القاهرة - ش
تتمركز قوة توفيق الحكيم في كونه كاتبا نافذ البصيرة، لا يؤمن باتباع أي تيار، بل إن له نظرة تأملية تباغت القارئ بذكائه الفلسفي على إعادة قراءة الأحداث التاريخية، وإسقاطها على مواقف معاصرة بصورة نقدية لاذعة، فأصبح واحدا من أبرز علامات الأدب والفكر والثقافة والفن في مصر.
وقد ترجمت نخبة من أعمال الحكيم وأفكاره المصفوفة على الورق إلى نبض وحياة من نوع آخر وإبداع سام ليدفئ وعي الملايين المصريين والعرب وغيرهم، في أعمال مسرحية وأخرى سينمائية، خطت تيارا مخصوصا في فن المسرح المصري الحديث، وفي هذا الكتاب "توفيق الحكيم بين عودة الروح وعودة الوعي" يحاول مؤلفه عبدالرحمن أبو عوف الاقتراب من تحديد الاسهامات الخلاقة التي كانت الأساس لما وصلت إليه فنون الأدب عندنا الآن، وفي البداية، يقول المؤلف: امتدت صداقتي وتلمذتي ومعايشتي وصحبتي للحكيم حوالي ثلاثين عاما، سمحت ويسرت لي الحصول بعد مجاهدة على ثقته ومعرفة سر أسرار مكونات شخصيته وروحه العميقة المتسترة خلف عدة أقنعة جعلت منه لغزا غامضا محيرا في حياتنا السياسية والفنية والأدبية، فيذكر: قناع (العصا) والذي خصص الحكيم له كتابا شائقا أثار بما فيه من آراء وتأملات وأفكار للمشكلات الكونية والسياسية والاقتصادية التي طرحتها مرحلة ما قبل ثورة 1952 ولقد أتيح لي رؤية هذه العصا التاريخية وكنت أحملها له عندما كان يستعد لمغادرة مكتبة في الأهرام وأشهد أنها كما وصفها في كتابه (عصا الحكيم) قائلا: تحت عنوان (ابنة من الخشب)، "تلك هي عصاي.. عرفتها أو قل حملتها منذ 1930هي بعنيها.. لم أحمل سواها قط منذ أن كنت وكيلاً للنيابة في مدينة طنطا".
وأما عن "البيريه" فقد ظل توفيق الحكيم يرتديه وأصبح مشهورا به، ولعل دافع الحكيم لاختيار البيريه عدة عوامل، ومنها رفضه للطربوش، ونأتي لقناع صفة "البخل" الذي اشتهر به توفيق الحكيم، فقد اتهم به على نطاق واسع وأجمع الكل على بخله وتقتيره وشحه وراحوا يروون عنه نوادر تفوق حكايات أشعب وقد أنجز عنه وعن نوادره وهو من أمتع الكتب من التراث عنوانه (شعب أمير الطنليين) كما قارنوه بأرباجون، ومن الأقنعة أيضًا، قناع (عدو المرأة) الذي اشتهر به الحكيم، وقناع (الحمار) إذ اتخذ الحكيم من الحمار صديقا ونديما وأنيسا، وأقام معه عبر عدة كتب من أمتع كتب السخرية حوارا شيقا ذكيا، أما آخر الأقنعة، فكان قناع (البرج العاجي)، ففي عام 1941 سادت المجتمع المصري خلال سنوات الحرب العالمية اضطرابات انعكست على الحياة والثقافة والأدب في مصر، فأصدر الحكيم كتاب (من البرج العاجي)، ويقول الحكيم في طبعة جديدة للكتاب صدرت العام 1981وقد تغيرت الأوضاع في العالم وفي مصر وظهرت تيارات فكرية وأدبية جديدة قال: البرج العاجي.. وقد التصق (البرج العاجي) بشخص وفهمه البعض على أنه ابتعاد اللامبالاة بالمجتمع وأحداثه، ولم يفهم من ذلك أنه ابتعاد فقط عن الضجيج العقيم للمنازعات.
