(1)
وفي السلطنة لدينا لائحة كان الوزير الأسبق للمواصلات سالم بن عبدالله الغزالي قد أصدرها تنظم عملية التعويض، لكن اللائحة أصبحت قديمة في ظل المتغيرات، ولم يتم تحديثها حتى الآن، كما أن هناك مسافرين (كثيرون منهم قارئو هذا الموضوع) لا يعرفون شيئا عن تلك اللائحة. وبالطبع معظم الدول الأخرى لديها لوائح أيضا تنظم جوانب تعويض المسافرين حتى ولو كانت شركات الطيران أجنبية، فمن حق المسافر في السلطنة أن يقدم شكوى ضد شركة أجنبية مثل العربية للطيران إذا خالفت حقوق نقله. فالشركات الأجنبية ملزمة بالتقيد بالقوانين والنظم الوطنية إذا أرادت أن تعمل في السلطنة، والعكس صحيح: أي أن الطيران العماني مثلا ملزم بتعويض المسافرين في أية دولة أوروبية يحلق فوق أجوائها إذا اشتكى مسافر وكان له حق في شكواه. وهناك عشرات القضايا ضد شركات الطيران من قبل المسافرين خاصة الأجانب الذين يعرفون حقوقهم، وكثير منهم يكسبون تلك القضايا ويتم تعويضهم بمئات وحتى آلاف الريالات سواء في داخل السلطنة أو في خارجها. لذا حري بالمسافر أن يعرف حقوقه وبالطبع واجباته.
(2)
كان الشارع هذه المرة سالكا وسلسا. وحيث أن مدة الزيارة كانت لثلاثة أسابيع فقد طلبت من أحد الأقارب الأعزاء إيصالي إلى المطار، كما طلبت منه فيما بعد إيصالي إلى المنزل بعد عودتي من السفر، لكن العودة كانت في الساعة الواحدة صباحا، ولم أكن أرغب أن أزعجه لكي ينتظرني حتى ذلك الوقت المتأخر من الليل لكن أصر على ذلك رغم انشغاله في متابعة قضية جديدة من قضايا الفساد في الوطن وهي اختلاس أموال اليتامى التي تم اكتشافها مؤخرا في أروقة وزارة العدل، وكان أبطال هذه القضية هذه المرة ليس الوزير ولا الوكيل وإنما موظفين يعملون في بعض المحاكم بالسلطنة، وقد أوكلت لهم أمانة الحفاظ على أموال اليتامى لكنهم خانوا الأمانة في غياب الرقيب المتمركز في مسقط وغياب الأجهزة الأمنية التي لا تتابع الثروات المفاجئة للموظف الذي يكون راتبه أقل من (500) ريال وفجأة يصبح من ذوي الأملاك والسيارات الفاخرة. وكان أحد الموظفين قد اختلس أكثر من نصف مليون ريال عماني، وغيره اختلس نصف ذلك المبلغ وثالث استطاع أن يختلس ما يقاربه. وبطريقة شبه ذكية كان بعض المختلسين الذين يعملون كمحاسبين يحصلون على توقيع الموظف الآخر أو حتى المدير لتمرير شيك يقوم بسحبه باسمه في إحدى البنوك التجارية. حيث أنه من المتعارف عليه بأن الشيك الحكومي (وحتى شيكات الكثير من الشركات) يجب أن يحمل توقعين لصرفه من البنك. المصيبة أن البنوك لا تدقق، وجهاز الرقابة المالية هو الآخر في غفوة من أمره، ويبقى الأمر معلقا بين دائرة التدقيق الداخلي في وزارة العدل القابعة في مقرها بالخوير والتي لا تستطيع أن تغطي كافة المحاكم بالسلطنة، فضلا عن تشدد الوزير والوكيل في المهمات الداخلية اللازمة للقيام بأعمال التفتيش والرقابة المالية على المحاكم المتواجدة في كافة ربوع السلطنة. ولهذا فإن هؤلاء المختلسين استغلوا تلك الثغرات وعلى مدار أكثر من سنة بالطبع لتحويل مبالغ بالحرام من أموال اليتامى والتركات لحساباتهم الخاصة. واليوم نجد وزارة العدل مشغولة بالتدقيق ومتابعة تلك القضايا التي تحول بعضها إلى الادعاء العام وتم سجن المتهمين لحين تقديمهم للمحاكمة.
في هذه المداخلة يهمنا القول بأن الرقابة المالية يجب أن تلعب دورا أكبر في التصدي للفاسد الصغير وهو الموظف نفسه، فهناك آلاف الموظفين ذوي الرواتب المتدنية الذين تكون مسئوليتهم جباية الرسوم والضرائب والريع والإيرادات من الخدمات والمنتجات التي تقدمها مختلف الوزارات والمؤسسات الحكومية. هؤلاء الموظفون يتعاملون مع مئات الآلاف من الريالات العمانية ليقوموا بإيداعها في البنوك، ولأن هناك من تربى على العفة والفضيلة فإن النفس تأبى أن تلمس تلك النقود، لكن هناك من تسول له نفسه ويكون الشيطان حليفه ليحول بعض من تلك النقود إلى حسابه الخاص بطريقة أو بأخرى. ولعل استخدام الطرق العصرية سوف تقلل من سرقة المال العام، ومن بين هذه الطرق التي تستخدمها شرطة عمان السلطنة استخدام بطاقات البنوك (فيزا الكترون) أو بطاقات الائتمان (فيزا كارد) بحيث يتحول مبلغ الرسوم من حساب الشخص إلى البنك الذي تتعامل معه الشرطة مباشرة،، وبالتالي ليس لدى الموظف سوف وصل صغير، وربما تكون الشرطة قد استفادت من دروس السرقات لديها من قبل بعض الموظفين. والكل هنا مستفيد من هذه الطريقة رغم وجود رسوم بنكية عليها قد تصل إلى (3%) لكنها تؤمن مسارها الصحيح دون الاختلاس حتى ولو كان المبلغ ريالا واحدا، بالطبع العديد من الناس لا تعي استخدام فيزا الكترون أو بطاقات الائتمان (الفيزا - ماستركارد - ديانرز كلوب - أمريكان اكسبرس). لذا تفضل الدفع نقدا، وفي المقابل فأغلبية المحلات التجارية في السلطنة ما زلت تصر على الدفع النقدي رغم أن دفع الائتمان هو أفضل كونه غير معرض للسرقة من قبل الموظف نفسه، وبالطبع من قبل السارق الذي قد يهجم على المحل عنوة فيسرق النقود لأنه لا يستطيع أن يسرق الايصالات. ولأننا في ظل بلورة فكرة الحكومة الالكترونية فإنني أتمنى أن ينتهي استخدام الأوراق النقدية في المعاملات الحكومية بأكملها والاقتصار على نظام الفيزا الكترون أو بطاقات الائتمان رغم وجود بعض المخاطر مثل البطاقات المزيفة لكنه مع التقدم العلمي في نظام الأمان فإن السرقة أقل بكثير من استخدام النقد الذي هو الآخر قد يتعرض للتزييف (تزيف العملات..
