(ثلاث كلمات... من أجلك وطني ... !)
(الكلمة الأولى)
ـ مقدمة :
الحمد لله و كفى و الصلاة و السلام على النبي المصطفى و اله و صحبه و من اجتبى ...
في ظل الضروف الراهنة هناك العديد من الأسئلة التي تطرح و لا بد لها من أجوبة ، كما ان هناك العديد من الأجوبة التي تقال و لا بد لها من تمحيص .
لقد عبر الكثيرون عن آرائهم و كتبوا تعليقاتهم حول ما يحدث فمنهم من اصاب كبد الحقيقة و منهم جانب الصواب أو جانبه الصواب بدرجات متفاوته .
و بما ان الحدث كبير فيقتضي منا طرحا متجردا عميقا، و لا ادعي اني استوفيت ذلك و لكني بذلت جهدي لمقاربة ذلك ، من خلال محاولة تسليط الضوء على اهم ما يمكن قوله و ذلك من خلال العناوين التالية :
أولا ـ مقاربة لفهم الواقع : ما الذي يحدث ؟
1ـ طبيعة الحركات الاحتجاجية :
من طبيعة الحركات الاحتجاجية المنظمة أنها تخرج بمطالب واضحة محدده و بأسلوب مناسب لواقع المجتمع ، و يتصدرها أناس يمتلكون قدرا جيدا من التعبير عن مطالب المحتجين و تنظيمهم و توجيههم .
و رغم ذلك فقد تتعرض هذه الحركات الإحتجاجية لموجات من التغيير و التحريف أو التصعيد و التحريض بدوافع عاطفية من أناس غير واعين بطبيعة الامور تدفعهم المشاعر المتأججة الى تبني أفكار ارتجالية غير مدروسة و سلوكيات عدائية غير متزنه ، او من اناس مفسدين يعملون على تشويش المطالب العادلة و تشويه الحركة الاحتجاجية عمدا و عدوانا ، أو من اناس مخربين يجدون في أجواء الاضطراب و الفوضى مجالا رحبا للنهب و التخريب ، و في جميع الحالات لا بد من التركيز على وضوح المطالب و الأهداف ، بالاضافة الى الإعتماد على أهل العقل و الحكمة لتسديد الخطى و ترشيد الرأي و توجيهه الوجه الصحيحة .
و في ظل غياب هذين الامرين ـ المطالب الواضحة و أصحاب العقول الراجحة ـ تلتبس الأمور على الناس فلا يحسنون قراءة الموقف بالشكل الصحيح ، كما يتعذر عليهم صياغة مطالبهم بصورة مركزة واضحة تساعدهم على معرفة مدى استجابة الحكومة لتلك المطالب ، فعدم تحديد المطالب بوضوح يؤدي إلى إفساح المجال لظهور المطالب العشوائية أو الخاصة و التي قد تؤدي إلى طمس بريق المطالب الرئيسة العادلة و إطفاء جذوتها .
2ـ أحداث صحار بين الأصل و الاستثناء :
ما حدث في صحار من اعمال فوضى و قتل رفضها جميع العقلاء و لا يمكننا ان نجد لها اي مسوغ او مبرر مهما كانت الظروف ، و مع ذلك لا بد لنا ان نفرق بين الأصل و الاستثناء ، فالأصل في الإنسان العماني السماحة و العقل و البعد عن العنف روى مسلم في صحيحه عن أبي برزة أن رسول الله {صلى الله عليه وسلم} بعث رجلاً إلى حيٍّ من أحياء العرب فسبوه وضربوه فأتى رسول الله {صلى الله عليه وسلم} وأخبره فقال له : ( لو أن أهل عمان أتيت ماسبوك ولا ضربوك ).
و رغم ذلك يحاول البعض أن يتهم أهل منطقة بعينها بالفوضى و التخريب و كأن ذلك هو الأصل في سلوكهم ، كما أن البعض يحاول اتهام بعض الأجهزة الأمنية بالدموية و البطش و كأن ذلك هو الأصل في سلوكها ! .
اعتقد أن كلا الإتهامين غير صحيحين ، فلا بد أن نفهم الأحداث على طبيعتها فما حدث في صحار هو عبارة عن حدث استثنائي وقع في ظل ضروف إستثنائية ، فليس أهل صحار بالمخربين أو المفسدين أو المعادين لأحد بل هم قمة في الذوق و الأخلاق الرفيعة و الكرم ، كما ان الاجهزة الامنية ليست اجهزة دموية تتعمد القتل و البطش ، فالكل يعرف ما تقوم به الاجهزة الامنية من دور فاعل و ايجابي في حفظ الأمن و الأمان بما في ذلك أمن المحتجين ، كما أن العاملين في هذه الأجهزة جزء لا يتجزأ من مكونات الشعب و لا انفصام بينهما ، فما حصل في صحار هو عبارة عن حدث استثنائي وقع في ظل ظروف استثنائي .
و رغم ذلك لا بد من محاسبة المسؤولين عن ما حدث في ظل تحقيقات مستوفية و قضاء عادل دون ارتجال او عشوائيه ، فالظلم لا يعالج بالظلم و الخطأ لا يعالج بالخطأ والدفع لا يكون إلا بالتي هي أحسن قال تعالى :
( وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (34) وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (35) ) فصلت .
