" بائع الحلوى " رواية صراع بين جيلين - جديد ليلى البلوشي

    • " بائع الحلوى " رواية صراع بين جيلين - جديد ليلى البلوشي







      " بائع الحلوى " رواية صراع بين جيلين






      حينما طالعت عنوان رواية " بائع الحلوى " للروائي الهندي الشهير " آر . كي . نارايان " ، اعتقدت لوهلة بأنني سأقرأ رواية تتفشى فيها الحديث عن الفقر والمجاعة السائدة في طبقات الدنيا في الهند كعادة معظم القصص والروايات الهندية ، بل سينما بوليوود أسهبت في تناولها عن مآسي الطبقات المسحوقة في الهند مع نظيرها الطبقة العليا وهي طبقة الأثرياء ، حتى ساد اعتقاد عام أن الهند يتركز سكانها بين هاتين الطبقتين بشهادة " مارتن توين " إثر زيارته للهند في القرن التاسع عشر حين قال عنها : " هذه هي الهند حقا ، أرض الأحلام والغرائب والثراء الفاحش والفقر المدقع ، للجن والعمالقة ومصابيح علاء الدين ، والنمور والأفيال ... " ، ولكن يبدو أن مؤلف رواية " بائع الحلوى " غير هذه الوجهة التقليدية ؛ فالكاتب يتحدث عن بطل ينتمي إلى أفراد الطبقة الوسطى في الهند ، والتي قلما نعرف أحوالها ، وفي هذا السياق اذكر باحثا هنديا يدعى " باوان ك . فارما " تناول في كتابه الذي صدر له حديثا " الطبقة الوسطى في الهند " أشار فيه إلى النهوض الهائل للطبقة الوسطى وأثر ذلك على نهضة الهند ككل ، فالطبقة الوسطى الهندية كانت بدايات صعوده في فترة النضال من أجل التحرر الوطني والتخلص من الاستعمار البريطاني الطويل على الهند ، وقد أشارت هذه الرواية التي صدرت لأول مرة في الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا في عام 1967م إلى مجتمع الطبقة المتوسطة في الهند في الخمسينات من القرن الماضي ، متناولا إياها بدقة على المستوى الاجتماعي والاقتصادي والسياسي التي سادت تلك الفترة ، وهذا يشير بدوره إلى أسبقية مؤلف الرواية إلى تأثير الطبقة الوسطى ..


      يجسد " جاجان " حكاية هذه الرواية ، وهو رجل ينتمي إلى الطبقة الوسطى له محل صغير لبيع الحلويات ، توفيت زوجته اثر مرض خبيث في المخ فتركت له ابنهما الوحيد ، فيكرس " جاجان " حياته لرعاية ابنه الوحيد " مالي " موفرا له كل ما يلزمه من طعام وشراب كان يعكف شخصيا على طهوه ، ليبرز من خلالها شخصية أبوية لا مثيل لها ..


      من جانب آخر تظهر سمات شخصية " جاجان " فهو شخص نشأ متعلما ، خلال دراسته الجامعية التي لم يفلح في إكمالها نتيجة التحاقه بصفوف " غاندي " لنصرة الهند من العدو البريطاني ، ويظهر على طول الرواية تأثير " جاجان " بشخصية " المهاتما غاندي " الزعيم الوطني الهندي ، فلم يكتف أن يكون من أنصاره بل تشرب أفكاره عن أسلوب الحياة والتقشف في أسلوب مأكله ومشربه وملبسه ، وآرائه الفلسفية في قيم الحياة والتعامل مع الناس مع ابنه " مالي " كذلك ..


