هي المرة الاولى هنا أنشر قصة قصيرة
وقد اخترت هذه القصة بالذات لخصوصيتها بالنسبة لي
أرجو ان تنال رضاكم
ولنا عودة
شروخ الزمن
قصة قصيرة
أحمد حسين أحمد
قرفصت في زاوية تفكيري اسبوعا كاملاً، لا املك الوقت الكافي لإعادة تصفح الإوراق، دعها هناك، ربما هو المكان الوحيد البعيد عن ألسنة الناس
التقيتُ بهِ قبل السفر بـايـام، وبالكاد تعرفت عليه، اختطّه الشيب في الثلاثينات من العمر . قال انه يعمل في النهار مع تاجر غلال وفي الليل يحرس مرآب سيارات. سألته عنها فاطرق وقال
ـ لم أعد أراها، تركت الدار وارتحلت منذ مات ابنها
ـ وعنوانها الحالي؟
ـ اسأل الجيران
ـ وأنت، ألستَ أخاها؟
ـ كنت
تركني مببهوتاً كمن صفق باباً في وجهي
أخرجـتها من قرفصائها، وأجلت السفر، لم أكن مؤهلاً لشئ غير الهرب. قوافل المسافرين باتت بلا عدد، والبلاد تلفظ أبنائها فتحصدهم المدن الغريبة
قالت لي:من يسافر مرّة يسافر دائما
معها حق، لم أسأل عنها إلا هذه المرة، قطةً بيتية جريئة، التقيتها في الجامعة وهي تمرق وسط الطلبة الخارجين من مختبر الصناعات الغذائية، حدقتني بنظرة أرعشتني قبل أن تختفي خلف أحد الأبواب
قال لي صديق لي خبير نساء: أحذر فقد تصاب بجروح
كان متوهماً، فقد أصبت في مقتل
المدن كالنساء تستبدل رجالها باستمرار. في عدن تذكرتها على الساحل الإنجليزي القديم المسمى كولد مور. ربما في عيون سائحةلفحتها شمس البلاد. فعدتُ إلى جزيرة السندباد في وسط شط العرب، مكاننا المفضل الهادئ وهي تقول لي: من أي مصيبة ظهرت؟ وإلى أي بلوى تذهب؟
اطمئني، لا توجد بواخر تغادر الى أستراليا أو نيوزلندة، في خليج عدن لا أرى سوى أشباح ناقلات نفط عراقية أكلها طحلب الحصار
السواحل كالبغايا يركبها الغرباء دائما، أركب فشلي صوب المتوسط، أوربا قريبة من هنا وهي أبعد ما تكون. صورتها القابعة في جيبي آخر أشيائها مذيلة ببضع كلمات: مع تحياتي أينما كنت. كنت على حافة هاوية جديدة ربما هي البلوى التي ذكرت
في الصحراء اشتقت لخضرة عينيها ربما بسبب الجفاف. وربما لأنها الخضرة الوحيدة التي أعرفها بهذا النقاء. وذلك الشارع الوارف الظلال حتى باب الجامعة يوم اخترقتها بخجل. لا أدري لم ارتبكت وأنا أحدثها رغم لباقتي وأدبي الجم
ـ هل تسمحين لي بالتحدث معك قليلا؟
لم ترتدي قناع التمنع كما ذكر صاحبي الخبير، فهي رقيقة كسوسنة صبوح، وكآسة غضة. طريق طويل قطعته معها دون زمن يذكر قبل ان تحملها حافلة الجامعة. وعندما عدت أدراجي كسبت وعدا باللقاء بها ثانية
النساء رحيق الطبيعة ولا معنى للحياة بدونهن. في المساء كتبت قصيدة نصفها يتحدث عن مدينتها المهشمة بعد الحرب، وعندما التقينا قتلنا يوما كاملا دون ان نشعر. تحتاج أحيانا أن تخرج من دائرة الأطواق صوب فضاء رحب بلا حدود ، لذلك خرجنا من نثار الحديد الذي رشق المباني والبيوت نحو عالم بلا حديد،شفاف كالماء والهواء، وهكذا لملمنا جراحات المدينة ونسينا جراحاتنا
قالت لي: قد تحتاج صحبة وأنت تدور في المدينة تعرفك بمعالمها
يا الله، تخشى علي الضياع في بلدي. في صنعاء سألت صديقا: هل نحتاج الى خريطة؟
