(1)
شق الطريق
شق الطريق
عندما كنا صغارا فقد كان السؤال الملح: ماذا تريد أن تصبح عندما تنهي المدرسة؟ بكل سذاجة نرد أحيانا بأنني نريد ان نكون جنودا أو شرطة أو موظفين. الذين فكروا منا في الطب أو الهندسة فإنهم لم يحددوا ذلك التخصص؛ مثلا، جراحة باطنية أو جراحة أعصاب، أو أطفال،، الخ، وحتى الهندسة لها تشعباتها: مدنية، ميكانيكية، معمارية، معدات، الكترونية، كهربائية، الخ.. وحيث أنه ومع بداية الثمانينات فقد كانت الفرصة سهلة جدا للحصول على أية وظيفة، وبالتالي لم تكن هناك حاجة للتخصصية طالما أن الوظيفة موجودة. فقد كان المنادي ينادي في السوق بأن هناك وظائف في "الجيش" أو في الوزارات مطلوب شغلها. بل أن الحكومة كانت تشجع الشخص على التسجيل بدون اية عراقيل..
لم يكن خميس بن مبارك العلوي استثنائيا. فقد كان حلمه البسيط أن يصبح مدرسا. وقد تحقق حلمه عندما تخرج من ولاية أوهايو الأمريكية بعدما تم نقله من استراليا مع زملائه الآخرين. آنذاك (عام 1983) كانت المناهج القطرية تسجل آخر سنة لها قبل أن تدخل المناهج العمانية لتنتقل إلى مرحلة تدحرج التعليم فيها إلى منحى تنازلي... وهي إشكالية أخرى بحاجة إلى موضوع مستقل بذاته.. على أن التدريس كان في السلطنة قد ابتدأ بـ"معهد المعلمين" الذي كان يقبل خريجو الاعدادية العامة ليدرسوا في المعهد وكأنه مرحلة ثانوية، وبعد ذلك يصبحوا معلمين. ومع مرور السنين تحول القبول في المعهد إلى ما بد الثانوية ليدرس الطالب سنة أو سنتين فقط ليصبح معلما.. أما من كان محظوظا - كخميس العلوي - فقد نال شرف الحصول على بعثة خارج السلطنة كونه قد حاز على مجموع عالي أهله للدراسة في استراليا أمضى فيها سنة واحدة بعدها انتقل إلى الولايات المتحدة الأمريكية لكمل مشوار دراسته..
(2)
المدرس والطالب الجامعي
حمل خميس العلوي شهادته الجامعية واتجه بها إلى وزارة التربية والتعليم، حيث كان التدريس نصيبه،، لكنه اقتصر على اللغة الانجليزية التي يبدو أنه عشقها منذ الصغر، وحيث أن الفرص كانت متاحة جدا فلم يمضى سنين طويلة حتى كتب له القدر ليكون موجها للغة الانجليزية التي قام بتدريسها وممارستها. كان خميس ذلك الشاب القصير القامة الجهور الصوت مصدر إعجاب توحي بشخصية غير عادية. إذا رأيته من بعيد لتجاهلته لكن إذا اقتربت منه لنال إعجابك بعلو صوته وقدرته الجاذبة على الحديث. لذا لم تكن هناك صعوبة في أن يحصل على بعثة حكومية يكمل بها مشوار دراسته ما بعد الجامعية لتكون الماجستير ومن ثم الدكتوراه نصيبه وليتخصص في الأدب الانجليزي فنا وعلما...
الدكتوراه فتحت له الأبواب على مصراعيه. وكأي شاب فقد كان له طموح في أن يصبح أستاذا جامعيا وليس أستاذ مشارك أو أستاذ مساعد فقط وإنما "بروفيسورا". لكن لم يكن ليحلم أن يصبح "وزيرا". لذا كان اهتمامه بالاستاذية وهو يرى المستقبل أمامه لكن ذلك المستقبل مرسوم ببطء شديد.. كان يسعى ليجمع بعض المال ليبنى حياته لبنة لبنة ولذا فقد رافقته "الكورولا" الحمراء التي أحبها وعشقها قاطعا بها الدروب من مسقط العاصمة وإلى مسقط رأسه صور. بسيط كان ذلك الدكتور. وفي حين كان يسكن في شقة صغيرة في أمريكا وفي مسقط فقد فاجأه القدر عندما فتح له الخزائن ليسكن في قصر من قصور ولاية صور.. فكيف تحول ذلك الشاب الطامح بأشياء بسيطة إلى وزير تزاوج مع امبراطورية الكتلة الاقتصادية في البلاد ليصبح ذو شأن ويصبح من الأثرياء الذين ترست جيوبهم بملايين الريالات؟
(3)
بداية الصعود
أكثر من مرة ذكرها "معاوية الرواحي" بأن هناك "دكتاترة" في جامعة السلطان قابوس ينتظرون المراسيم السلطانية، فربما يكون لهم منها نصيب الأسد. ولم لا؟ فقد أخرجت الجامعة أربعة وزراء آنذاك، من بينهم ذلك الوزير "النظيف" الدكتور أحمد الرواحي الذي تحدى هوامير البحر فأغرقوه، لكن الشعب أحبه فلم يذكروه إلا بكل خير ليحل محله ذلك الشيخ الذي خرج هو الآخر مؤخرا من وزارة الزراعة بعدما امتلأت الجيوب أيضا. كما أن الدكتور محمد الرمحي كان قد تخصص في تدريس البترول ليصبح وزيرا للبترول. وأخيرا فإن الدكتورة شريفة اليحيائية كان لها من نصيب في الوزارة أيضا عندما تعينت في وزارة التنمية الاجتماعية. ورغم أنها كانت كاتبة آمنت بحرية التعبير عن الرأي إلا أنها "مشت مع الموج" فلم توافق على إشهار الجمعية العمانية للكتاب والأدباء إلا بعد عراك طويل انتهى بخروج جنين مشوه وهو النظام الأساسي للجمعية. لكن قبل ذلك لم يكن هناك من يحلم من الدكاترة الأستاذة بمناصب وزارية بل كان كثير منهم في عراك "إداري" حول تعيينه أو تغيير مسماه الوظيفي ليكون أكاديميا بدلا من إداريا.
لنا أن نتصور ما هو شعور شخص "على أد حاله" يقود تلك الكورولا ليأتيه الخبر من خلفه ومن فوقه بأنه أصبح وزيرا لوزارة البلديات الإقليمية والبيئة وموارد المياه!! يا إلهي!! هذه وزارة كبيرة وفيها عدة قطاعات، وكل قطاع أكبر من الثاني. وهي في الأصل ثلاث وزارات تم دمجها بموظفيها وقوانينها ونظمها وتشمل جغرافية السلطنة بأكملها باستثناء قطاع البلديات في مسقط، كما أنها تشمل جزءا من قطاع الطرق (الداخلية) لمختلف ولايات ومدن السلطنة، وبالتالي فإن المهمة كبيرة. لكن ما علينا. أكيد هناك مستشارين وخبراء وبالطبع وكلاء وزارة - كل في مجال تخصصه سوف يدلي بدلوه التخصصي رغم أن الوزير لم يمارس أي نشاط إداري في حياته. فكمدرس لغة انجليزية تكون الإدارة عليه وليست له وكأستاذ جامعي فهو أيضا يخضع للإدارة، لكن بين يوم وليلة يكون هو "رئيس الوحدة" أي في القمة، وأن "مديره" هو "المقام السامي" حتى وإن كان هناك مجلس وزراء به نائب رئيس لشئون مجلس الوزراء.. لقد كان خميس العلوي تحت المسئول والآن أصبح هو المسئول الأكبر....
(4)
بداية رصف الشوارع
ها هي وزارة البلديات الإقليمية تستقبل وزيرا جديدا ليست لديه أية خبرة في الإدارة وفي التعامل مع مئات الموظفين ومع مئات المشاريع ومع ملايين الريالات العمانية في موازنتها الكبيرة. لكن ليس ذلك مهما، فهناك الخبراء والمستشارون وهناك الوكلاء وهناك المدراء العامون، وبالطبع هناك مدراء الدوائر ورؤساء الأقسام والموظفون العاديون.. على أن الوزير يتمتع بطاقم متكامل ابتداء من رئيس مكتبه بدرجة مدير عام وبسكرتيره الشخصي وببقية الموظفين في ذلك المكتب. فالمدير العام والسكرتير الشخصي هما الأقرب للوزير وهما الأكثر أمانة وحرصا على كسب ثقته، وهما "الفلتر" الذي تمر من خلاله المعاملات الخاصة والعامة، وهما اللذان يقرران فتح مكتب الوزير أو غلقه أمام كل مراجع وكل مواطن، بل وأمام كل معاملة صغيرة كانت أو كبيرة. حتى وكيل الوزارة لا يستطيع أن يقابل "معاليه" إن رفض السكرتير الشخصي للوزير المقابلة متعللا بازدحام "أجندة" معاليه في المقابلات والمواعيد الأخرى. ولذا فقد كان معاليه كريما جدا مع رئيس مكتبه ومع حارسه الأمين "سكرتيره الشخصي". وسوف نجد كيف استفاد هذين الاثنين من كرم الوزير فدخلت الأصفار في حسابتهما والأصول في ممتلكاتهما، ولم يصبحا مجرد موظفين اثنين يحملنان درجة مالية لا يزيد راتبها على السبعمائة ريال وإنما أصحاب مال وعقار لم يكونا ليحلما به لولا أن ضرب الحظ الدكتور من مجرد أستاذ جامعي إلى وزير يشار إليه بالبنان..
