الرقية الشرعية من الكتاب والسنة
الرقية الشرعية التي تعتمد في منهجها على الكتاب والسنة في علاج المس الشيطاني وبعض الأمراض العضوية؛ حتى يتسنى للناس النجاة من الوقوع في المحذور من أمور دينهم ودنياهم.
* تعريف الشعوذة:
ورد في لسان العرب: الشعوذة خفة في اليد وأخذ كالسحر، يرى الشيء على غير ما عليه أصله في رأى العين، وقالوا: رجل مشعوذ ومشعوذة، وقد يسمى الشعبذة، ومن المعروف لدينا في مجتمعنا ما يدعى بالبَصَّار، ويقال للفرد: الباصر، وهم المشعوذون الذين يسندون الضر والنفع بيد الكفرة من الجن الذين يعبدونهم من دون الله - أعاذنا الله من الشرك وحزبه-.
وقد رد من طريق أبي هريرة رضي الله عنه : " مَنْ أَتَى كَاهِنًا أَوْ عَرَّافًا فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ"، وورد عَنْ صَفِيَّةَ عَنْ بَعْضِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه قَالَ: (مَنْ أَتَى عَرَّافًا فَسَأَلَهُ عَنْ شَيْءٍ لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلَاةٌ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً).
ولقد سادت فكرة تصديق المشعوذين وما يستخدمونه من طرق ظاهرها فيه النفع وحصول الشفاء للمريض، وأغلبهم من عامة الناس وجهالهم، ممن لا يفقه كثيرًا مما يعمل، وهمه الأول والأخير حصول الشفاء والتخلص من البلاء، ولعمرك إن باطن الأمر شرك وإلحاد بما جاء به نبي الهدى ومصباح الدجى محمـد المصطفى ـ صلى الله عليه وسلم .
وكذلك التنجيم يعد ضربًا من الشعوذة، وقد ورد التنجيم في اللغة بمعنى: النظر في النجوم، واصطلاحا: ما يستدل بالتشكلات الفلكية على الحوادث الأرضية كما يزعم المنجمـون، فقد أخبر الرسـول - عليه أفضل الصلاة والسلام- عنهم بقوله: "كَذَبَ المُنجِّمُونَ وَلَو صَدَقُوا"(1)؛ وذلك لادعائهم علم الغيب، وهو أمر قد اختص الله تعالى به وحده، حين أخبرنا في القرآن الكريم عن ذلك بقوله: وَيَقُولُونَ لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلّهِ فَانْتَظِرُواْ إِنِّي مَعَكُم مِّنَ الْمُنتَظِرِينَ) يونس: 20.
ويكثر عند المشعوذين والدجالين ممن يدعون الغيب أن يتقربوا إلى شياطينهم بالذبائح والولائم التي تثقل كاهل المريض بالديون؛ وذلك وقوفًا عند طلب الشيطان ووسيطه المشعوذ، وقد يزداد الأمر سوءًا إذا سُقِيَ المريض من دم الذبيحة، حيث يصبح عبدًا للشيطان الذي جاءه يطلب العلاج عنده، فأشربه ما حرمه الله في كتابه، وهو الدم المسفوح الذي خرج من النصب والأزلام، من الحيـوان الذي ذبح ليولم به؛ تقربًا للشيطـان - والعياذ بالله تعالى-.
والحق لا بد أن يقال، ففي ظل انتشار العلم والتفقه في الدين - الذي كان ولا زال للحكومة الرشيدة دور فيه من محو للأمية في شتى الفئات العمرية من المواطنيـن وفي مناطقهم المختلفة - بدأ الناس يفقهون مصالحهم ويراعون تعاليم دينهم فيما يأتون ويذرون من أعمال، على ضوء ما جاء في القرآن والسنـة المطهـرة على صاحبها أفضل الصلاة وأزكى التسليم.