قال لي: ما الداعي ، أن صنعاء أربعة شوارع بالطول ومثلها بالعرض
عندما دخلت سوق باب اليمن اخترقت حاجز الزمن ألف عام للوراء، فكيف أستطيع العودة عشر سنوات فقط لألتقي بها مجددا؟
ثمة هاجس ينزعني من داخلي ويلقي بي في سكّتها. وصدفة لقائي بأخيها تبدو مرتبة. فمن يرتّب الأشياء لنا؟ ومن ينزعنا من أنفسنا لحظة الشوق؟
يا لقلبي، ما لي أراك ترتعش وتضاعف ضرباتك التي تطرق الجمجمة؟ سبقنا الزمان عدوا ونحن ما زلنا نتهيأ للإنطلاق. عد لحالك، أهدأ وانتظر
شغفت بمنظر الغروب منذ طفولتي، لكنّ قلبي انكمش بين الظلوع عندما رأيت البحر يبتلع قرص الشمس البرتقالي لأول مرة،فتذكرت قصيدة غريب على الخليج للسياب. وهو ابن مدينتها، كان خير من يجر للمنفى صليبه. وأنا لا أحسن جرّ الأشياء لذلك بقيت أطيافها تجرّني رغما عني
ـ لا تقل حبيبتي، ما زلنا أصدقاء، أريد تحسسك أكثر
يا ويلي ، ألم تعلم حينها إنني صبٌّ مبتدئ أمامها؟ وهل تملك الأعشاب إلاّ الإنحناء أمام الريح؟
في صالة الفندق عندما كانت تنتظرني شاهدتها تشرب عصير التفاح فقلت لها: نارك المؤججة في صدري لا يطفئها عصير تفاح
فاحمرت خجلا وقالت: أنتم الشعراء ستحرقون في السعير يوما ما
من قال لها إننا لم نحرق لحد الآن؟ وأنا أصطلي من مجرد التفكير بها. وكان لحمي يسوّى على نار هادئة طوال فترة القطيعة، وجراحات المدينة التي لملمناها في المرة الأولى سالت مجددا من أوردتها أنهارا جافة امتصها الحصار وحفر قنواتها اليورانيوم المنضب. فليت الشعراء اكتفوا بنعي أطلالهم وذلولهم وخجلوا من فخرهم بسيوفهم المعوجة ورماحهم الطويلة وحتى قراطيسهم التي ابتلعتها نيران التتر. هو حريق دائم يا حبيبتي ولكن الأساليب مختلفة ، وهو حريق عصري خاضع لقوانين الأمم المتحدة، فاطمئني نحن هنا نشوى على مرأى من أنظار العالم، فأي سعادة
قالت لي وأنا أعبث بخصلات شعرها: أستطيع البوح بحبي لك في هذا اليوم الاسعد في حياتي، فهل أنت متأكد من عدم نسياني لاحقا؟
أعتقد أن الوعود التي أعطيتها آنذاك لا قيمة لها الآن، لاني لست متأكدا حتى من اسمي وأنا أجوب المدن واتشظى في أرجاء المعمورة مطاردا في كل الاماكن تفضحني هويتي ويلعنني انتمائي ويضطهدني إفلاسي. وأصعب ما في الامرهو الرجوع بذكراها والعودة بمناهل ريقها العذب، فهنا يكمن مقتلي
باشرت البحث عنها رغم الصعوبات، استعنت ببعض الاصدقاء والمعارف المطلعين على ما بيننا، والمعلومات التي حصلت عليها ضئيلة. فقد تزوجت ثم قتل زوجها بأحداث الجنوب بعد أن أنجبت غلاما سرعان ما مات بسرطان الدم (اللوكيميا) ومن ثم اختفت، كما ذكر لي أخوها
معلومات يسيرة لا تشفي الغليل، لذلك قمت بزيارة أخاها في مرآب السيارات، وكانت تربطني به علاقة حميمة وهوعلى دراية بما بيني وبينها من ود قديم. فقال لي: لقد تغيرت أشياء كثيرة،ألا ترى حالتي المزرية؟ إنني أنصحك بالعودة من حيث أتيت ونسيانها
لم يكن الامر عليّ هينا،ففكرت باعطاء نفسي فرصة أطول
وها هي ذي شرائط الاحداث تنفرط أمام ناظري وأنا أجوب أماكن لقيانا وبعض الزميلات اللواتي تهامسن: إنها تحب رجلا متزوجا، ويعول..
