بداية سطر
وداعا يا عمّ علي، كلّ من على الأرض فان
وكأنه كان يشعر بدنو أجله، ابتسامته لا تفارق محياه، وطيبة قلبه عنوان وجهه حين تلقاه، ودماثة خلقه تجعلك لا تفارق مكانه ومأواه، معاق دون أرجل ولكن كان ذلك بالنسبة اليه شيئا هيّنا، فكان يمشي بين الناس بقلبه لا برجليه، ولا يقلق من القعود في كرسي المعاقين. إنّه كان حقّا ذا هيبة وعلو شأن، لا يفارق صلاة الجماعة بجامع التوبة الذي احتواه منذ الصغر.
في هذه السّنة قرّر العم علي حجّ بيت الله الحرام، فأخذ يودّع الأهل والأحباب، ويزور أصحابه الذّين تعرّف عليهم في المسجد يلتمس منهم العفو، كدأبه في المناسبات الدّينيّة وغيرها، غير أنّ طريقته في هذه المرّة كانت مختلفة. ودعهم والدمع يترقرق من بين وجنتيه، فشغف الوداع بان على محياه وكأنه أدرك أنّه ذاهب بلا عودة، فكان وداعه لبعضهم أكثر من مرة زيارة الى منازلهم ولا يكتفي بل أخذ يتواصل معهم هاتفيا طالبا منهم الصفح والعفو عما بدر منه وما بدر منه سوى الخير والابتسامة.
لم تثنه الإعاقة وهو بأرجل اصطناعية أن يذهب الى الحج معيّة رفيقة دربه وأبناءه الذين أصرّ على اصطحابهم في هذه الرحلة المقدسة لأداء الركن الخامس. كان قد كتب وصية حملت معاني القيم والسلام، والحب والتعاون جلّها من وصايا رسولنا الأعظم. التزم كرسيه المعتاد في هذه الرّحلة إلى أن وصل إلى الأماكن المقدسة بمكة المكرمة وقام بما قام به الحجيج من طواف وغيره من أركان الحج. لكن، دونما مقدمات تذكر وفي ذلك المكان الطاهر، وهو ينوي الطواف حينها اختاره الله تعالى ونقله إلى جواره بطهارة جسم وقلب. فأي اختيار ذاك وأي قبض لروح ذاك وأي مكان قبض فيه الروح ذاك، إنّه ذهب ليموت هنالك وكانه على موعد مع الموت في ذلك المكان المقدس وفي صبيحة عيد الاضحى المبارك كان ذلك الموت.
تلقيت خبر وفاة العم علي فأحسّست بصدمة كبيرة، فتساءلت إن كان الخبر صحيحا أو مجرّد إشاعة، إلى أن تأكّدت من صحّته، إذ بعد الوفاة تمّ دفنه هنالك، فصلوا أهل جامع التوبة عليه صلاة الغائب، وحصل مثل ذلك في مسقط رأسه.
يا لها من لحظة صعبة تعلّقت بذاكرتي فلا أنساها! وهو موقف شديد .. لكنني تصبرت وذكرت الله فقلت: إنّا لله وإنّا إليه راجعون! تجلدت وقرّرت إلغاء كلّ الأمور التي كنت عازما على القيام بها في هذا اليوم الذي تلقّيت فيه الخبر. فحزنت على العم علي حزنا شديدا، ولم أتمالك نفسي فذرفت دموع الحزن على فراقه دون توديع، بعد أن كان عقب كلّ صلاة، يدعونا إلى الحديث معه، فلا نملّ ولا نكلّ ممّا نتلقّى منه من النّصائح المخلصة، وكنّا نزداد له حبّا يوما بعد يوم، فما أوسع قلبه وما أكبر همته. وداعا يا عمّ علي، إنّا لله وإنا إليه راجعون.
خلفان بن محمد المبسلي
جريدة الوطن
وداعا يا عمّ علي، كلّ من على الأرض فان
وكأنه كان يشعر بدنو أجله، ابتسامته لا تفارق محياه، وطيبة قلبه عنوان وجهه حين تلقاه، ودماثة خلقه تجعلك لا تفارق مكانه ومأواه، معاق دون أرجل ولكن كان ذلك بالنسبة اليه شيئا هيّنا، فكان يمشي بين الناس بقلبه لا برجليه، ولا يقلق من القعود في كرسي المعاقين. إنّه كان حقّا ذا هيبة وعلو شأن، لا يفارق صلاة الجماعة بجامع التوبة الذي احتواه منذ الصغر.
في هذه السّنة قرّر العم علي حجّ بيت الله الحرام، فأخذ يودّع الأهل والأحباب، ويزور أصحابه الذّين تعرّف عليهم في المسجد يلتمس منهم العفو، كدأبه في المناسبات الدّينيّة وغيرها، غير أنّ طريقته في هذه المرّة كانت مختلفة. ودعهم والدمع يترقرق من بين وجنتيه، فشغف الوداع بان على محياه وكأنه أدرك أنّه ذاهب بلا عودة، فكان وداعه لبعضهم أكثر من مرة زيارة الى منازلهم ولا يكتفي بل أخذ يتواصل معهم هاتفيا طالبا منهم الصفح والعفو عما بدر منه وما بدر منه سوى الخير والابتسامة.
لم تثنه الإعاقة وهو بأرجل اصطناعية أن يذهب الى الحج معيّة رفيقة دربه وأبناءه الذين أصرّ على اصطحابهم في هذه الرحلة المقدسة لأداء الركن الخامس. كان قد كتب وصية حملت معاني القيم والسلام، والحب والتعاون جلّها من وصايا رسولنا الأعظم. التزم كرسيه المعتاد في هذه الرّحلة إلى أن وصل إلى الأماكن المقدسة بمكة المكرمة وقام بما قام به الحجيج من طواف وغيره من أركان الحج. لكن، دونما مقدمات تذكر وفي ذلك المكان الطاهر، وهو ينوي الطواف حينها اختاره الله تعالى ونقله إلى جواره بطهارة جسم وقلب. فأي اختيار ذاك وأي قبض لروح ذاك وأي مكان قبض فيه الروح ذاك، إنّه ذهب ليموت هنالك وكانه على موعد مع الموت في ذلك المكان المقدس وفي صبيحة عيد الاضحى المبارك كان ذلك الموت.
تلقيت خبر وفاة العم علي فأحسّست بصدمة كبيرة، فتساءلت إن كان الخبر صحيحا أو مجرّد إشاعة، إلى أن تأكّدت من صحّته، إذ بعد الوفاة تمّ دفنه هنالك، فصلوا أهل جامع التوبة عليه صلاة الغائب، وحصل مثل ذلك في مسقط رأسه.
يا لها من لحظة صعبة تعلّقت بذاكرتي فلا أنساها! وهو موقف شديد .. لكنني تصبرت وذكرت الله فقلت: إنّا لله وإنّا إليه راجعون! تجلدت وقرّرت إلغاء كلّ الأمور التي كنت عازما على القيام بها في هذا اليوم الذي تلقّيت فيه الخبر. فحزنت على العم علي حزنا شديدا، ولم أتمالك نفسي فذرفت دموع الحزن على فراقه دون توديع، بعد أن كان عقب كلّ صلاة، يدعونا إلى الحديث معه، فلا نملّ ولا نكلّ ممّا نتلقّى منه من النّصائح المخلصة، وكنّا نزداد له حبّا يوما بعد يوم، فما أوسع قلبه وما أكبر همته. وداعا يا عمّ علي، إنّا لله وإنا إليه راجعون.
خلفان بن محمد المبسلي
جريدة الوطن