


سؤال خطر ببالي اليوم وأنا فى المصرف لانهاء بعض المعاملات المالية، وللاعداد لمتطلبات الحج هذا العام بإذن الله. ولدى البكر شهاب -بارك الله فيه- يجهد نفسه معى كثيرا هذه الأيام، وينقلنى حيث شئت بسيارته، رغم مشاغله بالتدريس، وإنشغاله بنجله الذي رزق به منذ أيام خلت. ويسعدني أنه وباقي أبنائي يتقنون العربية الفصحى كما علمتهم إياها نطقا وقراءة وكتابة. الطريف فى هذا أننا التقينا بأحد سائحى البلدان العربية فى المصرف أيضا، وإخاله ممن لم ينالوا قسطا عظيما من التعليم، رغم حرصه بين الفينه والأخرى على إعلام موظفي المصرف بأنه من كذا من البلدان وحاصل على درجة الماجستير من جامعة كذا الأميريكية الشهيرة، وصاحبنا هذا مع ذلك يتحدث إنجليزية غريبة، تحتاج أولا لمترجم، كلانا لم نفهمها ابدا، وشهاب أمه إنجليزية بالمناسبة، ودرس أيضا فى جامعة يل. تحرك الدم العربي فى عروق شهاب، وتطوع لمساعدة صاحبنا، وحادثه بغثه بالعربية التى تعلمها منى، ولكم ان تتصوروا مدى دهشة صاحبنا عندما يخاطبه من يظنه أجنبيا، بلغة قويمة أستجمع صاحبنا كل ما تعلمه وقرأه فى صباه ليرد عليها. ما آلم ولدي بعدها وهو أن ذلك الجنتلمان عرض علية نقودا نظيرا لمساعدته، فأعرض عنه ولم يودعه وهو يردد بالانجليزية: لا تعرضت لعربي بعدها، وأنا أعلم يقينا أنه سيفعل فالعرق دساس كما يقولون.
نعود لسؤالنا الأول: لماذا لا يظهر الكرم العربي الحاتمي إلا مع الأجانب؟ وهم عادة يترجمون ذلك على أنه غفلة وبلاهة؟ أما مع بنى جلدتهم فهم الآن أشد من الأجانب حسابا لكل سنت، ولا يعطون إلا مضطرين وإن فعلوا فهم عندها أكثر القوم تسويفا ومنة!!
وحتى يتضح لكم المقال، نوطد له بمثال: أتعلمون بأن أدنى تقدير لما حصلت عليه إسرائيل من حكومات الولايات المتحدة وحدها منذ إنشائها وحتى العام الماضي هو ثلاثة آلآف مليار دولار عدا ونقدا؟ ويعلم الله وحده كم من أوروبا، وكم من التبرعات الصهيونية؟ الذي نعلمه أن أي رئيس وزراء لاسرائيل يزور أوروبا لا يقبل بأقل من أربعة مليارات للزيارة الواحدة. فأين نحن من هذا؟ وأموال من تلك في مصارف أميريكا وأوروبا؟
كلكم سمعتم وقرأتم عن المساعدات العربية السخية جدا للفلسطينين؛ ومعظمكم يتعجب أين تلك الأموال وفيم أنفقت؟ وكم هم لصوص أشرار قادة الفلسطينين بلا تميز، لا شك ان بينهم من تنطبق عليه هذه الصفة وزيادة، ولكن تعالوا بنا نخبركم بحجم المساعدات العربية لاخوانهم الفسطينين على مدى أكثر من ثلاثين حولا من الصراع، ستدهشون: أقصى تقدير لها، وهذا تقدير البنتاجون، لم يزد على مليارين إثنين فقط لا غير!! كان منها إعداد الكوادر المقاتلة، ودفع رواتب لاسر الشهداء والأسرى، وأيضا للصوص أيضا من القائمين عليها، ولو ضربنا هذا الرقم فى مائة ضعف، لبان لكم جليا مدى الكرم العربي حقا مع بنى جلدتهم!!
لانسأل هنا عن الأموال القارونية التى أهدرت فى أفغانستان أولا وآخرا، ولا فى حروب الخليج المتعددة، حتى لا نتهم هنا بالحسد والحقد وبأننا من الفلسطينين ناكري الأفضال.
نسألكم جميعا أأحوالكم منذ أكثر من عقد من الزمان أفضل مما كانت عليه؟ حيث رفع عنكم عبئ دعم الفلسطينين الثقيل؟ إن لم تتحسن خدماتكم الصحية والتعليمية والوظيفية والمعيشية، فأعلموا أن ما يرهق ميزانياتكم ويفلسها، لا علاقة له البته بأي دعم عربي لأي شعب عربي، وأبحثوا عن السبب.