في وزارة البلديات كان هناك وكيل وزارة قد تم نقله من وزارة النقل والاتصالات، ولأنه مهندس فإن لغة الأرقام والمشاريع هي الأقرب إليه من لغة الأدب والفلسفة. ذلك المهندس لم يستطع أن يصمد أمام تعليمات الوزير الديكتاتورية تارة وغير القانونية تارة أخرى، فنشب الخلاف بينهما، ولأن خميس العلوي كان قد بدأ نفوذه يتوسع فقد فعل كل مافي وسعه لأن يصبح المهندس (ماجد الرواحي) مستشارا، أي قام بتجميده وهو في عز عطائه وعنفوان شبابه ليجد ذلك المهندس طاولة بلا أي معاملة، وليس لديه شيء يفعله سوى قراءة جريدة من الألف إلى الياء. فقد سحب عنه العلوي كافة صلاحياته التي سبق أن سحب جزءا منها لما كان وكيل الوزارة. ولم يكن المهندس ماجد الرواحي أول ضحية وإنما هناك ضحايا أخرى سوف نسرد سيرة بعضها في وقت لاحق، لعل آخرها كابتن طيار محمد بن صخر العامري الذي استطاع خميس العلوي التخلص منه ليبقى العامري عضوا بمجلس الدولة. هذا بخلاف مدراء عامين إما فضلوا الاستقالة كما حصل لأحدهم في وزارة الاسكان أو بقوا على رأس عمل براتب لا يزيد على الثمانمئة ريال رغم أنهم يحملون الماجستير..
لقد أهدر الدكتور خميس العلوي كفاءات عمانية شابة وأقبر قدراتها في كواليس الوزارات أو رحمها بعدما استقالت وفضلت القطاع الخاص ليرزقها المولى عز وجل من حيث لا تحتسب، لكن في نفس الوقت خسرت الوزارات الثلاث التي تولاها طيلة عقد من الزمان كفاءات كانت لترتقي بالعمل الحكومي..
(5)
بداية المصالح المشتركة
بدأت شخصية خميس العلوي تظهر بعدما تمكن واستمكن. فرغم عدم خبرته في الوزارات الحكومية إلا أنه استطاع أن يتعلم الكيفية التي تدار بها الوزارات بشكل سريع. في وزارة البلديات التقى بمدير مكتبه الذي قام بنقله من وزارة إلى وزارة وكذلك سكرتيره الخاص. مدير المكتب حصل على المكافأة بتغيير درجته المالية لتكون "الخاصة" بعدما كانت من عامة الدرجات. الأمر تطلب بعض الاستثناء من قانون الخدمة المدنية، فحصل على ذلك الاستثناء.. كانت تلك البداية.
لخميس العلوي ميزات جعلته يقفز إلى القمة ويبقى فيها طويلا رغم العيوب التي صاحبت تلك الميزات. وهي ميزات قد تكون مكتسبة من البيئة التي عايشها وقد تكون متوارثة. ولن ندخل هنا في جدل حول شخصية الفرد وكيف تتكون، فهناك عشرات المؤلفات من الكتب بذلك. لكن ما يهمنا في هذه العجالة أنه ورغم قصر قامته إلا أن صوته الجهوري يفرض وجوده وبالتالي إذا طلب شيئا فإن الواقف أمامه ينفذه على الفور حتى وإن كان خاطئا من الناحية القانونية. وإذا رفض الشخص التنفيذ مع وجود المبررات فكأن العلوي يعتبر ذلك عصيانا لأوامره وبالتالي على الرافض تحمل العواقب مثل نقله جعله مستشارا أو تجميد صلاحياته - كما سنرى لاحقا..
ولربما يرى الآخرون بأن هناك وزراء كانوا مؤهلين لكن لم يكن يمتلكون العناصر الشخصية القيادية وبالتالي خسروا وظائفهم أيضا، ولعل من بينهم محمد بن عبدالله الحارثي الذي كان وزيرا للنقل والاتصالات ومن ثم الخدمة المدنية ولمدة أسبوع فقط البيئة والشئون المناخية. ذلك الوزير الطيب القلب والحسن المعاملة افتقد الشخصية الكارزماتية التي تجدها في خميس العلوي، فقد اتسم بـ"البرود" في اتخاذ القرارات التي تبقى طويلا في مكتبه، أي أنه لم يكن صاحب قرار فوري ونافذ وإنما متردد ويحسب للأمور ألف حساب، بخلاف خميس العلوي الذي كان جريئا في قراراته شجاعا في مواقفه. وتلك السمات البارزة والواضحة جعلته ينفذ مشاريع كانت راكدة لسنين طويلة، ولعل أبرزها مشاريع رصف الشوارع الداخلية لعدد من الولايات وكذلك توزيع الأراضي لما تولى وزارة الإسكان - وسوف نتطرق إلى ذلك لاحقا.
ما يهم القارئ هنا في هذا التحليل السيكولوجي البسيط لخميس العلوي أن ارتفاع أسهم شعبيته سواء في ملفات الحكومة أو ملفات المواطن إنما تأسس على تلك السمات والصفات القوية التي يلاحظها من احتك به، فهو قارئ نهم ومتابع للمشاريع بشكل مباشر، يتصل بمدراء الدوائر بشكل مباشر متجاوزا البروتوكول المتعارف عليه والمتمثل في المرور بوكيل الوزارة وبالمدير العام وأخيرا بمدير الدائرة. خميس العلوي كان يتجاوز تلك الحلقة الإدارية المهترئة أحيانا؛ إذ يتصل مباشرة بمدير مشروع يتابع تنفيذه، بل أنه يذهب بنفسه إلى المشروع يتفقده ويعرف خبايا تلك المشروع، وإذا تطلب الأمر حل مشكلة عالقة فإنه يتفضل ويتطرق إلى الحلول المناسبة للمشكلة بشكل مباشر دون الحاجة إلى البروتوكول الخاص بالمراسلات الحكومية الطويلة.
ولهذا فقد نجح هذا الوزير خميس العلوي نجاحا منقطع النظير فبقي في القمة إلا أن السمات الأخرى هي التى أسقطته - والتي سوف ترد في سياق الحديث عنها..
(6)
بداية إسعاد المواطنين
كانت الكثير من ولايات السلطنة تعاني التطوير الداخلي، حيث اقتصر أمر التطوير على إنشاء بعض الفروع أو الدوائر الحكومية للوزارات القابعة في مسقط وبنظام مركزي في معظم الأوقات. كثير من المعاملات يجب أن يتم مراجعتها في مسقط من قبل مقدم الطلب أو المعاملة. وإذا أردنا أن نرى تلك الولايات أو المدن لوجدنا أن بنيتها التحتية متخلفة لدرجة أنه يصعب المقارنة بين تقدم البنية في مدن مسقط مثلا أو في مدن الداخلية. هنا وجد خميس العلوي فرصة التطوير: البدء في البنية التحتية للولايات. وكانت تلك بداية جبارة رفعت أسهمه.
ما هي البنية التحتية؟ هي شوارع وكهرباء وماء وهاتف وصرف صحي..
لنبدأ بالشوارع..
الشوارع الداخلية كانت قد أوكلت إلى وزارة البلديات الاقليمية في حين تخصصت وزارة المواصلات آنذاك (النقل والاتصالات حاليا) إلى رصف شوارع الخطوط السريعة، وبقيت بلدية مسقط مسئولة عن شوارع ولايات مسقط الممتدة إلى بركاء وقريات كونها تتمتع بميزانية عملاقة تابعة للديوان مباشرة.