ويقول المؤلف: وعندما قدمني يوسف إدريس الحبيب لتوفيق الحكيم تقديما شجعني كثيرا في بداية حياتي النقدية، أدركت أن الحكيم يحب إدريس واستقبلني بتحفظ وترحاب قليل، وتناول الكتاب باهتمام، وأخذ يستفسر مني عما أقصده بالقصة القصيرة، ومن هنا ومن هذا اليوم مارس 1971عرفت طريقي إلى صالون توفيق الحكيم الذي اعتبرته جامعة لي، ومن أمتع وأرقى المناقشات التي كانت تدور في صالون الحكيم الكائن في الدور السادس في مبنى الأهرام كانت المناقشة بين الحكيم وصديق شبابه د.حسين فوزي حول الموسيقى والرسم والتصوير والنحت.
ويكشف المؤلف عن رؤية الحكيم الفكرية المبكرة في بداية حياته الإبداعية، قائلاً: في عام 1933 نشرت (عودة الروح) يحاول الحكيم من خلالها أن يقرأ ميثولوجيا الشخصية المصرية ويفسر عمقها الحضاري وروح المعبد والمعبود الواحد ورغم تمجيد الحكيم لثورة 1919وزعيمها سعد زغلول في عودة الروح في أسرع ما خاب أمله في الليبرالية الحزبية التي كانت ثمرة لهذه الثورة الوطنية القومية، لقد قام الصراع بين الأحزاب على كراسي الحكم.
أما كتاب (عودة الوعي) للحكيم، فكان شهادة دامية على ثورة يوليو 1952وشخصية ودور زعيمها جمال عبدالناصر، فقد أحدث ضجة وبلبلة سياسية وفكرية وسط الجو السياسي المضطرب والكئيب في بداية السبعينيات، لقد أحدث كتاب (عودة الوعي) صدمة لجيل الثورة وللناصريين ولقطاعات من اليسار الماركسي، فقد هاجم الحكيم كل منجزات ثورة يوليو بشكل محير فهو يبدأ بالترحيب بالثورة وتغيرها تحقيقا لأحلامه واستجابة لنقده للفساد السياسي والحزب والنظام البرلماني، ولكنه قدم أكبر هجوم على الثورة وعلى زعيمها عبدالناصر الذي يقول في نفس الوقت إنه تأثر بما جاء في عودة الروح من انتظار مصر للرجل الذي تتوحد فيه أحلام وإرادة الأمة، وهو يعلن أكثر من مرة حبه لعبدالناصر، واعترافه بمدى المواقف المشرفة والمؤيدة له في كل أزمة وقع فيها الحكيم، لقد بلغ تقدير عبدالناصر له أن منحه قلادة النيل، وهي أرفع وسام تمنحه الدولة، ويضيف المؤلف: أحدث كتاب (عودة الوعي) صدمة شديدة في صفوف المثقفين، لأنه كان يتضمن وجهة نظر مختلفة تماما عن آراء الحكيم التي طالما أعلنها في عهد عبدالناصر، وهي وجهة نظر متناقضة لما عرف عن علاقة الحب التي ربطت بينهما منذ قيام الثورة، وكان الزعيم الذي حلم به الحكيم في (عودة الروح) هو عبدالناصر، وكان لدى عبدالناصر نفسه هذا الإحساس، لذلك أكرم الحكيم دائما وأحبه، ومن هنا كانت صدمة (عودة الوعي).
ويسجل المؤلف موقفا سياسيا مهما لتوفيق الحكيم في عهد السادات، يقول الحكيم: في عهد حكم السادات وجدنا أنه يجب أن نقول كلمتنا وأن ننبه الدولة، فقد جمعت في مكتبي عددا من الكتاب والأدباء ورجال الفكر، وجعلنا نستعرض حال البلد في تلك الفترة من يناير 1973وما ساد مصر من اضطراب وقلق، وذلك في بيان في كتابته، فكتبته بخطي ووقعت عليه بإمضائي ووقع عليه معي من كان حاضرا، ثم لم يلبث هذا البيان أن امتلأ بالتوقيعات وقبل أن يعرض على ذوي الشأن والجهات الرسمية، فوجئت هذه الجهات به منشورا في صحف الخارج بعناوين مثيرة تظهره في صورة موقف ضد الدولة من كتاب مصر وأدبائها ومفكريها، وكان أن غضبت الدولة غضبتها المعروفة بدعوى أنها تخشى كما قالت من زعزعة الجبهة الداخلية، وكانت كما اتضح بعد ذلك تتهيأ بالفعل لمعركة العبور.
