أيقونة الشعر السوداني عبد الله شابو لـ"ال

    • أيقونة الشعر السوداني عبد الله شابو لـ"ال

      الخرطوم :أحمد يونس

      لا يخلو صيد (حاطب الليل) من الثعابين والعقارب، فاليد العشواء تمتد إلى الحطب في الظلمة، لا تفرق بين الصندل والشاف والطلح، فتجمع معها ما تيسر من هوام.

      لكن بصيرة الشعر جعلت أيقونة الشعر السوداني (عبدالله شابو) يمد حواسه الشعرية في ظلمة الأحداث ليصطاد العبق والأريج وشذى العشق ليطرز منها أجمل القصائد والأشعار.

      ببصيرة شاعر وصياد كلمات أسر شابو لجمهور الشعر بأسرار ذلك الزمان، غنى لـ(إنسان القرن الحادي والعشرين)، وتلمس (شجر الحب الطيب)، وغنى لامرأة أحبها دون أن يقع في حبها، شغله اهتمامه بالثقافة عن الوقوع في (الميوعة العاطفية) ـ كما قال ـ وكانت حبيبته (فكرة) تحكم نظرته للنساء..!

      الشاعر عبدالله شابو في ضيافة (الشبيبة):

      حوار: أحمد يونس * الشعر قبس يداهم الشعراء من زمان وادي عبقر، متى داهمك الشعر، أي متى اكتشفت إنك شاعر..؟

      ـ وجدت نفسي ألهج بالشعر وأنا صغير، وفي المدرسة تعلقت بالأغاني والأناشيد، كنت أحياناً ـ وفي تلك السن ـ ألهج ببعض الأشعار، وعلى حداقة كنت أحس أنها ساذجة، بيد أنها كانت (إرهاصاً) بأن (شاعراً) يتشكل.

      وفي المدارس كنت جيداً في حفظ الشعر وفي إلقائه، وكنت مولعا باللغة العربية واللغات خصوصاً الإنجليزية، فكتبت بعض الأشعار في المدرسة المتوسطة، وفي السنة الثالثة من تلك المرحلة أرسلت لإحدى الصحف ـ لا أذكر اسمها ـ فنشرتها في باب (وجدانيات صرفة)، ويحرره الصحفي السوداني الشهير الراحل محمد الحسن أحمد.

      كانت قصيدتي الأولى قصيدة حب، رغم إني لم أكن أحب أحداً، لكني كتبت للحب لأن الكلام عن الحب (ركز) داخلي نتيجة لإطلاعي على الأشعار في مختلف مظانها.

      * والشاعر يتشكل داخلك، تنشر لك قصيدة وأنت في تلك السن اليافعة، هل أصابك الزهو، هل تتذكر ذلك الشعور، وتستطيع وصفه..؟

      ـحين نشرت هذه القصيدة، وجاءت الصحيفة لمدينة (كوستي)مسقط رأسي، أعتقدت أن كل الناس ينظرون إلي وهم يتهامسون أثناء سيري في الطريق انظروا هذا هو الشاعر الذي نشرت الصحيفة قصيدته.

      وأصابني إحساس بأني شاعر كبير جداً، بيد أن زملائي في المدرسة كانوا يعرفون شاعريتي واقتداري في اللغات لذلك لم يندهشوا لنشر قصيدتي.

      لم أزه كثيراً لأني كنت أعد نفسي لأكون شاعراً، وكانت الظروف المحيطة بي تهيئني لأكون ذلك الشاعر، فوجهني الإحساس بشاعريتي لقراءة الشعر منذ صغري.

      * قلت إنك كنت مهيئاً لتكون شاعراً، ما هي البحور التي نهلت منها ورضعت خميرة الشعر من ثديها..؟

      ـ كانت هناك مكتبة ثقافية كبيرة في مدرستي(كوستي الأهلية الوسطى)، زاملت فيها الناقد د. خالد المبارك، والروائي والقاص عيسى الحلو، وكان قد سبقنا إلى تلك المدرسة رجال اسهموا لاحقاً في حركة الشعر والأدب في السودان، ومن بينهم د. أحمد عبد الكريم ، والسماني عبدالله يعقوب.