بلا شك فإن الشوارع تشكل رافدا أساسيا من روافد المدن الحديثة، فالمواطن الذي ينفق عشرات الآلاف من الريالات لبناء منزل جديد وشراء سيارة يدفع أقساطهما (البيت والسيارة) لعشرات السنين فإنه يتمنى أن يكون هناك شارع أمام منزله يقيه من شر الغبار ويحافظ على جمال ورونق سيارته ويضيف رونقا جميلا لتلك المدينة الصغيرة. ولذا وعندما بدأ وزارة البلديات الاقليمية في رصف الشوارع الداخلية فقد فرح المواطن الذي انتظر سنين طويلة وهو يقدم طلباته لأعضاء مجلس الشورى تارة وللبرامج الإذاعية الخجولة تارة أخرى وللصحف المحلية الأكثر خجلا تارة ثالثة؛ فقلما تقرأ موضوعا وترى جلسة مجلس شورى أو تسمع الإذاعة إلا وتجد مطالبة برصف الشوارع الداخلية لهذه الولاية أو لتلك المدينة أو للقرية الفلانية، وعلى الرغم من تعلل المسئولين السابقين بأنه سوف يتم النظر في رصف الشوارع حالما تتوفر الاعتمادات المالية إلا أن خميس العلوي كان أسرع في الرد على أسئلة المواطنين وتطلبية طلباتهم في وقت قصير. هنا استفاد المواطن الذي وقف خلف استفادته خميس العلوي، فشكره وأثنى عليه.
لقد كانت الشوارع الداخلية - ومازال بعضها - على طبيعتها الترابية أو الحصوية أو الصخرية. ولما أتى خميس العلوي فإن كثير منها قد تم رصفه. وهذا كان أول إنجاز أشيد به في صالح الوزير خميس العلوي..
(7)
سقوط ونجاح
النجاح المنقطع النظير لخميس العلوي في وزارة الاسكان هو نفسه بداية السقوط....
لقد أبزر الكاتب المبدع الأستاذ مازن الطائي في كتابه (عادا لرشدهما) عندما ذكر التكتل المتواجد على أرض الوطن؛ التكتل أو اللوبي الاقتصادي والتكتل أو اللوبي العسكري. هذان التكتلان قادا البلاد إلى مسارات سوف تدفع الأجيال القادمة ثمنها باهضا إن لم تكن هناك محاسبة ومراجعة وتدقيق وتمحيص في من أساؤوا الأمانة التي منحهم إياها جلالة السلطان، فقد خانوا أمانته فنهبوا من ثروات الوطن وبشكل قانوني في كثير من الأحيان لدرجة يصعب على المراقب أن "يصطادهم". فهم حيتان تبتلع سمكا صغيرا في بحار الوطن الهادئة. لكن البحار بدأت في الهيجان وبدأت تقذف بالحيتان رغم ثقل وزنها وقدرتها على المراوغة، ولم يبقى في شباك الحكومة إلا أن تمسك بها لتستخرج منها ذلك العود النفيس ألا وهو ثروات الوطن والمواطن.
خميس العلوي اتجه إلى اللوبي الاقتصادي بقيادة أحمد بن عبدالنبي مكي. فالأخير مارس وتمرس التجارة والإدارة العامة منذ أن أصبح وكيل وزارة في منتصف السبعينات. فقد دخل التجارة والسياسة والخدمة المدنية وأخيرا المالية ليكون إخطبوطا تقلد ثمانية مناصب كلها ذات صلة مباشرة بقوت المواطن ورزقه. فقد كان رئيسا للمجلس الأعلى للسياحة ورئيسا للجنة العليا لتخطيط المدن ورئيسا لمجلس إدارة الناقلات البحرية ورئيسا لمجلس إدارة الطيران العماني ونائب رئيس لمجلس الشئون المالية وموارد الطاقة ووزيرا مسئولا عن المالية ووزيرا للاقتصاد الوطني.. أفليس هو الأقوى ولا أحد ينافسه!!
على أن خميس العلوي كان من حدة الذكاء بأن فكر في إرضاء المواطن البسيط قبل أن يرضي الحكومة نفسها ومن ثم يتحالف مع الكتلة الاقتصادية برئاسة مكي. حيث أن واحدة من أكبر الإرهاصات التي عانى منها المواطن لعقود هي الأراضي التي كانت يوما تتبع البلديات لتصبح مدمجة أو مستقلة في وزارة الإسكان (مع الكهرباء والمياه تارة ومع النقل تارة أخرى). وتلك الوزارة (الإسكان) مرّ عليها وزراء من بينهم عبدالله البوسعيدي الذي عاش هو الآخر فسادا خاصة في أواخر أيامه فيها قبل أن يتم نقله كسفير في القاهرة بمرتبة وزير، ومن ثم يأتي ليكون وزيرا للرقابة المالية التي شهدت أسوأ أيامها ليخرج بعد ذلك المشوار الطويل ذاهبا منزله حاملا معه ما ثقل وزنه من خيرات الوطن..
(8)
فرح المواطن للمرة الثانية
ها هي وزارة الإسكان تستقبل الدكتور خميس العلوي القادم من وزارة البلديات الإقليمية والبيئة وموارد المياه التي ساهم بشكل ناجح في رصف الكثير من الشوارع الداخلية لمختلف الولايات بالسلطنة. وزارة الإسكان ليس فيها شوارع وإنما فيها أراضي يتم توزيعها بعشرات السنين قبل أن تصل الشوارع إلى تلك الأراضي. ووزارة الإسكان هي واحدة من أكثر الأراضي التي امتلأت بالفساد ابتداء من أصغر موظف وإلى أكبر وزير.. فلا تجد موظفا في وزارة الإسكان إلا ولديه عشرات الأراضي إلا من خاف ربه وعرف أن نصيبه في أرض أو اثنتين وليس في عشرات الأراضي له ولأقربائه وربما لأصدقائه. كما أن وزارة الاسكان قد عرف عنها البطء الشديد في إنجاز المعاملات المتراكمة لعشرات السنين فيما يتعلق بتوزيع الأراضي. فمن المواطنين من توفاه الله وهو ينتظر تلك الأرض، ومواطن آخر باع "ايصاله" بثمن بخس، ومواطن ثالث اشترى أرضا بديلة يبني فيها منزلا له بعدما اتجه إلى بنك الإسكان هاربا من لهيب أسعار الإيجارات التي ترتفع علوا لتخالف المثل العربي القائل: ما طار طير وارتفع إلا كما طار وقع...
مدير عام الشئون الإدارية والمالية بوزارة الإسكان كان قد ساهم في مشروع جديد ابتدأه الوزير السابق يتمثل في إلغاء المركزية وتسهيل المعاملات، لقد كان المشروع طموحا، لذا وجد خميس العلوي فرصة لتبني ذلك المشروع بحيث يخفف العبء على الإدارة في الخوير وتهتم الإدارات المناطقية ببقية التوزيعات، لكن التصادم بين المدير العام والوزير سرعان ما بدأ يأخذ حيزا لإصرار المدير العام بدراسة المشروع من كافة أوجهه إلا أن الوزير يريد كل شيء بشكل سريع ويريد تنفيذ الأوامر بدون تردد وبدون مناقشة. لا يمكن لمشروع حيوي كهذا مناقشته بدون التطرق إلى جوانب أخرى: كيف نوزع أراضي بعيدة كل البعد عن البنية التحتية من خدمات كهرباء ومياه وشوارع؟ شخصية خميس العلوي لا تقبل الجدل ولا تقبل السيناريوهات المحتملة. لا بد من التنفيذ!! ولذا فقد وجد المدير العام نفسه مستشارا بين ليلة وضحاها..
وفرح المواطن العماني بالتنفيذ:-
تقدم على طلب أرض حكومية وفي غضون أشهر تحصل عليها بأقل درجة من التعقيدات والانتظار الطويل..
هرع المواطنون لما سمعوا بتلك الأخبار السارة جدا، لدرجة أن مواقف وزارة الإسكان كانت شاغرة من الصباح وحتى المساء. فما من شخص لديه معاملة قديمة جدا أو معاملة حديثة إلا وأتى بها إلى وزارة الإسكان، ولم تمضي الشهور إلا ووجد اسمه في الجريدة كأحد المستحقين من دفعة الأراضي الجديدة التي تم توزيعها حديثا. ولا أحد من المواطنين فكر عن شيء يخص الأرض من حيث مكانها وحتى مساحتها وقيمتها السوقية أو القيمة الرمزية التي سوف يدفعها للحكومة. المهم أنه سوف يحصل على ارض حكومية، وهي نعم من السماء لم يكن يحلم بها...
يا لها من خطة عبقرية: حصول المواطن على أرض حكومية في زمن قياسي...
لكن ماذا صاحب وراء تلك الخطة العبقرية؟
(9)
حلاوة الأراضي
بدأ الخير يعم البلاد كما قال أحدهم يومـــــــــا..
تقدم طلب الحصول على الأرض، وبسرعة الضوء تحصل عليها..
