باسمه تعالى ، وأنا ألملمُ خيوطَ الفكر من رأسي الغير ذي زرع نثرت در الدمع فأنبت موضوعا عنوانه واضحٌ أعلاه ، ولا أظنه مطروقا فإننا نسمع عن المجاملة لأجل المال ، ولم نسمع عن المجاملة بالمال .وقبل الشروع في الموضوع ارتأيتُ تعريفَ كلا من المال والمجاملة وعكست العنوان ؛ اقتداءً بما يُفعل في صلاة الاستسقاء من قلب الثوب درءا للعقاب وتنزلا لشآبيب الثواب أو أن يحرك سكونا وذاك مقصودي.
أخواني وأخواتي :
المال هو كل ما ملنا نحوه سيان التكة والبيسة منه والمليار ، وسواء فيه البغلة والحمار - أعزكم الله - والدراجة والهمر ، وأما المجاملة فلم أجد تعريفا مانعا جامعا لها ، وتلعثمت ألسنة من سألتهم عن ماهيتها مكتفين بقولهم : لا بد من المجاملة حتى نصل . ساعتها قلت : نعم ، فللأسف فحتى في صعيد المنتديات إن لم تُجامل فإنك لن تجد من يجاملك بكلمة ولو جبر خاطر كما غناها المغفور له بإذن الله حكم عائل .
وفي صومعة الأفكار رأيتُ أن هناك فريقا نجاملهم لا لشي كأولئك الذين نجاملهم تشجيعا أو لعبا على الحبلين أو ما يفهم من السياق مراده ،فأخال أن المجاملة ربما أشتق معناها من إظهار الجميل أو تصنع الجميل .تماما كما يقال في لهجة مصر الدارجة سنذهب نجامل فلان في عزاء قريبه، وهم يقصدون بلهجتنا العمانية نودي واجب العزاء لفلان في قريبه.إذن فلعلَّ اصطلاح المجاملة وضع بداية ً بمعنى إظهار الجميل ثم تحول استعمالها للنفاق الاجتماعي ،لا (أووووه) أقصد للأدب الاجتماعي الذي هو مخالفة الكلام لواقع الحال الذي وإن حُمِد مسراهُ حينا لا تؤمن عواقبه أحيانا كثيرة.
بقلمي
ولا يساورني شكٌ في مغزاي إن قلتُ : إن المجاملة لأجل المال هي الوجه الآخر للتنمق للقرش في ماله لنساوي قرشا أو (عوالا) مادحين جنابه وهذا عين ما أسميته تصنع الجميل . وأما المجاملة بالمال فهي مبدأ إن لم تقرره الشريعة الإسلامية لأوجبته النزعة الوجدانية وهي التجمل بهذا المال ؛ لنرى آثاره فينا محققين ما قاله الناطق بالحق عليه الصلاة والسلام :إن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده ، ونرى آثاره في غيرنا مصداقا لقول الحق عز وجل : ((و أنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه )) عادين ذلك من باب : (( وأما بنعمة ربك فحدث )).
فالمال الذي في أيدينا هو مال الله حقيقة ونحن خلفاء فيه ننفقه وفق مراد الله وفيما طلبه الله وارتضاه سبحانه،ولمن حصرهم الله بالنسبة للصدقات ، وفيمن تعين لهم المال بالنسبة لما سوى الصدقات .ولعل من الغريب المضحك من يستلم راتبا شهريا مهما كان قدره أن هذا الراتب قد يستفيد منه كل أحد إلا صاحبه ؛فهل بعد هذا من دليل أننا مستَخْلَفين لا مستَخْلِفين .وثمة سؤال يتطلب أن ننظر فيه بعين التدبر والتفكر ، هل يصح من عاقل أن يسمي نفسه عاقلا ولا يعقل نفسه عن تبذير المال باقتنائه العبث وما لا يستفاد منه دنيا وأخرى ؟ أم هل يسمى حكيما من يقتصد عن البذل للضعفاء والفقراء والحال إنما تنصرون بضعفائكم .
