يريدونه طاغية أراء الكتاب الشبيبة

    • يريدونه طاغية أراء الكتاب الشبيبة

      ياسر قبيلات

      الرفض الدولي لخطاب الرئيس السوري بشار الأسد، يوم الاثنين الفائت في جامعة دمشق، كان أسرع، وأشد، وأوسع من الرفض المحلي السوري له؛ والسبب بسيط في ذلك، ويتلخص بأن الدور الخارجي في أحداث سوريا كان أسبق على العامل المحلي، وهو كذلك أقوى، وأكثر اتساعاً من الحراك في سوريا.

      وهذا يلخص المشهد بمجمله!

      وهذا، بدرجة كبيرة، يعطي مؤشراً على الأفق والمسار الذي يأخذه الحدث السوري، الذي مرّ لغاية هذا اليوم بتحولات عديدة: ابتدأ تحركاً يحظى بالتعاطف الشعبي، ثم تحول إلى حدث ملتبس دفع الأصوات النزيهة إلى الصمت والترقب، ثم شهد بروزاً للأنشطة المبرمجة دولياً وإقليمياً فأثار الحفيظة بانكشافه عن ثورة مضادة، ثم ها هو ينجلي نهائياً عن تفاصيل مؤامرة مكشوفة تغطي نشاط العصابات المسلحة المأجورة، التي تروع وتنكل بالمدنيين..

      ولهذا، فأفق الحدث السوري على المستوى "الاصلاحي" مسدود ولن يتمكن من تحقيق أهدافه المعلنة والمضمرة، لأنه يفقد يوماً بيوم، زخمه الشعبي الذي لم يكن واسعاً، على أية حال، برغم كل ذلك الضجيج الإعلامي!

      ومع ذلك، لا خوف على التغيير والإصلاح الحقيقيين في سوريا!

      لقد واجهت سوريا خيارين خطرين، ميدانيا: الأول يكمن في الاستسلام لموجة شعواء تتنكر بأقنعة الثورة والإصلاح، وهي في حقيقة الأمر لا تهدف إلا إلى التدمير والخراب. فعداؤها الأساس ينصب على مشروع الدولة في سوريا، وليس النظام وحسب. والثاني، الانجرار إلى إغماض العين عن الحاجة العميقة إلى الإصلاح بمعناه الشامل والسريع والمعاجلة برفع المظالم عن الشعب الصابر.

      وهذان خياران يناسبان أعداء سوريا في الخارج وأدواتهم الداخلية، على حد سواء!

      ومن هنا، يبدو من المفهوم لِمَ أثار خطاب الرئيس السوري رفضاً خارجيا سريعاً؛ فسوريا "ممنوعة" من الإصلاح، ولا يراد لها أن تسير في درب يعزز استقرارها وأمنها ورفاه شعبها، وفق معادلة لا تخل بإمكانياتها في رفع كفاءاتها وقدرتها على أداء دورها القومي، الذي كثيراً ما يتم اختزاله بمفردتي: "الممانعة والمقاومة"!إن تأمل التصريحات التي أطلقت في رفض الخطاب على عجل، يؤكد أن هذا الخارج الرافض لم يسمع ما قاله الرئيس السوري من حيث الأساس، ولم يقرأه؛ فالرئيس التركي عبدالله جل، مثلاً، سارع إلى القول إن "على بشار الأسد أن يحول سوريا إلى نظام تعددي حزبي". في حين كان أبرز ما أعلنه الرئيس السوري في خطابه هو "نظام التعددية الحزبية"، وأفرد فقرات له معتبراً أن ذلك مجرد: "خطوة أساسية في مجال التطوير السياسي وتوسيع الحياة الديمقراطية.. وإن قانوناً جديداً للأحزاب يغني التعددية الحزبية ويفسح المجال أمام مشاركة أوسع للتيارات المختلفة في الحياة السياسية".

      ومن الجانب الآخر، انبرت مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي كاثرين آشتون قائلة: "إن خطاب اليوم مخيب للآمال"، مضيفة أنه "يجب على الأسد أن يطلق حوارا جديرا بالمصداقية وحقيقيا وشاملا"، وهذا لا يشير إلى أن المسؤولة الأوروبية كان لديها أدنى اطلاع على الخطاب الذي أفرد مساحة واسعة للحوار الوطني. وأعطى أكثر مما تطالب به حيث أعلن عن فتح المجال أمام الجميع للمشاركة في تحديد أسس وآليات الحوار الوطني المنشود وغاياته ووضع جدوله الزمني، ولم يحتكرها لنفسه.

      وطبق الأمر نفسه، على الإصلاحات المرجوة، بتأكيده على ضرورة أن يضمن الحوار المشاركة الواسعة، حيث قال: "إن هذا الحوار عملية مهمة جداً ويجب أن نعطيه فرصة لأن كل مستقبل سوريا إذا أردناه أن ينجح فيجب أن يبنى على هذا الحوار الذي تشارك فيه مختلف الأطياف الموجودة على الساحة السورية ولا نستطيع أن نتوقع دائماً رؤية تظهر من الدولة والحكومة.. فبضع عشرات من الأشخاص لا يمكن أن يخططوا لعشرات الملايين من الأشخاص وهنا تكمن أهمية هذا الحوار".