      ليظهر الصراع بين جيلين من خلال تصرفات " مالي " الذي يحسن الأب معاملته ويكون ابنه على نقيض معه ، ولكن تتبدى بذرة أولى النزاعات حين يقرر الابن عدم متابعة دراسته في الكلية ؛ بحجة رغبته في أن يصبح كاتب روايات ، تتوالى بعد ذلك سلسلة القرارات التي يخضعها الابن لأبيه ، والتي تكون بمثابة صدمات عنيفة له ، فيعزم السفر إلى أمريكا لدراسة فن الكتابة في جامعاتها ويخضع " جاجان " الأب المحب لابنه على مضض ، ولكنه بين الناس يفخر بابنه الذي يدرس في أمريكا ويحكي لهم أسلوب حياته من خلال الرسائل التي تصله من هناك ، والتي يظهر بعد ذلك أن الذي حرر تلك الرسائل هي " جريس " ، وهي الفتاة التي يفاجئ " مالي " أباه بإحضارها بعد خمس سنوات في الغربة ليقدمها لوالده ، فيعتقد الأب أنها زوجته ، ولكن الحقائق كلها تنفقع دفعة واحدة بعد ذلك ليكتشف " جاجان " أن " جريس " القادمة من أمريكا ليست زوجة ابنه بل رفيقته ، ويظهر هنا الصدامات النفسية التي تنشطر في داخله لتتشكل على هيئة خزي وعار ، فهو من طبقة هندوسية متدينة وأعرافهم لا تسمح بالعلاقات غير الشرعية ، ناهيك عن الزواج من فتاة مسيحية تأكل لحم البقر وهو محرم عند الهندوس .. وهنا تبدأ سلسلة أخرى من الذكريات التي تهجم على ذاكرة " جاجان " الأب المصدوم من ابنه ، لتكون هذه الذكريات بحد ذاتها مأربا للهرب من الضربات التي تلقاها من ابنه الوحيد ..


      تنحصر معظم تلك الذكريات في العائلة التي انتمى إليها " جاجان " الأعراف التي نشأوا عليها مذ الصغر ، مبادئ احترام الآباء الذي افتقده " جاجان " في ابنه العنيد ، كما تعرض الرواية في فصله الأخير بعد صدمة الأب من عدم زواج ابنه ذكريات خطبته وزواجه على الطريقة الهندوسية بوصف دقيق ، وعن كيفية حضور مالي إلى حياتهم بعد عشر سنوات من العقم مرا به كلا الزوجين ..


      وعرض المؤلف شخصيات أخرى كان لها دور الوسيط بين الأب وابنه منها شخصية " ابن العم " المنافق والانتهازي كما وصفها المؤلف ..


      وتنتهي الرواية بسجن " مالي " ، وقرار " جاجان " بترك كل شيء وراءه ؛ للتعبد في معابد الآلهة ..


      الرواية تحكي الكثير على مستوى الاجتماعي والديني والاقتصادي ، نجح الكاتب " نارايان " بتوظيفها في رواية واحدة بفصولها الثلاث عشر ، ليجد القارئ في كل فصل جانبا من جوانب التغييرات التي واكبت الشخصية الرئيسية التي تبلورت بهدوء وروية تتشرب في كل مرة أفكارها الفلسفية العميقة ، لتكون هذه الأفكار هي الخلاص في النهاية بالنسبة لها ..





      والجدير بالذكر أن الروائي " آر . كي . نارايان " الذي ولد في مدراس عام 1906م وتوفي في عام 2001م عن عمر يناهز 94 عاما ، يعد من الأقليات التي كانت تتحدث باللغة الانجليزية في الهند ، كما أنه من أشهر الأدباء الهنود الذين كتبوا باللغة ذاتها ، وتأثروا بأدبائها على رأسهم " شكسبير " ، ومن خلال اطلاعه على المجلات الانجليزية التي صدرت في ذاك الوقت ساعدت على تكوينه فكرة عامة عن الحياة الأدبية في لندن ، ليظهر ذلك بدوره على معظم الروايات التي كتبها ..






      ليلى البلوشي




      المصدر : مدونة ليلى البلوشي


      ¨°o.O ( على كف القدر نمشي ولا ندري عن المكتوب ) O.o°¨
      ---
      أتمنى لكم إقامة طيبة في الساحة العمانية

      وأدعوكم للإستفادة بمقالات متقدمة في مجال التقنية والأمن الإلكتروني
      رابط مباشر للمقالات هنا. ومن لديه الرغبة بتعلم البرمجة بلغات مختلفة أعرض لكم بعض
      المشاريع التي برمجتها مفتوحة المصدر ومجانا للجميع من هنا. تجدون أيضا بعض البرامج المجانية التي قمت بتطويرها بذات الموقع ..
      والكثير من أسرار التقنية في عالمي الثاني
      Eagle Eye Digital Solutions