إن فاتتك الدنيا فلا تفتك الآخرة‏!‏

    • إن فاتتك الدنيا فلا تفتك الآخرة‏!‏

      بقلم‏:‏ د‏.‏ فتحي مرعي

      ‏**‏ من الناس من يظن أن الدنيا قد أدبرت عنه‏,‏ وأنه لم يفز منها بما فاز به بعض أقرانه‏,‏ فيصيبه الانكسار والاكتئاب‏,‏ ويولي الدنيا ظهره يائسا منها‏..‏ وربما تدفعه هذه المشاعر السلبية إلي أن ينقم علي قدره كله‏,‏ ويعتقد أنه من المنبوذين‏(!)‏ وينعكس ذلك علي نظرته إلي الآخرة‏..‏ أي ينظر إليها نظرة اليأس واللا أمل‏..‏ فلا يبذل لآخرته شيئا يذكر‏,‏ بل ربما أتي أشياء علي غير وعي منه أو بوعي‏,‏ ينفس فيها عن غضبه وعدم رضاه عن قدره‏,‏ يفقد بها آخرته‏,‏ ويغلق علي نفسه أبواب الرحمة‏..‏

      نفس الشئ قد تفعله فتاة شابة‏..‏ ربما تكون جميلة أو متوسطة الجمال‏,‏ ومن أسرة كريمة‏,‏ وعلي خصال حميدة‏..‏ وبرغم هذا كله يفوتها قطار الزواج‏(‏ كما يقول البعض‏)‏ والأصح أن يقال أن قطار الزواج لم يتوقف عندها أو لم يتوقف في محطتها‏,‏ في حين أن صويحباتها قد تزوجن وأنجبن‏,‏ وهن أقل منها في كل شئ تقريبا‏..‏ فينتابها اليأس والاحباط ولا تعود تهتم بنفسها‏,‏ إذ يقول لها عقلها الباطن‏:‏ وما الفائدة؟‏!‏ وتسوء حالتها المعنوية‏,‏ وهذا بدوره يجعلها هدفا للأمراض أو الأعراض التي تصاحب هبوط الحالة المزاجية للإنسانية‏,‏ وخاصة إذا استمر هذا الهبوط لفترة‏..‏ إذ يبدو أن مقاومة الانسان للأمراض ترتبط ارتفاعا وانخفاضا مع ارتفاع أو هبوط حالته المعنوية‏..‏ فالحالة الجسدية والحالة المزاجية مرتبطتان أشد الارتباط‏..‏ وبذلك تذبل نضارة هذه الفتاة الشابة وتقل فرصتها في الزواج مع الوقت‏..‏ وقد تدفعها هذه الحالة إلي أن تنقم علي قدرها وتشك في عدالة السماء‏..‏ وتفقد بهذا ايمانها أو يهتز‏..‏ ولا تعود راغبة في أداء الفرائض أو التزام تعاليم الدين‏,‏ حنقا علي الظلم الذي تظن أنه وقع بها‏..‏ وتخسر آخرتها مثلما ظنت أنها خسرت دنياها‏..‏

      والصحيح في كل هذا أن يسلم الانسان أمره لله ولا يجعل اليأس يتسرب إلي نفسه تحت أي ظرف‏,‏ وأن يكون لسان حاله ولسان مقاله معا وأفوض أمري إلي الله إن الله بصير بالعباد‏(‏ غافر‏44)‏ فالله يقسم الأرزاق بين العباد بحكمته وعدله‏,‏ ولا يظلم ربك أحدا‏..‏ وإن تأخر الرزق أو تأخر الزواج أو تأخر نيل المآرب أيا ماكانت‏,‏ فليس معني هذا أن الله لم يعدل معنا‏(‏ حاشا لله‏)‏ ولكن كما يقال‏:‏ كل شئ بأوان‏..‏ والرزق ليس هو فقط الرزق المادي أو الزواج أو الانجاب أو الحصول علي منصب‏,‏ ولكنه أشمل وأعم من كل ذلك‏..‏ فالإيمان‏-‏ كرزق‏-‏ أعظم من هذا كله‏,‏ والذي آتاه الله ايمانا وتسليما ينبغي عليه أن يحمد ربه حمدا كثيرا‏..‏ لأن هذا الايمان نعمة لا تعدلها نعمة أخري من أنعم الحياة الدنيا‏..‏ فالإيمان هو الذي يدخلنا جنة الخلد‏,‏ والتي إذا دخلناها كان فوزنا فوزا عظيما ولو كنا قد خسرنا كل حظوظ الدنيا أو جلها‏..‏ فنعيم الجنة خالد أبدي ومتاع الحياة الدنيا موقوت زائل‏..‏ هذا من ناحية‏,‏ ومن ناحية أخري فما يدريك لعل الحظ أن يأتيك متأخرا بعض الشئ‏..‏ وربما يكون هذا الحظ الذي تأخر شيئا ما‏,‏ أوفر من الحظ الذي جاء غيرك متقدما بعض الشئ؟‏!‏ وما يدري الفتاة أن التي تزوجت قبلها سوف يكون زواجها ناجحا موفقا؟‏!‏ أني أعرف حالة علي سبيل المثال‏,‏ وقع فيها الطلاق بعد سنة واحدة من الزواج وبناء علي الحاح الزوجة بل إصرارها‏,‏ لما رأت من سوء معدن الزوج وأهله‏..‏ وانفض الزواج الذي لم يكن موفقا أبدا‏..‏ علاوة علي أنه أثمر طفلا بغير أن يكون له أب حقيقي‏..‏ هناك سيناريوهات كثيرة في الحياة‏,‏ ونحن ننظر إلي البدايات فقط ولا نعلم ماذا سيكون بعد ذلك‏..‏ فالحياة تخبئ أشياء كثيرة‏..‏ ولا ندري مقدما ماهي؟‏!‏ وكيف ومتي تحدث‏..‏ ولذلك لا يحسن بالواحد منا أن تتملكه الغيرة من أحد أو يستكثر نعمة علي أحد‏..‏ أو يظن أنه كان أولي بهذه النعمة ممن حلت به‏..‏

