المنظومة العمانية و واقع الحلقة المفقودة لمفهوم حقوق الانسان !

    • المنظومة العمانية و واقع الحلقة المفقودة لمفهوم حقوق الانسان !

      منذ اللحظة الأولى التي أصدر فيها الملك الانجليزي جون الوثيقة الانجليزية " الماجناكارتا " عام 1215 م والتي صدق فيها على بعض المواثيق الحقوقية ، اعتبر بعض الحقوقيين والمحللين أن تلك اللحظة مرحلة تحول فيها مفهوم حقوق الانسان من كونه قيم عرفيه متعارف عليها إلى مرحلة اكتسب فيها المفهوم ناحية قانونية نظامية يصدق عليها من قبل الدولة بموجب العقد القائم بين الشعب والدولة . حدث بعد " الماجناكارتا " ان حدثت النقلة النوعية في المجتمع الغربي بالثورات الفرنسية والانجليزية والامريكية ، ومنه وحتى تسلم تلك المجتمعات من الوقوع في عصور مظلمة كالتي قاستها قبل تلك الثورات لعقود طويلة ، أجمعت بقيادة قادة البرجوازية على بناء أساس فكري و فلسفي يبنى على أساسهما البناء الفعلي لحقوق الانسان وكذا وجه الرابطة التي يجب ان تقوم بين الشعب وبين الدولة لحماية هذه الحقوق والعمل على جعلها قيد التنفيذ . فكان نتاج ذلك ان تأسس الأساس الفلسفي وفق رافدين أساسسين : الاول رافد " الحق الطبيعي " والذي جاء فيه بيان لماهية الركائز الاساسية للحق الطبيعي للفرد كونه انسان مستقل وأيضا كونه انسان يعيش وفق منظومة مجتمعية معينة ، فجون لوك رأى الحق الطبيعي في ( الحياة ، الحرية ، الملكية ) ، و السياسي الأمريكي جيفرسون رأى الحق الطبيعي للإنسان في ( الحياة ، الحرية ، البحث عن السعادة ) ، أما هوبز فقد تمسك بحقين مطلقين هما الدفاع عن الذات بكافة السبل والبحث عن السلام والمحافظة عليه ، وعن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان فلقد نص على أن ( لكل إنسان حق الحياة والحرية والأمن ) .

      على الرغم من اختلاف صيغ رافد الحق الطبيعي إلا ان تلك الصيغ اجتمعت في احواض فكرية موحدة ، تتجه نحو الحيلولة دون الرجوع لتجربة كالتي عاشتها الامة الغربية في عصورها المظلمة ، ثم حدث بعد ذلك أن توقد الرافد الفكري الثاني لفلسفة حقوق الإنسان والمتمثل في نظرية العقد الإجتماعي التي نادى بها روسو ولوك وهوبز وغيرهم ، وقد أوضح "جان جاك روسو" ـــ الذي يعد أكثر فلاسفة أوروبا الحديثة تقريرا لفرضية العقد الاجتماعي ـــ مفهوم العقد الاجتماعي بقوله : (( الإنسان بطبعه لا يستطيع أن يعيش بمفرده، بل لا بد من اجتماعه مع غيره من بني جنسه. ولما كانت إرادتهم تختلف وتتضارب، فإن اجتماعهم لا يستقيم له حال إلا إذا كان مبنيا على "تعاقد" في ما بينهم يتنازل بموجبه كل واحد منهم عن حقوقه كافة للجماعة التي ينتمي إليها، والتي تجسمها الدولة كشخص اعتباري ينوب عن الناس في تنظيم ممارستهم لحقوقهم، وبذلك تتحول تلك "الحقوق الطبيعية" إلى "حقوق مدنية": وتبقى الحرية والمساواة هما جوهر هذه الحقوق)). حدث بعدها ان مضت تلك الدول وفق ما تشكل من فكر حقوقي فأنشأت المنظمات ووضعت القوانين والأهم من ذلك كله هو ما حدث بأن تنبهت الشعوب الغربية لأهمية الإلمام بماهية الحقوق وكيف لهم ان يحافظوا عليها من الدولة التي تحكمهم قبل غيرها !