3ـ إلى ماذا تدعوا الحركة الاحتجاجية ؟
حاول البعض تصوير الحركة الاحتجاجية على أنها مطالب الشعب بإسقاط النظام، و هذا الطرح يجافي الواقع فالتفاف الشعب حول سلطان البلاد المفدى امر مسلم و لا جدال عليه بين الجميع ، و الصحيح ان الحراك جاء للمطالبة باجراء اصلاحات سريعة و عميقة و شامله ، و جميع هذه المطالبات في جوهرها تصب في مصلحة الوطن و المواطن والحكومة نفسها .
فأغلبية مكونات الشعب العماني تثق في حكمة سلطان البلاد المفدى و تكن له الاحترام و التقدير و الحب و الولاء و تدرك بشكل كبير دوره في وحدة الوطن و سلامة أراضيه ، و تدرك مدى جديته في تلبية مطالب شعبه و تحقيق رفاهيتهم و رفعتهم ، روى مسلم في صحيحة من حديث عن عوفِ بن مَالِكٍ - رضي الله عنه - ، قَالَ : سَمِعْتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - ، يقول : (( خِيَارُ أئِمَّتِكُمُ الَّذِينَ تُحِبُّونَهُمْ وَيُحِبُّونَكُمْ ، وَتُصَلُّونَ عَلَيْهِمْ وَيُصَلُّونَ عَلَيْكُمْ ـ أي تدعون لهم و يدعون لكم ـ ....! )) .
(ثلاث كلمات... من أجلك وطني ... !)
الكلمة الثانية
ثانيا :ـ القراءات التأزيمية الخمس :
ـ لا بد من الإشارة إلى أن هناك من يقوم بعرض قراءات غير متزنة للأحداث و يحاول أن يروج لها دون إدراك تداعياتها ، و لا تكمن خطورة هذه القراءات في خطئها و حسب ، بل تكمن خطورتها في كونها تنحو بالأحداث إلى إتجاه تأزيمي على المدى البعيد و من أهم هذه القراءات ما يلي :
1ـ القراءة الإختزالية المذهبية :
يحاول البعض اختزال جميع ما يحدث على انه تمرد للطائفة السنية على الحكومة ، و يستشهدون على ذلك بكون اغلب الاحتجاجات حدثت في مناطق ذات اغلبية سنية ؛ أعتقد ان هذا الطرح طرح تأزيمي فتنوي يسعى لإحداث شرخ في النسيج الاجتماعي العماني ، كما انه يجافي الصواب فالحركة الاحتجاجية حركة وطنية شعبية صرفه شارك فيها اناس من كل المذاهب و المدارس الفكرية و لم تتسم بأي سمة مذهبية ، كما انها خرجت مسيرات و بعض المظاهرات في مناطق ذات اغلبية اباضية .
و رغم ذلك لا بد أن نعي بأن لأهل السنة كما لغيرهم مطالب خاصة عادلة تتعلق بهم ، و قد رفعت خلال هذه الحركة الإحتجاجية ضمن ما رفع من مطالب و ذلك لتقاعس الأجهزة المعنية في التعاطي معها، و هذا لا يعني بحال من الأحوال نوع من التمرد او التعصب او اثارة الفتن ، و إنما هي في حقيقة الأمر درء لفتن كثير قد تحدث في المستقبل المنظور حال إهمالها ، كما إنها تعمل على حماية النسيج الاجتماعي و الرباط الديني في ظل أفق وطني واحد يعمل على احتواء الجميع ؛ فمن المهام الرئيسة لأية حكومة احتواء التنوع و ادارة الاختلافات الموجودة بين الشعب .
2ـ القراءة الاتهامية الاولى :
تواردت الأخبار بعد أحداث صحار ان المخربين ليسوا من اهل صحار ، و ارى في هذا الكلام محاول لدفع التهمة عن أهل صحار و كأن أهل صحار متهمين إبتداء و عليهم تبرئة ساحتهم !، و الخطأ في هذا الطرح يكمن في أمرين :
أ ـ لا يجوز اتهام اهل ولاية بأعمال قام بها البعض ـ و ان كانوا من اهل الولاية ـ فهذا لا يجوز شرعا و لا عرفا و لا أدبا فقولنا اهل المنطقة الفلانية هم من فعل كذا و كذا يعد تجني و اعتداء على أبرياء و تشويه غير مبرر ، فالأحداث و قعت في صحار و لكن من فعلها قد يكون من صحار و قد يكون من غيرها ، و ينبغي علينا أن نكون دقيقين في اختيار عبارتنا فمن قام بالأعمال التخريبية هم فئة محدودة من الشباب و هم مخطئون في سلوكهم اخطئوا في حق الله اولا ثم في حق أنفسهم و بلدهم .
ب ـ ليسوا من اهل صحار ،و هذه الجملة تثير تساؤولا آخر اذا من اي الولايات هم ؟
و بعد تحديد الولاية ستتحول أصابع الاتهام اليها!
لا بد ان نكون أكثر وعيا فهذا السؤال و اشبابهه يطرح إشكالات و لا يعالجها ، فما يتطلبه الموقف ان نعرف هوية من قام بهذه الأعمال التخريبية ؟ و لماذا فعلوا ذلك ؟ لتتم محاسبتهم و من ثم معاقبتهم .