(3)
مطار مسقط الدولي يستقبلنا هادئا في الفترة الصباحية، رغم موقعه الاستراتيجي فهو شبه مهجور في تلك الفترة في حين تجد مطارات إقليمية وعالمية تضج بحركة المسافرين والطائرات. فالدولة تأخرت كثيرا في تطوير المطار الذي كان سابقا لنظيراته الإقليمية لكن الجمود كـ"خصوصية" عمانية موجود حتى في البنية التحتية لدينا. فالسلطنة "سباقة" في كثير من الأمور لكن سرعان ما يكون ذلك "السبق" جمودا، ومثال على ذلك "خصخصة" مطار "السيب الدولي والتي كان لها أن ترى النور في مطلع الألفية وبالضبط في عام 2001 لكن "آلية" الخصخصة كانت غير صحيحة. فقد أرادت الحكومة آنذاك أن تكون سباقة في إدخال مفهوم الغرب في أن يكون القطاع الخاص شريكا في إدارة ممتلكات الدولة ومن بينها المطارات، فتنافس المتنافسون، وكان لا بد أن يدخل "الهوامير" في ذلك السوق الجديد، فدخل الزبير وشلته مع مجموعة "شانجي" السنغافورية"، ودخل بهوان وشركاه مع شركة المطارات البريطانية (بي آي آي)، ودخل آخرون، لكن بهوان كان الأقوى في الحصول على المناقصة والتي أتت بشروط مجحفة لصالح الاقتصاد الوطني، ولعل من بين الشروط هي أن تقوم الشركة بالاستثمار في تطوير وبناء مباني جديدة للمسافرين على ألا يقل معدل الحركة الجوية السنوية عن (2،8) مليون مسافر. ما حصل وبشكل غير محسوب أن أتت أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 فتأثرت الحركة الجوية، لكنها سرعان ما عادت بعد بضعة سنوات، لكن مجموعة بهوان والتي أسست شراكة مع الحكومة باسم الشركة العمانية لإدارة المطارات وجدتها فرصة سانحة للتهرب من الاستثمار في ذلك المطار، فقامت تماطل الحكومة رغم وجود أعضاء مجلس إدارة من الحكومة نفسها من بينهم الوزير الذي كان يلبس "مصر وكمة" فالمصر كان يمثل مصالح الحكومة، أما الكمة فكانت تمثل مصالح الشركة، فغلبت مصالح الشركة التي تدفع "هبشة" من آلاف الريالات كنصيب عضو مجلس الإدارة. ولما زادت الأمور سوءا بين الحكومة والشركة اجتمع المجتمعون وقرروا فض الشراكة، هناك خرج وزير النقل والاتصالات آنذاك مصرحا بتصريح مضحك حول فض الشراكة وكأنه يستهزئ بالعقلية العمانية في فهم أمور الاقتصاد، قمت آنذاك بمسك قلمي المتواضع وكتبت في جريدة عمان عن فشل خصخصة مطار السيب الدولي فما كان من مكتب الوزير إلا أن اتصل بمكتب رئيس تحرير جريدة عمان ليتم توقيفي عن الكتابة لفترة من الزمن: لماذا تجرأت وانتقدت الخصخصة في جريدة حكومية وبمقال أصلا دخل فيه مقص الرقيب!!! بالطبع لا تمارس الحكومة الشفافية في المشاريع الحكومية إن فشلت. أما إذا نجحت فسوف يتم التهليل والتصفيق والتطبيل والتزمير لها، خاصة إذا كان ذلك المشروع قد حصل على جائزة دولية فإن الصحف المحلية سوف تكتب المقال تلك الآخر حول السياسة الاقتصادية الحكيمة في نجاح المشاريع "العملاقة".