لكن ما هي الأرض؟ وأين توجد؟
إن كنت مواطنا "عاديا" فسوف تكون في وادي أو على هضبة أو في مساحة شاسعة تنتظر السنوات لحينما تصل الخدمات إليها..
إما إذا كنت من أقرباء وأهل وموظفي خميس العلوي المقربين فإن الأرض سوف تكون في مكان لم يخطر على بال أحد..
لما تعين خميس العلوي فقد بدأ ينظر إلى مخططات الأراضي بعين ثاقبة. وجد أن هناك "جيوب" من الأراضي الممتازة لم يتم توزيعها بعد. فسياسة الحكومة تتمثل في حجز تلك الأراضي لأسباب عديدة كثيرة منها لكبار المسئولين من ضباط ووزراء ووكلاء جدد أو لأفراد العائلة المالكة من المواليد الجدد. وبالطبع هناك الأراضي البعيدة عن الخدمات والتي تتواجد في الصحاري والقفار التي قد يرغب فيها المواطن..
وجد خميس العلوي أن أكبر منطقتين يوجد فيها الأراضي والتي لم توزع بعد هما القريبتان من مطار السيب الدولي "آنذاك"، وبشكل خاص مرتفعات المطار وشواطئ المطار إن جاز التعبير.. وحقيقة أمر هاتين المنطقتين بأنه وفي السبعينات فإنه من ضمن متطلبات منظمة الطيران المدني الدولي (الايكاو) أن تكون الأراضي المحيطة بالمطار على مسافة 15 كيلومتر قطري، أي من كافة الجهات الأربعة، وذلك بغية التوسع في العمليات التشغيلية، وقد قامت وزارة المواصلات آنذاك برسم خارطة لتلك الأراضي تم اعتمادها من قبل جلالة السلطان، لكن لم تصدر أية ملكية لتلك الأراضي وليست هناك ملكية لأراضي المطار.
فمن الذي حصل على تلك الأراضي التي ارتفعت قيمتها السوقية وأصبحت بملايين الريالات العمانية؟
(10)
التحالف مع اللوبي العسكري والاقتصادي
عندما نجح خميس العلوي نجاحا منقطع النظير في إعطاء المواطنين المتقدمين لطلبات الأراضي فقد نجح أيضا في أمرين آخرين: استرضاء الحكومة واسترضاء المقربين.. فتوزيع الأراضي وفي وقت سريع ومئات الآلاف من القطع الصغيرة وربما المتوسطة فإن ذلك يعني استرضاء الحكومة بشكل مباشر، فمن المعروف أن أية أرض حكومية في مسقط إنما يدفع المواطن ريالا واحدا للمتر المربع، ونصف ريال للأراضي الحكومية خارج مسقط (الداخلية، الشرقية، الباطنة، ظفار، الخ). ومن المعروف أيضا بأن غالبية مساحة الأراضي الحكومية هي ستة مئة مربع، ويعني أن المواطن الحاصل على تلك الأرض سوف يدفع ستمائة ريال عماني..
هنا بدأت فرحة أحمد بن عبدالنبي مكي.. فقد وجدا وزيرا شابا استطاع في فترة قياسية زيادة إيرادات الدولة ربما بما لا يقل عن عشرين مليون ريال من أراضي هي في الأصل جرداء غير ذي نفع مباشر. فتوزيع الأراضي الحكومية للمواطن يعني في نفس الوقت ريع ودخل للدولة وبعشرات الملايين من الريالات العمانية دون أن تكلف الحكومة أية تكاليف تذكر..
لذا فإن خميس العلوي قد ارتفعت أسهمه مرتين وأمام جهتين: المرة الأولى أمام المواطن الذي فرح بحصوله على أرض حكومية في وقت قياسي قصير، والمرة الثانية هي أمام الحكومة التي استفادت من إيرادات توزيع أو لنقل بيع تلك الأراضي الجرداء..
ولا عجب إذن من تحدث بالكثير عن خميس العلوي وبأنه السبب وراء حصول المواطن على أراضي حكومية حتى وإن كانت جرداء لا تصلح لتشييد منزل عليها، لكنها في النهاية أراضي حكومية بثمن زهيد؛ فكيف نقارن دفعنا لستمائة ريال لأرض حكومية بدفع ستين ألف ريال لشراء أرض خاصة..
النعم فيك يا دكتور خميس، فقد وقفت مع المواطن وأمنت له الأرض التي طالما حلم بها وطالما اعتبرها أمر يكاد يستحيل الحصول عليه بدون الانتظار لسنين طويلة..
لكن الدكتور خميس العلوي لم ينس نفسه ولم ينسى عشيرته ولم ينسى أحمد بن عبدالنبي مكي...
(11)
المقربون أولى بالأراضي
كثيرون يشكرون الدكتور خميس العلوي لما منحهم الأرض الحكومية في وقت قياسي وبرسوم بالطبع، لكن عندما وجدوا أن معظم أراضيهم هي "بور" وليست بها أية خدمات فقد امتعضوا..
وكما أسلفنا، فإن خميس العلوي نظر إلى أراضي في مسقط وبمساحات شاسعة لكنها غير موزعة. فمن الأفضل الذي يستحقها؟ (1) المقربون: أليس المقربون أولى بالأراضي (2) الكارتل الاقتصادي..
أما المقربون فهم ليسوا كثرة؛ هناك الأخ وعشيرة الأخ، وهناك مدير المكتب والسكرتير الخاص، والفئة الثالثة هي الأصدقاء المقربون جدا. فنحن كشعب عماني نتلاحم خاصة في الأمور التي تكون هناك مصلحة مباشرة فيها. فالمواطن إذا أراد أرضا فإنه يبحث عن القريب وعن الصديق، حتى وإن أراد العمل فإنه لا يبحث عن شروط شغل الوظيفة قدر بحثه عن قريب أو صديق يستطيع استثنائه من تلك الشروط بشكل أو بآخر..
إذن هناك أراضي ذو مساحات شاسعة وهناك أقارب وموظفين مقربين وأصدقاء مقربين جدا.. لنقرب الأراضي الكبيرة ونعطيها القريب: لنبدأ بالأخ؛ ذلك الأخ الذي لم يكن راتبه الشهري يتجاوز الخمسمائة ريال أو حتى الألف ريال، لمنحنه أرضا في مرتفعات المطار التي لم يتم توزيعها. تلك الأراضي مساحتها ليست ستمائة متر وإنما أضعافا مضاعفة. ولا ننسى زوجة الأخ ومن ثم نبلغ الآخرين بأن تلك الأراضي هبة من المقام السامي، وكأن جلالته مسئول عن توزيع الأراضي لعشيرة الوزراء!!! وبالطبع إما يقوم الأخ أو القريب ببيعها والحصول على أموال نقدية يستثمرها في بناء فندق أو عمارات أخرى أو يبني له بيتا فخما تجد أمامه البورش والبي أم بعدما كانت هناك المازدا والنيسان، وبيت أحد أخوته في الحيل شاهد على ذلك، فهو ليس بيتا وإنما قصرا بناه ذلك الأخ بعدما أصبح الدكتور وزيرا!!
كما أن هناك أراضي سكنية تجارية أيضا، وفي مناطق قريبة منها الخدمات مثل الأراضي التي تم توزيعها بالقرب من مسجد السيدة ميزون لمدير المكتب والسكرتير الخاص لخميس العلوي، تلك الأراضي ولأنها تحمل الطابع التجاري والسكني فإن قيمتها السوقية ليست بألف ريال حتى وإن كانت جديدة وإنما بأرقام تتجاوز مئات الآلاف من الريالات. كيف يصدق المرء أن يكون موظف حكومي براتب لا يصل ألف ريال في الشهر يمتلك أرضا قيمتها تتجاوز النصف مليون ريال؟ بل أن بعضها تجاوز المليون ريال عندما ارتفعت أسعار الأراضي منذ فترة قصيرة!! فذلك الموظف المقرب من الوزير وان استحق الأرض الحكومية بشكل عام لكنه لا يستحق أرضا أخرى بقيمة تتجاوز النصف أو المليون ريال!!!
إذن استرضى خميس العلوي نوعين من المواطنين الذين منحهم أراضي حكومية:-
النوع الأول: وهم البعداء وحصلوا على أرض دفع كل واحد فيها (600) ريال وكانت جرداء بور غير مؤهلة للبناء فيها.
النوع الثاني: وهم الأقرباء من أهل وعشيرة وموظفين وأصدقاء وحصلوا على أراضي دفعوا فيها أيضا رسوما بسعر ريال في المتر المربع (هذا إن لم يتم إعفائهم أصلا) لكن تلك الأراضي أصبحت ذات قيمة بمئات الآلاف بل تجاوزت المليون ريال..