ويقول المؤلف: ومن يقرأ كتابات الحكيم النثرية وسيرته الذاتية خاصة (زهرة العمر) و(سجن العمر) وكتابه (فن الأدب) و(تحت شمس الفكر)، يكتشف أن الحكيم قد بدأ في بعض هذه الأعمال ولعله التمسها وهو في الغربة في باريس، حيث كان يحاول الحصول على رسالة الدكتوراة في القانون، غير أنه انغمس في الدراسة الحرة لتيارات الثقافة والفلسفة والفن والحضارة، ويصف الحكيم نضاله في التكوين في هذه الرسالة لصديقه الفرنسي أندريه في (زهرة العمر) قائلاً: لقد أضعت وقتي كله في باريس، منحنيا على مكتب الحجرة رقم 84 بشارع بلبور، أقرأ وأقرأ حتى قرأت كل شيء، لم أترك شيئا في تاريخ النشاط الذهني لم أطلع عليه لقد غرقت في آداب الأمم كلها وفلسفتها وفنونها. وبعد عودته من باريس، وبعد أن طافت عيناه وامتلأ عقله بتيارات الثقافة الأوروبية وفنونها، ففي الإسكندرية بدأ يعيد النظر في قضية اللغة العربية والأدب العربي الرسمي والتقليدي والموروث.
ويذكر المؤلف أن توفيق الحكيم من أكثر الكتاب العرب والمصريين الذين اهتموا بسرد مراحل محددة من سيرتهم الذاتية بطريق غير مباشر عبر أعمال أدبية عبر فيها بلغة الصورة والمجاز والرمز، فنجد في رواية (عودة الروح) بعضا من سيرته الذاتية الصبا والشباب المبكر وتفتح وجدانه السياسي على ثورة 1919وحبه لزعيمها سعد زغلول، وفي رواية (عصفور من الشرق) مرحلة من سيرة الحكيم في باريس، حيث ذهب للحصول على درجة الدكتوراة في القانون والاقتصاد السياسي، فانغمس في حياة الفن والمسرح والمتاحف والموسيقى. وفي الرواية المتقنة الرائدة (يوميات نائب في الأرياف) تسجيل وإبداع خلاق لسيرته كوكيل للنائب العام في أحد أقاليم مصر ومدى ما اكتشفه من تعارض وتناقض ساخر بين القانون المدني الفرنسي وإجراءاته الروتينية.
وفي ختام الكتاب، يصل المؤلف إلى الخلاصة في هذه السيرة الذاتية للحكيم، والتي نجدها في كلمات الحكيم الدالة لهذا السجن الذي أعيش فيه من وراثات عن أبي وأمي كأنها الجدران، هل كان من الممكن الخلاص منها؟ حاولت كثيرا كما يحاول كل سجين أن يفلت، ولكن كنت كمن يتحرك في أغلال أبدية، وباتت المأساة لعيني عندما خيل إلي يوما أحلل نفسي أني لا أعيش حياتي إلا في نسبة ضئيلة، أما النسبة الكبرى فهي تلك العجينة من العناصر المتناقضة التي أوردت تلك النطفة التي منها تكونت، وبالنسبة الضئيلة التي تركت لي مرة من حياتي قضيتها كلها في الكفاح والصراع ضد العوائق التي وضعها أهلي نفسهم في طريق، ومن خلفهم المجتمع كله في ذلك الوقت.
أكثر...
تتمركز قوة توفيق الحكيم في كونه كاتبا نافذ البصيرة، لا يؤمن باتباع أي تيار، بل إن له نظرة تأملية تباغت القارئ بذكائه الفلسفي على إعادة قراءة الأحداث التاريخية، وإسقاطها على مواقف معاصرة بصورة نقدية لاذعة، فأصبح واحدا من أبرز علامات الأدب والفكر والثقافة والفن في مصر.