كان مطار السيب الدولي أول مطار في منطقة الشرق الأوسط يتم خصخصته من قبل الحكومة التي كانت تريد السبق وتسجيل التاريخ، لكن ذلك السبق فشل فشلا ذريعا، وبدلا من أن تعترف الحكومة بفشلها في خصخصة المطار أعادت إلى سيادتها الشركة العمانية لإدارة المطارات بحيث تكون الشركة حكومية بنسبة 100% وفي نفس الوقت وجدت الحكومة لتراقب تلك الشركة من خلال المديرية العامة للطيران المدني والأرصاد الجوية التابعة لوزارة النقل والاتصالات. لما فشلت الخصخصة وتم فض الشراكة بين مجموعة بهوان وشركائها البريطانيين وبين الحكومة فقد غادر الرئيس التنفيذي الانجليزي إلى بلاده وتم تعيين مدير عام الطيران المدني والأرصاد الجوية كرئيس تنفيذي بالوكالة، فأصبح في نفس الوقت يلبس الكمة مدة يومين والمصر مدة ثلاثة أيام؛ أي يقضي الأيام أو الساعات متنقلا بين مكاتب الحكومة وبين مكاتب الشركة الحكومية، ومثل الدكتور خميس العلوي فقد كان يوقع رسالة باسمه وباسم منصبه في الحكومة (المديرية العامة للطيران المدني والأرصاد الجوية) ويرسلها إلى نفسه كرئيس تنفيذي – بالوكالة – للشركة العمانية لإدارة المطارات. واستمر الحال إلى تم تعيين رئيس تنفيذي نيوزلندي قادم من مطار صغير يسمى "كرايس تشرش"، وكان نائبه ذلك الأحمر "كين والتون" الذي لعب أدوارا كبيرة منذ أن تم نقله إلى الشركة الجديدة إبان بدء عملية الخصخصة في وقت كان فيه مسئولا عن "بواليع" مطار السيب الدولي – أكركم الله. وقد ارتفع راتبه من (1200) ريال إلى أكثر عن (3000) ريال لمجرد انتقاله إلى الشركة ليكون الرجل الثاني في الشركة، لكن الأيام دول، فبعد فترة امتدت (8) سنوات تقريبا من الهيمنة ودخول الفساد تلك الشركة الحكومية خاصة في مشروع تمديد مبنى المسافرين الذي رصدت له ميزانية (6) مليون ريال إلا أن "الأوامر التغييرية" أدت إلى تصل قيمة التكلفة إلى (15) مليون ريال، عندئذ استيقظ المسئولون ومن بينهم خميس العلوي ليدركوا مدى التلاعب في ذلك المشروع البسيط فقاموا بإنهاء خدمات مهندس البواليع السابق الذي لعب دورا رئيسيا في ذلك التلاعب. وفي عهد الرئيس النيوزلندي زاد عدد الأجانب جنبا إلى جنب مع زيادة المواطنين وبرواتب لا يحلم بها أحد، فحتى الهندي تجاوز راتبه الآلاف، وكذلك زاد عدد "الحمرين" في الشركة الحكومية. ومع رغبة الحكومة في إخراج الدكتور خميس العلوي من مناصبه الحكومية والتي كان من بينها رئاسة مجلس إدارة الشركة العمانية لإدارة المطارات فقد أتى الدكتور جمعة بن علي آل جمعه والذي كان قد تعرض لحملة شرسة اتهم فيها بالفساد في موضوع العمارة المقشوعة الواقعة بالقرب من المطار إلا أن هناك من أكد بأن ذلك الدكتور إنسان شريف ونظيف وقد حارب الفساد في وزارته (القوى العاملة) من خلال فرض نسب التعمين على الشركات العملاقة التي تآمر رؤسائها عليه فشنوا حملة سياسية أخرجته من كرسي الوزارة. وبغض النظر عن صحة المعلومة الأولى أو الثانية وفي غياب الشفافية الحكومية في سياسة عزل الوزراء والوكلاء فإن تعيين الدكتور جمعه في منصب رئيس مجلس إدارة الشركة العمانية لإدارة المطارات أدخل علامات الاستفهام خاصة مع تزامن تعيينه مع تعيين المهندس عبدالله بن عباس كرئيس لمجلس إدارة شركة الإسمنت العمانية، وهو الآخر أثار العديد من الشكوك حول قضايا الفساد حوله.
(4)
ومن مطار مسقط الدولي إلى مطار كولالمبور الدولي. كالعادة، كانت كبيرة المضيفات التي تحمل الجنسية الجزائرية قد أعلنت عن أن قبطان الطائرة فلان الفلاني. إنه اسم عماني رغم أن لغته التي تحدث بها فيما بعد كان يشوبها لكنة افريقية. توقفت لبرهة وأنا أتحدث مع المضيفة بعدما جلست في الكرسي ذاكرا لها بحكم عملي بأنني مفتش في دائرة سلامة الطيران وبأني أريد أن أتحدث مع قبطان الطائرة بعد الإقلاع وفي الوقت الذي يناسبه. بالطبع عندما تعرف بأنني – أو غيري – موظفين بشئون الطيران المدني فإن المعاملة تتغير والأسلوب يتبدل، فوظيفتي يمكن تشبيهها بوظيفة شرطي المرور؛ كيف نتصرف مع شرطة المرور إذا كانوا خلف سيارتنا وهم في النجدة؟ نلبس الحزام بسرعة إن لم نكن قد لبسناه، نبعد الهاتف النقال عن الأذن بسرعة البرق، ونقود بأقل من السرعة القانونية لغاية ما تبتعد "النجدة" عنا، ومن ثم يعود بعضنا إلى خرق قوانين وأنظمة المرور. إنها النفس البشرية التي تتسم بالانضباط وقت المراقبة وتخالف القانون إذا غابت تلك المراقبة أو الرقابة. ونحن كمفتشي سلامة الطيران ندرك ذلك، وبالتالي فأحيانا لا نظهر أنفسنا أمام طاقم الطائرة لنراقب سير عملهم فيما يتعلق بسلامة الرحلة لأنهم إذا عرفوا بوجودنا لاتبعوا الأنظمة بحذافيرها...
وكربط موضوع المراقبة في مجال الطيران بموضوع الشرطة فإنه يحضرني مثال كنت قد عايشته عن كثب. فمنذ سنوات كنت قادما من السيب مارا مع صديق لي بدوار الخوض (آنذاك). في منتصف الطريق أشاهد أنا السائق شرطيا يقترب بنجدته خلفي، وبعد دقائق ابتعد عني مسرعا، وعندما وصلت إلى دوار الموالح (القلعة – آنذاك) فقد وجدت سيارة نجدة في الدوار تطلب مني التوقف. ولما توقفت وبعد أخذ "الليسن والملكية" أراد الشرطي أن يصدر لي مخالفة لأنني كنت مسرعا. فسألته حول كيفية ضبطي متجاوزا السرعة مع التأكيد له بأنني كنت ملتزما بالسرعة المحددة وهي (120) كم/ الساعة، فضلا عن وجود النجدة خلفي، فكيف أسرع والنجدة خلفي؟ أصر الشرطي على المخالفة في حين رفضت أنا تلك المخالفة وطلبت منه إحضار الشرطي الذي "ضبطني" لكنه تعلل بأن الشرط مشغول بالمرور. وصلت الأمور إلى التوجه إلى مركز شرطة السيب، وقابلت مع صديقي الضابط المناوب والذي شرحنا له كل شيء وقلنا له بأنه يستحيل أن نكون قد قدنا السيارة بالمخالفة لأن النجدة كانت ورائنا، ويبدو أن النجدة التي كانت بعيدة عنا قد تجاوز سائقها السرعة ليلحق بنا ويقود خلفنا فاعتقد بأننا تجاوزنا السرعة فسارع بالإبلاغ عنا. لما قلت ذلك للضابط المناوب رد علينا: يعني أنتم تخافوا الشرطة وتتقيدوا بالقوانين لما تشوفوا الشرطة، فقلنا له نعم، هي طبيعة البشر.. لكن الضابط أراد حلا وسطا حتى لا يحرج الشرطي الذي خالفنا، فقال لنا: ادفعوا (10) ريالات فقط للمخالفة. فلما رفضنا قال: ادفعوا (5) ريالات. وكنت قد رفضت أيضا الدفع لأن ذلك يعني الاعتراف بالمخالفة وأصررت إما أن أذهب للمحكمة أو يلغي الضابط المخالفة، لكن صديقي أراد تبسيط الأمور وقال بأنه مستعد أن يدفع الخمسة ريالات وينتهي الموضوع بدلا من التوجه إلى المحكمة بسبب خمسة ريالات. وهكذا انتهى الموضوع. وقد ذكرت هذا الحدث هنا كمثال عن طبيعة الانسان المتمثلة في التقيد بالقانون لدى وجود المراقبة والتي أمارسها في معظم الأحيان بدون وجود المراقبة أصلا، لكنني كبشر لا أعفي نفسي من السهو أو المخالفة من حين لآخر مثل التحدث في الهاتف النقال لأنني نسيت أن أركب سماعة الأذن قبل الانطلاق بالسيارة. ومن يقول أنه يتقيد بقانون المرور بنسبة 100% فهو إنسان نادر، فالإحصاءات لدى شرطة عمان السلطانية تسجل أرقاما مذهلة في المخالفات المرورية. وتلك الأرقام مأسوية لأن كثير منها خطير مثل تجاوز الإشارة الحمراء أو التجاوز في مكان ممنوع التجاوز، وحتى مخالفات حزام الأمان ومخالفات الهاتف النقال لا تقل خطورة، ومع ذلك تتكرر كل يوم، ونرتكبها من حين لآخر...
