السرقة فعل شائن تجرّمه كل الفطر السوية، و الشرائع السماوية، و القوانين الوضعية. فالسارق يستولي على جهد الآخرين و يخطف نتاج بذلهم.
و لئن كانت السرقة المادية بهذه الشناعة و القبح، فإن سرقة نتاج الأفكار، و خلاصات العقول لا تقل عنها فظاعة هذا إن لم تكن تفوقها قبحا.
ما هي السرقة الفكرية؟
نعني بالسرقة الفكرية أو الأدبية نسبة عمل فكري أو أدبي أنتجه الآخرون إلى انفسنا، و التظاهر أنها من بنات أفكارنا و عصارة من خلاصات إبداعاتنا.
ليست السرقات الفكرية و الأدبية وليدة اليوم، و لا من منتجات العصر، فقد اشتهر أناس منتحلون في القديم انتحلوا ما ليس لهم، و في القصة المشهورة، قصة القصيدة اليتيمة ما يبرهن قولنا هذا.
لكن عصرنا هذا، و مع ظهور الإنترنت، و فتح آفاق رحبة لكل أحد أن يلج فيها و يكتب ما شاء، أصبحت الشبكة العنكبويتة و المنتديات الحوارية بالأخص مرتعا خصبا للمنتحلين و سرّاق الفكر و لصوص الأدب.
أسباب السرقة الفكرية
شخصيا أرى أنه لا يلجأ للإنتحال و نسبة أعمال الآخرين الفكرية لنفسه إلا من فقد القدرة على الإنتاج الفكري و استقر في روعه أنها مثلبة و منقصة ألا يستطيع ذلك، فأراد أن يسد تلكم الثلمة و ذلك النقص فيسطو على جهد الآخرين و ينسبه لنفسه.
و مما ساعد على شيوع هذا الأمر في المنتديات الحوارية أسباب كثيرة نذكر منها:
1. عدم وجود المطلعين القادرين على كشف مثل هذه السرقات
2. في حالة وجود من يكشفها فإنهم يفضلون السكوت من باب "من ستر مسلما ستره الله يوم القيامة"
3. في حالة انكشاف حالة سرقة ادبية، فإن السارق لا تطوله عقوبة رادعة، و كما يقال "من أمن العقوبة أساء الأدب".
كيف نكتشف السرقات الأدبية؟
لحسن الحظ، فإن كشف السرقات الأدبية أسهل بكثير من كشف السرقات المادية، فالعمل الفكري يحمل بصمة صاحبه، و ينبض بمشاعره و وجدانه، و ترى روحه في ثناياه.
فلو جاءنا أحد مثلا بقصيدة لنزار و ادعى أنها للمتنبي، الن يكون بمقدورنا أن نعرف صدق ذلك من كذبه؟ لا أظن احدا يجادل في ذلك.
و لو فجأة طرح أحدهم موضوعا يفيض قوة و بلاغة، و يحمل فكرا عميقا غزيرا، ألن يكون بمقدورنا أن نعرف أنه قد انتحله و هو الذي جميع ردوده و مشاركاته ركيكة المبنى، سقيمة المعنى؟!
أخيرا
ما واجبنا، أعضاء و مشرفين، في محاربة هذه الظاهرة؟
تخيل أنك كتبت خاطرة أودعتها خلاصة مشاعرك الصادقة، و أودعتها فيضا من مكنونات خاطرك، ثم تأتي فجأة لتراها معروضة باسم شخص آخر، و المعقبين يكيلون لمنتحلها المديح، و يحيون فيه قلمه الرصين، و فكره الراقي، ترى ما يكون شعورك حينها؟
إذن فاعلم ان ذلك هو شعور كل من انتُحل شئٌ من أعماله، و الضمير الحي يوجب علينا أن نرد الحقوق لأصحابها، و نقف دفاعا عنهم.
ينبغي أن يجابه كل منتحل بحقيقته، و يوقف عند حده، و يبين له عظم ما اقترف.
و المسؤولية للمشرفين في ذلك أعظم و أكبر
فالإشراف أمانة و تكليف، لا عذر في التخاذل عن القيام بها