لا نريد ان تنسب اعمال التخريب الى اهل اي ولاية أو فئة أو قبيلة في بلدنا الحبيب فلا تزر وازرة وزر أخرى ،كما لا نريد إحداث أية حساسيات بين أبناء عمان فحب الوطن يدعونا لحب أرضه و سمائه ، شماله و جنوبه ، حضره و بدوه ، سهله و جبله ؛ وغرس عمان طيب و ثمره طيب و شبابه طيب بإذن الله هذا هو الأصل و لكل قاعدة شواذ و قد قرر علماء الاصول ان الشاذ لا يقاس عليه .
3ـ القراءة الإتهامية الثانية :
هناك قراءة تشير إلى وجود أطراف خارجية تدفع بالمتظاهرين !
و هذه قراءة تسيء الى عقول العمانيين و إرادتهم و نزاهتهم ، و أظن ان الشباب العماني أكبر من أن يكون أداة في يد الغير أو أن يكون المال وقوده و محركه .
و ما يجعلنا أن نستبعد هذه القراءة أن الكل يتفق على ضرورة إحداث تغيير ، كما أن الكل يتفق على أن مطالب الإصلاح المشروعة والعادلة مقبولة ، و كذلك فإن الكل يتفق على نبذ التخريب و الإفساد و الصدام .
و جميع ذلك يجعلنا نعتقد أن هذا الحراك المطالب بالإصلاح حراك وطني شريف يخدم مصالح البلد و ليس أطراف خارجية سواء في ذلك الحراك الشعبي أو الرسمي ، أما الفساد سواء الذي أحدثه بعض المتظاهرون أو أحدثه و يحدثه بعض المسؤولين فهو دون أدنى شك يصب في خدمة أعداء الوطن في الداخل و الخارج.
ـ و رغم جميع ذلك فلا نستطيع الجزم بنفي احتمالية وجود ضعاف النفوس ممن يبيعون أوطانهم بعرض من الدنيا قليل ، إلا أن وجودهم لا يشوب نزاهة هذا الحراك و طهارته ، و دور هذه الفئة لن يعدو ان يكون محاولة تشويه نزاهة الحراك أو الدفع به إلى آفاق المجهول .
غير أن وعي الشعب و نضجه تحول دون تمكين هؤولاء من تشويه هذا الحراك الوطني وقيادة الأحداث إلى آفاق المجهول بل انها كفيله بتطهير ذاتها من أمثال هؤولاء و نفيهم كما ينفي الكير خبث الحديد .
4ـ القراءة العدائية التحريضية :
سمعنا و رأينا من ينفخ بقوة في اتجاه التصعيد العدائي ضد كل ما يرمز إلى الحكومة أو أجهزة الأمن دون تمييز أو تقييم أو تقدير أو إنصاف ، و كأن القائمين على هذه الأجهزة ليسوا من أبناء عمان ، وكأن كراهيتهم دين و قربه !
إن الانفعال الزائد و تأجيج العواطف يفقد المرء اتزانه و يقوده إلى زاوية ضيقه حرجه تضيق فيها الخيارات كما يعمل على إثارة ألوان و أنواع من الحقد و الكراهية تجاه الآخر ، و يعمل على استدعاء جميع التجارب و القصص التي تعزز ذلك .
المطالبة بمحاسبة من أساء و تعدى و ظلم مطلب مشروع و مكفول ، أما إثارة الضغينة و الكراهية و الدعوة إلى المواجهة و الصدام فمرفوض شرعا و عقلا و عرفا و لن يكون إلا في مصلحة الشيطان .
5ـ القراءة الالتفافية التميّعية :
هناك من يسعى إلى الالتفاف على المطالب المشروعة و تمييعها تارة بإعطاء الموضوع اقل من حجمه ، و تارة بتسفيه القائمين عليه و الداعين إليه و اتهامهم بالجهل و التخلف و التبعية لأطراف خارجية ، و تارة بمحاوله تجاهل المطالب و اعتبارها غير عادله من غير إبداء الأسباب ، او من خلال الادعاء بعدم وجود ما يحتاج إلى إصلاح فجميع الأوضاع سليمة 100%!
و هذا يذكرنا بموقف احد المسؤولين عندما سئل عن سبب عدم وجود بنوك إسلامية في بلده ؟ فرد بأن جميع المصارف الموجودة إسلامية و علل ذلك بان جميع العاملين في هذه المصارف مسلمين و الأموال المودعة فيها أموالهم لأناس مسلمين !!!.
احترام العقول مطلوب و الضحك على الذقون مرفوض ، و الإلتفاف على المطالب غير لائق ، و احترام تطلعات الشباب و طموحاتهم واجب فهم عماد المجتمع و وقوده و حاضره و مستقبله .
(ثلاث كلمات... من أجلك وطني ... !)
الكلمة الثالثة
ثالثا :ـ بلورة المطالب العادلة :
1ـ بين المطالب الخاصة والعامة :
دخل أحدهم على عالم من أكابر علماء زمانه ، فقال له يا إمام عندي مسألة صغيرة ، فرد عليه العالم بتلقائيه ابحث لها عن رجل صغير ! و لم يأت هذا الجواب من باب التكبر بل من باب فقه الموقف .
إن الأحداث الكبيرة تتطلب منا وعيا كبيرا و مطالب متوازية مع الحدث ، و إن كانت هناك مطالب خاصة و محلية لأهل منطقة أو فئة معينة و هي مطالب مشروعة في الجملة ، إلا أن الواجب علينا أن لا نغلبها على المطالب العامة و التي تعود بالنفع على الجميع دون استثناء .
