نصيحة هنري ميللر : اقرأ أقل ما يمكن ..! - جديد ليلى البلوشي

    • نصيحة هنري ميللر : اقرأ أقل ما يمكن ..! - جديد ليلى البلوشي




      نصيحة هنري ميللر : اقرأ أقل ما يمكن ..!

      " لقد لاحظت مؤخراً أنَّ الشبّان يتحولون أكثر فأكثر إلى الكتب الميتافيزيقية ، والغامضة والصوفية بالإضافة إلى الإباحية والبذيئة ، في هذا الكتاب أعتقد أنهم سيجدون أجوبة وإشارات سوف توجههم إلى ذلك النوع من الأدب المفيد والدائم.."

      هذه ملحوظة من ضمن الملحوظات التي صدرها " هنري ميللر " في مقدمة كتابه المسمى بـ ( الكتب في حياتي ) هذا الكتاب لم يصدر للعربية بعد ، لكن المترجم العاشق لأدب هنري ميللر " أسامة المنزلجي " اقتطع أجزاء منه وقدمها بلغة عربية رائقة ..

      في هذه السطور يسرد هنري ميللر عن الكتب التي قرأها ، وكتب تاق في الحصول عليها ، فحينما كان شابا في الثامنة عشر رغب في الحصول على كتاب " اعترافات رجل أحمق " لسترينبرغ ؛ لكنه كان أمرا مستحيلا ؛ لأنها وعلى وفق مسار عقول تلك السنوات التي عاشها وقتئذ ، كان هذا الكتاب من ضمن الكتب المفسدة للأخلاق ..

      " ما الذي يجعل الكتاب حيا ..؟"
      يهجمنا هنري ميللر بهذا السؤال الملغز .. لكنه لا يسعف أنفاسنا برهة ؛ كي تشتم جوابا في حيز العقل ، فهو ينسل جوابه بثقة : " والجواب في اعتقادي بسيط ، الكتاب يبقى حيا عبر التوصية المحبة التي يقدمها قارئ إلى آخر " ..

      ثم يشهر عن عشقه للكتب ، وأن تلكم الصفحات البيضاء المذيلة بخطوط سوداء هي أحد الأشياء التي يدللها بشر بعمق ، وأن درجة رقي المرء تتضاعف كلما ساهم بكل يسر في مشاطرة الآخرين معه في كتبه ..
      يعترف بهذا دون أن يفوته تقديم تفسيرا نموذجيا للكتب التي تبقى حبيس مكتبة صاحبها :
      " وكتاب يتمدد بتكاسل على رف هو ذخيرة ضائعة سدى .. كالمال ، يجب جعل الكتب في حالة تداول مستمر ، استعر وأعرّ إلى أقصى مدى كتابا ومالا معا ، وعندما تمتلك كتابا ذا عقل وروح تغتني ، ولكن عندما تعطيه لشخص آخر تغتني ثلاث أضعاف " .

      ويقارب هنري ميللر في طرحه هذا الكاتب البرازيلي " باولو كويليو " الذي اعترف مرة أنه لا يحتفظ في مكتبه سوى بأربعمائة كتاب فقط ؛ يحتفظ بها لأسباب وجدانية وبعضها الآخر يعيد قراءتها باستمرار ، أما بقية الكتب التي جمعها وقرأها طوال تلك السنوات وزعها على أصحابه ، ووضع بعضا منها في مكتبة عامة ؛ فهناك يكون للكتاب أكبر فائدة من أن تبقى حبيس مكتبة بيته ..

      لكن النصيحة الأكثر أهمية في هذا الكتاب ، تلك التي يرميها لنا بجسارة مدهشة : " اقرأ أقل ما يمكن ..! " ..
      فيصدم قراؤه بهذه النصيحة المجانية ، التي لا يمكن سوى أن تنم عن جنون ما ليست بغريبة عن عقيلة هذا الرجل ، خصوصا حين يتبع قائلا بعد تلك النصيحة : " أوه ، لا ينتبك الشك في أني حسدت أولئك الذين غرقوا في الكتب ، أنا أيضا ، أود في سري أن أخوض في تلك الكتب كلها التي طالما عبثت بها في عقلي ، لكني أعلم أن هذا ليس هاما ، أنا أعلم الآن أني لم احتج إلى قراءة حتى عشر ما قرأت .."