      هناك اهتممت بقراءة الشعر العربي القديم، بتوجيه من أساتذتي، ومن بينالأساتذة الذين ساهموا في توجيهي الشاعر شاكر مرسال، ومدير المدرسة الشيخ عبدالله الرشيد سنادة، والأستاذ يحيى حسين يعقوب الذي كتب (نوكيو) باللغة الإنجليزي، كان الجو العام يعدني لأكون شاعراً ومثقفاً.

      * تربط دائماً بين الشعر والثقافة في حديثك، هل يشترط أن يكون الشاعر مثقفاً، ألا تكفي الموهبة لتعطينا شاعراً..؟

      ـ إذا اعتقدنا أن الثقافة كل مركب من تجربتك وقراءتك ومسموعاتك، وما تحدر إليك من تراث، فإن للثقافة دورا كبيرا في كتابة الشعر، وليس في الشاعرية.

      وهنا أذكر رأي للشاعر الإنجليزي(ت إس إليوت) زعيم مدرسة النقد الجديد، يقول فيه: مطلوب من الشاعر معرفة دقيقة باللغة، وإنه كل ما كان مثقفاً وذكياً كانت أهتمامته أنبل وشعره أنضج، لكن مجرد المعرفة العلمية أو معرفة الثقافة المحيطة لا تصنع شاعراً، إلا إذا كان يملك استعداداً فطرياً ليكيون شاعرا، وفي العقائد القديمة كان يقال أن للشاعر شيطان يوحيه الشعر، وحكاية وادي معروفة في سيرة الشعر، بيد إني لست من أنصار شيطان الشعر، فالشاعر يملك استعداداً فطرياً لكتابة الشعر، مثل أي شخص في أي مجال آخر، ثم يصقله بالثقافة والمعرفة.

      الناس يرددون أن الشاعر عاطفي، وفي الحقيقة فإن الشاعر عاطفي وعقلاني معاً، العاطفية وحدها ليست كافية لإبداع الشعر، والشعر يأتي من نفس ناضجة ومتكاملة، فالشعر بدون عقل يكون عاطفة مريضة، والشعر بدون عاطفة يكون جامداً وبارداً.

      * بين التردد والإحساس بالزهو، متى شعرت أنك أصبحت شاعراً، وجرؤت على تقديم نفسك للناس بهذه الصفة..؟

      ـأطلق عليّ بعض الناس صفة الشاعر، ما جعلني أشعر أن هذا هو طريقي الحقيقي، وظللت أحمل صفة شاعر رغم صغر سني، وأطلقتها على نفسي منذ نشر القصيدة الأولى.

      * كبرت قليلاً وانتقلت من مدينتك كوستى إلى العاصمة الخرطوم، هل سبقتك صفة الشاعر، أم أنك أعدت تقديم نفسك لجمهور الشعر الخرطومي من جديد..؟

      ـ في الخرطوم واصلت القراءة وكتابة الشعر، وأضفت إليهما الكتابة الصحافية إذ أنشأت (جريدة الصرخة)، وأنشأ زميلي محمد إبراهيم الخليل رحمه الله (جريدة الطريق)، ثم وظفنا هاتين الجريدتين للشعر والثقافة، رغم إنهما كانتا تتناولان السياسة، حدث هذا في المعهد الفني بالخرطوم.

      حين جئنا إلى المعهد الفني وجدنا مناخاً ثقافياً يمور بالحراك الثقافي، وتصلنا فيه أشعار الشعراء صلاح أحمد إبراهيم، مصطفى سند، كجراي، كنا نرتاد الندوة الأدبية لمنشئها عبدالله حامد الأمين،وهي الأخرى تمور بنشاط ثقافي كبير جداً.