2ـ التغيير ... نحو المطالب العادلة :
التغيير لأجل التغيير نوع من الترف الفكري السمج و لا يستحق من العقلاء اي التفات أو عناء ، اما التغيير لأجل الاصلاح و الرفعة و مزيد من الحرية والرفاهية ، فهو مجال فكر المفكرين و اجتهاد المجتهدين لتقديم الأهم على المهم و العام على الخاص والكبير على الصغير.
المطالب الإصلاحية التي قدمت كثيرة و متنوعة ، و في مجملها مطالب عادله مشروعة و لقد حاولت جاهدا ان احدد اهم المطالب حسب اعتقادي ، و ذلك من خلال ما يظهر لي من رغبة المواطن العماني و تطلعه إلى إحداث إصلاحات حقيقية عميقة و شاملة و يمكن ان ألخص أهم ملامح هذه الإصلاحات من خلال الآفاق التالية:
ـ أفق الحريات :
1. إعطاء مساحات أوسع للحراك الاجتماعي المدني و إتاحة المجال لقيام مؤسسات مدنية متنوعة يمكنها ممارس دور حيوي في حفظ حقوق الوطن المواطن و خدمته ، و ذلك من خلال تخفيف القيود و الاشتراطات المفروضة و تسهيل الإجراءات و تسريعها .
2. اعطاء مساحات اكبر للصحافة و الإعلام الحر ، و إتاحة المجال لقيام مؤسسات مستقلة تستطيع القيام بدور فاعل في الجوانب الرقابية و النقدية و التوعوية وفق الضوابط التي تكفل احترام خصوصية الجميع .
3. إعطاء مساحة أكبر للمشاركة السياسية ، من خلال إعطاء مجلس الشورى صلاحيات اكبر في صناعة القرار و رقابة الأجهزة التنفيذية ، بالاضافة اتاحة المجال لتأسيس احزاب سياسية تمثل توجهات الشعب و فق ضوابط و قوانين موضوعية و مرحلية .
4. إفساح المجال للإقتصاد الإسلامي من خلال فتح المجال لإنشاء مؤسسات اقتصادية إسلامية من مصارف و بنوك و شركات تأمين تعمل وفق الضوابط الإسلامية ، و إعطائها الحق في ممارسة دورها كغيرها من المؤسسات الموجودة .
5. إعطاء الحق للمذاهب الإسلامية المختلفة التي يتكون منها المجتمع العماني من إيجاد مرجعيات دينية رسمية تمثلهم و تشرف على شؤونهم الدينية الخاصة ضمن مؤسسات الدولة ـ مما لا يمس بالشأن العام ـ مع مراعاة هذه الخصوصية في شؤون الأوقاف و القضاء و الفتوى و شؤون المساجد .
ـ أفق الفساد :
1. كبح جماح المعتدين على الأموال العامة و محاسبتهم ومعاقبتهم ، وفق قاعدة من اين لك هذا...! و ذلك من خلال تعزيز دور المؤسسات الرقابية بالاضافة الى تعزيز دور الادعاء العام و المؤسسة القضائية لتكون هذه المؤسسات قوية في الاداء ، سريعة في التنفيذ ، نزيه في التعاطي مع الجميع .
2. تحسين المستوى المعيشي للمواطن ، من خلال رفع المخصصات المالية ، و إيجاد وسائل و مؤسسات تعمل على تحقيق الاستقرار النفسي بتسهيل الزواج ، والاستقرار المادي بتسهيل امتلاك السكن الملائم .
3. مراجعة القرارات و القوانين التي تثقل كاهل المواطن ، و تدفع نحو الغلاء المفرط ، و لا تصب إلا في مصلحة فئة معينة من التجار و المتنفذين .
4. المحافظة على الهوية العمانية الإسلامية و سمتها و إعادة النظر في كل ما يتصادم مع هذه الهوية من نظم و قوانين تعمل على تجريد المجتمع من قيمه و هويته ، و يمكن أن يتم ذلك من خلال هيئات مختصة.
ـ أفق التربية :
1. تغيير نظام التعليم الذي يعتقد جمهور التربويين و المهتمين بأنه عجز عن تحقيق غاياته بل جاء بنتائج عكسية و العمل على معالجة نتائجه السلبية.
2. توسيع دائرة التعليم العالي من خلال ايجاد جامعة حكومية أخرى تستوعب المخرجات الوطنية .
3. المحافظة على الهوية العمانية الإسلامية و سمتها و تعميق روح الوطنية في البئية التعليمية و محاربة الفساد الأخلاقي .
3ـ الحكومة و دورها تجاه مطالب الشعب :
استجابة الحكومة لمطالب الجماهير العادلة و المعقوله هو أفضل و أنبل ما تقدمه الحكومة للجماهير ، و هو دليل رشدها و ادراكها لما لها و عليها من حقوق و واجبات ، و قطعا ستكون تلك الإستجابة صفحة مشرقة من صفحات التأريخ لا ينكرها الا جاهل أو ظالم .
إن عظمة الحاكم تتمثل في قدرته على العطاء الدائم و المستمر ، و هذا ما عودنا عليه مولانا حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم فعطائه متجدده ، واستجابته السريعة بشائر خير ، و نظره في ما تبقى من مطالب عاقبتها إلى خير باذن الباري سبحانه و هذا ما يجعل الشعب العماني يتطلع الى استجابة جلالته بالأمل و الثقة تطلع الضمآن إلى سقيا الملك الكريم ، ... ( ... لله الامر من قبل و من بعد و يومئذ يفرح المؤمنون ) الروم (4) .
