

وهب الله سبحانه وتعالى هذه الأمة الاسلامية مخزونا من الطاقة المكنونة، منبعه الايمان، وهذه الطاقة تظهر جوهرها إن شاء الله وصدق العزم منا نحن عباده عند الشدائد.
فى عام 1256 داهم التتار عاصمة الخلافة الاسلامية، وكانوا كالريح العقيم ما مرت بشئ إلا جعلته كالرميم، وجرى بين المسلمين المرجفون والمحبطون والخونة والعملاء والجبناء يشيعون بين الناس هذا القول:" من أخبرك بأن التتار قد هزموا فلا تصدق!"، كان الوضع ميؤس منه مثل يومنا هذا، ولكن بعد عامين فقط قيض الله هزيمتهم فى موقعة عين جالوت عام 1258، حينما هزمت الجحافل القادمة من مصر وفلول العراق والشام جيش كتبغا في سهول عين جالوت في فلسطين.
يجب ان نتعلم ان القوة ليست في القلب. بل في تجمع القلوب على قلب واحد. وليست في العقل، بل بانشغاله بالعلم والمعرفة والبناء، وليست بالعضلات بل بتكريسها لما ينفع الناس انتاجاً واعماراً.. فمتى يجمع الله قلوبنا، ونتحد حول الحكمة التي نستذكرها جميعاً اذا ذكرنا بها، وننساها اول ما ننسى عند اول خلاف «واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا».
كما قلنا : في القرن السابع الهجري انقض التتار على الدولة الإسلامية خاصة تلك المناطق الواقعة منها في آسيا، وأرسل هولاكو خان قائدهم رسالة إلى ملك مصر في ذلك الحين الملك المظفر قطز يهدده فيها، وحين قرأ الملك هذا الكتاب جمع الأمراء فاتفقوا على المسير إلى حرب التتار، وشرع الملك في حض الأمراء على الاستعداد لحربهم وجمع المحاربين من مصر وعساكر الشام من التركمان، وأعلن الدعوة إلى الجهاد في سبيل نصرة دين الله ورسوله.
وأمر الملك المظفر أحد قواده الأمير ركن الدين بيبرس بالمسير بقطعة من الجيش ليستكشف تجمعات التتار، فسار إلى أن وجد طليعة لهم فأخذ في مناوشتها إلى أن لحق به السلطان في موقع عين جالوت، وهي بلدة صغيرة واقعة بين بيسان ونابلس في فلسطين، وفي يوم الجمعة الخامس عشر من رمضان عام ستمائة وثمان وخمسين للهجرة جاء التتار بجموعهم الهائلة، والتحم الجيشان، وقرعت الطبول، وتراجعت ميمنة الملك المظفر أول الأمر فاضطرب الجيش الإسلامي، فتقدم القائد المسلم نحو جنوده وألقى بخوذته على الأرض وصاح فيهم بأعلى صوته "وآإسلاماه" وحمل بنفسه وبمن معه حملة صادقة، وقتل كتغبا قائد التتار وعدد من الأمراء الذين كانوا معه، وانهزم الجيش التتري واندفعت الجيوش المصرية تطاردهم أسرا وقتلا حتى وصلوا إلى بيسان، وهناك التحمت باقي أفول الغزاة بجيش لهم في تلك البلدة فاشتد القتال مرة أخرى، إلا أن الجيش الإسلامي وأمراءهم استماتوا وكروا كرة عظيمة على التتار فكان النصر المؤزر من الله عز وجل وكان الدحر والهزيمة لجيش الغزاة الكافر.
ومعركة عين جالوت من المعارك الفاصلة في التاريخ الإسلامي، إذ أنه وحتى ذلك التاريخ لم يهزم التتار هزيمة كتلك، وتلاشت آمالهم بعدها في الاستيلاء على بلاد المسلمين، ولا شك أن لإخلاص القائد المسلم وجيشه واعتمادهم الكلي على الله عز وجل الدور الأكبر في تحقيقهم النصر وفي أن حازوا العزة.
اللهم انصر عبادك المؤمنين ولم شملهم يا أحكم الحاكمين.

