لا يمكننا أن نستمر هكذا - جديد عبدالله المهيري

    • لا يمكننا أن نستمر هكذا - جديد عبدالله المهيري

      موضوع تخطيط المدن يشغل بالي منذ وقت طويل، لعل بقائي في مدينة بون الألمانية لشهر كان أول دافع للتفكير في المدن، فقد كنت أمشي مع أختي من الشقة إلى محطة المترو تحت الأرض ثم في المحطة التالية نمشي إلى المستشفى حيث كانت أمي ترقد هناك بعد عملية، ثم نعود في نفس الطريق، لنشتري ما نريد علينا المشي إلى متجر قريب، إذا أردنا التسوق في سوق المدينة علينا استخدام المترو ثم المشي في السوق حيث لا تدخل السيارات هناك ثم العودة مشياً وبالمترو، كان شهر المشي.

      في أبوظبي علي استخدام السيارة لإنجاز كل شيء تقريباً مع استثناء البقالة القريبة من منزلنا، إذا أردت إنجاز أي معاملة حكومية علي استخدام السيارة والمؤسسات الحكومية متفرقة في أبوظبي واحدة في أقصى الشمال وأخرى في أقصى الجنوب وأبوظبي تزداد ازدحاماً كل عام وهذا أمر نلاحظه كلنا، إذا أردت التسوق علي الذهاب بالسيارة وفي مركز التسوق السلالم متحركة وبالتالي لا داعي لممارسة أي جهد في تحريك العضلات، إذا أردت الذهاب إلى الحلاق علي استخدام السيارة، كذلك الأمر مع كل شيء تقريباً، مقابل شهر المشي في بون قضيت سنوات من عمري جالساً في السيارة.

      أيهما مدينة صحية أكثر؟ بون أم أبوظبي؟ مجرد سؤال صغير.

      ما يحدث الآن في أبوظبي هو خروج عدد كبير من السكان إلى الضواحي خارج أبوظبي وللعمل وللتسوق عليهم الذهاب إلى داخل المدينة وهذا يعني مزيداً من استخدام السيارات، بالطبع هناك محلات تظهر ومراكز تسوق في تلك المناطق وربما قريباً كثير من المؤسسات الحكومية تفتتح فروعاً لها هناك لكن هذا لن يلغي حقيقة أن على الناس استخدام سياراتهم لكل شيء تقريباً.

      ولنلقي نظرة على سياراتنا، كثير منها من نوع SUV وهذه الحروف هي اختصار Sport Utility Vehicle لكنني شخصياً أحب أن أتخيل بأنها اختصار Stupid Useless Vehicle، هي سيارات دفع رباعية عالية يفضلها كثير من الناس لكنها تستهلك الوقود أكثر من السيارات العادية وهي ثقيلة الوزن وكثير منها ليست سيارات دفع رباعية حقيقية - بمعنى آخر لا يمكنها الخوض في طرق وعرة - وأكثرها لن يستخدم أبداً للخوض في طرق وعرة، لكن شركات السيارات أبدعت في تسويق هذه السيارات وإقناع الناس بشرائها لأن الربح العائد من هذه السيارات أكبر من أرباح السيارات التقليدية.

      بالطبع لا يملك الكل مثل هذه السيارات لكن يمكن ملاحظة تفضيل الناس لهذا النوع من السيارات، أصبح رينج روفر كسيارات الأجرة مع أنه سيارة فاخرة لكن تعودت على رؤيته كل يوم مرات كثيرة في الطرق.

      لا يقتصر الأمر على السيارات بل يشمل أيضاً المنازل واستهلاكنا لكل شيء، أسلوب حياتنا بأكمله يحتاج لإعادة مراجعة لأننا لن نتمكن من العيش بهذا الأسلوب في المستقبل، لا أدري متى سيأتي هذا المستقبل لكنني متأكد أنه لن يأتي فجأة بل بالتدريج وكثير من الناس سيحاولون إنكار حدوث تغيير جذري في حياتهم لكي يستمروا على النمط المعتاد لحياتهم ثم سيصلون إلى نقطة لا يمكنهم فيها إنكار التغيير.

      أنظر لموضوع المدينة هذا واربطه بمواضيع مختلفة كالتعليم، الطرق، البيئة، السيارات، الاقتصاد، الحياة الاجتماعية وأخيراً السياسة.

      نحن ببساطة نعيش نمط حياة لا يمكننا أن نستمر عليه لأسباب اقتصادية وبيئية واجتماعية ولتغيير ذلك نحن بحاجة لقرار جماعي يقوده وعي سياسي وهو ما لا يحدث حالياً في كثير من البلدان من بينها بالطبع البلاد العربية.

      نحن بحاجة للعودة إلى نمط حياة قديم قبل النفط وربطه بنمط حياة جديد لا يعتمد على النفط أو على الأقل لا يعتمد عليه إلا بنسبة قليلة، نحن بحاجة لمدن ذات كثافة سكانية أعلى تخطط بشكل يجعل الناس أصحاء أكثر مترابطين أكثر وينتجون أكثر، ينتجون طعامهم الذي يستهلكونه، يقدمون خدماتهم التي يحتاجونها، يصنعون الأشياء التي يحتاجونها، يوفرون فرص عمل للسكان المحليين بدلاً من توفيرها للوافدين من دول العالم، مدن تجعل الناس يمشون إلى أعمالهم وإلى الأسواق، ويستخدمون المواصلات العامة أو الدراجات الهوائية بدلاً من استخدام السيارات.

      هذا الكلام يتفق عليه خبراء حول العالم، خبراء وعلماء في البيئة، تخطيط المدن، الطاقة، الاقتصاد والسياسة، كثير من هؤلاء ينظرون في المستقبل ويجدونه مستقبلاً مظلماً وتتفاوت نظراتهم بين المتشائم والأكثر تشاؤماً! لكنهم أيضاً يتفقون أن الأزمات تدفع الناس لوضع حلول مبتكرة وعملية وهذه الأفكار قد تعالج مشاكلنا بالتدريج ... لكن لم لا نبدأ من الآن قبل أن نضطر لذلك في المستقبل؟

      هذا كلام كتبت عنه قبل سنتين في مدونة "اصنع دولتك بنفسك" وأعيده هنا بصيغة أخرى، ما أريده أن يعي كل من يقرأ هذا الموضوع أن يدرك بأن نمط حياتنا المعتمد على النفط واستهلاكه وعلى المدن وضواحيها والسيارات والطرق الواسعة، هذا النمط لا يمكن أن يستمر، إما أن نتغير أو سنجبر على التغيير عاجلاً أو آجلاً.

      بعد الإدراك يأتي العمل، باختصار: بسط حياتك، قلل استهلاكك وإن استطعت أن تنتج طعامك فافعل.




      المصدر : مدونة عبدالله المهيري


      ¨°o.O ( على كف القدر نمشي ولا ندري عن المكتوب ) O.o°¨
      ---
      أتمنى لكم إقامة طيبة في الساحة العمانية

      وأدعوكم للإستفادة بمقالات متقدمة في مجال التقنية والأمن الإلكتروني
      رابط مباشر للمقالات هنا. ومن لديه الرغبة بتعلم البرمجة بلغات مختلفة أعرض لكم بعض
      المشاريع التي برمجتها مفتوحة المصدر ومجانا للجميع من هنا. تجدون أيضا بعض البرامج المجانية التي قمت بتطويرها بذات الموقع ..
      والكثير من أسرار التقنية في عالمي الثاني
      Eagle Eye Digital Solutions