وقد ترجمت نخبة من أعمال الحكيم وأفكاره المصفوفة على الورق إلى نبض وحياة من نوع آخر وإبداع سام ليدفئ وعي الملايين المصريين والعرب وغيرهم، في أعمال مسرحية وأخرى سينمائية، خطت تيارا مخصوصا في فن المسرح المصري الحديث، وفي هذا الكتاب "توفيق الحكيم بين عودة الروح وعودة الوعي" يحاول مؤلفه عبدالرحمن أبو عوف الاقتراب من تحديد الاسهامات الخلاقة التي كانت الأساس لما وصلت إليه فنون الأدب عندنا الآن، وفي البداية، يقول المؤلف: امتدت صداقتي وتلمذتي ومعايشتي وصحبتي للحكيم حوالي ثلاثين عاما، سمحت ويسرت لي الحصول بعد مجاهدة على ثقته ومعرفة سر أسرار مكونات شخصيته وروحه العميقة المتسترة خلف عدة أقنعة جعلت منه لغزا غامضا محيرا في حياتنا السياسية والفنية والأدبية، فيذكر: قناع (العصا) والذي خصص الحكيم له كتابا شائقا أثار بما فيه من آراء وتأملات وأفكار للمشكلات الكونية والسياسية والاقتصادية التي طرحتها مرحلة ما قبل ثورة 1952 ولقد أتيح لي رؤية هذه العصا التاريخية وكنت أحملها له عندما كان يستعد لمغادرة مكتبة في الأهرام وأشهد أنها كما وصفها في كتابه (عصا الحكيم) قائلا: تحت عنوان (ابنة من الخشب)، "تلك هي عصاي.. عرفتها أو قل حملتها منذ 1930هي بعنيها.. لم أحمل سواها قط منذ أن كنت وكيلاً للنيابة في مدينة طنطا".
وأما عن "البيريه" فقد ظل توفيق الحكيم يرتديه وأصبح مشهورا به، ولعل دافع الحكيم لاختيار البيريه عدة عوامل، ومنها رفضه للطربوش، ونأتي لقناع صفة "البخل" الذي اشتهر به توفيق الحكيم، فقد اتهم به على نطاق واسع وأجمع الكل على بخله وتقتيره وشحه وراحوا يروون عنه نوادر تفوق حكايات أشعب وقد أنجز عنه وعن نوادره وهو من أمتع الكتب من التراث عنوانه (شعب أمير الطنليين) كما قارنوه بأرباجون، ومن الأقنعة أيضًا، قناع (عدو المرأة) الذي اشتهر به الحكيم، وقناع (الحمار) إذ اتخذ الحكيم من الحمار صديقا ونديما وأنيسا، وأقام معه عبر عدة كتب من أمتع كتب السخرية حوارا شيقا ذكيا، أما آخر الأقنعة، فكان قناع (البرج العاجي)، ففي عام 1941 سادت المجتمع المصري خلال سنوات الحرب العالمية اضطرابات انعكست على الحياة والثقافة والأدب في مصر، فأصدر الحكيم كتاب (من البرج العاجي)، ويقول الحكيم في طبعة جديدة للكتاب صدرت العام 1981وقد تغيرت الأوضاع في العالم وفي مصر وظهرت تيارات فكرية وأدبية جديدة قال: البرج العاجي.. وقد التصق (البرج العاجي) بشخص وفهمه البعض على أنه ابتعاد اللامبالاة بالمجتمع وأحداثه، ولم يفهم من ذلك أنه ابتعاد فقط عن الضجيج العقيم للمنازعات.
ويقول المؤلف: وعندما قدمني يوسف إدريس الحبيب لتوفيق الحكيم تقديما شجعني كثيرا في بداية حياتي النقدية، أدركت أن الحكيم يحب إدريس واستقبلني بتحفظ وترحاب قليل، وتناول الكتاب باهتمام، وأخذ يستفسر مني عما أقصده بالقصة القصيرة، ومن هنا ومن هذا اليوم مارس 1971عرفت طريقي إلى صالون توفيق الحكيم الذي اعتبرته جامعة لي، ومن أمتع وأرقى المناقشات التي كانت تدور في صالون الحكيم الكائن في الدور السادس في مبنى الأهرام كانت المناقشة بين الحكيم وصديق شبابه د.حسين فوزي حول الموسيقى والرسم والتصوير والنحت.