[/SIZE][/S
(الكلمة الأولى)
ـ مقدمة :
الحمد لله و كفى و الصلاة و السلام على النبي المصطفى و اله و صحبه و من اجتبى ...
في ظل الضروف الراهنة هناك العديد من الأسئلة التي تطرح و لا بد لها من أجوبة ، كما ان هناك العديد من الأجوبة التي تقال و لا بد لها من تمحيص .
لقد عبر الكثيرون عن آرائهم و كتبوا تعليقاتهم حول ما يحدث فمنهم من اصاب كبد الحقيقة و منهم جانب الصواب أو جانبه الصواب بدرجات متفاوته .
و بما ان الحدث كبير فيقتضي منا طرحا متجردا عميقا، و لا ادعي اني استوفيت ذلك و لكني بذلت جهدي لمقاربة ذلك ، من خلال محاولة تسليط الضوء على اهم ما يمكن قوله و ذلك من خلال العناوين التالية :
أولا ـ مقاربة لفهم الواقع : ما الذي يحدث ؟
1ـ طبيعة الحركات الاحتجاجية :
من طبيعة الحركات الاحتجاجية المنظمة أنها تخرج بمطالب واضحة محدده و بأسلوب مناسب لواقع المجتمع ، و يتصدرها أناس يمتلكون قدرا جيدا من التعبير عن مطالب المحتجين و تنظيمهم و توجيههم .
و رغم ذلك فقد تتعرض هذه الحركات الإحتجاجية لموجات من التغيير و التحريف أو التصعيد و التحريض بدوافع عاطفية من أناس غير واعين بطبيعة الامور تدفعهم المشاعر المتأججة الى تبني أفكار ارتجالية غير مدروسة و سلوكيات عدائية غير متزنه ، او من اناس مفسدين يعملون على تشويش المطالب العادلة و تشويه الحركة الاحتجاجية عمدا و عدوانا ، أو من اناس مخربين يجدون في أجواء الاضطراب و الفوضى مجالا رحبا للنهب و التخريب ، و في جميع الحالات لا بد من التركيز على وضوح المطالب و الأهداف ، بالاضافة الى الإعتماد على أهل العقل و الحكمة لتسديد الخطى و ترشيد الرأي و توجيهه الوجه الصحيحة .
و في ظل غياب هذين الامرين ـ المطالب الواضحة و أصحاب العقول الراجحة ـ تلتبس الأمور على الناس فلا يحسنون قراءة الموقف بالشكل الصحيح ، كما يتعذر عليهم صياغة مطالبهم بصورة مركزة واضحة تساعدهم على معرفة مدى استجابة الحكومة لتلك المطالب ، فعدم تحديد المطالب بوضوح يؤدي إلى إفساح المجال لظهور المطالب العشوائية أو الخاصة و التي قد تؤدي إلى طمس بريق المطالب الرئيسة العادلة و إطفاء جذوتها .
2ـ أحداث صحار بين الأصل و الاستثناء :
ما حدث في صحار من اعمال فوضى و قتل رفضها جميع العقلاء و لا يمكننا ان نجد لها اي مسوغ او مبرر مهما كانت الظروف ، و مع ذلك لا بد لنا ان نفرق بين الأصل و الاستثناء ، فالأصل في الإنسان العماني السماحة و العقل و البعد عن العنف روى مسلم في صحيحه عن أبي برزة أن رسول الله {صلى الله عليه وسلم} بعث رجلاً إلى حيٍّ من أحياء العرب فسبوه وضربوه فأتى رسول الله {صلى الله عليه وسلم} وأخبره فقال له : ( لو أن أهل عمان أتيت ماسبوك ولا ضربوك ).
و رغم ذلك يحاول البعض أن يتهم أهل منطقة بعينها بالفوضى و التخريب و كأن ذلك هو الأصل في سلوكهم ، كما أن البعض يحاول اتهام بعض الأجهزة الأمنية بالدموية و البطش و كأن ذلك هو الأصل في سلوكها ! .
اعتقد أن كلا الإتهامين غير صحيحين ، فلا بد أن نفهم الأحداث على طبيعتها فما حدث في صحار هو عبارة عن حدث استثنائي وقع في ظل ضروف إستثنائية ، فليس أهل صحار بالمخربين أو المفسدين أو المعادين لأحد بل هم قمة في الذوق و الأخلاق الرفيعة و الكرم ، كما ان الاجهزة الامنية ليست اجهزة دموية تتعمد القتل و البطش ، فالكل يعرف ما تقوم به الاجهزة الامنية من دور فاعل و ايجابي في حفظ الأمن و الأمان بما في ذلك أمن المحتجين ، كما أن العاملين في هذه الأجهزة جزء لا يتجزأ من مكونات الشعب و لا انفصام بينهما ، فما حصل في صحار هو عبارة عن حدث استثنائي وقع في ظل ظروف استثنائي .
و رغم ذلك لا بد من محاسبة المسؤولين عن ما حدث في ظل تحقيقات مستوفية و قضاء عادل دون ارتجال او عشوائيه ، فالظلم لا يعالج بالظلم و الخطأ لا يعالج بالخطأ والدفع لا يكون إلا بالتي هي أحسن قال تعالى :
( وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (34) وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (35) ) فصلت .