وثم لننظر بعين أخرى للتدبر تسمى الفكر إذا ما رأينا أن كل شي صدقته منه إلا ما في إخراج نوعه من ذاته انتفائه كالإبل التي فيها من الصدقة دون الخمس إبل شاة ،والنبي عليه الصلاة والسلام يقول : إن في المال لحق سوى الصدقة ،فلماذا لا نرى من أنعم الله سبحانه وتعالى عليهم برداء الستر والغنى لا يغدقون على من لا ستر له من المال بظهر وستر استثمارا لأموالهم فيبارك الله لهؤلاء الأغنياء بسبب هؤلاء الفقراء فالإنسان مدني بطبعه وكما يحتاج الابن لوالديه يحتاج الشيخ للغفير يحتاج الغني للفقير . هناك فرقٌ بين من يخدمه الناس لأجل ماله وبين من يخدمه الناس حبا له لجميل أدّاه لشخصه سواء بالمال أو بغيره ، فالأول لربما يخون المخدوم لأجل ماله إن قدم له مبلغا ً أكبر والثاني لا يخان أبدا ولا يحتاج أن أدلل على هذا الكلام فقد شاهدنا جميعا في الحياة أمثلة لا محصورة .
نعم إنه إظهار جميل وتجمل بهذا المال وإن كان على شكل رؤية آثاره في غيرنا وأكرم بهذا التعريف عن تسميته مجاملة بالمال.ومن الظلم أن يظلم الإنسان نفسه فيعيش رغم غناه عيش الفقراء ويحاسبه سبحانه يوم القيامة كالأغنياء لبخله ،ولا يختلف حال هذا بحال من تأكد من مقدرته مساعدة الغير في إشكالية اجتماعية مادية كانت أو معنوية فلم يساعده واكتفى بقوله الله يساعده وهو يسمع قوله تعالى :وآتوهم من مال الله الذي آتاكم . وحتى أكون منصفا لا ضير أن الإنسان لا يصدق كل من يسمعه شاكيا باكيا وإنما الضير فيمن تأكد وكبل نفسه عن المساعدة سواء بالمال أو بأن يدلهم على طريق سوي كإيجاد فرص عمل لهذه الأسرة فتكون إعانة دائمة وصدقة جارية متحققة في كتاب حسناته إلى يوم القيام ، ومن استطاع من هؤلاء أن يساعد نفسه بنفسه خير له من أن يمد يده ويحرك لسانه بالطلب وإن كنتُ لا أتصور أن أحدا يسأل لاستزادة ومن دون فقر وإن بدت عليه مواسم الغنى واقرأو إن شئتم قوله تعالى : أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر ، وركزوا على كلمة سفينة ومساكين ، واقرأو حديث النبي صلى الله عليه وسلم : للسائل حق وإن أتى على ظهر فرس ، صدق رسول الله وركزوا على فرس وسائل.
وأقف مستغربا ممن يقتصرون على الدعاء بالتوفيق والبركة لمن سألهم سائل ريالا ولا يبالون في بذل ألف ريال في حذاء أو جعلهن كحذاء تحت قدم الغانيات ، واستغرب ممن ينكر على الفقير الفلاني إذا اشترى لصغاره أكلة ً أو لبسة ً أو زوجهم أو أخذهم رحلة ويقول : فلان فقير لماذا كلف نفسه هكذا ؟ ولا ينكر على نفسه عدم تصدقه ومساعدته لهذا الفقير وهو يعلم أن في انتظاره سؤالا من شقين لمسألة من مسائل خمس يسأل عنهن سؤالا واحدا بعد موته إلا عن هذا المال : وفيم أنفقته ؟ فآه ٍ آه كيف ستكون نتيجة إجابة من جعله الله مستخلفا ولم يؤدي ما تحمله إذ تحمل لما حُمِّلَ ؟ وهل من تكون إجابته: أنفقته في شراء نعالا بسبعين ريالا كمن ستكون إجابته أعطيت فقيرا منه عشرة ريالات .