      * في ذلك الزمن بدأ صراع (الشكل) في الشعر، منطلقاً من المشرق العربي، هل كتبت الشعر بقالبه التقليدي، أم أنك بدأت حداثياً..؟

      ـ كتب أول قصيدة بقالب الخليل، أو ما أصبحنا نطلق عليه لاحقا القصيدة (ذات المصراعين)، أكاد أقول أننا كتبنا هذا الشعر حتى امتلكنا موسيقاه وطرائقه البلاغية ثم انتقلنا لشعر التفعيلة، وتبدى لنا هذا يظهر في أشعار مصطفى سند وصلاح أحمد إبراهيم، وبعض شعراء ذلك الزمن،فهم قد تدربوا على الشعر وبحوره، وتمكنوا من موسيقاه، ثم انتقلوا إلى الشعر المرسل (التفعلية)، وأسميه المرسل لأنه شعر موزون لا يخالف بحور الخليل ولا تنقصه الأوزان، فقط هو غير مقفى، الخليل نفسه لم يشترط القافية.

      * كيف تؤرخ لأول مواجهة بين الشاعر وجمهوره، أعني متى قدمت قصيدة في منتدى شعري، وكيف استقبلك جمهور الشعر الذي وصفه أدونيس بأنه جمهور عضوي..؟

      * أول مرة أقرأ الشعر أمام الجمهور كنت مضطرباً لكن مجرد وقوفي أمام الناس تبخر الخوف عني، لأني وجدت تجاوباً من الجمهور، وفي التأريخ لهذه المرحلة فهي ترجع لما بعد عودتي من بعثة إلى جمهورية مصر العربية، فهذه الفترة التي قضيتها مبعوثاً هناك أثرت وجداني وفكري وقراءتي. وجدت هناك الشعراء السودانيين محي الدين فارس، جيلي عبدالرحمن، تاج السر الحسن، محمد الفيتوري، ومبارك حسن خليفة، فأعانوا كثيراً على الشعر، وأدخلوني الوسط الثقافي المصري، ما زاد من ثقتي في نفسي باستماعهم إليهم، ووصفهم لي بأني شاعر صاحب طاقة شعرية كبيرة. أول مرة أتعرف فيها على الشاعر صلاح أحمد إبراهيم،فقد جاء إلى شقتي في القاهرة برفقة الشاعر مبارك حسن خليفة.

      ولعب هؤلاء الشعراء دوراً كبيراً في تكويني،عرفوني على الأدباء المصريين، فقرأت قصيدة أمام أحمد عبد المعطي حجازي.

      قبل ابتعاثي إلى مصر نشرت عددا من القصائد في الجرائد السودانية، ما أعطاني الإحساس بأني شاعر كبير، وحين وصلت إلى واستقبلني هؤلاء الشعراء وأنا بذلك الصيت، خصصوا لي ليلة كاملة لسماع أشعاري، فقرأت لهم الشعر طوال الليل، كانوا يقولون لي شعرك (كويس)، لكنهم أضمروا في ذاتهم أن هذا شاعر يرجى منه لكنه لم يقدم شعراً يذكر، لاحقاً عرفت هذا الرأي المضمر، وحين سألتهم لماذا جاملوني..؟ قالوا لي إننا شجعناك لأننا لا نريد قتل موهبتك، نشروا لي أول قصيدة في جريدة المساء المصرية وصرفت خمسة جنيهات مقابل النشر، وكانت تساوي إيجار الشقة التي أسكن عن شهر، استلمها من زوجة الرسام والكاريكتاريست حسن حاكم.

      ومن أكثر الأحداث التي أثرت على مسيرتي الشعرية، أن الشاعر تاج السر الحسن فتح لي الباب إلىكلية اللغة العربية في الأزهر الشريف، على الرغم من أن بعثتي كانت لدراسة العلوم الهندسية، ما وفر لي فرص الإطلاع على التراث العربي بشكل موسع جداً.