منذ تعارفنا تعلمنا الهرب من الناس والانزواء في الاماكن شبه المأهولة نهيم حبا ونرتع بالتطلع للطبيعة، أزقها الغزل والشعر كعصفورة فتية وهي تائهة في دنيا الاحلام يستحم قلبها الغض في بحر الكلمات الشفافة المضمخة بالموسيقى والسحر
نذلل الصعاب بالنظر إليها من زاوية لا يراها الآخرون، وكدنا ننجح في لمّ بعضنا لولا انهيار البلاد وتفتّت المدن وقطع الجسور، باب واحد هو الذي بقي مفتوحا أمامي، باب الهرب دون الالتفات للخلف، ربما كنت أنانيا إذ فعلتها لكن الخيارات لم تكن متاحة وهي تعلم التفاصيل فتركتني في حلّ من وعودي كمافعلت أنا رغم إصراري على رجعة مفتوحة المدى عند تغير الظروف. وها هي عشر سنوات تمضي في غفلة مني، ياللعار كيف يهمل الإنسان بعض أجزاءه؟
بلغني من إحدى صديقاتها المقربات إنها زارتها قبل مدة وكانت تبحث عن عمل ثم رحلت عنها بعد ثلاثة أيام الى جهة مجهولة وقد سألت عني ولم تحصل على أجوبة شافية، فقالت:ينقصكم الوفاء،لستم كأهل الجنوب
أعطيتها العذر فهي لا تعلم عني شيئا وأنا لم أرجع إلاّ هذه الايام بزيارة قصيرة فقط ولم أشأ إرباك حياتها عند علمي بزواجها. ولايام خلت، اعتقدت أن الماضي دفن في قبر محكم.
خرجت من تلك الصديقة بعنوان امرأة عجوز قالت أنها قد تملك المزيد من المعلومات عنها، فاضطررت للسفر ورائها ومقابلتها فقالت لي: نعم كانت عندي منذ أقل من شهرتحزم أمرها للسفر وقد حدثتني عنك وتوقعت أن تزورني يوما ما فاودعت عندي رسالة لك
جائتني العجوز بورقة صغيرة مطوية، فتحتها على عجل فقرأت: : شرخنا هذا الزمن، يا حبذا لو كان غيره
عدت متهالكا لأحزم حقيبتي وأضمّ هذه الكلمات إلى (تحياتي أينما كنت) وشرعت أبحث عن زمن بلا شروخ
تمت في ٢٠٠١
وقد اخترت هذه القصة بالذات لخصوصيتها بالنسبة لي
أرجو ان تنال رضاكم
ولنا عودة
شروخ الزمن
قصة قصيرة
أحمد حسين أحمد
قرفصت في زاوية تفكيري اسبوعا كاملاً، لا املك الوقت الكافي لإعادة تصفح الإوراق، دعها هناك، ربما هو المكان الوحيد البعيد عن ألسنة الناس
التقيتُ بهِ قبل السفر بـايـام، وبالكاد تعرفت عليه، اختطّه الشيب في الثلاثينات من العمر . قال انه يعمل في النهار مع تاجر غلال وفي الليل يحرس مرآب سيارات. سألته عنها فاطرق وقال
ـ لم أعد أراها، تركت الدار وارتحلت منذ مات ابنها
ـ وعنوانها الحالي؟
ـ اسأل الجيران
ـ وأنت، ألستَ أخاها؟
ـ كنت
تركني مببهوتاً كمن صفق باباً في وجهي
أخرجـتها من قرفصائها، وأجلت السفر، لم أكن مؤهلاً لشئ غير الهرب. قوافل المسافرين باتت بلا عدد، والبلاد تلفظ أبنائها فتحصدهم المدن الغريبة
قالت لي:من يسافر مرّة يسافر دائما
معها حق، لم أسأل عنها إلا هذه المرة، قطةً بيتية جريئة، التقيتها في الجامعة وهي تمرق وسط الطلبة الخارجين من مختبر الصناعات الغذائية، حدقتني بنظرة أرعشتني قبل أن تختفي خلف أحد الأبواب
قال لي صديق لي خبير نساء: أحذر فقد تصاب بجروح
كان متوهماً، فقد أصبت في مقتل
المدن كالنساء تستبدل رجالها باستمرار. في عدن تذكرتها على الساحل الإنجليزي القديم المسمى كولد مور. ربما في عيون سائحةلفحتها شمس البلاد. فعدتُ إلى جزيرة السندباد في وسط شط العرب، مكاننا المفضل الهادئ وهي تقول لي: من أي مصيبة ظهرت؟ وإلى أي بلوى تذهب؟