ويكشف المؤلف عن رؤية الحكيم الفكرية المبكرة في بداية حياته الإبداعية، قائلاً: في عام 1933 نشرت (عودة الروح) يحاول الحكيم من خلالها أن يقرأ ميثولوجيا الشخصية المصرية ويفسر عمقها الحضاري وروح المعبد والمعبود الواحد ورغم تمجيد الحكيم لثورة 1919وزعيمها سعد زغلول في عودة الروح في أسرع ما خاب أمله في الليبرالية الحزبية التي كانت ثمرة لهذه الثورة الوطنية القومية، لقد قام الصراع بين الأحزاب على كراسي الحكم.
أما كتاب (عودة الوعي) للحكيم، فكان شهادة دامية على ثورة يوليو 1952وشخصية ودور زعيمها جمال عبدالناصر، فقد أحدث ضجة وبلبلة سياسية وفكرية وسط الجو السياسي المضطرب والكئيب في بداية السبعينيات، لقد أحدث كتاب (عودة الوعي) صدمة لجيل الثورة وللناصريين ولقطاعات من اليسار الماركسي، فقد هاجم الحكيم كل منجزات ثورة يوليو بشكل محير فهو يبدأ بالترحيب بالثورة وتغيرها تحقيقا لأحلامه واستجابة لنقده للفساد السياسي والحزب والنظام البرلماني، ولكنه قدم أكبر هجوم على الثورة وعلى زعيمها عبدالناصر الذي يقول في نفس الوقت إنه تأثر بما جاء في عودة الروح من انتظار مصر للرجل الذي تتوحد فيه أحلام وإرادة الأمة، وهو يعلن أكثر من مرة حبه لعبدالناصر، واعترافه بمدى المواقف المشرفة والمؤيدة له في كل أزمة وقع فيها الحكيم، لقد بلغ تقدير عبدالناصر له أن منحه قلادة النيل، وهي أرفع وسام تمنحه الدولة، ويضيف المؤلف: أحدث كتاب (عودة الوعي) صدمة شديدة في صفوف المثقفين، لأنه كان يتضمن وجهة نظر مختلفة تماما عن آراء الحكيم التي طالما أعلنها في عهد عبدالناصر، وهي وجهة نظر متناقضة لما عرف عن علاقة الحب التي ربطت بينهما منذ قيام الثورة، وكان الزعيم الذي حلم به الحكيم في (عودة الروح) هو عبدالناصر، وكان لدى عبدالناصر نفسه هذا الإحساس، لذلك أكرم الحكيم دائما وأحبه، ومن هنا كانت صدمة (عودة الوعي).
ويسجل المؤلف موقفا سياسيا مهما لتوفيق الحكيم في عهد السادات، يقول الحكيم: في عهد حكم السادات وجدنا أنه يجب أن نقول كلمتنا وأن ننبه الدولة، فقد جمعت في مكتبي عددا من الكتاب والأدباء ورجال الفكر، وجعلنا نستعرض حال البلد في تلك الفترة من يناير 1973وما ساد مصر من اضطراب وقلق، وذلك في بيان في كتابته، فكتبته بخطي ووقعت عليه بإمضائي ووقع عليه معي من كان حاضرا، ثم لم يلبث هذا البيان أن امتلأ بالتوقيعات وقبل أن يعرض على ذوي الشأن والجهات الرسمية، فوجئت هذه الجهات به منشورا في صحف الخارج بعناوين مثيرة تظهره في صورة موقف ضد الدولة من كتاب مصر وأدبائها ومفكريها، وكان أن غضبت الدولة غضبتها المعروفة بدعوى أنها تخشى كما قالت من زعزعة الجبهة الداخلية، وكانت كما اتضح بعد ذلك تتهيأ بالفعل لمعركة العبور.
