يتغير الزمن ولم تتغير الساعة أراء الكتاب الشبيبة

    • يتغير الزمن ولم تتغير الساعة أراء الكتاب الشبيبة

      * ياسر قبيلات

      الحواجز التي قطعها المواطن العربي اليوم في العلاقة مع الأنظمة، تبقى قائمة ما لم يترافق مع ذلك قطع المسافات التي تفصله عن الوعي المدني والتنمية بمفهومها الشامل؛ ويشبه ذلك حال من يريد الصعود إلى أعلى من خلال القفز، فإما سيسقط من جديد وبشكل فوري، أو هو ينجح الإمساك بشيء عال، ويبقى متعلقاً به إلى أن يعيه التعب فيسقط ثانية، ولكن هذه المرة على ظهره، وليس على قدميه.

      لقد تغير الزمن العربي، وما من أحد يشك في ذلك؛ ولكن ماكينة حسابه ما تزال نفسها، تلك الساعة القديمة، التي تعجز عن رصد الثواني وأجزائها، التي باتت حاسمة، وممتلئة، ومكثفة. وفي هذه العلاقة بين الزمن والساعة، يمكننا أن نعثر على تمثيل للعلاقة بين الواقع الجديد والفكر القديم، الذي بقي سائداً، متمترساً بآلياته وطروحاته ومقارباته الميكانيكية، التي تعمل ضد نفسها أحياناً، وضد الزمن الجديد الذي تجتهد في تبنيه!

      وأوضح مثال على ذلك، هو التفكير التلقائي والميكانيكي، الذي يقود الكثير من المثقفين، إلى المبادرة السريعة بتأييد أي هزة أمنية تحدث في أي بلد عربي، والتعامل معها باعتبارها ثورة شعبية، مستحقة للدعم والتأييد، دون تفكير، وبلا تمحيص..! والأمر الخطير الذي يكشف عنه ذلك، هو أن المثقف بات يشبه تماماً مجتمعه العربي الذي يعيش على ما ينتجه الآخرون، وبدلاً من أن يكون منتجاً للأفكار وصانعاً ومؤثراً بتوجهات الرأي العام، بات مجرد تابع للأفكار الشعبوية التي تروج في الشارع. ولا أدلّ على ذلك من حالة الانقياد العمياء التي يمر بها مثقفو اليوم للإعلام وانسياقهم ليس خلف "أخباره" الموجهة فقط، بل ووراء طروحاته المتخبطة، التي لا يندر أن تزور الحقائق وتقفز على المعطيات، وتتجاوز على المنطق.

      لقد تغير الزمن ولم تتغير الساعة المعطوبة؛ وفي حالة يقرأ فيها الناس اعتماداً على السعة، فإن لهذا كل أخطاره العملية والمحتملة. ولكنه كذلك إيذان بضرورة تغيير الساعة نفسها، وإعلانها معطوبة لا تصلح لشيء. وحيث يحب المثقفون الحديث عن تغيير الأنظمة، ينسون أنهم في أغلب ما يقدمون، ليسوا سوى ساعة معطوبة، وأضحوا مجرد ماكينة صغيرة في آلة الدعاية الإعلامية الجبارة!

      بلى، من المؤسف أن يتحول المثقفون الذين أشبعونا تباهياً بعقلهم النقدي إلى مجرد مستهلكي إعلام، وماكينة لتدوير الأفكار الجاهزة التي أنتجت على عجل خصيصاً لاستهلاك عامة الناس من البسطاء، الذين لا يملكون سوى عواطفهم، ولم يحظوا لا بالتعليم ولا بالثقافة الكافية.

      من المؤسف، كذلك، أن بيانات المثقفين العرب لم تتجاوز في منطقها ومضمونها الصياغات الكليشيهية الفارغة، المنسوخة عن بعضها البعض، في تطابق مع المصدر الإعلامي الذي روجها، فتغرق في البكائيات التي تؤكد "الوقوف مع الشعب في خياره الديمقراطي، وفي ثورته المشروعة وتأييد مطالبه في الحرية والعدل والمساواة والعيش"، دون أن يفطنوا إلى التحقق من ذلك الخيار "الديمقراطي" الذي يدعوننا إليه، وإن كان خياراً شعبياً حقاً، أو إن كانت له فعلاً علاقة بالحرية والعدل والمساواة والعيش الكريم.

      الأخطر من ذلك، في هذه الأيام التي تتكشف فيها أصابع دولية في ما أسماه الإعلام الغربي بـ"الربيع العربي"، أن كثيراً منهم يعمد إلى ممارسة مثل هذا الدور دون حد أدنى من الاطلاع، وبالاعتماد الكامل على وسائل الإعلام، في إشارة تثير القلق البالغ إزاء التحييد الجماعي للعقل ودوره.

      من المحزن أن يتحول أداء المثقفين إلى ما يشبه ردات الفعل الشرطية، فذكر كلمات مثل "حرية" و"ديمقراطية" و"ثورة" تنسيهم عقولهم، وتدفعهم للجري وراء من يرددها بلا تفكير أو تمحيص. ودون أن يلحظوا أن ذلك قد ينقلهم من المعسكر الذي يدافعون عنه إلى المعسكر النقيض، الذي يعادي القيم التي أرادوا الدفاع عنها.

      ويبقى هنا حديث، عن الخطيئة التي لا تغتفر، فالمثقفون الذين يستخدمون شخصياتهم الاعتبارية بدون تفكير وتمحيص، وعلى نحو عشوائي وارتجالي، يشاركون في دعم الجرائم ضد الشعوب، ويقفون في صف أعدائها، ومحاولي اختطاف أمانيها ومستقبلها تحت شعارات زائفة.

      وقديماً قيل: "إذا كان الكلام من فضة، فالسكوت من ذهب"، وقيل: "لا تفتِ بما ليس لك به علم". فأقل ما يمكن فعله، هو أن نصمت إن لم نكن نعلم حقاً؛ وأن لا نعبر عن مواقف عشوائية وارتجالية في قضايا تمس حياة شعوبنا، لمجرد أن الجميع يفعلون ذلك. فالمسؤولية الثقافية والشجاعة الأدبية لا تقتصر على الجرأة في الكلام فقط، بل في تقدير الصمت، وعدم التعبير عن مواقف لا نعنيها ولا تمثلنا، لأنها ببساطة مواقف الآخرين الذين يستهدفوننا! كاتب أردني من أسرة "الشبيبة" yassek@yahoo.com

      أكثر...


      ¨°o.O ( على كف القدر نمشي ولا ندري عن المكتوب ) O.o°¨
      ---
      أتمنى لكم إقامة طيبة في الساحة العمانية

      وأدعوكم للإستفادة بمقالات متقدمة في مجال التقنية والأمن الإلكتروني
      رابط مباشر للمقالات هنا. ومن لديه الرغبة بتعلم البرمجة بلغات مختلفة أعرض لكم بعض
      المشاريع التي برمجتها مفتوحة المصدر ومجانا للجميع من هنا. تجدون أيضا بعض البرامج المجانية التي قمت بتطويرها بذات الموقع ..
      والكثير من أسرار التقنية في عالمي الثاني
      Eagle Eye Digital Solutions