(5)
لما تحدثت مع كبيرة المضيفات لاحظت أن لهجتها غير عمانية فسألتها إن كانت من المغرب فردت علي بأنها من الجزائر،،، نتشرف بأخواتنا العربيات في الطيران العماني. العمانيات أيضا موجودات في الطيران العماني كمضيفات ومنذ فترة طويلة، وحتى المهندسات و"الطيارات" موجودات في الطيران العماني. لكن بداية وجود المرأة في الطيران العماني كان مقتصرا على وجود اللاتي يجدن اللغة الانجليزية. حيث أن الطيران العماني كشركة تتعامل مع مختلف جنسيات الركاب يستدعي الأمر أن يكون العاملين فيها يتحدثون اللغة الانجليزية. ولذا وجد المواطن العماني القادم من زنجبار مكانا قد فتح له الأبواب للعمل فيه، فوجدت بيئة عمانية بنكهات قرنفلية قادمة من الساحل الشرقي لإفريقيا، وبدلا من أن تجد اللغة الانجليزية واللغة العربية جنبا إلى جنب فقد رافقت اللغة "السواحيلية" اللغة الانجليزية. أما العربية خاصة في بداية الثمانينات كانت مهمشة أو مكسرة أو حتى محطمة، وكنت أتأسى لما أجد نفسي أتعامل مع مواطنين عمانيين لا يتحدثون اللغة العربية – وإن تحدثوها فإنهم يخلطون المذكر بالمؤنث. وقد لاحظت في تلك الفترة أن اللغة السواحيلية قد "سيطرت" في طاولة الحديث سواء كان رسميا أو حتى وديا، وبقيت الإنجليزية أثناء التحدث مع الأجانب الذين تواجدوا في الطيران العماني بكثرة في تلك الفترة أيضا، ورغم تناقص أعدادهم في التسعينات لأقل من ربع العاملين بالطيران العماني لكن التوسعات الأخيرة في الطيران العماني زادت من عددهم مرة أخرى خاصة كطيارين أو مهندسين أو فنيين وبالطبع في الدوائر الأخرى. بالطبع الأمور تغيرت في الطيران العماني، فمع وجود عمانيين قد تعلموا ودرسوا هندسة الطيران أو علوم الطيران من مختلف أرجاء السلطنة فقد اختلطوا بإخوانهم وأخواتهم "السواحليين"، فدخلت اللهجات القادمة من ظفار ومن الداخلية ومن الشرقية وبالطبع من مسقط، ومن مناطق ومحافظات أخرى، ومع ذلك بقيت "الهيمنة السواحلية" تظهر من حين لآخر في التوظيف رغم محاولة الإدارة التي تتغير كل يوم بتغيير أساليب التوظيف بحيث يتم فتح المجال للجميع دون أن يكون "سواحيليا" كما كان في السابق..
أما الحديث عن المرأة غير العمانية في الطيران العماني فهو أيضا ممتع، فقد تداخلت فيها الموهبة مع حب البعض للمرأة في جسدها فقط. وهو نوع من الفساد الأخلاقي وجدته في طيران الخليج لما كانت السلطنة شريكة فيها. فـ"المضيفات" الشابات الجميلات القادمات من أكثر من (40) دولة إنما تجد لها مكانا مميزا وسط الشباب والمسئولين الذين يطلبون المتعة وإن كانت قليل جدا منهم يطلب الزواج الشرعي. وقد يكون الأمر عاديا بالنسبة للإنجليزية أو الروسية القادمة من بلادها التي لا تمانع في الارتباط بطيار أو مهندس أو حتى شخص إداري يعمل في التوظيف لتحصل على مكافأة أو ترقية أو توصية بترقية بدلا من بقائها كمضيفة لمدة طويلة. لذا فقد كثرت العلاقة "الجنسية" مع المضيفات بطيران الخليج ووجدت طريقها أيضا في الطيران العماني. ولعل من ضمن "الفضائح" غير المعلنة في الصحف المحلية هي وجود مضيفات لم يستطعن تجاوز اختبار السباحة، لكن بمكالمة هاتفية من أحد المسئولين "العودين" بالديوان فقد نجحن لينكشف الأمر فيما بعد ويتم التحقيق لكن القضية أغلقت، فجمال بعض المضيفات العربيات كان الطريق للعمل بالطيران العماني. ورغم أن الكثيرات من المواطنات يتقدمن للعمل كمضيفات في الطيران العماني كونها الناقل الجوي الوطني الوحيد ويمكنهن تجاوز "شروط شغل الوظيفة" وهي ليست شروط صعبة: مثل السباحة والتحدث باللغة الانجليزية وتناسق الجسم وبالطبع جمال الشكل إلا أن ليست كل واحدة تحصل على فرصة التوظيف وإنما تكون الفتاة العربية الأكثر جمالا ودلالا وربما دلعا هي الأوفر حظا للتوظيف. وعند حديثي مع مسئول عن التوظيف بالطيران العماني لما سألته عن سبب عدم توظيف العمانيات بنسبة (100%) في طاقم الضيافة فقد رد عليّ بأن الطيران العماني أصبحت شركة عالمية يجب أن توظف وافدات يتحدثن لغات أخرى حتى يمكن التفاهم مع مختلف الأجانب فرددت عليه بأن ذلك ليس ضروريا لأن تعامل المضيفة مع الركاب محدودا، كما أن كثيرا من العمانيات وحتى العمانيين يجيدون لغات أخرى مثل الفرنسية والبلوشية والهندية إن تطلب الأمر، ومن خلال سفري واستخدامي لشركات طيران كثيرة لم أجد التباهي بتعدد اللغات بطاقم الضيافة مثلما وجدت في الخطوط الخليجية. لكن كما أسلفت، الجمال والدلال والصداقات والعلاقات غير البريئة إنما هي عوامل وتربة خصبة للفساد الأخلاقي الذي يحدث في شركات الطيران الخليجية خاصة، ولا تستغرب أخي القارئ عند تجد أكثر من مدير بالطيران العماني قد تم فصله أو نقله أو أجبر على الاستقالة لأن رائحة فساده الأخلاقي واستغلاله لوظيفته لـ"النوم في العسل" مع المضيفات الوافدات خاصة...
