هل هناك من يحن إلى أيام صدام ؟
[INDENT] سؤال قد يبدوا غريبا بعض الشيء ، ولكن إذا نظرنا إلى حجم الكارثة التي خلفها الغزو الأمريكي للعراق بعد أكثر من خمس سنوات ، وتدمير دولة بكل مكوناتها، وإدخالها في دوامة من الفوضى اللا متناهية ، بل وإرجاعها إلى عصر الظلمات ، تجعل طرح هكذا سؤال أمرا مشروعا و منطقيا.
إن الإجابة على هذا السؤال، تستدعي البحث أولا عن المستفيدين المفترضين لسقوط نظام صدام ، ومن خلالهم سنكتشف من يحن إلى أيامه.
بنظرة عامة نستطيع القول أن المستفيدين المفترضين ثلاث أطراف: العراقيون، الأمريكيون، الدول المجاورة.
أولا العراقيون:
لقد حكم صدام العراق بقبضة من حديد طول مدة 35 سنة، نظام دكتاتوري شمولي لا ينكر جرائمه أحد ، ولا تخلوا الدول العربية من أمثاله ، ثم جاء الاحتلال بشعاراته البراقة كالحرية والديمقراطية والحكم الراشد
( كغيره من شعارات المحتلين على مر التاريخ )، ليحرر العراقيون من الطاغية المستبد الأوحد ، ويكون العراق مدرسة العالم في الديمقراطية المثالية ، ولكن هل تنسم العراقيون نسيم الحرية حقا …؟ ، لقد تحرر العراقيون من الطاغية واحد ليسقطوا في براثن مجموعة من الطواغيت فاقت جرائمها جرائم النظام السابق، فالمقابر الجماعية بالجملة وجرائم التعذيب فاقت الحدود ، نعم تخلص العراقيون من نظام شمولي واحد وجثم فوق رقابهم نظام العصابات وقطاع الطرق والميليشيات والطوائف، فالسلاح هو الحاكم الفعلي ، والموت هو الشعار السائد يلاحق العراقيين في حياتهم اليومية ، خلال الحكم السابق و بالرغم من مساوئه كانت هناك دولة ، مؤسسات ، تعليم ، اعمار ، حياة تدب ، أما اليوم فالدمار والخراب والفوضى تعم البلاد، والقتل يطارد العباد ، وأصبح العراقي يفتقد لأبسط ضروريات الحياة ، بلاد الرافدين تعاني من العطش ، لا كهرباء ولا غاز ولا هم يحزنون ، حكومة عميلة هزيلة لا تتجاوز سلطتها المنطقة الخضراء ، وكل التقارير تؤكد أن عمرها لن يستمر لساعات في حال ما قررت أمريكا الخروج ، قانون الغاب ورائحة الموت تعم العاصمة التي سميت ذات يوم بدار السلام ، والقتل أصبح بالجملة وعلى أساس الانتماء الطائفي بل حتى بسبب الاسم فقد طالعتنا الأخبار عن وجود فرق إعدام تستهدف كل من يحمل إسم عمر ولا حول ولا قوة إلا بالله .والشواهد على مأساة العراقيين كثيرة .
بعد كل هذا ، ألا يحن العراقيون إلى أيام صدام ؟ لكم أنتم أن تجيبوا على هذا السؤال.
ثانيا: الأمريكيون
عندما قررت أمريكا غزو العراق ، اعتقد خبراؤها الإستراتيجيون أن العملية لن تكون أكثر من نزهة سياحية سيقوم بها الجنود الأمريكيون في صحاري ومدن العراق ، سرعان ما يعودن بأكاليل الورود وأطواق الياسمين يقدمها لهم العراقيون احتفاء بهم ، وبعد سقوط بغداد أعلن الرئيس بوش وبغطرسة المحتل انتصار أمريكا في حربها ، وكأنهم لم يقرؤوا تاريخ الإنسانية و أن سقوط الأنظمة لا تعني بأي حال سقوط الأمم ، بل إن تحت الرماد نارا تلظى، تحرق المحتل مهما كانت قوته، وبعد أيام قليل بدأ الأمريكيون يكتشفون مدى عمق المستنقع الذي سقطوا فيه ، والنتيجة أكثر من 4000 قتيل ، آلاف المعطوبين ، والمرضى النفسانيين، مئات الملايير من الدولارات تكاليف الحرب والفاتورة في تزايد سريع، بل أصبحت تحسب بالدقائق والثواني ،والآن أصبح البحث عن كيفية الخروج من المأزق ، فالعراق أصبح اليوم يؤذن بأفول نجم الإمبراطورية الأمريكية.