وبعد أن عرفنا الشعوذة والمشعوذ سنتطرق إلى معنى الرقية الشرعية وأقسامها:
تعريف الرقية الشرعية:
الرقية هي: التي تكون بكلام الله تعالى، أو ما نقل من كلام رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ الثابت عنه في كتب الحديث الصحيحة في أبواب الاستشفاء و الأدعية النبويـة التي تتعلق بالرقية الشرعية، بشرط أن تكون هذه الرقية باللغة الواضحة المسموعة؛ وذلك حتى تتميز الرقية الشرعية عمَّا يأتي به السحرة والمشعوذون والدجالون من تمتمات لا تُفْهَمُ ولا تُفْقَهُ، وأن تكون الرقى ليست مختلطة بشرك أو كفر أو ابتداع، فقد ورد عند الإمام مسلم في صحيحه عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ الْأَشْجَعِيِّ قَالَ: كُنَّا نَرْقِي فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَقُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ تَرَى فِي ذَلِكَ؟ فَقَالَ: اعْرِضُوا عَلَيَّ رُقَاكُمْ، لَا بَأْسَ بِالرُّقَى مَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ شِرْكٌ"، والرقية الشرعية إن كان مصدرها القرآن والسنة - أي الكلام المقروء فيها، أو مما أثر عن الصالحين ممن خصَّهم الله بفضله من أدعية في إطار الشريعة السمحاء يجب أن يعتقد فيها السبب، وليس الشفاء، فالشفاء ورفع البلاء بيد الله سبحانه وتعالى وحده.
ثانيًا: الرقى التي فيها شرك :
وهذا النوع من الرُقى منافٍ تمامًا للشرع؛ لأنه الشرك الأكبر، والمُخْرِجُ من الملة الإسلامية، حيث إنها تتم بالاستعانة والاستغاثـة بغير الله؛ ليكون الشافي، وهو مما يجانـب التـوحيـد ويحبط العمل، فالله سبحانه وتعالى يقول: } وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ
أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (الزمر: 65)، وهذا النوع مـن الرقـى هي التي وصفها نبينا ـ عليه الصلاة والسلام ـ بأنها من الشرك، والتي قال عنها عبد الله بن مسعود >: "كَانَ مِـمَّا حَفِظْنَا عَـنِ النّبِيِّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ أَنَّ الرُقَى وَالتَّمَائِمَ وَالتولةَ مِنَ الشركِ، فقالت له امرأته: وما التولة؟ قال التهييج".
وهكـذا الـذي يعتقد ويعتمد على الرقية اعتمـادًا كليًا، ويظن أنها نافعة ومؤثرة بذاتها لا بقدرة الله، فهذا فيه خلل في الاعتقاد والعياذ بالله، بل يجب الاعتقاد بأن كل شيء إنما يكون بإذن الله، وعدم الاعتماد على التمائم، والحرز وغيرها ممـا يجعل القلـب يتعلق بغـير الله، وقد بيَّن ذلك خليل الرحمن إبراهيم عليه السلام عندما حاج قومه، : وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْرَاهِيمَ ، إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا تَعْبُدُونَ ، قَالُوا نَعْبُدُ أَصْنَامًا فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ ، قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ ، أَوْ يَنفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ ، قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آبَاءنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ ، قَالَ أَفَرَأَيْتُم مَّا كُنتُمْ تَعْبُدُونَ ، أَنتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ ، فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِّي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ ، الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ ، وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ
، وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ ( الشعراء: 69 - 80)، لذلك فإن الله جل جلاله عَظُم شأنه وتقدست أسماؤه - هو الذي يملك الشفاء، ولا أحد غيره يملك ذلك.