اطمئني، لا توجد بواخر تغادر الى أستراليا أو نيوزلندة، في خليج عدن لا أرى سوى أشباح ناقلات نفط عراقية أكلها طحلب الحصار
السواحل كالبغايا يركبها الغرباء دائما، أركب فشلي صوب المتوسط، أوربا قريبة من هنا وهي أبعد ما تكون. صورتها القابعة في جيبي آخر أشيائها مذيلة ببضع كلمات: مع تحياتي أينما كنت. كنت على حافة هاوية جديدة ربما هي البلوى التي ذكرت
في الصحراء اشتقت لخضرة عينيها ربما بسبب الجفاف. وربما لأنها الخضرة الوحيدة التي أعرفها بهذا النقاء. وذلك الشارع الوارف الظلال حتى باب الجامعة يوم اخترقتها بخجل. لا أدري لم ارتبكت وأنا أحدثها رغم لباقتي وأدبي الجم
ـ هل تسمحين لي بالتحدث معك قليلا؟
لم ترتدي قناع التمنع كما ذكر صاحبي الخبير، فهي رقيقة كسوسنة صبوح، وكآسة غضة. طريق طويل قطعته معها دون زمن يذكر قبل ان تحملها حافلة الجامعة. وعندما عدت أدراجي كسبت وعدا باللقاء بها ثانية
النساء رحيق الطبيعة ولا معنى للحياة بدونهن. في المساء كتبت قصيدة نصفها يتحدث عن مدينتها المهشمة بعد الحرب، وعندما التقينا قتلنا يوما كاملا دون ان نشعر. تحتاج أحيانا أن تخرج من دائرة الأطواق صوب فضاء رحب بلا حدود ، لذلك خرجنا من نثار الحديد الذي رشق المباني والبيوت نحو عالم بلا حديد،شفاف كالماء والهواء، وهكذا لملمنا جراحات المدينة ونسينا جراحاتنا
قالت لي: قد تحتاج صحبة وأنت تدور في المدينة تعرفك بمعالمها
يا الله، تخشى علي الضياع في بلدي. في صنعاء سألت صديقا: هل نحتاج الى خريطة؟
قال لي: ما الداعي ، أن صنعاء أربعة شوارع بالطول ومثلها بالعرض
عندما دخلت سوق باب اليمن اخترقت حاجز الزمن ألف عام للوراء، فكيف أستطيع العودة عشر سنوات فقط لألتقي بها مجددا؟
ثمة هاجس ينزعني من داخلي ويلقي بي في سكّتها. وصدفة لقائي بأخيها تبدو مرتبة. فمن يرتّب الأشياء لنا؟ ومن ينزعنا من أنفسنا لحظة الشوق؟
يا لقلبي، ما لي أراك ترتعش وتضاعف ضرباتك التي تطرق الجمجمة؟ سبقنا الزمان عدوا ونحن ما زلنا نتهيأ للإنطلاق. عد لحالك، أهدأ وانتظر
شغفت بمنظر الغروب منذ طفولتي، لكنّ قلبي انكمش بين الظلوع عندما رأيت البحر يبتلع قرص الشمس البرتقالي لأول مرة،فتذكرت قصيدة غريب على الخليج للسياب. وهو ابن مدينتها، كان خير من يجر للمنفى صليبه. وأنا لا أحسن جرّ الأشياء لذلك بقيت أطيافها تجرّني رغما عني
ـ لا تقل حبيبتي، ما زلنا أصدقاء، أريد تحسسك أكثر
يا ويلي ، ألم تعلم حينها إنني صبٌّ مبتدئ أمامها؟ وهل تملك الأعشاب إلاّ الإنحناء أمام الريح؟
في صالة الفندق عندما كانت تنتظرني شاهدتها تشرب عصير التفاح فقلت لها: نارك المؤججة في صدري لا يطفئها عصير تفاح
فاحمرت خجلا وقالت: أنتم الشعراء ستحرقون في السعير يوما ما
من قال لها إننا لم نحرق لحد الآن؟ وأنا أصطلي من مجرد التفكير بها. وكان لحمي يسوّى على نار هادئة طوال فترة القطيعة، وجراحات المدينة التي لملمناها في المرة الأولى سالت مجددا من أوردتها أنهارا جافة امتصها الحصار وحفر قنواتها اليورانيوم المنضب. فليت الشعراء اكتفوا بنعي أطلالهم وذلولهم وخجلوا من فخرهم بسيوفهم المعوجة ورماحهم الطويلة وحتى قراطيسهم التي ابتلعتها نيران التتر. هو حريق دائم يا حبيبتي ولكن الأساليب مختلفة ، وهو حريق عصري خاضع لقوانين الأمم المتحدة، فاطمئني نحن هنا نشوى على مرأى من أنظار العالم، فأي سعادة