فهل كان التوزيع عادلا؟
(12)
عندما رفض المفتش العام الهدية وقبلها آخرون
عندما وجد خميس العلوي بأنه استرضى المواطن العماني بعبقريته فإنه لم ينسى أن هناك "لوبي اقتصادي وآخر عسكري" لابد من إرضائه، فماذا لو سقط يوما؟ فمن سوف ينقذه؟ وبالفعل فقد سقط يوما وأنقذه ذلك اللوبي الاقتصادي - كما سوف نرى من تسلسل في الأحداث..
وكما أسلفنا بأن اللوبي الاقتصادي يقوده أحمد بن عبدالنبي مكي، ذلك الرجل الذي دخل عالم التجارة والسياسة منذ أكثر من 35 عاما وتقلد ثمانية مناصب حكومية فإنه الأقوى بين كافة الوزراء لدرجة أن قيس الزواوي رغم صلاحياته الاقتصادية الواسعة آنذاك قبل ان يقول القدر كلمته في حادث سير فإنه لم يبسط أذرعه الأخطبوطية كما بسطها أحمد بن عبدالنبي مكي. لذا وجد خميس العلوي بأنه لكي يكون قويا فلا بد وأن يجد من يسانده. عندما وجد خميس العلوي أن هناك جيوبا من الأراضي الممتازة التي لم توزع فقد قام بتجميعها في أظرف خاصة ليقدمها هدية مجانية (معفية من الرسوم) إلى علية القوم، وكان عليتهم هو أحمد بن عبدالنبي مكي؛ فقد منحه لابنه "هيثم" ارضا تقع على الجانب الآخر من مطار مسقط الدولي، تلك الأرض التي بلغت مساحتها اكثر من (12) ألف متر مربع كانت جزءا من مخططات ذلك المطار بغرض التوسعات، لكن لم تكن فيها ملكية معينة. استغل خميس العلوي ذلك الوضع فمنح مكي تلك الأرضي، لنرى بعد ذلك بأن مكي تحالف مع شركة "سوفيتيل" للفنادق العالمية لبناء فندق يقع في "قمع" الهبوط التابع لمطار مسقط، وهو يعد مخالفة صريحة للمادة (11) من قانون الطيران المدني. وسوف نرى فيما بعد كيف أراد خميس العلوي تغيير ذلك القانون، لكنه لم ينجح، وكحل بديل قام بإزاحة محمد بن صخر العامري كوكيل شئون الطيران المدني الذي وقف في وجه خميس العلوي كما سبق أن أزاح غيره. كما أن مكي حصل على أراضي أخرى في منطقة غلا الصناعية.
ولأن خميس العلوي يعرف بأن اللوبي الاقتصادي ليس فقط مكي وإنما مقبول أيضا فقد أعطاه ظرفا ليختار الأرض التي يريدها في غلا الصناعية أيضا، وبالمساحة التي يريدها.
وبعدما ثبت أقدامه في اللوبي الاقتصادي، اتجه خميس العلوي إلى اللوبي العسكري الذي يقوده على بن ماجد المعمري. فقد كان الأخير أوفر حظا من كعكة الأراضي التي منحها له خميس العلوي، حيث أهداه بالكامل مربعا يحتوي على اكثر من 200 قطعة ارض في صور العفية. بعد ذلك وجد أنه لا بد من إرضاء مالك المعمري الذي يشارك علي بن ماجد في رسم وتنفيذ السياسات الأمنية في البلاد وكجزء من اللوبي العسكري، فتوجه إلى مالك بظرف فيه مجموعة من الأراضي من النوعية الممتازة، ولما تسلم مالك المعمري ذلك الظرف فقد زمجر فطرح الظرف جانبا قائلا لحامله: لو أردت أي أرض في عمان فلن ألجأ إليك يا خميس العلوي، فهناك من هو أكبر وأعلى منك ليعطيني الأراضي التي أريدها. خذ ظرفك بعيدا.
كانت ضربة قوية في وجه خميس العلوي لما علم بأنه مالك المعمري رفض عطيته من أراضي الوطن التي قام بتوزيعها على الكتلتين الاقتصادية والعسكرية...
(13)
بداية السقـــوط
الأجهزة الأمنية ليست غافلة عما يفعله الوزراء ولا وكلاء الوزارات ولا المدراء العامون ولا بقية المسئولون في الدولة.. فالأجهزة الأمنية هي لحماية الوطن من مخربين في أمنه وفي اقتصاده وفي ثرواته.. وفي تلك الأجهزة المواطنون الشرفاء الذين لا يرتضون الفساد ولا يرتضون الخراب لمكتسبات ومنجهزات النهضة.. في تلك الأجهزة شباب يستخدمون التكنولوجيا كما يستخدمون العنصر البشري في مراقبة وتتبع خطوط الفساد أينما وجدت وكيفما وجدت.. وهم يسهرون ليل نهار ولشهور طويلة في قضية واحدة تمتد خيوطها المتشابكة وتتداخل مع مسئولين كبار لهم وزنهم وثقلهم. فقد يكون ذلك الضابط الأمني ما هو إلا رائد في جهاز الأمن ليكتشف فسادا رأسه الوزير ذاته. ذلك الرائد له عقيد وللعقيد عميد ولواء ومن ثم الفريق الذي يترأس جهاز الأمن الداخلي في السلطنة.. هؤلاء الشباب هم مواطنون أيضا قلبهم وغيرتهم على الوطن مثل أي مواطن. وبالرغم من الإشكالات السائدة في عقلية الكثير من المواطنين بأن أجهزة الأمن وعناصرها ما هي إلا "بعوض" تصطاد المواطن إلا أن المراقب لها يجد بأنها هي التي تكتشف حلقات مفقودة في قضايا فساد قد يصعب اكتشافها نظرها لذكاء أصحابها في كثير من الأمور. لكن صلاحياتها الاستشارية كثيرا ما تحد من التدخل السريع في إقالة بل وفي محاكمة الرأس الفاسد حتى وإن كان وزيرا..
ولم يكن الدكتور خميس العلوي بعيدا عن أعين الأجهزة الأمنية. لكنه وزير، وبالتالي فإن الرائد المكلف بكشف فساد الوزير تكون لديه مهمة ثقيلة وبالأدلة لكشف ذلك الوزير الذي يتمتع بحصانة دبلوماسية، كما يتمتع بحماية اللوبي الاقتصادي واللوبي العسكري أيضا. فلما فاحت رائحة خميس العلوي من توزيعه غير العادل لثروات الوطن المتمثلة في الأراضي فقد تم استدعائه والتحقيق معه من قبل تلك الأجهزة الأمنية، وكانت الأجهزة قد أعدت الأدلة والوثائق التي تدينه. وقد صدرت الأوامر بتوقيفه فترة قيل أنها وصلت الثلاثة أشهر ليكون بعيدا عن العمل الوزاري لحين النظر في ملفه الأمني.. لكن خميس العلوي كان قد "لعبها صح" عندما أهدى الظروف لعناصر الكارتل الاقتصادي والأمني في البلاد. فأحمد بن عبدالنبي مكي ومقبول علي سلطان وعلي بن ماجد كانوا قد استفادوا من عطايا خميس العلوي المجانية من هبات الأراضي التي وصلت بالملايين. ولعل المثال المرفق في هذه المداخلة يدل على غلاء وارتفاع ثمن تلك الأراضي. فالمواطن البسيط سوف يدرك قيمة أرض مساحتها أكثر من (12) ألف متر مربع على الشاطيء القريب من نادي الطيران المدني، وكذلك تلك الأرض البالغ مساحتها أكثر من (5) آلاف متر مربع في الخوير..
(14)
سقط لكنه ارتفع شامخا
كان ذلك الضابط الشاب المكلف بالملف الأمني للدكتور خميس العلوي قد أعد العدة للمواجهة. فالمتهم برئ حتى تثبت إدانته - وإن كانت بعَض الأنظمة العربية تعكس تلك المادة القانونية في معظم دساتيرها لتقول بأن المتهم مجرم حتى تثبت براءته. ها هو خميس العلوي يمثل أمام مجموعة من المحققين بعضهم ينتمي إلى مجلس الأمن الوطني والآخر تقلد المناصب في جهاز الأمن الداخلي. لقد استعد الجميع للمواجهة وبالأدلة الدامغة على تلاعب خميس العلوي بأراضي الوطن ليس بمساحة (600) متر مربع وإنما بمساحة (5) ألاف أو (10) آلاف أو حتى إضعافا مضاعفة لذلك ولفئة محدودة من ذوي النفوذ ومن الأقارب والأحباب والموظفين..