لذا فلننظر إلى الهادي البشير والسراج المنير - عليه أفضل الصلوات والسلام- وهو يعلمنا هـذا الدرس العملي، والذي وصفه لنا أنس بن مالك رضي الله عنه عن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، فقد ثبت في صحيح البخاري "عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَالَ: دَخَلْتُ أَنَا وَثَابِتٌ عَلَى أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ فَقَالَ ثَابِتٌ: يَا أَبَا حَمْزَةَ اشْتَكَيْتُ، فَقَالَ أَنَسٌ: أَلَا أَرْقِيكَ بِرُقْيَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: بَلَى، قَالَ: اللَّهُمَّ رَبَّ النَّاسِ، مُذْهِبَ الْبَاسِ، اشْفِ أَنْتَ الشَّافِي، لَا شَافِيَ إِلَّا أَنْتَ، شِفَاءً لَا يُغَادِرُ سَقَمًا". كل هذا يريد ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن يجنبنا من أن نقع فـي الشـرك، فكيف به لو أنه عاش في زماننا هذا ؟؟! الذي كثر فيه الذين يقرؤون الكف ويقرؤون الفنجان، ويقرؤون الحظ الذي لا تخلو منه مجلة تحت مسمى الأبراج، والضرب في الرمل وقراءة الودع، والاستعانة بغير الله ، كـما يدعي البعض أنهم يملكون من القدرات الخارقة، و التبرك بمـن في القبور وسؤالهم، وطلب المدد منهم، والذبح لغير الله.
وإن كان ـ عليه الصلاة والسلام ـ لم يمتد به العمر إلى زماننا، ليقف على ما عليه بعض أمته لكنه حذرنا من ذلك، فقد نهانا من أن نرجم أو نتكلم بالغيب، وحذرنا أن نذهـب إلى العـرافين والكهنة ومن يعمل عملهم من السحرة والمشعوذين وغيرهم ممن يكذب؛ لأن أعمال هؤلاء جميعًا مبنية على الكذب، وقد قال نبينا ـ صلى الله عليه وسلم : " مَـنْ أَتَى عَرَّافـًا أَو كَاهِنًا فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ فَقَد كَفَرَ ِبمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ "، لذا فإن كل من من استعان بهؤلاء طلبا للشفاء فقد صدقهم بما يقولون.)
ثالثا: (الرقية البدعية):
وهي: كل ما أضيف من رُقى يعمل بها المشعوذون أو أُخذت من كتبهم - وإن لـم يكـن بها شيء مـن الشرك أو الكفر-، لكن اعتاد هؤلاء القوم على استخدامها.
وقد اعتبرت هذه الرقى من البدع؛ حتى لا يظـن الناس أنها من الرُقى الشرعية، حيث إنها لم تكن على منهج رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وما لم يثبت عنه - عليه أفضل الصلاة والسلام - فإنه يدخل في دائرة المحدثات ، فالنبي ـ صلى الله عليه وسلم يقول:"مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌ"، ، والمثـال علـى ذلك أن بعض الناس يقول: إذا كان عندك شيء من الحسد مثلا فاقـرأ آيـة الكـرسي سبعين مرة في ضوء القمر، ليلة كذا وكذا، والمقصود هنـا قراءة الكرسي، ولكن لكون هذه الصفة والصيغة لم ترد بنـص شرعـي فإنها تُعدُّ بدعة.
وكذلك كل آية أو قراءة وردت بعدد معين من قبل النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يكون الأمر في ذلك توقيفيًا، لا ينبغي الزيادة أو النقصان عليه، فكلا الحالتين فيها استدراك على الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، وهو - عليه الصلاة والسلام - لا ينطق عـن الهوى، فما ذكره سبعًا نذكره سبعًا، وما ذكره ثلاثًا نذكره ثلاثًا، كل ذلك حتى نكون متبعين لا مبتدعين.
رابعا: مشروعية الرقية بغير اللغة العربية:
صحَّ عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه قال: "لا رُقْيَةً إلا مِن عَينٍ أَو حُمَّةٍ"، وأنه قال: " مَنِ استطاعَ مِنْكُم أَن ينفعَ أَخَاهُ فَلْيَفْعَل "، وقال أيضا: "اِعْرِضُوا عَلَيَّ رِقَاكُم، لا بَأْسَ فِي الرُّقَى مَا لَم يَكُن فِيهِ شِرْكٌ"، فالرقية نوعان همـا:
الرقية بالآيات القرآنية، وأعظم ذلك سورة الفاتحة، وكذلك سورة الإخلاص والمعوذتان.