قالت لي وأنا أعبث بخصلات شعرها: أستطيع البوح بحبي لك في هذا اليوم الاسعد في حياتي، فهل أنت متأكد من عدم نسياني لاحقا؟
أعتقد أن الوعود التي أعطيتها آنذاك لا قيمة لها الآن، لاني لست متأكدا حتى من اسمي وأنا أجوب المدن واتشظى في أرجاء المعمورة مطاردا في كل الاماكن تفضحني هويتي ويلعنني انتمائي ويضطهدني إفلاسي. وأصعب ما في الامرهو الرجوع بذكراها والعودة بمناهل ريقها العذب، فهنا يكمن مقتلي
باشرت البحث عنها رغم الصعوبات، استعنت ببعض الاصدقاء والمعارف المطلعين على ما بيننا، والمعلومات التي حصلت عليها ضئيلة. فقد تزوجت ثم قتل زوجها بأحداث الجنوب بعد أن أنجبت غلاما سرعان ما مات بسرطان الدم (اللوكيميا) ومن ثم اختفت، كما ذكر لي أخوها
معلومات يسيرة لا تشفي الغليل، لذلك قمت بزيارة أخاها في مرآب السيارات، وكانت تربطني به علاقة حميمة وهوعلى دراية بما بيني وبينها من ود قديم. فقال لي: لقد تغيرت أشياء كثيرة،ألا ترى حالتي المزرية؟ إنني أنصحك بالعودة من حيث أتيت ونسيانها
لم يكن الامر عليّ هينا،ففكرت باعطاء نفسي فرصة أطول
وها هي ذي شرائط الاحداث تنفرط أمام ناظري وأنا أجوب أماكن لقيانا وبعض الزميلات اللواتي تهامسن: إنها تحب رجلا متزوجا، ويعول..
منذ تعارفنا تعلمنا الهرب من الناس والانزواء في الاماكن شبه المأهولة نهيم حبا ونرتع بالتطلع للطبيعة، أزقها الغزل والشعر كعصفورة فتية وهي تائهة في دنيا الاحلام يستحم قلبها الغض في بحر الكلمات الشفافة المضمخة بالموسيقى والسحر
نذلل الصعاب بالنظر إليها من زاوية لا يراها الآخرون، وكدنا ننجح في لمّ بعضنا لولا انهيار البلاد وتفتّت المدن وقطع الجسور، باب واحد هو الذي بقي مفتوحا أمامي، باب الهرب دون الالتفات للخلف، ربما كنت أنانيا إذ فعلتها لكن الخيارات لم تكن متاحة وهي تعلم التفاصيل فتركتني في حلّ من وعودي كمافعلت أنا رغم إصراري على رجعة مفتوحة المدى عند تغير الظروف. وها هي عشر سنوات تمضي في غفلة مني، ياللعار كيف يهمل الإنسان بعض أجزاءه؟
بلغني من إحدى صديقاتها المقربات إنها زارتها قبل مدة وكانت تبحث عن عمل ثم رحلت عنها بعد ثلاثة أيام الى جهة مجهولة وقد سألت عني ولم تحصل على أجوبة شافية، فقالت:ينقصكم الوفاء،لستم كأهل الجنوب
أعطيتها العذر فهي لا تعلم عني شيئا وأنا لم أرجع إلاّ هذه الايام بزيارة قصيرة فقط ولم أشأ إرباك حياتها عند علمي بزواجها. ولايام خلت، اعتقدت أن الماضي دفن في قبر محكم.
خرجت من تلك الصديقة بعنوان امرأة عجوز قالت أنها قد تملك المزيد من المعلومات عنها، فاضطررت للسفر ورائها ومقابلتها فقالت لي: نعم كانت عندي منذ أقل من شهرتحزم أمرها للسفر وقد حدثتني عنك وتوقعت أن تزورني يوما ما فاودعت عندي رسالة لك
جائتني العجوز بورقة صغيرة مطوية، فتحتها على عجل فقرأت: : شرخنا هذا الزمن، يا حبذا لو كان غيره
عدت متهالكا لأحزم حقيبتي وأضمّ هذه الكلمات إلى (تحياتي أينما كنت) وشرعت أبحث عن زمن بلا شروخ
تمت في ٢٠٠١