(6)
الطائرة فخمة، سمعت أحدهم يمتدح طائرة الطيران العماني الايرباص أ330 والتي تسلمت الشركة منها سبع طائرات، هي بداية متواضعة لشركة تأسست في السبعينات، وكما أسلفت، فنحن السباقون في كثير من الأمور إلا أن السبق يظل جامدا، ففي الوقت الذي عرف العمانيون كيف يقومون بقيادة الطائرات المدنية وحتى العسكرية فإن المواطن الخليجي لم يعرف بعض منهم مكونات الطائرة، وظل الطيران العماني يحبوا على خجل إلى أن أتى العام 1993 ليبدأ رحلات دولية وعلى خجل أيضا، بخلاف الخطوط الجوية الإماراتية التي بدأت متأخرة عن الطيران العماني لكنها أصبحت تغطي معظم الكرة الأرضية، أما القطرية فكانت الأسرع نوما وأصبحت تنافس الإماراتية أيضا. لا علينا، نحن الآن في طائرة عصرية تحمل اسم وعلم السلطنة. وهي بالفعل فخمة خاصة في درجة رجال الأعمال وإن كنت قد لاحظت بأن في هذه الطائرة أيضا مقاعد للدرجة الأولى وكانت خاوية على عروشها بخلاف امتلاء كل من الدرجتين السياحية ورجال الأعمال. ولا ندري فلسفة "احمد بن عبدالنبي مكي" لرغبته في شراء طائرات ذات مقاعد للدرجة الأولى التي تلاشت كثيرا من معظم الخطوط الجوية العالمية واكتفت بمقاعد رجال الأعمال وبالطبع السياحية. فالراكب مثلا يمكن أن يدفع (200) ريال في رحلة إلى ماليزيا على الدرجة السياحية، ومبلغ (800) ريال لنفس الرحلة على درجة رجال الأعمال، لكن ما الذي يجبره على دفع (2500) ريال لنفس الرحلة على الدرجة الأولى خاصة مع تقارب درجة رجال الأعمال مع الدرجة الأولى من حيث فخامة الكراسي وحتى شاشات العرض وبفارق بسيط وغير ملموس!! إنه قرار خاطئ اعتبره من قبل مجلس إدارة الطيران العماني عندما قام بشراء طائرتين بها المقصورات الثلاث (السياحية ورجال الأعمال والدرجة الأولى). قالي لي أحدهم وكان مديرا مسئولا عن مشروع طائرات الايرباص وكان على تواصل مباشر مع مكي آنذاك بأن فكرة الدرجة الأولى هي للرحلات إلى أوروبا حيث يكثر رجال الأعمال، وهي مقولة شبه خاطئة لأن معظم الشركات أصبحت تمنح لكبار موظفيها درجة رجال الأعمال فقط بل أن بعضها تمنحهم الدرجة السياحية، فتلك الشركات خاصة المساهمة منها محاسبة أمام المساهمين الذين لا يرغبون في إهدار مال الشركة لصالح الرؤساء التنفيذيين، بخلاف ما يجري لدينا. وكما أسلفت في مقال آخر فقد شاهدت بنفسي ثلاثة من موظفي هيئة تنظيم الاتصالات وهم يسافرون على الدرجة الأولى متجهين لحضور أحد الاجتماعات في السنغال على الخطوط الجوية الإماراتية..