تم توجيه سؤال لخميس العلوي: لماذا أعطيت هؤلاء كل هذه الأراضي؟ لماذا كان لإخوانك وزوجاتهم ولبعض موظفيك نصيب وافر من الأراضي؟
ولأن خميس العلوي كان قد تمكن فاستمكن لم يتردد في الجواب الشافي الذي ظن بأنه سوف ينقذه من المساءلة، ولأن خميس العلوي ذو الصوت جهور غير المتردد، ولأن خميس العلوي بدا وكأن ما فعله هو الصواب فإنه كان سريعا في الرد على السائل قائلا:-
أليس أخواني وزوجاتهم مواطنين عمانيين لهم الحق في الحصول على الأراضي الحكومية؟
أليس مدير مكتبي وسكرتيري الشخصي الذين قدما الطلب لهم الحق في أن يستمتعوا بخيرات الحكومة مثل غيرهم؟
أفلم تكرم الحكومة هؤلاء الوزراء؟
كان رده مقنعا لولهة؛ نعم إخوانك وعشيرتك وموظفيك مواطنون عمانيون يجب أن يكون لهم نصيب من خيرات الوطن. والأراضي الحكومية خير بسيط من تلك الخيرات. لكن تلك الخيرات توزع بالعدل وبالتساوي وليس بالإجحاف والمحسوبية. إن كنت يا دكتور قد منحت أخا لك أرضا مساحتها (600) متر وفي (السيح) فلن يعترض أحد لأن أخيك مواطن، ونفس القول ينطبق على مدير مكتبك وعلى أصدقائك وعلى عشرات المنتفعين من معارفك. لكن أن تمنح أي منهما أرضا مساحتها تزيد على الخمسة آلاف متر مربع وفي منطقة لها قيمتها الاقتصادية تصلح للإعمار اليوم قبل بكرة وباستخدامات متعددة (سكنية/تجارية) فإن نصيبهم من تلك الأراضي ليس بنصيب المواطن العادي. كما أن منحك لبعض الوزراء للأراضي وبالمساحات التي يختارونها إنما هو إهدار لثروات الوطن، بل تعدي عليه وسلبه والنصب عليه..
لذا يوصى المجلس بإقالة الدكتور خميس العلوي وتحويل ملفه الأمني إلى المقام السامي..
يتدخل الكارتل الاقتصادي، كما يتدخل الكارتل الأمني: أحمد مكي، علي بن ماجد،.....،.... مولاي السلطان: خميس العلوي قد أخطأ، لكنك ذو القلب الرحيم، ذو الرحمة، ذو السعة، وعفوك شمل كل مخطئ في هذه الأرض الطيبة.
ماذا ترى يا أبو سامي؟ ما هو رأيك يا علي بن ماجد؟
أرى أن يتم نقله إلى وزارة أخرى... لتكن مثلا، وزارة النقل والاتصالات. فهي وزارة ذات مشاريع يتم تنفيذها ببطء، والدكتور خميس العلوي معروف عنه بسرعة الإنجاز...
يعين الدكتور خميس بن مبارك العلوي وزيرا للنقل والاتصالات.....
(15)
الوزارة الثالثة والأخيرة
ها هو الدكتور خميس العلوي يتسلم وزارة بأربع قطاعات حيوية. كان الشيخ الطيب الصفات البطئ التنفيذ محمد الحارثي قد ورث كاهلا كبيرا أيضا ليس لتلك القطاعات الحيوية فقط وإنما أيضا قطاع مجلس المناقصات - إن صح التعبير؛ فهناك قطاع النقل البري وقطاع النقل البحري وقطاع النقل الجوي وأخيرا قطاع الاتصالات الذي فشل فيه ابن حمير النبهاني ليبقى شاغرا فترة طويلة ويأتي الدكتور الأمني القادم من مكتب علي بن ماجد المعمري ويصبح محمد الوهيبي وكيلا عليه. كما أنه ولسنوات طويلة فقد بقيت رئاسة مجلس المناقصات تحت وزراء وزارة المواصلات سواء من مالك بن سليمان المعمري أو محمد بن عبدالله الحارثي، وأخيرا الدكتور خميس العلوي، قبل أن تظهر المراسيم السلطانية الأخيرة لتعين الدكتور علي بن موسى ومن ثم يليه وزير آخر ليس له علاقة بالنقل والاتصالات كسابقه.
أول ما فكر فيه الدكتور خميس العلوي في وزارة النقل والاتصالات هو إجراء تعديلات جذرية أخلت بسير العمل في الوزارة وأدت إلى نتائج كارثية سوف نسردها فيما بعد. وبداية تلك القرارات التي أصدرها هي قرارات التفويض. فمن المعروف أنه وفي الهيكلة الإدارية الوزارية في السلطنة فإن للوزير صلاحيات واسعة لرسم السياسات الواضحة أحيانا والغامضة أحيانا أخرى، وبمعنى آخر، يمكن للوزير أن "يشقلب" الوزارة على عقبيها ولن يجادله أحد، وهذا ما حدث في وزارة النقل والاتصالات، فقد أصدر قرارات بالتفويضات الإدارية والمالية في ظاهرها ضبط الأمور السائبة لكنه في باطنها إدخال نظام عتيق لا يصلح لقطاع حيوي وهو قطاع النقل بأجزائه الثلاثة. هذا النظام هو "المركزية" والذي يعني أن ترجع كافة قرارات المدراء العامين وقرارات وكلاء الوزارة الأربعة إلى معاليه في كل صغيرة وكبيرة وفي كل شاردة وواردة ليساعده في ذلك طاقم ليس مؤهلا أصلا لاتخاذ قرارات فنية حتى وإن كانت ذات طابع إداري، وذلك الطاقم هو ما نقله من وزارة الإسكان، كما نقل معه مديرا عاما للشئون الإدارية والمالية من وزارة التعليم العالي والذي سبق أن تعرف عليه عندما كان الأخير ملحقا ثقافيا في القاهرة. ذلك المدير العام له شخصيته الرائعة في الأداء الإداري لكنه ليس ملما في الأداء الفني وسير العمل في القطاعات الثلاثة، وبالتالي عليه أن يتعلم الإدارة الفنية من الصفر، الأمر الذي أدى إلى نتائج وقرارات أثرت على المسارات الإدارية والإنتاجية في قطاعات وزارة النقل والاتصالات..
ويمكن القول باختصار هنا أن الدكتور خميس العلوي فشل فشلا ذريعا في إدارة وزارة النقل والاتصالات منذ أول قرار اتخذه يختص بالصلاحيات الإدارية والمالية التي سحبها من وكلاء الوزارات والمدراء العموم ونقلها إلى إدارته وحاشيته المقربين.. وسوف نرى أمثلة عديدة من ذلك..
(16)
إدارة فاشلة
الدكتور خميس العلوي يريد أن يترك بصمات في أية وزارة جديدة، ومن المعروف أن البصمات تختلف من فرد إلى آخر، كما أن البصمات قد تكون دليل إثبات أو دليل نفي، كما تكون بها آثار ايجابية أو سلبية. وبصمات خميس العلوي ابتدأت من وزارة البلديات الإقليمية ومرت على وزارة الإسكان، وكما أسلفنا فإن بصماته في الإسكان كانت ايجابية من ناحية وسلبية من ناحية أخرى، فإيجابياتها تمثلت في تسريع عملية توزيع الأراضي للمواطن الكريم، إلا أن العلوي لم ينسى نفسه ولا أقاربه ولا أصدقائه المقربين فمنحهم الأراضي الممتازة التي وصلت قيمتها السوقية بملايين الريالات العمانية. ومن ضمن بصماته في وزارة الاسكان أنه قرر صبغ مبنى الوزارة بالكامل وباللون الأخضر الفاتح، ورغم أن ذلك الصبغ واجه مشكلة كبيرة خاصة في الأبواب غير القابلة للصبغ العادي فتطلب الأمر اختيار مواد خاصة لصبغها. ولنا أن نحسب التكلفة المالية لصبغ وزارة بأكملها. لكن في غياب الرقابة (الإدارية) فقد كانت هناك أوامر وقرارات وزارية لخميس العلوي ولعشرات الوزراء والوكلاء دون أن يكون هناك حسيب أو رقيب إداري. وكنا نأمل أن يكون هناك جهاز مستقل للرقابة الإدارية في السلطنة، لكن وكما نعرف فإن القرارات الحكومية تأتي بطيئة كبطء السلحفاة.