3ـ إلى ماذا تدعوا الحركة الاحتجاجية ؟
حاول البعض تصوير الحركة الاحتجاجية على أنها مطالب الشعب بإسقاط النظام، و هذا الطرح يجافي الواقع فالتفاف الشعب حول سلطان البلاد المفدى امر مسلم و لا جدال عليه بين الجميع ، و الصحيح ان الحراك جاء للمطالبة باجراء اصلاحات سريعة و عميقة و شامله ، و جميع هذه المطالبات في جوهرها تصب في مصلحة الوطن و المواطن والحكومة نفسها .
فأغلبية مكونات الشعب العماني تثق في حكمة سلطان البلاد المفدى و تكن له الاحترام و التقدير و الحب و الولاء و تدرك بشكل كبير دوره في وحدة الوطن و سلامة أراضيه ، و تدرك مدى جديته في تلبية مطالب شعبه و تحقيق رفاهيتهم و رفعتهم ، روى مسلم في صحيحة من حديث عن عوفِ بن مَالِكٍ - رضي الله عنه - ، قَالَ : سَمِعْتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - ، يقول : (( خِيَارُ أئِمَّتِكُمُ الَّذِينَ تُحِبُّونَهُمْ وَيُحِبُّونَكُمْ ، وَتُصَلُّونَ عَلَيْهِمْ وَيُصَلُّونَ عَلَيْكُمْ ـ أي تدعون لهم و يدعون لكم ـ ....! )) .
(ثلاث كلمات... من أجلك وطني ... !)
الكلمة الثانية
ثانيا :ـ القراءات التأزيمية الخمس :
ـ لا بد من الإشارة إلى أن هناك من يقوم بعرض قراءات غير متزنة للأحداث و يحاول أن يروج لها دون إدراك تداعياتها ، و لا تكمن خطورة هذه القراءات في خطئها و حسب ، بل تكمن خطورتها في كونها تنحو بالأحداث إلى إتجاه تأزيمي على المدى البعيد و من أهم هذه القراءات ما يلي :
1ـ القراءة الإختزالية المذهبية :
يحاول البعض اختزال جميع ما يحدث على انه تمرد للطائفة السنية على الحكومة ، و يستشهدون على ذلك بكون اغلب الاحتجاجات حدثت في مناطق ذات اغلبية سنية ؛ أعتقد ان هذا الطرح طرح تأزيمي فتنوي يسعى لإحداث شرخ في النسيج الاجتماعي العماني ، كما انه يجافي الصواب فالحركة الاحتجاجية حركة وطنية شعبية صرفه شارك فيها اناس من كل المذاهب و المدارس الفكرية و لم تتسم بأي سمة مذهبية ، كما انها خرجت مسيرات و بعض المظاهرات في مناطق ذات اغلبية اباضية .
و رغم ذلك لا بد أن نعي بأن لأهل السنة كما لغيرهم مطالب خاصة عادلة تتعلق بهم ، و قد رفعت خلال هذه الحركة الإحتجاجية ضمن ما رفع من مطالب و ذلك لتقاعس الأجهزة المعنية في التعاطي معها، و هذا لا يعني بحال من الأحوال نوع من التمرد او التعصب او اثارة الفتن ، و إنما هي في حقيقة الأمر درء لفتن كثير قد تحدث في المستقبل المنظور حال إهمالها ، كما إنها تعمل على حماية النسيج الاجتماعي و الرباط الديني في ظل أفق وطني واحد يعمل على احتواء الجميع ؛ فمن المهام الرئيسة لأية حكومة احتواء التنوع و ادارة الاختلافات الموجودة بين الشعب .
2ـ القراءة الاتهامية الاولى :
تواردت الأخبار بعد أحداث صحار ان المخربين ليسوا من اهل صحار ، و ارى في هذا الكلام محاول لدفع التهمة عن أهل صحار و كأن أهل صحار متهمين إبتداء و عليهم تبرئة ساحتهم !، و الخطأ في هذا الطرح يكمن في أمرين :
أ ـ لا يجوز اتهام اهل ولاية بأعمال قام بها البعض ـ و ان كانوا من اهل الولاية ـ فهذا لا يجوز شرعا و لا عرفا و لا أدبا فقولنا اهل المنطقة الفلانية هم من فعل كذا و كذا يعد تجني و اعتداء على أبرياء و تشويه غير مبرر ، فالأحداث و قعت في صحار و لكن من فعلها قد يكون من صحار و قد يكون من غيرها ، و ينبغي علينا أن نكون دقيقين في اختيار عبارتنا فمن قام بالأعمال التخريبية هم فئة محدودة من الشباب و هم مخطئون في سلوكهم اخطئوا في حق الله اولا ثم في حق أنفسهم و بلدهم .
ب ـ ليسوا من اهل صحار ،و هذه الجملة تثير تساؤولا آخر اذا من اي الولايات هم ؟
و بعد تحديد الولاية ستتحول أصابع الاتهام اليها!
لا بد ان نكون أكثر وعيا فهذا السؤال و اشبابهه يطرح إشكالات و لا يعالجها ، فما يتطلبه الموقف ان نعرف هوية من قام بهذه الأعمال التخريبية ؟ و لماذا فعلوا ذلك ؟ لتتم محاسبتهم و من ثم معاقبتهم .
لا نريد ان تنسب اعمال التخريب الى اهل اي ولاية أو فئة أو قبيلة في بلدنا الحبيب فلا تزر وازرة وزر أخرى ،كما لا نريد إحداث أية حساسيات بين أبناء عمان فحب الوطن يدعونا لحب أرضه و سمائه ، شماله و جنوبه ، حضره و بدوه ، سهله و جبله ؛ وغرس عمان طيب و ثمره طيب و شبابه طيب بإذن الله هذا هو الأصل و لكل قاعدة شواذ و قد قرر علماء الاصول ان الشاذ لا يقاس عليه .