العائلات العمانية كان لها نصيب في تلك الرحلة، فقد كثرت العبايات في الطائرات رغم أن بعض العبايات قد غادرت الحريم بعد مغادرة الطائرة أرض المطار.. فبعض النساء تريد أن "تتحرر" من القيود الاجتماعية بمجرد خروجها من أرض الوطن. والعباية وحتى الحجاب يمثل لبعض النسوة عبئا اجتماعيا غير مرغوب فيه. ومن شاهد إحدى حلقات المسلسل الخليجي الناجح "طاش ما طاش" لوجد وبشيء من الكوميديا الساخرة كيف أن بعض النسوة الخليجيات يتسارعن في الذهاب إلى "دورة المياه" وخلع الملابس المحتشمة وارتداء "الجينز" بعد إقلاع الطائرة. على كل، ولأن الرحلة كانت في مطلع موسم الصيف فقد كثرت العائلات بالفعل على متن الطائرة، ولأن ماليزيا دولة مسلمة ولأنها دولة "رخيصة" ولأن تكثف حملاتها الواسعة في القنوات الفضائية مثل "أم بي سي" وحتى "القطرية" بشعار Malaysia, Truly Asia والتي فازت بعدة جوائز كما قرأت فيما بعد فإن الجذب السياحي لتلك الدولة ممتاز، ولذا تستغل خطوط الطيران – بما فيها الطيران العماني بالطبع – برفع أسعار التذاكر خاصة في موسم الصيف، ومع ذلك قامت تلك العائلات بالحجز والتوجه إلى ماليزيا والتي سوف أتحدث عنها بشيء من التفصيل. على أنني أردت أن أنوه أيضا أن تلك الشريحة التي تسافر إلى ماليزيا وبالطبع إلى جهات أخرى مثل تايلاند لا تمثل الأرقام الحقيقية للسياحة الخارجية لعدة عوامل من بينها التكلفة المالية للسفر، فمثلا عندما تسافر أسرة مكونة من الأب والأم وثلاثة أطفال فإن تذاكر السفر قد تصل إلى (800) ريال، فضلا عن مصاريف الإقامة والتنقل الداخلي الذي يكون بالطائرة أيضا، بالإضافة بالطبع إلى التسوق والمأكل والمشرب. وتلك المصاريف والتي قد تصل إلى (2000 ريال) لمدة أسبوعين وفي ظل الظروف المعيشية الصعبة لكثير من المواطنين قد تجعل الكثيرين منهم إما البقاء في منازلهم قابعين في الجو الحار أو التوجه للسياحة الداخلية خاصة إلى صلالة. لكن السياحة الداخلية عليها الكثير من الملاحظات أيضا ولعل من أهمها ارتفاع التكلفة؛ فالذي يتجه إلى صلالة برا فإنما يغامر بحياته في ذلك الشارع وجوا يغامر بماله في ظل سياسة احتكارية للحكومة سوف أتحدث عنها فيما بعد، وبعد ذلك يبحث عن السكن وبسعر مناسب وبخدمات متوفرة. بجانب ذلك فإن العديد من الأسر العمانية وإن كانت ترغب في السفر خلال الإجازات الصيفية خاصة إلا أن ارتباطاتها المالية مع البنوك وحتى الجمعيات الأهلية تجعلها تؤجل مشروع السفر الأسري أو حتى تلغيه لحين تحسن الأوضاع والتي لا تتحسن بل تزداد سوءا نظرا للتضخم الحاصل في البلاد وبدون التدخل الحكومي، فعندما تسأل صديقا: أين تقضي إجازتك الصيفية لرد عليك: في البيت، لأنه ما عندي فلوس، فيبقى هو حبيس الجو الحار، ويبقى أولاده يشاهدون التلفزيون ليل نهار، ومع ازدياد درجة الحرارة تفلت الأعصاب التي تنتظر شيئا من الترفيه فلا تجده، ويظل كثير من المواطنين يتألمون أكثر في جسدهم وحتى في نفسيتهم لأنهم لم يستطيعوا أن ينالوا قسطا من الراحة خلال أجازتهم..
(7)
تلك العوائل ازدحمت في طابور طويل انضمت إليه عوائل أخرى من دول الخليج، ويبدو أن السعودية كان لها النصيب الأكبر حسبما شاهدت إثر نزول الطائرة مطار كوالالمبور الدولي. حيث زادت العبايات وأضيفت معها البراقع، وحيث أن معظم موظفي الجوازات - فيما يبدو - قد تعودوا على تلك المظاهر فإنه في بعض الأحيان لا يطلب من المسافرة أن تكشف عن وجهها رغم أن ذلك من غير الممكن في الدول الغربية التي كثرت مخاوفها بل وهواجسها وكوابيسها من أي شيء اسمه مواطن عربي أو مسلم. فبخلاف ما تجده في تلك الدول الغربية من التفتيش الدقيق وبالطبع الاجراءات المعقدة للحصول على تأشيرة "فيزا" فإن ماليزيا ترحب بالعرب والمسلمين دون أن تطلب الفيزا من كثير منهم إن لم يكن كلهم، وهي إجراءات بسيطة موجودة حتى في بلادنا لكن الفارق أن المعاملة ليست بالمثل، فنحن نذهب إلى ماليزيا معززين مكرمين لكن لا نذهب إلى بريطانيا أو فرنسا أو المانيا معززين مكرمين وإنما كشعب مشكوك فيه، فإجراءات الحصول على الفيزا معقدة وتطلب أشياء قد يصعب على الشخص السائح تحقيقها، في حين يأتي مواطن تلك الدول إلى مطار مسقط الدولي بجواز سفره ويحصل على إقامة مدة سبعة أيام ودفع مبلغ رمزي دون الحاجة إلى أية أوراق ثبوتية باستثناء جواز سفره.. وهذه نقطة وإن كنت أنوي أن أتطرق إليها لاحقا لكن الشيء بالشيء يذكر: محمد مهاتير - ذلك الطبيب العبقري أصر على أن يتم معاملة الماليزي وهو يسافر إلى الخارج مثلما يأتي الأجنبي وهو قادم إلى أي مطار في ماليزيا، إنها المعاملة بالمثل، فليس الأجنبي - الأحمر بالذات - أفضل عن الماليزي وإن تواجد في الخارج، خاصة أن ماليزيا لا تصدر عمالة مثلما تفعل جاراتها - الفليبين وإندونيسيا!!
في زيارة لي في وقت سابق إلى سنغافورة ذكرت لمدير التدريب بكلية سنغافورة للطيران بأن على الدول الآسيوية أن تستثمر وقاحة الدول الغربية في معاملتنا، فالدول الأوروبية تفرض شروطا تكاد تكون تعجيزية للحصول على فيزا زيارة عمل، وشروط أكثر تعجيزا لفيزا السياحة، في حين يمكن أن تذهب إلى عشرات المطارات في الدول الآسيوية بجواز سفرك فقط (يستثنى من ذلك الهند والصين وبعض الدول)، وحيث أننا في الخليج نرغب في الحصول على دورات متخصصة في شتى المجال (في هذه الحالة في مجال الطيران بالنسبة لي) فإن الكليات الآسيوية المتخصصة أن توفر البيئة التعليمية المناسبة وبشكل ينافس إن لم يتفوق على نظيراتها الأوروبية في تعليم وتدريب الخليجيين الذين اعتادوا على الجامعات والكليات الأوروبية والأمريكية. وشخصيا كنت أحضر دورات في أمريكا عدة مرات لكن بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر فقد اتجهت شرقا وفي بعض الأحيان إلى الدول الأوروبية التي تذلنا في شروط الحصول على الفيزا، وفي أحيانا قليلة إلى الأردن، لكن هذه الدولة بحاجة كبيرة إلى تطوير قدراتها التدريبية خاصة في التدريب في مجال علوم الطيران. وفي هذا النطاق وما يسمى اقتصاديا استثمار الفرص Capitalizing on opportunities فإن دولا عديدة تستفيد من ذلك، فما قد أصبح صعبا في اوروبا فيمكن الاستفادة منه في الدول الآسيوية القادمة بقوة. لماذا نصر على السياحة في أوروبا الغالية في أسعارها وفي معاملاتها "الزفتة" وفي شروطها التعجيزية في حين يمكن الاستمتاع بأجواء هادئة ورخيصة وبسيطة في آسيا؟ ليت قومي يعلمون في السلطنة وهم يفتقرون إلى أشياء كثيرة في حين لديهم مقومات تجعلهم يقتنصون تلك الفرص!!!!