ولعل أكبر تصرف إداري في عهد خميس العلوي بالنسبة لوزارة النقل والاتصالات تمثل في هيكلتها. فرغم أن الوزارة سابقا كانت تسمى وزارة الاتصالات، وتم تدمجها لتصبح وزارة النقل والإسكان لمدة عام فقط لتنفصل وتندمج مع البريد والبرق والهاتف ربما أن أحمد بن سويدان البلوشي خاصة مع فساده في قطاع الاتصالات، فقد تقرر التخلص من وزارته بأكملها ليعيش بدون محاسبة بأمواله التي تكفل له العيش ثريا أبد الدهر.. وعندما تولى خميس العلوي الوزارة فإنه وجد هيكلها التنظيمي لم يتغير منذ الثمانينات. فمازالت اختصاصاتها كوزارة هي نفس اختصاصات وزارة المواصلات رغم إضافة قطاع الاتصالات ووجود أربعة وكلاء وزارة فيها دون وجود فصل في اختصاصاتهم.
ولعل الجانب الإيجابي في هذا الموضوع أن خميس العلوي استطاع أن يستصدر مرسوما سلطانيا ساميا وفي ظرف قياسي من توليه الوزارة بإعادة هيكلتها وتحديد اختصاصاتها، وهذا في حد ذاته امر يسجل في صالحه وإن لم تكن هناك آثار ايجابية مباشرة للموظف لكن "تقنين" الهيكل التنظيمي أمر مهم في العمل الإداري. على أن هذه الايجابية صاحبتها سلبيات كثيرة أيضا، ومنها على سبيل المثال:-
* استحداث مسميات خاطئة: فمثلا أصبحت هناك مديرية عامة تسمى المديرية العامة للسلامة وخدمات الطيران بشئون الطيران المدني، في حين لا توجد وظيفة "خدمات الطيران" في هذه المديرية، حيث أن خدمات الطيران تختص بالشحن والمناولة أو الخدمات الأرضية وهي اختصاصات تتبع الطيران العماني وليس الطيران المدني.
* استحداث وظائف مساعدة خاطئة: تجد هناك مساعد مدير عام وتجد مساعد مدير دائرة وبدون وجود "وصف وظيفي" لهذه الوظائف، وبالتالي خلقت هذه الوظائف مشاكل جمة كونها وسطية وبدون الحاجة إليها. فمثلا مدير الدائرة لا يعرف ما إذا كان عليه اللجوء إلى المدير العام مباشرة أو إلى مساعد المدير العام في أي موضوع حتى وإن كان روتينيا. وبدون من خلق هيكل مسطح فقد زادت البيروقراطية في اتخاذ القرارات؛ فمثلا، نجد موظف وفوقه رئيس قسم وفوقه مساعد مدير وفوقه مدير دائرة وفوقه مساعد مدير عام وفوقه مدير عام.
* غربلة الإدارات: تم استحداث مديرية عامة للتخطيط والدراسات: ما هو دور هذه المديرية العامة؟ حتى الآن لا يوجد لها دور. وقد تم تعيين أحد المهندسين الأكفاء كمدير عام لها، ليس لترقيته وإنما لعزله وتهميشه وقتل طموحه ودفن قدراته. ذلك المدير العام الجدير بشهادته وكفاءته عزله خميس العلوي وركنه في مكتب صغير به موظفان فقط، وقبل أن يتم إقالة خميس العلوي فقد عيّن معه مديرا لدائرة التخطيط نقلا من شئون الطيران المدني لتجميده هو الآخر (سوف نتحدث عن ذلك أيضا بشكل مفصل).. يعني أوجد خميس العلوي مديرية عامة بأربعة موظفين فقط. صحيح أن هناك دائرة أخرى تتبع هذه المديرية (دائرة تنمية الموارد البشرية) لكن صلاحياتها وتبعيتها الحقيقية هي مع مدير عام الشئون الإدارية والمالية.
في هذه العجالة، يمكن القول بأن خميس العلوي نجح في هيكلة وزارة النقل والاتصالات لكنه فشل فشلا ذريعا في كيفية الهيكلة، فأصبحت هناك مديريات ودوائر غير ذي فائدة، وأصبح هناك مدراء عامون ومدراء دوائر يتسلمون رواتب لكنهم مركونون يشربون الشاي أو القهوة ويتصفحون الجرائد الصادرة كل صباح...
(17)
مناقصات مطار مسقط
لقد كان من دهاء مكي عندما أوصى بأن يكون خميس العلوي وزيرا للنقل والاتصالات، ويكون في نفس الوقت رئيسا لمجلس المناقصات، في هاتين المؤسستين الحكوميتين نجد مناقصات يسيل لها اللعاب وليست بملايين الريالات وإنما بمليارات الريالات، حيث أن القطاعات الرئيسية الثلاثة (النقل البري والنقل البحري والنقل الجوي) تشكل إحدى لبنات البنية التحتية للدولة. وهذه القطاعات قد تم تطويرها في السابق لكنها لم تعد صالحة نظرا لازدياد الحركة البرية والبحرية والجوية، ولذا فقد عكفت الحكومة على تطويرها وهي تضخ مليارات الريالات خاصة مع وجود فائض في موازنة الحكومة جراء ارتفاع أسعار النفط. على أن الفساد وجد أرضا خصبة في هذه المناقصات التي تقاسمتها شركات محلية للزواوي ولتاول ابتداء من الاستشاري كوي لارسون والذي أتى به مكي بقيمة (18) مليون ريال لينتهي به المطاف إلى أكثر من (150) مليون ريال حسبما نقرأ في إحصاءات المناقصات (أو لنقل الممارسات كون هذه لم تكن أصلا مناقصة وإنما تم إرساؤها لكوي لارسون والتي يمتلك وكالتها أحد أقارب مكي. ولنبدأ برسالة تم تداولها بشكل سري تبين المغزى حول الفساد الذي حدث أيام تولي خميس العلوي وزارة النقل والاتصالات:-
خفايا وأسرار مشروع تطوير مطار مسقط الدولي وصلالة المرحلة الثالثة
يعتبر مطار مسقط الدولي المطار الرئيسي في السلطنة وفي هذه الأيام تم إسناد مشروع مبنى المسافرين يوم الاثنين الموافق 25/10/2010 من قبل مجلس المناقصات لصالح شركة باكتيل الأمريكية بالتعاون مع شركة بهوان الهندسية بقيمة 651000000 مليون ريال عماني إضافة الى مشروع برج المراقبة الجوية لمطار مسقط الدولي بقيمة 55000000 مليون ريال عماني أي إجمالي مبلغ وقدره 706000000 ريال عماني.
السؤال: كيف تم إسناد أعمال مبنى المسافرين؟
يعلم الجميع بأن الحكومة قد كلفت أحد الاستشاريين الذي يعتقد بأنهم عالميين (كوي- لارسن ) طبعا أوهموا الناس بذلك ... وقام الاستشاري بإعداد التصاميم لمبنى المسافرين .
تحتسب التكاليف واتعاب الاستشاري (كوي – لارسن ) بنسبة مئوية عن قيمة المشروع بشكل عام (شي جديد وغريب ) مثالا لذلك للتوضيح تصل المرحلة الأولى لمطار مسقط 450 مليون ريال وتم إسناد المرحلة الثانية والثالثة بقيمة إجمالية 706 مليون ريال عماني الإجمالي مليار ومائة وستة وخمسون مليون (تشير آخر خرائط الطقس بأن النسبة المئوية (3%) يعني وكيل الاستشاري تنفس الصعداء بطريقة ذكية جدا .
وقد شرع الاستشاري بالعديد من الأعمال والتصاميم التمهيدية والرئيسية وفي كل الأحوال (زين لو الحكومة تقرر إرسال عددا كبيرا من المهندسين) في البلد طبعا من العمانيين لزيارة مكاتب الاستشاري لإطلاعهم على أعمال التصاميم ليكتشفوا بأنفسهم الأخطاء الفادحة التي سوف تكلف ميزانية الدولة مليارات الريالات .....(والآلة الحاسبة تحسب كما تشير آخر التنبؤات العددية بأن وكلاء الاستشاري (كوي – لارسن) قد قسمت التركة بالطريقة التالية:
1 - كوي ولارسن لحساب عائلة مكي حفظهم الله ورعاهم .
2 - يقال (يجب ان تكون هناك مقبرة جاهزة لندفن فيها أخطائنا.
ومن الأعمال الضخمة التي غم على الحكومة تسوية أرض مطار مسقط الدولي الجديد وقد شارك عدد كبير من الشركات (سولوتانشي بانشي ) و(جلفار) و(خط الصحراء) بتكلفة أجمالية وفق حسابات (انشتاين) 94000000 مليون ريال عماني وأطلق عليها مسمى (الأعمال المتقدمة للمشروع .