      * يقولون أن الشاعر مثل الأب، يحب أبناءه جميعاً، لكن له ابنا (مدللا)، البعض يدلل البكر، والآخر يدلل آخر العنقود..قصيدتك المدللة ولماذا هي أثيرة عندك..؟

      ـبعد أن رجعت من القاهرة وعملت معلماً في الكلية المهنية العليا، عدت إلى مصر للمرة ثانية، وهذه المرة كنت شاعراً ناضجاً، وهناك طبعت أول دواويني بمساعدة جيلي عبدالرحمن، ديوان (أغنية لإنسان القرن الحادي والعشرين)، كلفتني الطباعة في ذلك الزمان خمسة وستين جنيهاً، في (دار الهنا) وهي نفس الدار التي طبعت ديوان الشاعر الكبير سيد أحمد الحردلو.

      ولقيت قصيدة (أغنية لإنسان القرن الحادي والعشرين) التي تسمى عليها الديوان، رواجاً وترحيباً كبيرا جداً، ما جعل الشاعر المصري شوقي خميس بأنها قصيدة بالغة التلقائية والروعة، تقول:

      معذرة لو جاءت كلماتي كالسعف الناحل في الريح كالحب تعاطاه حبيبان بلا تصريح.. اشتاقا.. ما قالا كلمة ما انتهت اللحظات الأولى ما اعتنقا.. سمعا حساً فافترقا الشوق الطفل افقتد الأبوين صراخ يزعج إغفاء النجم.. معذرة أخواني إن قلت ولم أبدع ولم آت بالدرر الحسناوات.. * قلت أن الشعر الصادق لا يأتي إلاّ عن عاطفة صادقة، وأنت كتبت الكثير من أشعار الحب، من هي (الحبيبة)، أو من يسميها البعض (الملهمة) التي كنت تتوجه إليها بقصيدتك..؟

      ـ هذا سؤال مخادع جداً، كأنه يريد توريطي بتصريح وأنا في هذا العمر..! أنا وأبناء جيلي أحببنا لكنا لم نقع في الحب، كانت لنا إهتمامات ثقافية صرفتنا عن (الميوعة العاطفية).

      تشكلت الحبيبة بالنسبة لنا في ذلك الوقت في أشكال حبيبات كثر، لكنها في الأحوال الحبيبة الجميلة،(الفكرة) هي التي كانت تحكم نظرتي للنساء، رغم أن (أجدادنا) في الشعر السوداني، كانوا يكتبون شعراً حسياً رغم امتلائه بالعاطفة النبيلة، وقد نكون سرنا على هذا النهج، لأنه كان مؤثراً جداً، لا تنس أن ذلك الزمن كان في ستينيات القرن العشرين، الذي شهد حراكاً علمياً وسياسياً مهولاً، ونشأت فيه حركات التحرر العالمية، كل هذا الزخم الموار أثر في طرائق نظرنا للحبيبة.

      كانت الحبيبة وقتها تتماهى في الوطن، لذلك لم أخصص قصيدة لامرأة بعينها.

      * تأثر شعر وشعراء تلك المرحلة بالجو الثقافي الذي كان يسود البلاد، وأنت من بين الشعراء الذين اختاروا الإنتماء لليسار ـ الحزب الشيوعي السوداني تحديداً ـ ألم يؤثر الانتماء الأيديولوجي على الشاعر عبدالله شابو، أعني هل كنت شاعر الحزب..؟ ـ بعد رجوعي من مصر وجدت الجو الثقافي يمور بالحراك السياسي الثقافي، وكان لابد من المشاركة في هذا بحكم كوني شاب، وكوني أرغب مع أبناء جيلي في لعب دور في تاريخ الثقافة السودانية فانتميت لليسار إشباعاً لرغبة التمرد التي كانت تمور داخلي، ولأن اليسار كان يسيطر على الجو الثقافي السوداني وكانت له سطوة ثقافية كبيرة، أتاحت لنا هذه التجربة أن قرأنا كثيراً وجربنا كثيراً، لقد أنضممت لليسار بطوعي، وكامل حريتي وخرجت منه بكامل طوعي، لم يدخلني أحد ولم يخرجني أحد، لقناعتي أن الشاعر إذا أراك كتابة شعر صادق كان عليه أن يكون حراً مستقلاً.

