لي صديق تمتلك عائلته واحدا من أشهر وأقدم مصانع الحلوى العمانية في السلطنة، أتاني ذات يوم وأبدى رغبته في تطوير المصنع. ولكن المشكلة التي كانت تواجهه هي عدم وجود هوية واضحة لمنتجاتهم، فهي تعرف باسم العائلة ولا أكثر من ذلك. فعملنا سوية على صياغة هوية تجارية لذلك المصنع الشهير، وكانت فيها أفكار كثيرة من قبيل "مئة عام ونحن نصنع الحلوى العمانية"، ذلك أن أجداده توارثوا المهنة. قدمنا الكثير من المقترحات على المستوى الاستراتيجي والمستوى التنفيذي. أخذ أفضل الأفكار وذهب بها إلى أبيه وأعمامه، ولكن على غير ما توقع وجد معارضة كبيرة حتى قبل أن يشرح ضرورة التغيير لمواكبة متطلبات السوق. فنظرية والده تقوم على أنهم يعملون بشكل جيد ومربح فلماذا يغامرون في شيء جديد!!
هذه المشكلة هي مشكلة معظم صناعات الأغذية العمانية التقلييدة والحديثة. لهذا السبب ولغيره لم نغزوا العالم بالحلوى العمانية. لماذا لا توجد هوية تجارية أو حتى شعارات أو حملات تسويقية للحلوى العمانية؟ لماذا يجب على المواطن الخليجي أن ينتظر زيارته إلى السلطنة ليتذوق حلوى عمانية عرفت بطعمها المميز؟! لماذا لا تصله إلى بلاده بشكل جميل وبالطعم نفسه؟!
عقد معرض الخليج للأغذية"جلفود" بإمارة دبي الأسبوع الماضي، حيث اكتضت جنبات مركز دبي التجاري العالمي بعارضين من مختلف دول العالم وفي جميع عناصر الانتاج الغذائي، بدءً من خطوط الانتاج وآلات التصنيع وانتهاءً بالتغليف والطباعة. هذا إلى جانب المؤتمر المصاحب للمعرض والذي كان عنوانه لهذا العام "التوجهات العالمية في تصنيع الأغذية والمشروبات". بحثنا طويلا عن جناح السلطنة لنجد شركتين، أحدهما لأشهر بسكويت في السلطنة، ولكن للأسف كانت لافتة قديمة تغطيه وحين كشفنا عنه وجدناه فارغا!!
لماذا تغيب المصانع وشركات الأغذية العمانية عن معرض عالمي مثل هذا؟ أين كانت حملة عماني حين كان العالم يعرض منتجاته وأغذيته؟ ولكن للانصاف المؤسسة العامة للمناطق الصناعية متمثلة في الحملة لا تتحمل المسؤولية الكبرى، فهي تجاهد وتناضل حتى تقنع المصانع للمشاركة في المعارض المحلية فكيف ستفهم هذه المصانع والشركات ضرورة التوسع والتصدير والتسويق على المستوى العالمي إن كانت لا تفهم ذلك على المستوى المحلي. إن عدم المشاركة في هذا المعرض وغيره ليست إلا ملامح للمشكلة، ولكن أصل المشكلة يأتي في عدم وجود استثمارات عمانية قادرة على الانتاج الغذائي، وإن وجدت فهي لا تفهم قوانين العولمة الجديدة. فالمطبخ العماني لا يزال بعيدا عن عمليات التصنيع التجارية. نقع في احراج شديد حين يسألنا زملائنا الأجانب والسياح عن مطعم عماني يودون تجريبه، لأنها غير موجودة! عفوا للإنصاف، الموجود منها يعد على أصابع اليد الواحدة وهي من فئة الخمس نجوم. لماذا لا نجد مطعما عمانيا للوجاب السريعة؟! ماذا يفرق "الرخال" العماني عن "الكريب" الفرنسي ؟ وهل السوشي الياباني أشهى من العرسية؟ ومن يقول أن أكل "النودلز" الصينية أسهل من أكل الهريس؟

يمكن للمطبخ العماني أن يكون صناعة متميزة، فقد نظمت حملة عماني العام الماضي فعالية متميزة اسمها "وجبة ال150 كيلومتر". وفكرتها أن تعد وجبة عشاء المواد المستخدمة فيها عمانية وضمن حدود 150 كيلومتر بعدا عن مسقط. وكانت كل الوجبات عمانية، أعدها طلاب عمانيون من كلية عمان للسياحة. كان الأكل لذيذا جدا وشهيا، وكانت الخدمة ممتازة. إذن هناك قدرة على الانتاج وتبقى تفاصيل الكلفة والتسويق.
إن صناعة الغذاء من أكثر الصناعات تحريكا للاقتصاد، ففي أمريكا مثلا يعد هذا القطاع أكثر القطاعات تشغيلا للكوادر البشرية بطريقة مباشرة أو غير مباشرة. فنحن نحتاج إلى 56 شركة لانتاج علبة شوربة واحدة، فلا تتضمن العملية تربية الدواجن وزراعة الخضروات فحسب، بل تدخل فيها عمليات الحصاد والشحن والتغليف والطباعة والعرض وغيرها.
أين يمكن أن يحدث التغيير؟ ربما تكون مبادرات الشباب والمشاريع الصغيرة هي الحل القادم الذي قد يبتكر منتجات وخدمات جديدة واستراتيجيات متطورة للتسويق، وصولا إلى منتجات ووجبات عمانية تصدر إلى العالم. في المعرض تقدم باتجاهنا شاب عماني سلم علينا بحرارة لمعرفة مسبقة، وقد حضر لذلك المعرض بحثا عن منتجات غذائية جديدة يقدمها في السوق العمانية، كان آخر ما أحضره مشروب للطاقة. تحدث عن لوبيات أجنبية تدير صناعة الأغذية ووكالاتها في السلطنة. ذلك موضوع آخر يحتاج إلى بحث طويل.














المصدر : عمود انارة