(8)
كان الوصول إلى المطار متأخرا، وبعد الخروج من الطائرة يتجه الجميع إلى ركوب قطار بداخل المطار للتوجه إلى السوق الحرة لمن يرغب ومن ثم إلى قسم الجوازات حيث يتم أخذ البصمات وختم الجواز ومن ثم التوجه إلى حيث استلام الحقائب، وقلما يكون هناك سؤال حول المقصد، الطريق من المطار إلى حيث الإقامة طويل، ولأن الرحلة كانت طويلة نوعا ما فالمسافر يود الوصول إلى الفندق في أقرب وقت، لكن تلك المسافة ما لها وما عليها، فهناك من يفضل أن يصل بسرعة لكنه يدفع ثمن الإزعاج عندما تكون الفنادق أو المساكن قريبة من المطار. والإزعاج يكون مصدره صوت الطائرات خاصة القديمة منها، ولذا تجد كثيرا من المطارات بعيدة بمسافة أكثر من نصف ساعة من التجمعات السكنية باستثناء بعض المنازل أو الفنادق القريبة من المطارات، وفي ذلك جدل وجدته موجه لي في عدة مناسبات حول وجود مساكن بالقرب من المطار خاصة العمارات المرتفعة؛ أي لماذا يمنع إنشاء العمارات الشاهقة بالقرب من مطار مسقط الدولي مثلا في حين نجد العمارات الشاهقة في دبي أو هونج كونج أو في مدن عالمية أخرى؟ ولماذا تتجه الكثير من الدول بمطاراتها الحديثة بعيدا عن المدن؟ وأخيرا، ألم يكن من الأفضل بناء مطار مسقط الجديد بعيدا عن موقعه الحالي الذي أصبح يشكل ازدحاما وإزعاجا للقاطنين في العذيبة والموالح والخوض والمناطق الأخرى؟
بالنسبة للشق الأول من الأسئلة: لماذا لا يسمح ببناء العمارات الشاهقة قريبا من المطار، فلذلك الاستفسار عدة أجوبة؛ السلامة، الضجيج، الحركة المرورية. فبالنسبة للسلامة وهي الأهم فمن المعروف أن أكثر من (80%) من حوادث الطيران تقع لدى الإقلاع أو الهبوط، ذلك أن "قدرة" الطائرة (وكما نقول نحن بالعامية: فول باور) يتم بذلها في تلك المرحلتين اللتين تتطلبان أن تعمل أجهزة الطائرة ومحركاتها بكامل قدراتها، والطيار ليس لديه الخيارات الكثيرة أثناء الإقلاع أو الهبوط إذا تعطل محرك أو أصيب الطائرة بخلل جسيم، ولذا تقع الحوادث المميتة لأسباب أخرى بالطبع مثل خلل في الأجهزة الملاحية أو الإرشادية في المطار أو في برج المراقبة أو وجود عوائق معينة. ولقد أثبت حوادث الطيران المميتة أو وجود العوائق والتي من بينها العمارات الشاهقة تزيد من الوفيات، ولعل أن أذكر حادثين مازالا في الذاكرة؛ الأول، حادث تحطم الطائرة الفرنسية "الكونكورد" التي تحطمت في باريس ولدى انفجارها في الجو فقد تناثرت قطعها وأصابت عدة أشخاص كانوا يقطنون في فندق صغير، أما الحادث الأخر فقد كان لطائرة شحن إسرائيلية "العال" تحمل مواد محرمة دوليا، وقد تحطمت لتصيب أكثر من (40) شخصا بإصابات مميتة كانوا في منازلهم القريبة من مطار سكيبهول الدولي:- en.wikipedia.org/wiki/El_Al_Flight_1862
نقطة أخرى في سلامة الطيران وهي أن الكثير من الحوادث تقطع في أماكن ضيقة الحدود سواء من حيث ارتفاعها العالي عن سطح البحر أو وجود جبال أو عمارات قريبة منها، لذا يحتاج الطيارون لنوع خاص من التدريب لاستخدام تلك المطارات، وهذه العمليات تسمى CFIT – Controlled Flight into Terrain أي الرحلات الخاضعة للسيطرة في التضاريس، ولعل من أشهر المطارات هي كاتمانادو بالنيبال وهونج كونج وكلمنجارو بتنزانيا ومطارات أخرى لا يستطيع أي طيار الطيران فيها إلا بعد تدريب مكثف نظرا لوجودها في تضاريس صعبة، والعمارات تشكل عوائق صناعية بخلاف العوائق الطبيعية. وكثيرا من الحوادث أيضا وقعت في تلك المطارات، وحتى مطار دبي الدولي القريبة العمارات منه فقد وقعت حوادث فيه تؤدي إلى أضرار أرضية، والطائرات الحديثة مزودة بأجهزة تسمى Ground Proximity Warning Systems - GPWS أي أجهزة الإنذار من الاقتراب الأرضي. وهي تنذر الطيار في حالة الاقتراب من أي سطح مثل الجبال أو العمارات ليتصرف بالابتعاد عنها إذا كان منتبها لذلك الإنذار. وهناك أجهزة محمولة جوا تسمى Airborne Traffic Collision Avoidance System – ACASوهي للإنذار عن التصادم الجوي بين الطائرات خاصة مع وجود الخطأ البشري للمراقبين الجويين. وكان آخر حادث تصادم جوي فوق الأراضي الألمانية بين طائرة "دي أتش أل" للشحن والجوي وبين طائرة تجارية توفي فيها (71) راكب بسبب خطأ من المراقب الجوي السويسري الذي مات مقتولا من قبل أحد المصدومين بوفاة زوجته وطفليه في ذلك الحادث:- en.wikipedia.org/wiki/2002_%C3%9Cberlingen_mid-air_collision