      أنا حر ومستقل كشاعر وأكتب ما يمليه عليّ ضميري، أنا انتمي لـ(عبدالله شابو) وللحقيقة أينما وجدت.

      * سيطرت على الشعر في ذلك الزمان تيارات (الحداثة)، والشعر الحر الذي يعده بعض النقاد بأنه (تمرد) على الشعر التقليدي تماهياً مع (التمردات) الكبيرة التي تشهدها المنطقة، حركات التحرر الوطني، الإشتراكية، الثقافة الجديدة، أين أنت من هذا الإضطراب، وهل تأثرت أشعارك به..؟

      ـ بنفس سطوه اليسار على مقاليد الثقافة في السودان، شهد الشعر في المشرق العربي، تحديداً في العراق مولد شعراء مثل بدر شاكر السياب،نازك الملائكة، عبد الوهاب البياتي، بلند الحيدري،واتجهوا بالشعر إتجاها جديدا في تراكيبه وموسيقاه، لقناعتهم أنه يمكن من استيعاب العصر،ويعطي الشاعر حرية أكبر بما يتواءم مع عصره، فكانت قصيدة التفعيلة، التي انتشرت انتشاراً عظيما وأثرت فينا، نحن لم نبتدعها لكنا تأثرنا بها، رغم مشاركة الشعراء السودانيين في ترسيخ هذا التيار الشعري الجديد.

      أود تسمية شعر التفعيلة (الشعر المرسل)، لأنه موزون وغير مقفى حسب بحور وتفعيلات الشعر العربي عند الخليل إبن أحمد.

      * قارئ أشعارك يلحظ قفزات بينة في طرائق الكتابة، وفي مضامين الشعر، وفي مقاصد القصيدة، إلى ماذا ترجع هذه الملاحظة، هل هي سنة النضج المتدرج، أم أن الأمر كان قصدياً..؟

      ـ مررت بثلاث مراحل في تطوري الشعري، كان شعر المرحلة الأولى نضالياً منبرياً عالي النبرة، أما في المرحلة الثانية، وبعد أن تكاملت أدواتي الشعرية صار أشعاري إلى حدود كبيرة (هامسة) لما أصابني من إحباط من (الهياج الأول)، وفي المرحلة الثالثة، وأسميها (المرحلة الرصينة)فاستوى فيها الحزن والفرح، وهي مرحلة التصالح مع النفس، وهي المرحلة التي أعيشها الآن.

      * حين تجيء سيرة الشاعر شابو يتذكر الناس دائماً ديوانك (حاطب الليل)، لماذا حمل الديوان كل هذا الصيت، حسب تقديرك، أهو ديوانك الأثير أيضاً..؟

      ـ جلب لي ديوان (حاطب الليل) صيتاً كبيراً، كتبت عنه قرابة الثلاثين مقالة عند صدوره، وما زالت الكتابة عنه مستمرة، وحاطب الليل أحب دواويني إلى نفسي، لأن كل ما كتبت من شعر بعد هو إضافة لحاطب الليل، على الرغم من أن النقاد قالوا عن ديواني الأخير (شجر الحب الطيب)، بأنه قمة النضج الشعري لدى الشاعر عبدالله شابو، وبسببه أسماني بعضهم (أيقونة) الشعر السوداني.