3ـ القراءة الإتهامية الثانية :
هناك قراءة تشير إلى وجود أطراف خارجية تدفع بالمتظاهرين !
و هذه قراءة تسيء الى عقول العمانيين و إرادتهم و نزاهتهم ، و أظن ان الشباب العماني أكبر من أن يكون أداة في يد الغير أو أن يكون المال وقوده و محركه .
و ما يجعلنا أن نستبعد هذه القراءة أن الكل يتفق على ضرورة إحداث تغيير ، كما أن الكل يتفق على أن مطالب الإصلاح المشروعة والعادلة مقبولة ، و كذلك فإن الكل يتفق على نبذ التخريب و الإفساد و الصدام .
و جميع ذلك يجعلنا نعتقد أن هذا الحراك المطالب بالإصلاح حراك وطني شريف يخدم مصالح البلد و ليس أطراف خارجية سواء في ذلك الحراك الشعبي أو الرسمي ، أما الفساد سواء الذي أحدثه بعض المتظاهرون أو أحدثه و يحدثه بعض المسؤولين فهو دون أدنى شك يصب في خدمة أعداء الوطن في الداخل و الخارج.
ـ و رغم جميع ذلك فلا نستطيع الجزم بنفي احتمالية وجود ضعاف النفوس ممن يبيعون أوطانهم بعرض من الدنيا قليل ، إلا أن وجودهم لا يشوب نزاهة هذا الحراك و طهارته ، و دور هذه الفئة لن يعدو ان يكون محاولة تشويه نزاهة الحراك أو الدفع به إلى آفاق المجهول .
غير أن وعي الشعب و نضجه تحول دون تمكين هؤولاء من تشويه هذا الحراك الوطني وقيادة الأحداث إلى آفاق المجهول بل انها كفيله بتطهير ذاتها من أمثال هؤولاء و نفيهم كما ينفي الكير خبث الحديد .
4ـ القراءة العدائية التحريضية :
سمعنا و رأينا من ينفخ بقوة في اتجاه التصعيد العدائي ضد كل ما يرمز إلى الحكومة أو أجهزة الأمن دون تمييز أو تقييم أو تقدير أو إنصاف ، و كأن القائمين على هذه الأجهزة ليسوا من أبناء عمان ، وكأن كراهيتهم دين و قربه !
إن الانفعال الزائد و تأجيج العواطف يفقد المرء اتزانه و يقوده إلى زاوية ضيقه حرجه تضيق فيها الخيارات كما يعمل على إثارة ألوان و أنواع من الحقد و الكراهية تجاه الآخر ، و يعمل على استدعاء جميع التجارب و القصص التي تعزز ذلك .
المطالبة بمحاسبة من أساء و تعدى و ظلم مطلب مشروع و مكفول ، أما إثارة الضغينة و الكراهية و الدعوة إلى المواجهة و الصدام فمرفوض شرعا و عقلا و عرفا و لن يكون إلا في مصلحة الشيطان .
5ـ القراءة الالتفافية التميّعية :
هناك من يسعى إلى الالتفاف على المطالب المشروعة و تمييعها تارة بإعطاء الموضوع اقل من حجمه ، و تارة بتسفيه القائمين عليه و الداعين إليه و اتهامهم بالجهل و التخلف و التبعية لأطراف خارجية ، و تارة بمحاوله تجاهل المطالب و اعتبارها غير عادله من غير إبداء الأسباب ، او من خلال الادعاء بعدم وجود ما يحتاج إلى إصلاح فجميع الأوضاع سليمة 100%!
و هذا يذكرنا بموقف احد المسؤولين عندما سئل عن سبب عدم وجود بنوك إسلامية في بلده ؟ فرد بأن جميع المصارف الموجودة إسلامية و علل ذلك بان جميع العاملين في هذه المصارف مسلمين و الأموال المودعة فيها أموالهم لأناس مسلمين !!!.
احترام العقول مطلوب و الضحك على الذقون مرفوض ، و الإلتفاف على المطالب غير لائق ، و احترام تطلعات الشباب و طموحاتهم واجب فهم عماد المجتمع و وقوده و حاضره و مستقبله .
(ثلاث كلمات... من أجلك وطني ... !)
الكلمة الثالثة
ثالثا :ـ بلورة المطالب العادلة :
1ـ بين المطالب الخاصة والعامة :
دخل أحدهم على عالم من أكابر علماء زمانه ، فقال له يا إمام عندي مسألة صغيرة ، فرد عليه العالم بتلقائيه ابحث لها عن رجل صغير ! و لم يأت هذا الجواب من باب التكبر بل من باب فقه الموقف .
إن الأحداث الكبيرة تتطلب منا وعيا كبيرا و مطالب متوازية مع الحدث ، و إن كانت هناك مطالب خاصة و محلية لأهل منطقة أو فئة معينة و هي مطالب مشروعة في الجملة ، إلا أن الواجب علينا أن لا نغلبها على المطالب العامة و التي تعود بالنفع على الجميع دون استثناء .