      الايمان والاذعان لله عز وجل كنز لا ينضب معينه‏,‏ وسواء أعطينا مانرغب فيه أم لم نعط‏,‏ أو أعطينا ما نرغب فيه متأخرا بعض الشئ‏,‏ فكل ذلك بقضاء‏,‏ ولحكمة لا يعلمها إلا الله‏..‏ وإذا لم نعط ما نرغب فيه وأعطي غيرنا‏,‏ فلا ينبغي أن نحنق علي قدرنا ونستشعر الظلم‏..‏ فحاشا لله أن يظلم عباده‏,‏ ولو اطلعنا علي الغيب فربما رضينا‏,‏ ولكن الله لا يطلعنا عليه‏,‏ ليختبر إيماننا وتسليمنا لحكمه ورضانا بقضائه وما كان الله ليطلعكم علي الغيب‏(‏ آل عمران‏179)‏ ولو اطلعنا فكيف نختبر إذن ؟‏!‏
    • أسوأ ما في الموضوع أن يتصرف الذي يظن أن قطار الحظ قد فاته أو لم يتوقف عنده‏-‏ كما توقف عند غيره‏-‏ أسوأ ما في الأمر أن يتصرف علي نحو يغضب بارئه وييأس من آخرته‏..‏ فالذي ييأس من آخرته لن تفيده حظوظ الدنيا مجتمعة‏-‏ لو واتته‏-‏ والأولي بنا أن نتمسك بآخرتنا إلي آخر المدي ولا نفرط فيها أبدا‏,‏ ولا ندعها تفلت من بين أيدينا مهما يكن من أمر دنيانا‏..‏ فربما يكون ذلك بالضبط هو ما سينفعنا في آخرتنا ويدخلنا الجنة‏..‏ فيكون حرماننا من بعض حظوظ الدنيا أو تأخر ظفرنا بها هو مدخلنا إلي الجنة‏,‏ أن نحن صبرنا واحتسبنا ما نلاقيه عند الله وأظهرنا تسليمنا وأذعاننا لأمره ورضانا بقضائه وإن لم يأت علي هوانا‏..‏ أي أن ما نظنه شرا قد يكون خيرا لنا ونحن لا نعلم والله يعلم وأنتم لا تعلمون‏(‏ النور‏19)..‏

      الآخرة لا ينبغي أن تفوتنا‏..‏ سواء كنا قد ظفرنا بما نبغي في الدنيا أم لم نظفر‏,‏ وحتي لو ظننا أن حظنا في الدنيا قليل‏..‏ ليكن ذلك‏,‏ ولكن الأهم أن يكون حظنا في الآخرة كبيرا‏..‏ وهذا في أيدينا‏..‏ فلنعض علي آخرتنا بالنواجذ ولا ندع حظوظنا في الدنيا تلهينا عن آخرتنا أو تجعلنا ندير ظهورنا لها‏..‏

      فلنعمل للدنيا ما استطعنا‏,‏ وبعد ذلك نتقبل ما تجود علينا به أقدارنا أو ما تحجبه عنا‏,‏ ولكن لا تفوتنا الآخرة لأنها هي الأهم والأبقي‏..‏ ولا مجال للمقارنة‏,‏ وحرماننا من بعض حظوظ الدنيا لا أهمية له علي الاطلاق‏..‏ ففي النهاية الآخرة هي التي تدوم‏,‏ وهي التي لها كل الأهمية‏,‏ ولا مجال للمقارنة بين الدنيا والآخرة‏..‏ أو بين المحدود واللامحدود‏,‏ وبين الزائل والأبدي‏..‏ أنها تبدو كالمقارنة بين رقم واحد ورقم تريليون‏(‏ مليون مليون‏)‏ وهو واحد وعلي يمينه‏12‏ صفرا‏!‏ وهو مجرد تشبيه تقريبي‏,‏ لأن الاقامة في الجنة لن تنتهي ولا بعد تريليون سنة‏..‏ فهي لا نهاية لها علي الاطلاق‏!!‏

      فهل بعد ذلك نأسي علي ما نظنه فاننا من حظوظ الدنيا؟‏!‏ وربنا ذو الجلال ينبهنا إلي ذلك لكيلا تأسوا علي ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم‏(‏ الحديد‏23)...‏


      من جريده الاهرام بتاريخ 27 \9 \2003
      مقاله دنيا والاخره
    • جزاكِ الله خيرا أختي على هذا الموضوع , نعم فنعيم الدنيا ليس هو النعيم الذي نرجوه فهذا كله زائل لا تيأس ولنشكر الله على كل حال , فالدنيا دنيئه من اسمها فمهما جمعنا من اموال ففي النهاية سنذهب عنها ولن تنفعنا فالذي ينفعنا هو العمل الصالح

      تحياتي لكِ اختي