بعد سقوط بغداد وبنشوة المنتصر أخذ الأمريكيون يوجهون الإنذارات للدول الأخرى بأن دورها قادم ، لكن بعد استعار نار المقاومة ضدها ، وتكبدها الخسائر الفادحة من جراء حرب العصابات التي أفقدتها صوابها ، بدأت تراجع حساباتها ، حتى الدول المارقة (في نظر أمريكا ) أصبحت لا تعير للتهديدات الأمريكية اهتماما، بل تتحداها كما تفعل إيران اليوم وكوريا الشمالية بالأمس، لأنها تعلم أن أمريكا اليوم ليست التي كانت قبل سنوات ، فأقوى دولة في العالم عجزت عن إنقاذ مواطنيها يوم جاءها إعصار كاترينا ، بل أصبحت تستجدي معونات مثل الدول الفقيرة ، لأن جل قواتها ومعداتها وجهت للعراق ، وهي اليوم تبحث عن حل يخرجها من المستنقع ويحفظ لها ماء الوجه، وهي خارجة طال الزمان أو قصر فعجلة التاريخ لا يوقفها أحد .
وبعد هذا ألا يحن الأمريكيون إلى أيام صدام : ؟ لكم أن تجيبوا على هذا السؤال .
ثالثا الدول المجاورة للعراق : ونقصد بها الدول العربية المجاورة ، إيران ، الإسرائليون
لقد ساهمت الدول المجاورة للعراق في تسهيل عملية الغزو سواء بصورة مباشرة أو غير مباشرة ، فكلها كانت ترى في العراق تحت حكم صدام مصدر عدم استقرار وتهديد قومي لها ولذلك عملت على إنجاح الغزو والنتيجة اليوم :
دول الخليج أصبحت ترى أن أكبر خطر يهددها قادم من العراق ، فالعراق اليوم يعد أكبر مخزن لمختلف الأسلحة في العالم ، وأحسن ميدان للتدريب على مختلف تقنيات التفجير وحرب العصابات ، وهذا يصب في فائدة الأطراف المعارضة لهذه الدول وأصبحت قضية انتشار عدوى الحرب مسألة وقت ليس إلا ، كما أن دول العربية ترى اليوم في أن العراق قد قدم على طبق من ذهب لإيران والتي لا تخفي نزعتها التوسعية في المنطقة .
أما إيران وإن كان الظاهر يقول أنها المستفيد الأول من زوال نظام صدام، فإنه على المنظور البعيد يشكل خطرا عليها ، لأن دخول العراق في دوامة حرب أهلية قد يضطرها إلى التدخل العسكري المباشر ـ هذا في حالة ما خرجت القوات الأمريكية ـ وهذا سيجعلها تدخل في مستنقع لن يكون في مصلحتها بل سينهكها عسكريا وإقتصاديا ، هذا إن استبعدنا دخولها في حرب مع دول أخرى يكون العراق ميدانها .
أما الإسرائليون : فقد فإن حالة عدم الإستقرار التي يعيشها العراق جعلهم يراجعون حساباتهم، لقد قال رئيس جهاز الأمن الداخلي الاسرائيلي (شين بيت) يوفال ديسكين " إن إسرائيل قد تندم على قرارها دعم الغزو الأمريكي للعراق عام 2003 ".
وبعد هذا ألا يحن أولائك إلى أيام صدام ؟ لكم أن تتوقعوا الإجابة المنطقية .
من خلال ما تقدم نخلص إلى أن ما جرى للعراق بفعل الاحتلال الظالم والغير المشروع جريمة نكراء ، ساهم العديد من الأطراف في ارتكابها، حيث تحول مهد الحضارات الإنسانية ، إلى كارثة بكل ما للكلمة من معنى بفعل أهواء عصابة من اللصوص والمرتزقة ، لقد قال الرئيس بوش في العديد خطاباته أن العالم أصبح أكثر أمنا بعد سقوط حكم صدام ، ولا أدري بأية عين رأى ذلك، ولا أبالغ حين أقول أن السيد بوش هو أكثر الناس حنينا إلى أيام صدام .[/INDENT]
[INDENT] سؤال قد يبدوا غريبا بعض الشيء ، ولكن إذا نظرنا إلى حجم الكارثة التي خلفها الغزو الأمريكي للعراق بعد أكثر من خمس سنوات ، وتدمير دولة بكل مكوناتها، وإدخالها في دوامة من الفوضى اللا متناهية ، بل وإرجاعها إلى عصر الظلمات ، تجعل طرح هكذا سؤال أمرا مشروعا و منطقيا.
