قال لي أحدهم وهو من المُقربين مني :
- لماذا تستسهل الصداقات ..؟! لمَ لا تكون قريبٌ منها .؟! أليس من الواجب ان تكون قريبٌ منها .؟!
قلت راداً على عباراته المدهشة :
- كيف لي أن استجديها ..؟؟ فقال كالمقتضب .. الهث وراءها .. فلا تطلب المستحيل .. فالمرأة كالشجرة الوارفة يتناثر حولها الرجال ولو كانت في صحراء قاحلة .
- قلت .. ليست لي مسافة شاسعة من العواطف لغيرها .؟
فرد باهتاً :
- إذنْ يتعيّن علينا أن نقطع مسافات من العُمر .. كي نتفيّأْ بحب صديقة أو إمرأة ترنو من مساحة قلوبنا ..؟ ! وعليها أن تكون هي البادئة . وإلاّ فلا .؟!
قلت وإنا حزين :
- النظرةِ والصُدفة ، إن اجتمعا معاً صارتا حُب. ! وبينهما العاطفة .. ثم الرغبة .. وثالثة الأثافي القناعة .. هي المصدر الحقيقي وعلى حوافّها المستحيل ، إذا ما تجاذبا في أمر مُدهش بدأه أحدهما وتقبّله الآخر، فلا يُمكن لأحدهما مكانة دون الآخر .. وإن حدث غير ذلك فأنت حتماً حزيناً .. !! قد لا يكون الحزن بادٍ على تقاسيم وجهكَ ، بل أن قلبكَ يأكلك .. كالنار تماماً .. ماذا تفعل في الحطب .. أجبني ماذا تفعل .؟!
- تأكله حتى يستوي رماد ..!!
فقال لي :
- وما عدا ذلك ..؟!
فقلت بحزن وأنا أتنفس الصعداء .!
- ما عدا ذلك يا سيدي لا يستحق ذاك الحب .. ؟! فقد نصادق من نصادق ولن نظفر بالحب الجميل وقد نضطر أن نفتعل الحب إخلاصاً للعاطفة الجديدة . لكنها تبقى عاطفة مغبونة .. نحبهم من اجل الحياة .. نُحبّهم من اجل الاستمرارية والمزاج .. كثيرٌ منا من يقول ، نحبهم من أجل السماء .. لكن هذا كذبٌ ، غير صحيح .. فنحن نحبهم من أجل بقائنا .. فصداقتنا لا تُوحي إلى حب جميل .؟
فردّ عليّ بلهجةٍ مصريّة دارجة :
- إبجى كما انت أخرب بيتك بيدك .. وموقفك دهْ ما رحش يجيب فايده ..! بتبجى أنت كما أنت ما تتغيّرش ..!!
- لكني لا استطيع يا أستاذ ..!؟ فالحب الجميل هو الذي يكون بدايته جميلة .. فكرٌ وثقافة ومعرفة وحواس ثم عاطفة وحياة واكتمال .. وعندها تكون الجاهزية .. تلك الجاهزية هي الخطوة الأولى للانطلاقة الصحيحة , أفهمت .. فجأة .. لم أرى احدٌ أمامي .. ربما ، ذهب .. انتظرتُ في مساء آخر .. انتظار العطشان إلى ماء يروي ظمؤه .. وها هو مُقبلٌ نحوي .
- ألا زلتُ تنظر إلى الحب ، كإحماءات أولى .. أتريد من الفتاة أن تقول لك كل شيء .. عجيبٌ أمرك .. بل هو غباءٌ لا جميل فيه ، مع الاعتذار لشخصك .؟!!
فأجبته :
- ليس كذلك .. لكني أقول أنه سوف تبقى إحماءات صداقتنا الأولى كعشق راسخ ، نتذكر أيامنا الخوالي كأنها جزء منا .. تُخاطبنا ونتحدث إليها وحدها دون غيرها ، دون أن تفهم أنه لزاماً علينا أن نسكت صرخاتنا في دواتنا ، ونحاول قدر ما أمكن دلك أن نُلزمها بشيء من الوضوح ..!؟
فجأة وجدتني ، أحزم حقائبي وأمتعتي وأرحل إلى جغرافيا أُخرى ، أبحث فيها عن حُب جديد .. وأُفتش عن إمرأة جديدة بنفس ذات المواصفات الأولى .. فهل من جديد ..!! تلك المرأة التي أستطيع أن أدنو برأسي إلى رأسها وأهمس في اُدنيها .. في أُمور لا يستطيع الرجال أن يتحدثوا إليها .. أتكلم بكل ما في وُسعي .. فلا يفهمها غيري .. أذوب بل وأنصهر في حيواتها بأفكار عجيبة لا تعرفها إلا نسوة قليلة ..بفضل خبرتهن لتدخل في عالم الرجل بأمان .. فلا تدع أحد أن يُشاركها بفكرها ولا تريد أن تعرف الأخرى عنها ما تريد ..!! فهل يُمكن أن أجد لي من ترضى بأن تكون صديقة مثالية .. لتحل محل الأخرى الغائبة عن حياتي ..!!!