروني
رابط مباشر للمقالات هنا. ومن لديه الرغبة بتعلم البرمجة بلغات مختلفة أعرض لكم بعض
المشاريع التي برمجتها مفتوحة المصدر ومجانا للجميع من هنا. تجدون أيضا بعض البرامج المجانية التي قمت بتطويرها بذات الموقع ..
والكثير من أسرار التقنية في عالمي الثاني Eagle Eye Digital Solutions
رابط مباشر للمقالات هنا. ومن لديه الرغبة بتعلم البرمجة بلغات مختلفة أعرض لكم بعض
المشاريع التي برمجتها مفتوحة المصدر ومجانا للجميع من هنا. تجدون أيضا بعض البرامج المجانية التي قمت بتطويرها بذات الموقع ..
والكثير من أسرار التقنية في عالمي الثاني Eagle Eye Digital Solutions