إن الإجابة على هذا السؤال، تستدعي البحث أولا عن المستفيدين المفترضين لسقوط نظام صدام ، ومن خلالهم سنكتشف من يحن إلى أيامه.
بنظرة عامة نستطيع القول أن المستفيدين المفترضين ثلاث أطراف: العراقيون، الأمريكيون، الدول المجاورة.
أولا العراقيون:
لقد حكم صدام العراق بقبضة من حديد طول مدة 35 سنة، نظام دكتاتوري شمولي لا ينكر جرائمه أحد ، ولا تخلوا الدول العربية من أمثاله ، ثم جاء الاحتلال بشعاراته البراقة كالحرية والديمقراطية والحكم الراشد
( كغيره من شعارات المحتلين على مر التاريخ )، ليحرر العراقيون من الطاغية المستبد الأوحد ، ويكون العراق مدرسة العالم في الديمقراطية المثالية ، ولكن هل تنسم العراقيون نسيم الحرية حقا …؟ ، لقد تحرر العراقيون من الطاغية واحد ليسقطوا في براثن مجموعة من الطواغيت فاقت جرائمها جرائم النظام السابق، فالمقابر الجماعية بالجملة وجرائم التعذيب فاقت الحدود ، نعم تخلص العراقيون من نظام شمولي واحد وجثم فوق رقابهم نظام العصابات وقطاع الطرق والميليشيات والطوائف، فالسلاح هو الحاكم الفعلي ، والموت هو الشعار السائد يلاحق العراقيين في حياتهم اليومية ، خلال الحكم السابق و بالرغم من مساوئه كانت هناك دولة ، مؤسسات ، تعليم ، اعمار ، حياة تدب ، أما اليوم فالدمار والخراب والفوضى تعم البلاد، والقتل يطارد العباد ، وأصبح العراقي يفتقد لأبسط ضروريات الحياة ، بلاد الرافدين تعاني من العطش ، لا كهرباء ولا غاز ولا هم يحزنون ، حكومة عميلة هزيلة لا تتجاوز سلطتها المنطقة الخضراء ، وكل التقارير تؤكد أن عمرها لن يستمر لساعات في حال ما قررت أمريكا الخروج ، قانون الغاب ورائحة الموت تعم العاصمة التي سميت ذات يوم بدار السلام ، والقتل أصبح بالجملة وعلى أساس الانتماء الطائفي بل حتى بسبب الاسم فقد طالعتنا الأخبار عن وجود فرق إعدام تستهدف كل من يحمل إسم عمر ولا حول ولا قوة إلا بالله .والشواهد على مأساة العراقيين كثيرة .
بعد كل هذا ، ألا يحن العراقيون إلى أيام صدام ؟ لكم أنتم أن تجيبوا على هذا السؤال.
ثانيا: الأمريكيون
عندما قررت أمريكا غزو العراق ، اعتقد خبراؤها الإستراتيجيون أن العملية لن تكون أكثر من نزهة سياحية سيقوم بها الجنود الأمريكيون في صحاري ومدن العراق ، سرعان ما يعودن بأكاليل الورود وأطواق الياسمين يقدمها لهم العراقيون احتفاء بهم ، وبعد سقوط بغداد أعلن الرئيس بوش وبغطرسة المحتل انتصار أمريكا في حربها ، وكأنهم لم يقرؤوا تاريخ الإنسانية و أن سقوط الأنظمة لا تعني بأي حال سقوط الأمم ، بل إن تحت الرماد نارا تلظى، تحرق المحتل مهما كانت قوته، وبعد أيام قليل بدأ الأمريكيون يكتشفون مدى عمق المستنقع الذي سقطوا فيه ، والنتيجة أكثر من 4000 قتيل ، آلاف المعطوبين ، والمرضى النفسانيين، مئات الملايير من الدولارات تكاليف الحرب والفاتورة في تزايد سريع، بل أصبحت تحسب بالدقائق والثواني ،والآن أصبح البحث عن كيفية الخروج من المأزق ، فالعراق أصبح اليوم يؤذن بأفول نجم الإمبراطورية الأمريكية.