وكذلك الرقية بالأدعية المباحة لقوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : "لا بَأْسَ فِي الرُّقَى مَا لَم يَكُن فِيهِ شِرْكٌ".
وقد اشترط العلماء في الرقية أن تكون بالآيات القرآنية والأدعية النبوية والأذكار المباحة، وأن تكون باللغة العربية، أما إذا كانت بغير اللغة العربية ولكنها مفهومة يفهمها الحاضرون فهذه لا بأس بها بشرط أن يكون الراقي مُجيدًا للغة العربية، وأما إذا كانت بلغة غير مفهومة فلا يجوز قبولها؛ لأنه يحتمل أن تكون مشتملة على ما هو شرك، وهذا الراقي الذي رقى المريض بلغة غير مفهومة متهم، فما الذي حمله على العدول عن اللغة العربية أو اللغة المعروفة، التي يعرفها المريض وأهله، والأحرى أن هذا دجال، يستعين بالشياطين على مقصوده، فيجب الإنكار عليه، والتحذير من الرجوع إليه، وكشف حقيقة أمره حتى لا يُغْتَرَّ به.
وذكر العلماء أيضًا من شروط الرقية: ألا يعتمد عليها المريض؛ لأنها سبب من الأسباب، والاعتماد على الأسباب شرك في التوحيد، بل يؤمن بأن الرقية الشرعية سبب يرجو من الله أن ينفعه به، وهذا هو الواجب في جميع الأسباب.
وقد اشترط كثير من العلماء لصحة الرقية عدة ضوابط، بحيث إذا تخلف أي منها تحولت الرقية إلى ضرب من الدجل والوهم والشعوذة، وقد يصل الأمر في بعض الأحيان إلى الشرك، ومن هذه الضوابط:
ـ أن تكون من كتاب الله تعالى، ومن سنة نبيه ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، ومن الأدعية المباحة المشتملة على التعلق بالله وحده.
ـ ألا تشتمل على صيغ مجهولة من طلاسم ورموز ونحو ذلك.
ـ أن تكون باللغة العربية؛ خشية الخلل والزلل في الدعاء والتعلق بما لا يجوز في اللغات الأخرى.
ـ ألا يعتقد أن الشفاء المباشر في الرقية، بل هي سبب، والشافي هو الله وحده لا شريـك له.
ـ أن يكون الراقي من أهل الإيمان بالله ربًا وإلهًا، وأن الله هو المختص بالحول والقوة.
ـ ألا يكون الراقي من أهل الضلال والتعلق بغير الله.
مع العلم أنه يوجد ممن يعمل في مجال الطب الروحاني ممن يقرأ على المصابين عزيمة الجلجلوتية، وعزيمة البرهتية، وعزيمة السباسم، ويرون أنها أسماء الله الحسنى باللغة السريانية أو العبرانية أو الكنعانية، ولكن هل أدرك هؤلاء معنى هذه العزائم؟! وهل سبق أن تعلموا هذه اللغات كما تعلموا اللغة العربية أو اللغات الأخرى؟! وأما تلك المخطوطات التي يستندون عليها فبعضها لا يخلو من تدنيس بعض الكتاب المغرضين، أما يعلمون أن القرآن الكريم قد حوى جميع الكتب السماوية ؟!!!
لذا يجب على المعالج المسلم التقي أن يرجع إلى القرآن الكريم، والله تعالى يقول في محكم كتابه: وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا لَّقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاء وَالَّذِينَ
لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُوْلَئِكَ يُنَادَوْنَ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ (فصلت: 44).
إعداد : خميس بن سالم الغسيني