      ذلك واقع المنظومة الغربية ، أما عن واقع المنظومة العربية وحقوق الإنسان فهي مسألة مضنية ، نحن لن نتحدث عن منظومة هشة لا تستطيع ان تحتوي ميثاق حقوق الإنسان فهما وتطبيقا في ظل ضعف المنظومة على المستوى العالمي في انساقها المختلفة ، السياسية ، الاقتصادية ، وحتى في جانب من نسقها الاجتماعي والثقافي ، فالمسألة دفينة وتحتاج لوقفة مفصلة حتى نستوضح ما فيها وحقيقة الأرضية التي نقف عليها . إن مسألة انتهاك الحقوق في أوطاننا عائدة للشعوب التي تتلهى عن إدراك أهمية الإلمام بحقوقها وكيف لهم ان يحافظوا عليها ويطالبوا بها ، صارت الأجيال لا تفقه من معنى الحقوق سوى ما تنعق به الكتب المهترئة من كلمات ودندنات لا ترفع غباوة ولا تزيل غشاوة . لم نعد نتنفس بحقوقنا بل بما قسم لنا منها . لقد تعودنا على أخذ ما هو جاهز من أفكار ومحتوى وأعمال ومشاريع ، وسمحنا لغيرنا أن يؤثر فينا ويفكر ويقرر بدلا عنا ليقرر لنا ماهية حقوقنا ! ، سواء أكان ذلك "الغير" غربا أو حكومة أو مؤسسة أو أفرادا. بل ونذهب إلى حد نعتبر فيه استخدام العقل وفق منهجه استدرارا للفهم ترف فكري لا طائل يرتجى منه ، ذلك ما جعلنا قابعين في مكاننا، نتفرج على الأحداث وسير التاريخ وكفى. لا نتطور أبدا بل و نتأخر كثيرا عن ركب الحضارة المعاصرة. لذا ونتيجة لذلك، فإنه من الطبيعي جدا أن تنتهك حقوقنا، سواء أكان ذلك الأنتهاك من داخل أوطاننا أو من جانب الدول الكبرى والهيئات المختلفة الممسكة بزمام العالم .

      إلى من تكلون بحقوقكم لتحمى لكم ؟! أ إلى حكومات مستبدة تعمل بالخفاء على غير ما تبديه بالعلن ؟ أم إلى منظمات إنسانية لا تملك من زمام امرها سوى رصد الارقام وتعبئة الأوراق ؟ ام إلى هيئات ومؤسسات عالمية مسيسة وفق مصالح واعتبارات سياسية ، أوليس القرار 242 لهيئة الأمم المتحدة والمتعلق بالشأن الفلسطيني باوضح دليل على ذلك ؟ أوليس عارا علينا ان نصل إلى مرحلة لم نعد نفقه فيها من معنى الحرية سوى أنها العمل بما نريد دون ان نتعدى على حقوق الآخرين ؟! كيف لنا ان نطالب بحقوقنا ونحن لا نعلم من امرها نذرا يسيرا ؟ كتبنا العربية مهزلة حقوقية بامتياز ، مكتباتنا تعج بها وهي في حقيقتها أرطان من شعارات حقوقيه فضفاظه يرطن بها تارة وتارة اخرى تهمل ؟ تكاد مناهجنا الدراسية تخلوا إلى حد مدقع من أي منهجيات واضحة يستطيع عبرها الفرد استيضاح ماهية حقوقه وكيف له ان يحافظ عليها ويطالب بها ، في جامعاتنا لا يوجد سوى مقرر واحد لحقوق الإنسان وليس به ما يمكن لنا ان نفهم به واقعنا ، فقط دندنات ألفتها آذاننا منذ نعومة أظافرنا . يقولون لنا ، الإسلام جاء بالحرية ودعى لها ، وهي انواع متعددة ، والإسلام حرم سلب الحريات باي شكل كان ، هرمنا من هذه الدندنة ! أين هم من حقيقية واقعنا ؟ نريد قراءة حقيقية لواقعنا ، قراءة نستطيع ان نتسلم بها قيادة زمام حقوقنا لا أن نترك غيرنا يعبث بها على نحو ما يريد ويهوى تحقيقا لمآرب ومقاصد يرتيجها ؟!


      وجدت في وطني بشرا لا يرون الحقوق إلا في عيشة رضية تقوم على اساس الوظيفة وزخم الأمول ، ولكم في الأحداث الأخيرة برهان ساطع ، فالناس اهملت الحقوق بمختلف أنواعها سواء ما كان منها سياسيا او أقتصاديا او اجتماعيا وأتجهت لتحقيق ما ظنوه عدالة اجتماعية تمثلت في زيادة الكسب وترف العيش ، اهملوا حقيقة ان العيش الكريم والحقوق الطبيعية لن تتحقق وأعتلال الأنظمة قائم على نحو يجهل الشعب ماهيته وحقيقته والآثار التي قد تعانيه الأجيال من بعدنا !

      حتى نوجز القضية :

      انت تعيش في وطن يمثل منظومة مجتمعية متعددة الانساق ـــ سياسية ، اقتصادية ، اجتماعية ــ :
      * إلى أي مدى ــ وانت تعيش في وسط هذه المنظومة ـــ تعرف ماهية حقوقك ؟ حدد لي ماهية حقوقك بعيدا عن الدندنات ونغم الشعارات ؟!
      * إلى من أوكلت امر الوصاية عليها ليحميها لك ؟ فيمن تثق ليحمي لك حقوقك ؟
      * كيف تعرف ان حقوقك ليست مغتصبة حاليا ، وهل يهمك حقا فيما اذا كانت مغتصبة أو لا ؟؟
      * هل ترى بأن منظومتنا العمانية كفلت لنا حقوقنا الإنسانية كاملة أم ان العملية شابها الكثير من التقصير ، ولو ان العملية قاصرة فأين انت من بلوغ التمام وضمان حق الأجيال في ان ينعموا بأرضية حقوقية ؟ أي ، من تنتظر ليغير لك واقعك ويأتيك بحقوقك؟


      أريد ان أتنفس حقوقي كاملة لا ما قسم لي منها فقط .