      ومن الملاحظ أن الخطاب تطلع إلى اصلاحات أكثر جذرية مما دعى الداعون؛ فحيث كانت المطالب تركز على إلغاء المادة الثامنة من الدستور التي تعطي حزب البعث صفة الحزب القائد للدولة، فإن أفق الإصلاح الذي اقترحه الرئيس السوري لم يتوقف عند تعديل أو الغاء هذه المادة أو غيرها من مواد الدستور فقط، بل وفتح الباب أمام تغيير الدستور نفسه، واضعاً ذلك برسم الحوار الوطني يقرر فيه ما يشاء. لم يتوقف خطاب الرئيس السوري هنا، بل كشف كذلك عن المطالب الملحة للشعب التي بوشر بتنفيذها قبل بدء الحوار، وهي: رفع حالة الطوارئ، إلغاء محكمة أمن الدولة، إصدار قانون تنظيم حق التظاهر السلمي، إعداد قانون جديد للانتخابات، تشكيل لجنة لإعداد التشريعات والآليات الضرورية من أجل مكافحة الفساد، تنظيم ورشة كبيرة لتحديث وعصرنة الإعلام، إعداد قانون الإدارة المحلية، إعطاء الجنسية السورية للمواطنين الأكراد المسجلين في سجلات الأجانب.

      وفي الخطاب أيضاً، ما يشير إلى حجم العمل الدؤوب الجاري على صعيد ملف الاصلاح: "معظم اللجان انتهت من أعمالها ما عدا لجنة الإعلام حتى شهر يوليو.. ولكن لجنة قانون الأحزاب تنتهي خلال الأيام المقبلة وإذا انهينا قانون الأحزاب والانتخابات، أهم قانونين في الإصلاح السياسي، نستطيع أن نبدأ مباشرة الحوار الوطني وتناقش كل هذه القوانين والتي تصدر لاحقاً".

      لقد استعرض الخطاب حزمة واسعة من الإصلاحات الجذرية، استوقفت وسائل الإعلام الأجنبية والمراقبين الأجانب لشؤون العالم العربي؛ إلا أن الاعلام العربي ومعلقيه، وعلى نحو معهود، ما زالوا يرددون وراء السياسيين الغربيين أن خطاب الرئيس السوري جاء مخيباً للآمال، ولم يتضمن شيئاً..

      الطريف أن أحد المعلقين السياسيين تورط بالجزم متباكياً على شاشة إحدى الفضائيات، بأن الرئيس السوري تجاهل الشهداء، وحتى لم يأت على ذكرهم نهائياً في خطابه ولم يترحم عليهم، في حين أن كل من سمع الخطاب أو قرأه، يعرف أن الخطاب استهل بذكر الشهداء والترحم عليهم ومواساة أسرهم، واعتبارهم خسارة شخصية ووطنية.

      وعودة إلى الرئيس التركي عبدالله جل، الذي قال إن على الرئيس السوري أن يحول نظام بلاده إلى التعددية الحزبية، خلال أسبوع، فهو لا ينتبه إلى انه يصادر حق الشعب السوري باختيار شكل الإصلاحات والنظام الذي يريده، ويقرر بالنيابة عنهم ما يجب عليهم فعله، بل ويقرر بالنيابة عنهم أن على الرئيس السوري أن يفعل ذلك نيابة عن الشعب ومؤسساته، ودون الرجوع إليهما؛ فإذا كان الرئيس هو من سيحدد شكل الاصلاحات المطلوبة، فما الداعي إذن، للحوار الوطني..!؟

      وهذا يوضح المسألة: الخارج ليس مهتماً بالإصلاحات بحد ذاتها، بل هو يريدها أن تكون أداة لتطويع سوريا، وإرغام رئيسها على القبول بتنفيذ أوامر الخارج وسياساته دون اعتبار للسيادة والمصلحة الوطنية؛ وحينها لا مانع من أن يكون ديكتاتوراً وطاغية! كاتب أردني من أسرة "الشبيبة" yassek@yahoo.com

      أكثر...


      ¨°o.O ( على كف القدر نمشي ولا ندري عن المكتوب ) O.o°¨
      ---
      أتمنى لكم إقامة طيبة في الساحة العمانية

      وأدعوكم للإستفادة بمقالات متقدمة في مجال التقنية والأمن الإلكتروني
      رابط مباشر للمقالات هنا. ومن لديه الرغبة بتعلم البرمجة بلغات مختلفة أعرض لكم بعض
      المشاريع التي برمجتها مفتوحة المصدر ومجانا للجميع من هنا. تجدون أيضا بعض البرامج المجانية التي قمت بتطويرها بذات الموقع ..
      والكثير من أسرار التقنية في عالمي الثاني
      Eagle Eye Digital Solutions