      * من الديوان إلى القصائد، هل (تحب) قصيدة من قصائدك وتعتبرها معشوقة سرية تلوذ إليها حين تداهمك شهوة العشق، تنسب إليها، وتنسب لك..؟

      ـ لدي عدة قصائد نالت صيتاً كبيراً، ومن بينها قصيدة يحفظها أناس كثر، ويتمثل بها البعض تقول:

      سيكتب فوق الشواهد من بعدنا بأنا عشقنا طويلا.. وأنا كتبنا بدم الشغاف كأن لم يقل شاعر من قبلنا.. وأنّا برغم الجفاف.. ملأنا البراري العجاف صهيلاً.. صهيلا وأنا مشينا إلى حتفنا رعيلا يباري رعيلا.. وأنا وقفنا بوجه الردى وقوفاً جميلاً سيكتب فوق الشواهد من بعدنا بأنا كذبنا قليلا وأنا انحنينا قليلا لتمضي الرياح إلى حتفها وأنا سقطنا سقوطنا نبيلاً * كتبت في بواكير شعريتك (أغنية لإنسان القرن الحادي والعشرين)، وها قد جاء القرن الذي كتبت لإنسانه، بثورة المعلومات، الإتصالات، الميديا الحديثة، هل مهدت لك تلك (الرؤيا) الطريق إلى هذا القرن بكل اضطرابه..؟

      ـ أنا رجل أتيت من زمن سابق، كانت فيه الحياة ليست بهذا التعقيد والتنوع الخطير، ثورة المعلومات جهد إنساني أحترمه، لكنها لا تجد هوى في نفسي، لأن التكنولوجيا لغة آمرة تحاول توجيه الناس دون أن يملكوا شيئاً من أمرهم، تسلبهم أشياءهم، ما دفعني لكتابة:

      قال الكاهن في هذا الصخب العام يكفي أن تضغط زرا فيكون العالم بين يديك حسنا ماذا أفعل بالعالم بين يدي..؟! ماذا أفعل بالأشتات الهوجاء ولماذا لا أمشي للأشياء ألامسها، أنصت، أسمعها تخبرني أن وجوداً آخر.. تتناغم فيه الألوان الأهواء الأضواء أن زماناً آخر.. يتهادى هونا حتى تكبر فيه الأشجار يا من يعطيني كوخا في الشط النائي ويخرجني من صخب الضوضاء.

      * رغم صخب الإيقاعات في شعرك، ورغم العاطفة الجياشة التي تطل من قصائدك، ما يؤهلها لتكون (أغنيات) يتسابق عليها المغنون، لكن هذا لم يحدث، لماذا لم يغني المغنون أشعارك..؟

      ـأثناء عملي في الكلية المهنية، كنت أدرس تلميذي النجيب الفنان السوداني الراحل هاشم ميرغني، وفي ذلك الوقت لم يكن مغنياًفقط، بل كان رساماً وعازفاً ومهندساً، غنى واحدة من قصائدي التي لا أذكرها، ورغم أنها صنعت ضجيجها كأغنية بين طلاب الكلية، لكني لم أجتهد ليتحول شعري إلى أغنيات، رغم إحترامي وحبي للغناء والموسيقي، وأحبهما بطريقة متجذرة، وأظن أن الغناء والموسيقى تعطي الشعر براحاً وخلوداً أكثر.

      لقد كنت أصغى إلى استحسان المنابر للأشعار ألقيها بصوتي، وأسمع الأكف تصفق بحماس منقطع النظير للشعر المجرد، وأرى الوجوه وعليها شارات الرضا عن أشعاري، كان هذا كافياً بالنسبة لي كشاعر، لذا لم أسع لتقديم قصائدي للمغنين..!

      أكثر...


      ¨°o.O ( على كف القدر نمشي ولا ندري عن المكتوب ) O.o°¨
      ---
      أتمنى لكم إقامة طيبة في الساحة العمانية

      وأدعوكم للإستفادة بمقالات متقدمة في مجال التقنية والأمن الإلكتروني
      رابط مباشر للمقالات هنا. ومن لديه الرغبة بتعلم البرمجة بلغات مختلفة أعرض لكم بعض
      المشاريع التي برمجتها مفتوحة المصدر ومجانا للجميع من هنا. تجدون أيضا بعض البرامج المجانية التي قمت بتطويرها بذات الموقع ..
      والكثير من أسرار التقنية في عالمي الثاني
      Eagle Eye Digital Solutions