ارتأينا إحاطتكم بنبذه بسيطة عن سير الأعمال (وفق توصية معالي د.خميس العلوي)
(18)
فساد في مناقصات مطار مسقط، يتبـــــــــع:-
تقدمت عدد أربع شركات لمناقصة مبنى المسافرين لمطار مسقط الدولي وذلك بعد ماتم تأهيلها من قبل الاستشاري العظيم (مكي) ومدير المشروع (آي دي بي أي ADPI)
**ملاحظة هامه** كان وكيل مدير المشروع أحد أفراد عائلة مكي ولكن بعد ذلك تم تحويل الملكية الى احد الوزراء الموقرين !!!!! وقد كانت نتائج المرحلة الاولى لمبنى المسافرين على النحو التالي :-
1 - جي ام بي 746184876558 ر.ع
2 - تاف – سي سي سي 748824978 ر.ع
3 - باكتيل بالتعاون مع بهوان 805733411 ر.ع
4 - جلفار بالتعاون مع لارسن وتوبروا 950268488 ر.ع
بعدها أحيلت العروض الى الاستشاري العظيم (كوي – لارسن ) ومدير المشروع (اي دي بي اي) لتحليل العروض الفنية والمالية واستمر التحليل قرابة سنة كاملة ليتم تداولة مابين الاستشاري ومدير المشروع والوزير د.خميس العلوي والطيران المدني (المشاريع) ومن لهم منفعة شخصية ...
وبعد التداول والمناقشات التي استمرت قرابة سنة اتفق الجميع بالعمل على عقد ورشة فنية مالية بين الثلاث شركات فقط بعد ماتم استبعاد شركة جلفار بالتعاون مع لارسن وتوبرو لأسباب فنية ومالية قدرها الاستشاري ومدير المشروع. بالفعل عقدت الورشة لمدة عشرة أيام متتالية بوزارة النقل والاتصالات رغبة من الوزير د. خميس وبحضور جميع أطراف المناقصة.
بعد الانتهاء من الورشة لصالح من يراه الوزير د. خميس طلب من الشركات المتنافسة عددها 3 شركات تقديم أسعارها النهائية بعد استكمال كافة الجوانب الفنية وذلك بمظاريف مشمعه تسلم الى مجلس المناقصات. وفي اليوم المحدد الذي تم تحديده لفتح المظاريف كانت النتائج على النحو الآتي :-
1 - جي ام بي 648889724350 ر.ع
2 - تاف – سي سي سي 666597000000 ر.ع
3 - باكتيل مع بهوان 736411700150 ر.ع
بحضور أمين عام مجلس المناقصات ووزارة النقل والاتصالات والاستشاريين ورئيس مجلس إدارة الشركة العمانية لإدارة المطارات وطبعا تم تحويله الى الاستشاريين لدراسة العروض المالية (حسب إفادة مهندسي الطيران المدني). هنا أجتهد الوزير د. خميس على لعب الكره التي تهدف إلى تسكين كرسيه، وقد يطلق عليها اللعبة القذرة وعطفا كذلك على المحسوبيات، وفي ذات اليوم نفسه عند فتح العروض، وفي حدود الساعة الخامسة مساءا وحتى الساعة السابعة كان د. خميس في مكاتب الاستشاريين لإقناعهم ومفاوضتهم وكتابة التوصية النهائية لصالح (جي ام بي) بسبب السعر المقدم من قبلها الأرخص والأفضل فنيا، وحسب رأي الطيران المدني المغلوب على أمره حاول الاستشاريين كتابة التوصية لصالح شركة تاف سي سي سي لانها في الموقع وتعمل في المرحلة الأولى وتعتبر الرقم الثاني في سعرها والأفضل فنيا في عرضها، ومن أهم نقاط الاستشاريين بأن إعطاء المشروع لشركة (تاف سي سي سي) سوف يضمن نجاح المشروع وتنفيذه في الوقت المحدد له ودون إضافات مالية أخرى مستقبلية .
إلا انه أصر بأن التوصية تكون لصالح (جي ام بي) غير مبالي بالنقاط السلبية التي سوف تظهر لاحقا للمشروع، والغريب والمدهش بأن رأي الاستشاريين لا يؤخذ عليه، بينما الحكومة الرشيدة تقوم بدفع ملايين الريالات للاستشاريين ويدفع لهم الآتي :
1 - اي دي بي اي 22500000 ر.ع
2 - كوي – لارسن 156000000 ر.ع
(19)
المفاجأه الكبرى في مناقصات مطار مسقط
بعد السيناريو الطويل والكلمات الجميلة والإلحان الرنانة التي توحي بنزاهة وخوف الوزير د. خميس العلوي من حقوق الشركات المتنافسة للمشروع بناء على الأنظمة وقوانين مجلس المناقصات، فقد استلم التقرير النهائي من قبل الاستشاريين معتمدا ومختوما وموثقا حول إسناد ألمناقصه لصالح جي ام بي، واصراره بصوته المتعالي على المهندسين (طبعا الطيران المدني مغلوبا على أمره). وبطريقة سرية وبمشاركة طاقم مكتبه تم إعداد تقريرين واحد تمويهي لمجلس المناقصات والثاني تقريرا إلى صاحب الجلالة السلطان المعظم مشفوعا بتوصية أخرى (إسناد أعمال مبنى المسافرين لصالح شركة باكتيل مع بهوان).
وحيث أن ثقة مولانا لحكومته الرشيدة، فقد جاءت الموافقة على إسناد المناقصة لباكتيل حسب تقرير د. خميس وبمساندة الرجل العظيم (د الزواوي)، وبتاريخ 25 أكتوبر 2010م تفاجأ أعضاء مجلس المناقصات، وبعد التحري، فقد كانت المفاجأة الأكبر بأن د. خميس اجتمع مع شركة باكتيل سريا يوم السبت 23 أكتوبر 2010م في بيته وثم تحرك بعد ذلك إلى مجلس المناقصات الذي لا حول له ولا قوه ..... وطبعا هناك اجتماعات أخرى خارج العمل لمناقشة شركة باكتيل حول كيفية تخفيض سعرها ليصبح 651 مليون بدلا من سعرها المقدم 736 مليون ريال .... أيعقل ياهذا ....،، سوف لن يرحمنا التاريخ.
د. الزواوي كان له الدور الأكبر في هذا المشروع كونه الوكيل غير المباشر لشركة باكتيل الأمريكية .. بهوان للهندسة كان حاضرا لمناقشات الأسعار مع الوزير د. خميس العلوي..
الصبر عند المصيبة يسمى إيمانا
الصبر عند حفظ السر يسمى كتمانا
للعلم بأن توقيت إسناد المناقصة أتى في وقت بأن الشارع العماني منشغل بالقضية التجسسية، ونحن على ثقة ويقين بأن حكومة صاحب الجلالة لا أظنها سوف ترضى بهذه المهزلة وخاصة بأن عمان ماضي وحاضر للحضارة.
وبعد أيام سوف تعلمون عن مناقصة مطار صلالة الجديد المرحلة الخامسة والذي سوف يشد الوزير د. خميس أزره لإسناد المناقصة لشركاء بهوان ... والمرحلة السادسة أنظمة المعلومات التكميلية وفي النهائية سوف تكون لصالح تاول (الترا) آو الزواوي (سيمنس) او البوسعيدي (ثالس).
د. خميس .. قريبا سوف تنكشف والتاريخ لن يرحمك ولن يغفر لك ..
أعان الله عمان وسلطانها وشعبها الأبي وحفظهم من كل مكروه، وأزال الفسدة عن أرض عمان والعمانيين.
لمن تشكو ... إذا كان خصمك القاضي......
ملاحظة: الأجزاء الثلاثة الأخيرة كنت قد استلمتها في شكل ايميل منذ نوفمبر الماضي، وقد قمت بحذف بعض الأمور...
يتبع - الأجزاء من (20 - 39)
المصدر : بن دارس
¨°o.O ( على كف القدر نمشي ولا ندري عن المكتوب ) O.o°¨
---
أتمنى لكم إقامة طيبة في الساحة العمانية
---
أتمنى لكم إقامة طيبة في الساحة العمانية
وأدعوكم للإستفادة بمقالات متقدمة في مجال التقنية والأمن الإلكتروني
رابط مباشر للمقالات هنا. ومن لديه الرغبة بتعلم البرمجة بلغات مختلفة أعرض لكم بعض
المشاريع التي برمجتها مفتوحة المصدر ومجانا للجميع من هنا. تجدون أيضا بعض البرامج المجانية التي قمت بتطويرها بذات الموقع ..
والكثير من أسرار التقنية في عالمي الثاني Eagle Eye Digital Solutions
رابط مباشر للمقالات هنا. ومن لديه الرغبة بتعلم البرمجة بلغات مختلفة أعرض لكم بعض
المشاريع التي برمجتها مفتوحة المصدر ومجانا للجميع من هنا. تجدون أيضا بعض البرامج المجانية التي قمت بتطويرها بذات الموقع ..
والكثير من أسرار التقنية في عالمي الثاني Eagle Eye Digital Solutions