عندما وصل المعز لدين الله الفاطمي- احد الخلفاء الفاطميين - الى مصر بعد فتحها بأربع سنوات , استنكر المصريون دعوته وقاموا يسخرون منه ويستقبحونه ويحتقرونه لادعائه إنه ينسب إلى بيت النبوة.
ورغم ذلك , اضطر أن يُسكت كل من يسأله عن نسبه إما بالسيف والتهديد أو بالذهب والعطاء , مما شكل مثلاً يردده المصريون إلى اليوم لغرض التهديد والترضية وهي عبارة " سيف المعز وذهبه ".

أن ما يحتاج سياقه هذه اللحظة واستدلاله مما اقُترن من المثال الماضي , في إنّ الإنسان لابدّ ان يواجه خيارات إلزامية حيال تمكين أمر ما من تخفيف حدته وتضميد المعضلة بأي وسيلة شرعت له وآلت له أو أتيحت له خلال تلك الفترة الزمنية من التفكير الذاتي ...
ربما لا احتاج كي أسئل واحداً تلو الآخر ,هل أجدك من الناس الذين يترصدون لإخماد إشكالية ما من خلال استخدام مبدأ العطاء و الذهب , أم السيف والعنف !
ليس في ذلك مثار للعجب في أن كلا الخيارين قد نعطيهما حقهما في ما تؤل إليه القضية ذاتها, عامدين بعضهم إلى خلق شبه معادلة للتوصل في إيجاد الخيار الحتمي والمناسب .

فالخيار الأول دائما ما يقرن بحالة انفعال لا تستدعي رسم أي معادلة في تفعيلها لتلك الإشكالية الظاهرة, أما الخيار الثاني فهو دائما ما يقرن بحالة مصلحة لكلا الطرفين .
فالعطاء والذهب , دائما ما تكون وسيلة شبه ارضائية لاستشفاء هذه القضية وإتمام النشاط العام بشكل سلمي غير قابل للتحامل من قبل أي طرف ..
إذن هناك دائما خيارات بديلة قد تبدو في أنظار الآخرين غير قابلة لتصحيح العلة, وعلى النحو الآخر
قد نرى انفسنا امام خيارات التردد في تحديد الصيغة المناسبة للتصحيح والإصلاح للأطراف الأخرى عند وجود خطأ أو سوء فهم قد حصل أو غير ذلك , فطالما نجد أنفسنا منكمشين جدا تجاه موقفنا
وفي محاولتنا إقناع الآخرين بأفكارنا وقناعتنا مما يتطلب لذلك مزيد من التركيز على ما يريدون هم لا على ما نريد نحن احياناً .
أو بالأحرى , دائما ما نصبو لاختيار الحلول التي تنصب مبدئيا لمصلحة كلا الاطراف , لاسيما تلك الحالة التي تربطها علاقة وطيدة , يستحال عليك النظر لنفسك في ايجاد ذرائع لإخراج نفسك من ذات المشكلة الواردة , ونسي الأطراف الأخرى يجولون في البحث عن نصيب في تبريد هذا الأمر , وإلا أدى ذلك إلى حدوث انتفاضة غير قابلة للتفاوض من اجل تجميدها
ولكي نصل على القدرة في إصلاح تلك المواقف , إذا لابد علينا أن نركز على الأفكار الجوهرية في الإصلاح لتلك الإشكالية وننبذ التفاهات والأشياء الهامشية وسفاسف الامور. ولابد أيضا من المستمع التفهم الكامل والاستماع لآراء المخطئ من حيث تمكينه لشرح ماهية التصرف وتفسيره , لا بدحض آراءه وكلامه تاركا الأمور تتصرف كما لو أن الأمر لا يمكن بأي حال إصلاحه وتسييره بخير .
ولا يخفى على الجميع في إن المصاحبات التي تصحب المذنب بارتكابه لخطأ ما ناجم عن سوء فهم, دائما ما تصحب بالإهانات والإذلال وما شاباه ذلك ..

يتضح جليا إن العقل الباطني يتصرف بدقة وضبط التصرف نفسه في كل شعور عندما يؤثر فيه نوعا من الانطباع , فالصبر عامل من عوامل إبقاء الأمور تسير لمسار سلمي, والضبط النفس في تلك الحالات هو جوهر الآليات الداعمة للتوصل إلى الخيارات السلمية . يقول الإمام ابن القيم " النفس مطية العبد الى الخير والصبر زمام هذه المطية وخطامها فإن لم يكون للمطية خطام ولا زمام شردت في كل مذهب..
ويقول: النفس فيها قوتان قوة الإقدام وقوة الإحجام فحقيقة الصبر ان قوة الإقدام مصروفة إلى ما ينفعه, وقوة الإحجام إمساكا عما يضره .

وليس ثمة يدعي مصادفة في كون ان الأمر يعمل بموجب بعض القوانين الذهنية والطبيعية . فهناك كثير من الإحداث نجد صعوبة في تعليلها بالفحص السطحي .
ولكن يمكننا أن نكون مطمئنين إلى إن هناك سببا أساسيا وراءها وليست وليدة المصادفات كما تبدو , وان احتقار النفس البشرية بالأعمال الصغيرة الخاطئة تؤدي انفجارها تماما , فاغتيال الأرشيدوق أطلق شرارة الحرب العالمية الأولى ..
فمن شرارة صغيرة لمسألة صغيرة , قد تكون كفيلة في تكوين مصيدة للدواعي الكبيرة الأخرى ..
ولكن الإيمان بالمقدرة على القناعة بالتوصل إلى الهدف وتخميد بعض الإشكاليات هي كفيل حتماً بان تزحزح الجبال.

....

....