الرياض-عبد الحي شاهين

في الشوارع الراقية لمدن السعودية الكبرى مثل الرياض وجدة والدمام، لا تكاد تجد الكثير من الشباب وهم يلتزمون بالزي الوطني المعروف للسعوديين المكون من (الثوب الأبيض والعقال والغترة)، فهناك ما يشبه الإضراب الجماعي عن هذا الزي التراثي لصالح الأزياء الأوروبية والأمريكية وفي صدارتها الجينز بمختلف أنواعه وصرعاته.

ولا يقتصر الأمر على الفتيان فقط، فخلف العباءات التي تفرض نظاميا على الفتيات، تكمن أيضا تلك الأزياء الغربية سواء كان بنطالا أو بلوزة، في مفارقة واسعة لأزياء الأمهات والجدات التي كانت مقتصرة على الفستان المحتشم. والتمسك بالزي الأوروبي لم يعد حصرا على الشباب السعودي الذين سافروا إلى الخارج أو أولئك المعجبين بالحضارة الغربية، فهناك من لم يسافر قط خارج بلدته ولكنه لا يرتدي غير الجينز كما ان هناك من يصنف بأنه فكريا ضد الغرب ومع ذلك لا يمانع في الظهور بالملابس الغربية، في إشارة إلى ان موجة الأزياء الأمريكية والأوربية في طريقها للانتشار بشكل أوسع عما هي عليه اليوم في السعودية.

وهذه النقلة بين الملابس التقليدية السعودية التي كان شبه متفق عليها في المملكة وبين الموضة الجديدة التي لا ترى التمسك بذلك الزي، حدثت في ظرف سنوات قليلة فقط لا تتعدى العشر، فحتى نهاية التسعينيات الميلادية كان من الصعب أن يخرج الشباب السعودي إلى الأماكن والمناسبات العامة وهو حاسر الرأس مثلا دون غترة أو عقال أو دون لبس الثوب وهو ذات ما ينطبق على الفتاة، لكن حاليا وتحت طغيان العولمة كما يقول احد المهتمين بهذه الظاهرة، تقلص التمسك بالزي التقليدي وانزوى بعيدا لصالح الأزياء الغربية بجميع الموضات التي تخرج بها.

ولأن الشاب السعودي يفترض به عدم ارتداء البنطلون الجينز في المقرات الحكومية والجامعات والمدارس والمساجد فإنه لجأ إلى طريقة أخرى لارتداء الجينز، فقد صممت أخيرا بالسعودية أثواب رجالية بذات التصميم التقليدي للثوب السعودي الأبيض من قماش الجينز الخفيف والمريح وبلونه المشهور.. الأزرق يقول محمد عبيد بمحلات (ديباج للخياطة الرجالية) بجدة: "إنها موضة السنة وهي من قماش الجينز الأزرق الخفيف وبعضها تحتاج إلى بطانة وأسعارها مابين 150 إلى 300 ريال سعودي" وبعض هذه الثياب تطرز بتطريزات على حسب طلب الزبون قد تكون بخيوط بيضاء أو ملونة وبأشكال هندسية كمربعات ومعينات أو تطريز فيرساتشي الشهير، وهناك من الشباب من يفضل الورود وخطوطا عربية وشعارات خاصة لها معنى لديهم.

وكشف استطلاع للرأي أجري أخيرا في المملكة ونشر في صحيفة محلية أن ثلثي شباب السعودية يفضلون اللباس الأوروبي على الزى الوطني، حيث فضل 67 في المئة من الأشخاص المستطلعة آراؤهم، الملابس الغربية بينما 33 في المئة قالوا إن الملابس الغربية لا تصلح لظروف السعودية التي تتميز بطقسها الحار.

وبرر الكثير من الشباب هذه الاتجاهات الجديدة بظروف العمل التي دفعتهم إلى اللباس الغربي الذي لا يحد من حركتهم أثناء العمل مثل اللباس التقليدي. بينما عزا آخرون السبب إلى التأثر بالعالم الغربي، وأن مفهوم التطور والثقافة هو بتقليد الآخرين، في نفس الوقت يرى علماء الاجتماع والأخصائيون النفسيون أن المجتمع قد يعتاد مع مرور الزمن على هذه التقاليع مع تزايد الشباب المقبلين على تقليد الأجانب.

وقال أحد المستطلعة آراؤهم إن "اللباس الغربي أصبح ظاهرة منتشرة بين الشباب السعودي عموما، وأنا جزء من هذا العالم الذي لا يمكن أن أنعزل عنه بحجة العادات والتقاليد، بالإضافة إلى أن ظروف العمل دفعت ببعض الشباب إلى اللباس الغربي الذي لا يحد من حركتهم أثناء العمل كالزي الوطني".

ويشير الباحث الاجتماعي عبد الرزاق الزهراني إلى ان ظاهرة التمرد على الزي التقليدي والحرص على ارتداء الملابس الغربية تتوسع باضطراد خاصة في المدن الكبرى، في حين يبدو الأمر اقل سوءا في المدن الصغرى حتى الآن، حيث ما تزال هناك سطوة للعادات والتقاليد التي تفرض الزى السعودي المعروف.

ورأى الباحث الاجتماعي في الأزياء مكونا أساسيا للهوية الوطنية وان انحسار التمسك فيها يشير إلى ان هناك عناصر ثقافية وافدة استطاعت ان تؤثر بشكل فاعل في الأجيال الجديدة، منبّها إلى أهمية الوعي بهذا المتغير الاجتماعي والعمل على الوقوف ضده بالوعي والثقافة وتنوير الشباب بالمعاني التي يمثلها التقيد بالأزياء الوطنية.

أكثر...