2ـ التغيير ... نحو المطالب العادلة :
التغيير لأجل التغيير نوع من الترف الفكري السمج و لا يستحق من العقلاء اي التفات أو عناء ، اما التغيير لأجل الاصلاح و الرفعة و مزيد من الحرية والرفاهية ، فهو مجال فكر المفكرين و اجتهاد المجتهدين لتقديم الأهم على المهم و العام على الخاص والكبير على الصغير.
المطالب الإصلاحية التي قدمت كثيرة و متنوعة ، و في مجملها مطالب عادله مشروعة و لقد حاولت جاهدا ان احدد اهم المطالب حسب اعتقادي ، و ذلك من خلال ما يظهر لي من رغبة المواطن العماني و تطلعه إلى إحداث إصلاحات حقيقية عميقة و شاملة و يمكن ان ألخص أهم ملامح هذه الإصلاحات من خلال الآفاق التالية:
ـ أفق الحريات :
1. إعطاء مساحات أوسع للحراك الاجتماعي المدني و إتاحة المجال لقيام مؤسسات مدنية متنوعة يمكنها ممارس دور حيوي في حفظ حقوق الوطن المواطن و خدمته ، و ذلك من خلال تخفيف القيود و الاشتراطات المفروضة و تسهيل الإجراءات و تسريعها .
2. اعطاء مساحات اكبر للصحافة و الإعلام الحر ، و إتاحة المجال لقيام مؤسسات مستقلة تستطيع القيام بدور فاعل في الجوانب الرقابية و النقدية و التوعوية وفق الضوابط التي تكفل احترام خصوصية الجميع .
3. إعطاء مساحة أكبر للمشاركة السياسية ، من خلال إعطاء مجلس الشورى صلاحيات اكبر في صناعة القرار و رقابة الأجهزة التنفيذية ، بالاضافة اتاحة المجال لتأسيس احزاب سياسية تمثل توجهات الشعب و فق ضوابط و قوانين موضوعية و مرحلية .
4. إفساح المجال للإقتصاد الإسلامي من خلال فتح المجال لإنشاء مؤسسات اقتصادية إسلامية من مصارف و بنوك و شركات تأمين تعمل وفق الضوابط الإسلامية ، و إعطائها الحق في ممارسة دورها كغيرها من المؤسسات الموجودة .
5. إعطاء الحق للمذاهب الإسلامية المختلفة التي يتكون منها المجتمع العماني من إيجاد مرجعيات دينية رسمية تمثلهم و تشرف على شؤونهم الدينية الخاصة ضمن مؤسسات الدولة ـ مما لا يمس بالشأن العام ـ مع مراعاة هذه الخصوصية في شؤون الأوقاف و القضاء و الفتوى و شؤون المساجد .
ـ أفق الفساد :
1. كبح جماح المعتدين على الأموال العامة و محاسبتهم ومعاقبتهم ، وفق قاعدة من اين لك هذا...! و ذلك من خلال تعزيز دور المؤسسات الرقابية بالاضافة الى تعزيز دور الادعاء العام و المؤسسة القضائية لتكون هذه المؤسسات قوية في الاداء ، سريعة في التنفيذ ، نزيه في التعاطي مع الجميع .
2. تحسين المستوى المعيشي للمواطن ، من خلال رفع المخصصات المالية ، و إيجاد وسائل و مؤسسات تعمل على تحقيق الاستقرار النفسي بتسهيل الزواج ، والاستقرار المادي بتسهيل امتلاك السكن الملائم .
3. مراجعة القرارات و القوانين التي تثقل كاهل المواطن ، و تدفع نحو الغلاء المفرط ، و لا تصب إلا في مصلحة فئة معينة من التجار و المتنفذين .
4. المحافظة على الهوية العمانية الإسلامية و سمتها و إعادة النظر في كل ما يتصادم مع هذه الهوية من نظم و قوانين تعمل على تجريد المجتمع من قيمه و هويته ، و يمكن أن يتم ذلك من خلال هيئات مختصة.
ـ أفق التربية :
1. تغيير نظام التعليم الذي يعتقد جمهور التربويين و المهتمين بأنه عجز عن تحقيق غاياته بل جاء بنتائج عكسية و العمل على معالجة نتائجه السلبية.
2. توسيع دائرة التعليم العالي من خلال ايجاد جامعة حكومية أخرى تستوعب المخرجات الوطنية .
3. المحافظة على الهوية العمانية الإسلامية و سمتها و تعميق روح الوطنية في البئية التعليمية و محاربة الفساد الأخلاقي .
3ـ الحكومة و دورها تجاه مطالب الشعب :
استجابة الحكومة لمطالب الجماهير العادلة و المعقوله هو أفضل و أنبل ما تقدمه الحكومة للجماهير ، و هو دليل رشدها و ادراكها لما لها و عليها من حقوق و واجبات ، و قطعا ستكون تلك الإستجابة صفحة مشرقة من صفحات التأريخ لا ينكرها الا جاهل أو ظالم .
إن عظمة الحاكم تتمثل في قدرته على العطاء الدائم و المستمر ، و هذا ما عودنا عليه مولانا حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم فعطائه متجدده ، واستجابته السريعة بشائر خير ، و نظره في ما تبقى من مطالب عاقبتها إلى خير باذن الباري سبحانه و هذا ما يجعل الشعب العماني يتطلع الى استجابة جلالته بالأمل و الثقة تطلع الضمآن إلى سقيا الملك الكريم ، ... ( ... لله الامر من قبل و من بعد و يومئذ يفرح المؤمنون ) الروم (4) .
[/SIZE][/S