ومن أحياها.. جديد النوارس لا تحلّق بعيداً

    • ومن أحياها.. جديد النوارس لا تحلّق بعيداً


      عندما وطأت "نارا" ذات السنوات العشرين بأقدامها مطار صلالة وشاهدت أقرباءها الذين لم تشاهدهم كثيرا و الذين كانوا يتسابقون لحضنها,لم تتمالك نفسها فأجهشت بالبكاء وبحثت عن أقرب حضن لها فأرتمت في أحضان عمها الذي يحمل الكثير من أبيها المفجوعة برحيله وظلت متشبثة به حتى عندما حاولت عماتها وبنات عمها تهدئتها وكأنها أرادت أن تشبع روحها من الحنان الذي ابتلعه الموت .
      نارا الفتاة الأمريكية العمانية التي جاءت إلى السلطنة بحثا عن مفردات الحياة السعيدة بعد حادث سيارة انتهى برحيل والديها :أمها الأمريكية وأبيها العماني وخرجت هي من الحادث بفقد لذاكرتها الفارغة أصلا –كما تقول – من كل شيء إلا صورة والديها وشوارع ميتشغان وصورة أخوالها الأمريكيين و مقتطفات من كتب المفكر ادوارد سعيد و كريم الشاذلي.
      نارا جاءت أيضا بحثا عن مفردات عربية صحيحة ولهجة عمانية سمعت عن جمال موسيقاها خاصة لهجات الجنوب حيث أصل والدها المنحدر من أسرة من الاسر التي تعرف بالسادة ,بحث نارا ليس من أجل التواصل مع أبناء عموتها ومجتمعها الجديد القديم فحسب وإنما للتعبير عن مشاعرها و أفكارها,ومن قبيل الصدف انها تقدمت لبرنامج يهدف إلى تعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها في احد الجامعات القريبة وتضمن الوفد عدة شبّان وشابات امريكيات و وجدت فيها فرصة لدراسة اللغة العربية وخلال عدة أشهر حققت نارا بعض النجاحات على مستوى اللغة العربية والثقافة العمانية مع العلم انها تقرأ بنهم الكتب العلوم الإسلامية والثقافة العربية ولكنها كتب مترجمة وحسب قولها أنها تفقد الكثير من اللذة حين تقرأها بالإنجليزية.
      نارا لم تزر السلطنة سوى ثلاث مرات عندما كانت طفلة لا تعي شيئا وهذه هي المرة الرابعة ومما أثار دهشة أبناء عمومتها هو استمتاعها بالمظاهر التي لا تعجب شرائح كثيرة في مجتمعنا العماني كحرارة الشمس والباعة المتجولين
      و اللعب في الدوّارات وجلوس النساء أمام البيت وقت العصر وأشياء أخرى اعتبرتها نارا من جماليات المجتمع العماني التي لم تجدها في مجتمعها الأمريكي!

      حيث لا شمس كشمسنا ولا هواء كهواء جبال الجنوب,و تصاميم البيوت المختلفة في ألوانها وأشكالها فتعطي المرء زخما من البهجة والإرتياح بعيدا عن التنظيم الممل والمعقد بإختصار الناس هناك يفتقدون كثيرا إلى البساطة..
      مع اختفاء قرص الشمس مساء تختار عائلة نارا سهل اتين الذي يبدو اكثر اعتدالا وبرودة نسماته تحثهم على قضاء بعض لياليهم،ينادي العم "نارا" للإنضمام إلى بقية العائلة وتوديع النجوم المستيقظة لتوها، تقول نارا :معهم تعلمت كيف أتنفس..
      تقول نارا أن فرط الحماية والقوانين قي ذلك البلد لم تحقق الهدف وبدل أن تؤمّن لهم الأمان والإستقرار النفسيّ جلبت معها تعقيدات شملت التفاصيل الدقيقة لحياتهم وخلقت أسوار عالية اعاقتهم عن رؤية الوجه الحقيقي للحياة بدل الاكتفاء بالماديات.
      اضف إلى كونها فتاة مسلمة منقبة دائما ما تتعرض للمضايقات العنصرية حتى وإن كانت برفقة خالها الأمريكي
      وحكت عن قصة الحجر الذي هشّم زجاج نافذة غرفتها في بيت خالها الأمريكي.