(9)
إذن من الأفضل بناء المطارات بعيدا عن المدن، وإن كان الزحف السكاني سوف يصل إلى المطارات حتى ولو بعد ثلاثة أو خمسة عقود من الزمن. والضجيج – بجانب سلامة الطيران – هو سبب آخر لإبعاد المطارات عن المدن. فالطائرات النفاثة هي مصدر إزعاج معروف خاصة الطائرات القديمة، وحيث أن كثير من الدول الأوروبية خاصة أرادت حماية مواطنيها من ضجيج الطائرات فقد أصدرت عدة تشريعات من بينها إغلاق الحركة الجوية في المطارات بعد الساعة العاشرة مساء، وإبعاد المطارات بالطبع، فضلا عن منع الطائرات القديمة ما لم تكن تحمل شهادة ضجيج من الفصيلة الثالثة أو تكون الطائرة القديمة مركب عليها طاقم لتخفيض الضجيج يسمى بالإنجليزية Hush kit وهو بمثابة كاتم للصوت المزعج، هذا بخلاف دولنا بالطبع والتي تسمح بهبوط كافة الطائرات المزعجة بما في ذلك طائرات الجاجوار التي أكل الزمن منها وشرب، وكذلك الطائرات الروسية التي تم منعها مؤخرا في السلطنة. ويعرف منكم قاطنو العذيبة والموالح والحيل وحتى الخوض الضجيج المزعج جدا والذي يضر بالصحة في سمع الإنسان وحتى في ذهنه وتفكيره. أما الحركة المرورية فلها دور في إبعاد المطارات عن المدن، حيث أن مستخدمي المطارات يشكلون ازدحاما ملحوظا بما في ذلك العاملين في المطارات نفسها. وهم أكثر الناس حرصا على عدم التأخير لارتباط الطائرات بمواعيد ثابتة، لذا عمدت الكثير من الدول أثناء بناء مطاراتها الجديدة بربطة بشبكة حديثة من الطرق تستوعب الحركة المرورية لعقود قادمة، وتكون تكلفة إنشاء تلك الطرق جزءا من تكلفة إنشاء وتطوير المطارات ذاتها.
لقد قام الجدل ولم يقعد حول مطار مسقط الدولي؛ لماذا بقي المطار في موقعه رغم زحف العمران حوله؟ ولماذا نجد ارتفاع التكلفة المقدرة بمليارات الدولارات؟ بالطبع ولأنه ليس لدينا أعلام شفاف فحتى الآن لا نعرف الحقيقة حول إصرار الحكومة على إبقاء المطار في موقعه رغم التكلفة المرتفعة – والمبالغ فيها – في إنشائه. فمن ناحية فقد تطلب الأمر دراسة التربة ومعالجتها وتقويتها لكي تستطيع أن تسند دعامات المطار الجديد، كما أنه وبعد إعصار "جونو" فقد تطلب الأمر تحويل بعض قنوات تصريف المياه وكذلك الخلجان الصغيرة بحيث يمكن تفادي أي إعصار جديد في المستقبل، وكل ذلك يتم بثمن باهظ. ولأن تلك التكاليف الإضافية لم تكن محسوبة في المناقصة الأولى فقد وجد كل من الاستشاري "كوي لارسون" ومدير المشروع "أي دي بي آي" فرصة ذهبية للمطالبة بمبالغ إضافية لتصميم الخرائط، وبالطبع تزيد الكلفة في الإنشاء أيضا. وكان أحمد بن عبدالنبي مكي وصديقه الحميم الدكتور خميس العلوي قد فتحا الميزانية العامة للدولة لاعتماد أي مشروع خاصة مع وجود مصالح مشتركة للوزير مكي الذي يريد إكمال مشروع فندق ابنه "هيثم" المتوقف بسبب المادة (11) من قانون الطيران المدني الجاري تعديلها حاليا، أما خميس العلوي فكان يريد إرضاء الآلهة ليسجل نجاحات تاريخية في عهده، ولتحفر لوحة رخامية في المطار الجديد تبقى أبد الدهر مكتوب عليها: (تم افتتاح مطار مسقط الدولي تحت رعاية معالي الدكتور خميس بن مبارك العلوي وزير النقل والاتصالات بتاريخ .. الموافق...) لكن أمل الدكتور خميس قد خاب، فقد خرج من كرسي الوزارات ممتلئا في جيوبه وفي حساباته البنكية في حين بقي مشروع مطار مسقط الدولي تحت التنفيذ مع دخول جهاز الرقابة المالية والإدارية على استحياء في ذلك المشروع..
يتبــــــــــــــــــع
المصدر : بن دارس
¨°o.O ( على كف القدر نمشي ولا ندري عن المكتوب ) O.o°¨
---
أتمنى لكم إقامة طيبة في الساحة العمانية
---
أتمنى لكم إقامة طيبة في الساحة العمانية
وأدعوكم للإستفادة بمقالات متقدمة في مجال التقنية والأمن الإلكتروني
رابط مباشر للمقالات هنا. ومن لديه الرغبة بتعلم البرمجة بلغات مختلفة أعرض لكم بعض
المشاريع التي برمجتها مفتوحة المصدر ومجانا للجميع من هنا. تجدون أيضا بعض البرامج المجانية التي قمت بتطويرها بذات الموقع ..
والكثير من أسرار التقنية في عالمي الثاني Eagle Eye Digital Solutions
رابط مباشر للمقالات هنا. ومن لديه الرغبة بتعلم البرمجة بلغات مختلفة أعرض لكم بعض
المشاريع التي برمجتها مفتوحة المصدر ومجانا للجميع من هنا. تجدون أيضا بعض البرامج المجانية التي قمت بتطويرها بذات الموقع ..
والكثير من أسرار التقنية في عالمي الثاني Eagle Eye Digital Solutions