ويقول المؤلف: ومن يقرأ كتابات الحكيم النثرية وسيرته الذاتية خاصة (زهرة العمر) و(سجن العمر) وكتابه (فن الأدب) و(تحت شمس الفكر)، يكتشف أن الحكيم قد بدأ في بعض هذه الأعمال ولعله التمسها وهو في الغربة في باريس، حيث كان يحاول الحصول على رسالة الدكتوراة في القانون، غير أنه انغمس في الدراسة الحرة لتيارات الثقافة والفلسفة والفن والحضارة، ويصف الحكيم نضاله في التكوين في هذه الرسالة لصديقه الفرنسي أندريه في (زهرة العمر) قائلاً: لقد أضعت وقتي كله في باريس، منحنيا على مكتب الحجرة رقم 84 بشارع بلبور، أقرأ وأقرأ حتى قرأت كل شيء، لم أترك شيئا في تاريخ النشاط الذهني لم أطلع عليه لقد غرقت في آداب الأمم كلها وفلسفتها وفنونها. وبعد عودته من باريس، وبعد أن طافت عيناه وامتلأ عقله بتيارات الثقافة الأوروبية وفنونها، ففي الإسكندرية بدأ يعيد النظر في قضية اللغة العربية والأدب العربي الرسمي والتقليدي والموروث.
ويذكر المؤلف أن توفيق الحكيم من أكثر الكتاب العرب والمصريين الذين اهتموا بسرد مراحل محددة من سيرتهم الذاتية بطريق غير مباشر عبر أعمال أدبية عبر فيها بلغة الصورة والمجاز والرمز، فنجد في رواية (عودة الروح) بعضا من سيرته الذاتية الصبا والشباب المبكر وتفتح وجدانه السياسي على ثورة 1919وحبه لزعيمها سعد زغلول، وفي رواية (عصفور من الشرق) مرحلة من سيرة الحكيم في باريس، حيث ذهب للحصول على درجة الدكتوراة في القانون والاقتصاد السياسي، فانغمس في حياة الفن والمسرح والمتاحف والموسيقى. وفي الرواية المتقنة الرائدة (يوميات نائب في الأرياف) تسجيل وإبداع خلاق لسيرته كوكيل للنائب العام في أحد أقاليم مصر ومدى ما اكتشفه من تعارض وتناقض ساخر بين القانون المدني الفرنسي وإجراءاته الروتينية.
وفي ختام الكتاب، يصل المؤلف إلى الخلاصة في هذه السيرة الذاتية للحكيم، والتي نجدها في كلمات الحكيم الدالة لهذا السجن الذي أعيش فيه من وراثات عن أبي وأمي كأنها الجدران، هل كان من الممكن الخلاص منها؟ حاولت كثيرا كما يحاول كل سجين أن يفلت، ولكن كنت كمن يتحرك في أغلال أبدية، وباتت المأساة لعيني عندما خيل إلي يوما أحلل نفسي أني لا أعيش حياتي إلا في نسبة ضئيلة، أما النسبة الكبرى فهي تلك العجينة من العناصر المتناقضة التي أوردت تلك النطفة التي منها تكونت، وبالنسبة الضئيلة التي تركت لي مرة من حياتي قضيتها كلها في الكفاح والصراع ضد العوائق التي وضعها أهلي نفسهم في طريق، ومن خلفهم المجتمع كله في ذلك الوقت.
أكثر...
¨°o.O ( على كف القدر نمشي ولا ندري عن المكتوب ) O.o°¨
---
أتمنى لكم إقامة طيبة في الساحة العمانية
---
أتمنى لكم إقامة طيبة في الساحة العمانية
وأدعوكم للإستفادة بمقالات متقدمة في مجال التقنية والأمن الإلكتروني
رابط مباشر للمقالات هنا. ومن لديه الرغبة بتعلم البرمجة بلغات مختلفة أعرض لكم بعض
المشاريع التي برمجتها مفتوحة المصدر ومجانا للجميع من هنا. تجدون أيضا بعض البرامج المجانية التي قمت بتطويرها بذات الموقع ..
والكثير من أسرار التقنية في عالمي الثاني Eagle Eye Digital Solutions
رابط مباشر للمقالات هنا. ومن لديه الرغبة بتعلم البرمجة بلغات مختلفة أعرض لكم بعض
المشاريع التي برمجتها مفتوحة المصدر ومجانا للجميع من هنا. تجدون أيضا بعض البرامج المجانية التي قمت بتطويرها بذات الموقع ..
والكثير من أسرار التقنية في عالمي الثاني Eagle Eye Digital Solutions