      كان من حسن حظ نارا أن عودتها استبقت موسم الخريف وكأنه كتب لها أن تستعيد حيوتها مع رذاذ الخريف وهي ترتدي الثوب الظفاري و تتذوق ثمار النارجيل وتشرب ماءه اللذيذ وتتطيب ببخور صلالة الزكي الرائحة وتتجول في سوق الحافة الذي يجمع الأصالة والحداثة معا و تزور شاطئ المغسيل بنافوراته و تزور الأضرحة والأثار الدينية في مسيرة طويلة كغيرها من زوار هذه المدينة الساحرة حاملة بداخل قلبها الكبير شمعة تتأجج حبا وشوقا لوطن أبيها و تفاصيله الجميلة التي حرمت منها..
      موعودة هي نارا بـ'طلعات' وزيارات ورحلات إلى أكثر من مكان في عمان: حدائق مسقط، قلاع نزوى، شواطىء صحار،جبال مسندم، غير أنّ نارا بدت مكتفية بسحر صلالة سيما أنها تتزين بثوبها الأخضر..
      و لكن نارا بالأكثر بدت آمنة وهي وسط جوّ عائليّ صاخب يجمعها بعمومتها وابنائهم والضيوف الذين لا ينقطعون كون عمها أحد المسؤولين البارزين في المدينة،رغم أن عمها الثاني أو كما تصفه هي بالعم الشرير كلما رآها استشاط غضبا- فهو لايطيق رؤيتها اطلاقا- و يعتبر أن أمها الأمريكية الشقراء مسؤولة عن سفر ابيه الدائم بل حتى موته. ويذكرها دوما بأن أمه ساحرة سحرت اخيه فأحبها وتزوجها! وهاجر إلى امريكا.
      رغم كل هذا بدأت ذاكرتها تتغذى بأحاديث جديدة على قاموسها اللغويّ البسيط، وهي مزيج غامض عناصره الأسئلة
      والتعليقات الساخرة عاصرتها في بلد أمها. ورغم صعوبة فهمها لما كان يقال و يناقش ورغم اسئلتها الكثيرة وقتئذ إلا أن نارا بدت وكأنها تشعر بالمعنى الحقيقي للحياة مقارنة بالوحدة والانعزال اللذين كانا عنوان حياتها هناك في بيتها الأمريكي الأنيق!

      حتى أنها صرحت ذات ليلة أمام حشد من الضيوف:يا لحظكم
      أتعلمون أن عددكم الساعة يفوق من يأتون لزيارتنا خلال سنة!
      كل هذا الجمال في روحها المستكشفة أجبرني على اعادة صياغة ما نسميه بالوطن بأسلوب مغاير بعيدا عن توصيفات الكبار و فوضاهم ومصالحهم، ومناقصاتهم وفواتير رحلاتهم و بعثاتهم و تزكياتهم و رشاواهم و كبساتهم إلى آخر تفاهاتهم. وكأن "نارا" العمانية/الأمريكيّة في براءة و عفويّة ما صرحت به يشبه شعور الكثير من المغتربين الذين يبحثون عن عمانهم المفقودة الغائبة أو المغيبة أينما ارتحلوا..


      إلى نارا :
      لإنك تحبي الشمس أتمنى ان ترسل الشمس البهجة على حياتك كل صباح..




      المصدر : النوارس لا تحلّق بعيداً


      ¨°o.O ( على كف القدر نمشي ولا ندري عن المكتوب ) O.o°¨
      ---
      أتمنى لكم إقامة طيبة في الساحة العمانية

      وأدعوكم للإستفادة بمقالات متقدمة في مجال التقنية والأمن الإلكتروني
      رابط مباشر للمقالات هنا. ومن لديه الرغبة بتعلم البرمجة بلغات مختلفة أعرض لكم بعض
      المشاريع التي برمجتها مفتوحة المصدر ومجانا للجميع من هنا. تجدون أيضا بعض البرامج المجانية التي قمت بتطويرها بذات الموقع ..
      والكثير من أسرار التقنية في عالمي الثاني
      Eagle Eye Digital Solutions