وأذكر هؤلاء برب درهم سبق ألف درهما فالقوي إن بذل قوته في مساعدة الضعيف خير من أن يدعو له فحسب بل إن دعا الفقير لذاك الغني خير وأي خير . ومنا للأسف عوضا عن البذل من ماله في مواساة الضعيف يتفنن في الشماتة به معتبرا إياها شفقة ورأفة على حال هذا الفقير ، فإن رأى فقيرا أراد إدخال السرور على أولاده فاشترى لهم جهاز تلفاز بأربعين ريالا عنفه قائلين : (اتَّقى يا فقير لتبقى ) وينسى جهاز تلفاز في صالته بثلاثة آلاف ريالا فضلا عن الأجهزة الأخرى،عجب يتعجب منه العجب نفسه .
نعم إن هناك من قد يبذلون لوجه الشيطان الريالات بعد أن رضوا بنص القرآن الكريم أن يكونون أخوانا للشياطين ، ولا يبذلون لوجه الله البيسة وليتهم تمعنوا قول السيدة آسية قبل قتلها : (( رب ابن لي عندك بيتا )) مختارة الجار قبل الدار، وعجبي ممن يقدمون جوائزا بالألوف لأجل ما لا طائل منه مثل الفوازير ونحوها ويبخلون في أن يقدموا ريالات تعين المحتاجين في حاجتهم ، فكم من أسرة تنام في غرفة واحدة وكم من شخص ومعه على سبيل المثال ثلاثة أبناء يسكن في بيتٍ غُرَفَهُ ضعف عدد أفراد تلك الأسرة بل أنني قرأت عن شخص عدد غرف بيته بعدد أيام السنة ثم لتسألن يومئذ عن النعيم . يا من لا تجامل بالمال اظهارا للجميل هل في اعتقادك قادر على ستر الأجمل (وأما بنعمة ربك فحدث ) .
وأختم هذياني مترحما على الدكتور مصطفى حسني السباعي وهو يقول : لا تقصِّر في حق إخوانك اعتماداً على محبتهم؛ فإن الحياة أخذ وعطاء،ولا تقصر في حق ربك اعتماداً على رحمته؛ فإن انتظار الإحسان مع الإساءة شيمة الرقعاء،ولا تنتظر من إخوانك أن يبادلوك معروفاً بمعروف؛ فإن التقصير من طبيعة الإنسان،وانتظر من ربّك أن يكافئك على الخير خيراً منه، فهل جزاء الإحسان إلا الإحسان؟!.
نعم إن هناك من قد يبذلون لوجه الشيطان الريالات بعد أن رضوا بنص القرآن الكريم أن يكونون أخوانا للشياطين ، ولا يبذلون لوجه الله البيسة وليتهم تمعنوا قول السيدة آسية قبل قتلها : (( رب ابن لي عندك بيتا )) مختارة الجار قبل الدار، وعجبي ممن يقدمون جوائزا بالألوف لأجل ما لا طائل منه مثل الفوازير ونحوها ويبخلون في أن يقدموا ريالات تعين المحتاجين في حاجتهم ، فكم من أسرة تنام في غرفة واحدة وكم من شخص ومعه على سبيل المثال ثلاثة أبناء يسكن في بيتٍ غُرَفَهُ ضعف عدد أفراد تلك الأسرة بل أنني قرأت عن شخص عدد غرف بيته بعدد أيام السنة ثم لتسألن يومئذ عن النعيم . يا من لا تجامل بالمال اظهارا للجميل هل في اعتقادك قادر على ستر الأجمل (وأما بنعمة ربك فحدث ) .
وأختم هذياني مترحما على الدكتور مصطفى حسني السباعي وهو يقول : لا تقصِّر في حق إخوانك اعتماداً على محبتهم؛ فإن الحياة أخذ وعطاء،ولا تقصر في حق ربك اعتماداً على رحمته؛ فإن انتظار الإحسان مع الإساءة شيمة الرقعاء،ولا تنتظر من إخوانك أن يبادلوك معروفاً بمعروف؛ فإن التقصير من طبيعة الإنسان،وانتظر من ربّك أن يكافئك على الخير خيراً منه، فهل جزاء الإحسان إلا الإحسان؟!.