بعد سقوط بغداد وبنشوة المنتصر أخذ الأمريكيون يوجهون الإنذارات للدول الأخرى بأن دورها قادم ، لكن بعد استعار نار المقاومة ضدها ، وتكبدها الخسائر الفادحة من جراء حرب العصابات التي أفقدتها صوابها ، بدأت تراجع حساباتها ، حتى الدول المارقة (في نظر أمريكا ) أصبحت لا تعير للتهديدات الأمريكية اهتماما، بل تتحداها كما تفعل إيران اليوم وكوريا الشمالية بالأمس، لأنها تعلم أن أمريكا اليوم ليست التي كانت قبل سنوات ، فأقوى دولة في العالم عجزت عن إنقاذ مواطنيها يوم جاءها إعصار كاترينا ، بل أصبحت تستجدي معونات مثل الدول الفقيرة ، لأن جل قواتها ومعداتها وجهت للعراق ، وهي اليوم تبحث عن حل يخرجها من المستنقع ويحفظ لها ماء الوجه، وهي خارجة طال الزمان أو قصر فعجلة التاريخ لا يوقفها أحد .
وبعد هذا ألا يحن الأمريكيون إلى أيام صدام : ؟ لكم أن تجيبوا على هذا السؤال .
ثالثا الدول المجاورة للعراق : ونقصد بها الدول العربية المجاورة ، إيران ، الإسرائليون
لقد ساهمت الدول المجاورة للعراق في تسهيل عملية الغزو سواء بصورة مباشرة أو غير مباشرة ، فكلها كانت ترى في العراق تحت حكم صدام مصدر عدم استقرار وتهديد قومي لها ولذلك عملت على إنجاح الغزو والنتيجة اليوم :
دول الخليج أصبحت ترى أن أكبر خطر يهددها قادم من العراق ، فالعراق اليوم يعد أكبر مخزن لمختلف الأسلحة في العالم ، وأحسن ميدان للتدريب على مختلف تقنيات التفجير وحرب العصابات ، وهذا يصب في فائدة الأطراف المعارضة لهذه الدول وأصبحت قضية انتشار عدوى الحرب مسألة وقت ليس إلا ، كما أن دول العربية ترى اليوم في أن العراق قد قدم على طبق من ذهب لإيران والتي لا تخفي نزعتها التوسعية في المنطقة .
أما إيران وإن كان الظاهر يقول أنها المستفيد الأول من زوال نظام صدام، فإنه على المنظور البعيد يشكل خطرا عليها ، لأن دخول العراق في دوامة حرب أهلية قد يضطرها إلى التدخل العسكري المباشر ـ هذا في حالة ما خرجت القوات الأمريكية ـ وهذا سيجعلها تدخل في مستنقع لن يكون في مصلحتها بل سينهكها عسكريا وإقتصاديا ، هذا إن استبعدنا دخولها في حرب مع دول أخرى يكون العراق ميدانها .
أما الإسرائليون : فقد فإن حالة عدم الإستقرار التي يعيشها العراق جعلهم يراجعون حساباتهم، لقد قال رئيس جهاز الأمن الداخلي الاسرائيلي (شين بيت) يوفال ديسكين " إن إسرائيل قد تندم على قرارها دعم الغزو الأمريكي للعراق عام 2003 ".
وبعد هذا ألا يحن أولائك إلى أيام صدام ؟ لكم أن تتوقعوا الإجابة المنطقية .
من خلال ما تقدم نخلص إلى أن ما جرى للعراق بفعل الاحتلال الظالم والغير المشروع جريمة نكراء ، ساهم العديد من الأطراف في ارتكابها، حيث تحول مهد الحضارات الإنسانية ، إلى كارثة بكل ما للكلمة من معنى بفعل أهواء عصابة من اللصوص والمرتزقة ، لقد قال الرئيس بوش في العديد خطاباته أن العالم أصبح أكثر أمنا بعد سقوط حكم صدام ، ولا أدري بأية عين رأى ذلك، ولا أبالغ حين أقول أن السيد بوش هو أكثر الناس حنينا إلى أيام صدام .[/INDENT]