
المعنى الحقيقي لكلمة الأمّية
إن أول ما نزل على الرسول صلى الله عليه و سلممن القرآن كان {إقرأ} و كان رد الرسول صلى الله عليه و سلم هو ( ما أنا بقارئ ) و معناها هو أني أمّي لا أقرأ الكتب . و في التنزيل العزيز
{و منهم أمّيون لا يعلمون الكتاب إلا أماني} فمعنى الأمّيون في هذه الآيةهو الذين لا معرفة لهم بقراءة و لا كتابة و الله أعلم. و في الحديث الشريف( إنا أمّة أمّية لا نكتب و لا نحسب )
و في حديث آخر ( بعثت إلى أمّة أمّية ) . فالعرب هم الموصوفون هنا بالأمّيين لأن الكتابة و القراءة كانت فيهم عزيزة و نادرة ، و هذا معنى كلمة أمّي في اللغة العربية و هكذا كان يفهمها العرب.
الباب الثاني : الحكمة وراء أمّية الرسول صلى الله عليه و سلم
أولا نستهل ببعض الآيات الدالة على أمّية الرسول صلى الله عليه و سلم
قال الله تعالى في سورة الأعراف { الذين يتّبعون الرسول النبي الأمّي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة و الإنجيل } و قال عز و جل { و ما كنت تتلو من قبله من كتاب و لا تخطه بيمينك }
قال الفخر الرازي في تفسيره : فالعرب أكثرهم كانوا يكتبون و لا يقرأون و النبي عليه الصلاة و السلام كان كذلك ، فلهذا السبب وصفه عز وجل بكونه أمّيا و كونه أمّيا عليه الصلاة و السلام كان من جملة معجزاته
و يمكن تبيان ذلك من عدة أوجه :
أولا : أنه صلى الله عليه و سلم كان يقرأ عليهم كتاب الله تعالى منظوما مرة بعد أخرى من غير تبديل ألفاظه و لا تغيير كلماته . و قد كان معروفا أن الخطيب من العرب إذا إرتجل خطبة ثم أعادها لا بد أن يزيد فيها و لو بالقليل ثم إنه عليه الصلاة و السلام -مع أنه كان لا يكتب و لا يقرأ- يتلو كتاب الله من غير زيادة و لا نقصان و لا تغيير فكان ذلك من المعجزات و إليه الإشارة بقوله تعالى { سنقرئك فلا تنسى }
ثانيا : أنه صلى الله عليه و سلم لو كان يحسن الخط و القراءة لصار متّهما في أنه ربما طالع الكتب الأولين فحصل هذه العلوم من تلك المطالعة ، فلما أتى بهذا القرآن العضيم المشتمل على العلوم الكثيرة من غير تعلم و لا مطالعة كان ذلك من المعجزات . و هذا هو المراد من قوله عز وجل { و ما كنت تتلو من قبله من كتاب و لا تخطه بيمينك إذا لارتاب المبطلون }
ثالثا :أن تعلم الخط شيء سهل فإن أقل الناس ذكاء و فطنة يتعلمون الخط فعدم تعلمه يدل على نقصان عظيم في الفهم ثم إنه تعالى أتاه عليه الصلاة والسلام علوم الأولين و الآخرين و أعطاه من الحقائق ما لم يصل إليه أحد من البشر و مع تلك القوة العظيمة في العقل و الفهم جعله بحيث لم يتعلم الخط الذي يسهل تعلمه على أقل الخلق عقلا و فهما فكان الجمع بين الحالتين المتضادتين جاريا مجرى الجمع بين الضّدين و ذلك من الأمور الخارقة للعادة و من المعجزات
الباب الثالث : الأدلة على ثبوت أمّيته صلى الله عليه و سلم
إن كثيرا من المستشرقين حاولوا إثبات عكس الحقيقة من غير إعتماد أي برهان و لا دليل على كلامهم المزعوم ،إنما هم يستنتجون بعقولهم ، و يتعجبون من أمّيته صلى الله عليه و سلم حيث جاء في قاموس الإسلام لباتريك توماس " و مع ذلك فمن المحقق أنه ( أي النبي عليه الصلاة و السلام ) كان يتظاهر بأنه يجهل القراءة و الكتابة كي يجعل إنشاء القرآن معجزا "
و لكن هذا أمر لا يقبله العقل فلو كان الرسول صلى الله عليه و سلم قارئا لما احتاج إلى كتٌاب يكتبون له و لكان كتب بنفسه بدون توكيل غيره .
و الدليل الثاني هو أنه في غزوة أحد أرسل العباس ( عم الرسول صلى الله عليه و سلم ) كتابا إلى الرسول صلى الله عليه و سلم ليخبره بجمع قريش و خروجهم ، فلما جاء كتاب العبّاس ، فك الرسول عليه الصلاة و السلام ختمه و دفعه لأبيّ بن كعب فقرأه عليه ثم استكتم أبيّا و طلبه بحفظ السّر . و الأمثلة الداحضة لهذه المفتريات كثيرة في التاريخ الإسلامي.
و قد زعم البعض الآخر من المستشرقين أن النبي صلى الله عليه و سلم كان يتلو الكتب الدينية القديمة و منها أخذ معلوماته و هذا الزعم لا أساس له من الصحة لأن جزيرة العرب في ذلك الوقت لم تكن تتوفر على أية كتب دينية باللغة العربية . و من المسلم به هو أنه عليه الصلاة و السلام لم يكن يعرف أي لغة أجنبية .
خلاصة
إن المستشرقين الذين زعموا أن الرسول صلى الله عليه و سلم كان يعرف الكتابة و القراءة نسوا أو بالأحرى تناسوا الآيات القرآنية التي تؤكد أمّية الرسول صلى الله عليه و سلم ، و ذلك لأنهم وجدوا أن القرآن معجز و يحتوي على على قصص الماضين و على شريعة عظيمة فاقت كل الشرائع و فيه عظات بالغة و حكم و أمثال رائعة و مع أنه قد حصل تقدم للعلوم و الفنون و إنتشار للجامعات بشكل كبير في هذا العصر لم يستطع أبناء هذا العصر الإتيان بشريعة للناس عادلة كالشريعة الإسلامية و لا آداب و أخلاق كالآداب و الأخلاق المحمدية و الواردة في القرآن الكريم ، فهالهم الأمر و تحيروا من علمه صلى الله عليه و سلم و ما زاد في حيرتهم هو أمّيته عليه الصلاة و السلام و هذا أكبر دليل على نبوته لأصاب العقول الصغيرة لذلك فبدأ البعض منهم من أعداء الإسلام يتخبطون لنفي أميته صلى الله عليه و سلم و لمّا وجدوا التاريخ لا يساعدهم و أن الحقائق واضحة كوضوح النهار قال قائلهم إنه كان يخفي أمره و يكتمه عن الناس جميعا حتى زوجاته وذريته و أقرب أقربائه ، وهذا قول مضحك وإفتراء لا أساس له من الصحة فمن المستحيل إخفاء مثل هذا الأمر الذي يعتبر مثل الأكل و الشرب
رحيل أمي
أنفاس متقطعة
تم تحرير الموضوع 1 مرة, آخر مرة بواسطة بنت عُمان ().