      هنري ميللر في السطور التالية يدافع بشدة عن نصيحته التي يقّر بأنها لم يلقها عن تهوّر ؛ ولاختبار هذه النصيحة النفيسة يورد عدة أسباب لوجهة نظره :

      · " فعندما تصادف كتابا ترغب في قراءته ، أو تعتقد أنك يجب أن تقرأه ، دعه وشأنه بضعة أيام ، ولكن فكر فيه بأشد ما يمكنك من تركيز ، دع العنوان واسم المؤلف يدوران في عقلك ، فكر ماذا يمكن أن تكتب لو أتيحت لك الفرصة ؟ " ..
      · " اسأل نفسك بجدية إذا كان ضروريا أن تضيف هذا العمل إلى مخزونك من المعرفة أو إلى ذخيرتك من المتعة ، حاول أن تتخيل ماذا يعني لك أن تضيع هذه المتعة أو الفائدة الإضافية ؟ " ..
      · " إذا وجدت أنه لابد أن تقرأ الكتاب ، فانتبه بأي فطنة استثنائية تتعامل معه .. انتبه، أنه مهما كان مثيرا ، فإنه القليل جدا مما يحتويه الكتاب جديد حقا عليك ، وإذا كنت صادقا مع نفسك ، فسوف تكشف أن مكانتك ارتفعت عن مجرد بذل الجهد لمقاومة دوافعك " ..

      ميللر بنصائحه تلك يتوق أن يجعل من القارئ ليس مجرد عينان تلهثان خلف عبارات وكلمات متراصة ، بل يريد أن يخلق منه عقلا ذواقا يتخير ما يرغب به عن جدارة متمكنة ، فالكتب الجديرة بالقراءة تلك التي تتصف بالأصالة سواء في الأسلوب ، أو المحتوى النادر في مخزون الأدب ..
      ويضع أنموذجا لقارئ فذّ يدعى " بليز سيندرار " فهو قارئ عبقري ، بل قرأ لمعظم الكتاب بلغتهم الأم ، وحينما يعشق كاتبا يلتهم كل كتبه حتى آخر كتاب ألفه ، دون أن يسقط من مجال اهتمامه الرسائل والدراسات التي ألفت عن الكاتب نفسه .
      وهو على رأي ميللر ، رجل حيوي ومغامر ومكتشف ، ألف عددا كبيرا من الكتب ، وهو رجل يعرف كيف يبدد وقته بفخامة ، أنه بمعنى ما " يوليوس قيصر الأدب " كما يلقبه ..

      نصيحة هنري ميللر عرضت جانبا مهما في قانون القراءة والقارئ ، ولاشك لكل منا مجموعة من الكتب ، التي وجدنا بعد مرور قسط من الزمن ، أنها لم تحفز فينا شيئا ذال بال ، بينما كتب أخرى ثقبت جانبا مهما في أريحة النفس والعقل ، وثمة كتب كثيرة نحلم في الحصول عليها لا امتلاكها ؛ فالكتاب المسافر الذي يعصر من يد إلى يد ، وتصدأ أوراقه من تقلبات الفصول والأزمنة ، حتى ليبدو وكأنه شيخ وقور ، هو الكتاب التي عرف جيدا كيف يحفر مكانه بحق في ذاكرة وقلب التاريخ ، ولن تشمل قط مقطعا من قصيدة " للويس بورخس " والتي يقول فيها :
      " هناك باب موصد حتى نهاية الأزمنة
      بين كتب مكتبتي
      هناك كتاب لن أفتحه أبدا " ..


      ليلى البلوشي




      المصدر : مدونة ليلى البلوشي


      ¨°o.O ( على كف القدر نمشي ولا ندري عن المكتوب ) O.o°¨
      ---
      أتمنى لكم إقامة طيبة في الساحة العمانية

      وأدعوكم للإستفادة بمقالات متقدمة في مجال التقنية والأمن الإلكتروني
      رابط مباشر للمقالات هنا. ومن لديه الرغبة بتعلم البرمجة بلغات مختلفة أعرض لكم بعض
      المشاريع التي برمجتها مفتوحة المصدر ومجانا للجميع من هنا. تجدون أيضا بعض البرامج المجانية التي قمت بتطويرها بذات الموقع ..
      والكثير من أسرار التقنية في عالمي الثاني
      Eagle Eye Digital Solutions