في الذكرى العاشرة لهجمات الحادي عشر من سبتمبر

    • في الذكرى العاشرة لهجمات الحادي عشر من سبتمبر

      [INDENT] في الوقت الذي يستعد فيه الأمريكيون لاحياء الذكرى العاشرة لهجمات الحادي عشر من سبتمبر على وطنهم من خلال مراسيم تكريمية، لا شك انهم يجدون بعض السلوان في حقيقتين مهمتين: اولهما هي ان تلك الهجمات الجبانة على مواطنينا العزل لم تؤدِ الى تغيير جوهري في طبيعة الشعب الأمريكي و لا في القيم المؤسسة للدولة الأمريكية. فنحن لازلنا ملتزمين دائما بالمبدأ الذي يقول ان المحافظة على امن و سلامة مواطنينا لا يمكن ابدا ان تأتي على حساب احترام حرياتنا.

      فلازالت الولايات المتحدة هي الدولة التي يقصدها كل عام مئات الالاف من جميع بقاع الارض، لانهم يجدون فيها ملجأً لهم من سياسات القمع او الاضطهاد او اعمال العنف. و نحن لازلنا الان – كما كنا دائما- دولة قائمة على مبدأ مفاده ان الخالق قد وهب كل انسان، كتلة من الحقوق غير القابلة للتصرف و التي تشمل الحق في الحياة و في العيش في حرية والسعي نحو تحقيق السعادة.

      اما الحقيقة الهامة الثانية التي بدت واضحة للأمريكيين خلال هذه الايام فهي أن تنظيم القاعدة في حالة مستمرة من التراجع، و انه في طريقه الى الزوال. فعلى مدى السنوات العشر الماضية ، ادركت بقية البشرية حقيقة القاعدة كما فهمناها نحن الأمريكيون في ذلك اليوم المشئوم. وقد اعرب الناس في شتى انحاء العالم و من خلال اكثر من طريقة عن رفضهم القاطع للايديولوجية البغيضة التي تتبعها القاعدة وثقافة الموت التي تروج لها.


      فبعد ان مرت مدن مختلفة مثل بغداد و الجزائر و مدريد و الرياض و لندن و بالي و الدار البيضاء بتجارب مشابهة لما واجهناه نحن، اظهرت لهم تلك التجارب حقيقة القاعدة بكل وضوح. ومن ثم فان تلك المجتمعات قد أيقنت ايضا ان مهمة القاعدة الاولى و الاخيرة هي الحاق اقصى درجات الضرر و المأسي بأكبر عدد من بني الانسان لا اكثر و لا اقل من ذلك. فان الدمار هو الشئ الوحيد الذي قدمته القاعدة للبشرية في الماضي و هو الشئ الوحيد الذي تفعله الان و هو العمل الوحيد الذي تخطط له في المستقبل.


      فأن تنظيم القاعدة و من هم على شاكلته لا يجيدون سوى زرع الفتن والتفرقة ما بين البشر ، ولا سيما اذا كانوا أتباع ديانات مختلفة. و في حين يبذل العديد من أتباع الإسلام والمسيحية واليهودية والديانات الأخرى كل ما في وسعهم من أجل تسليط الضوء على القيم المشتركة بينهم و التي تعتبر اهم اركان تلك الديانات ، تكرس القاعدة كل وقتها تجاه غرس الخوف في قلوب البشر، و خاصة أكثر شرائح المجتمع ضعفا.


      وقد أثبت تنظيم القاعدة مرارا وتكرارا أن ليس هنالك حد لمدى انحلاله الاخلاقي الذي ياخذ به الى الدرك الاسفل من اجل تأجيج الفوضى والاضطرابات. كيف تبرر القاعدة استهداف الاسواق المزدحمة و حفلات الاعراس و حتى الجنازات ؟ ما هو هذا الهدف الذي تحاول ان تحققه من خلال تلك الافعال الوحشية ؟ اعتقد ان بعد مضي عشرة اعوام اصبح الجواب واضحا للكل: ليس هنالك اي سبب او مبرر لاي من تلك الاعمال المخزية.


      فان البشرية باكملها تدرك الان ان من هم على شاكلة ايمن الظواهري و ابو مصعب الزرقاوي و انور العولقي لا يخططون و ينفذون عمليات ارهابية سعيا لتأسيس ما اسماه البعض ب(المدينة الفاضلة) او اقامة نظام عادل، حسب ما يزعمون. فأي عدالة تلك التي تقوم على التوابيت و الجثث؟


      و ان كانت القاعدة قد نجحت في اي انجاز فهي نجحت في تقوية عزيمة دول المجتمع الدولي على الوقوف جنبا الى جنب، متكاتفين ومتعاونين باستمرار في عدة مجالات جميعها يهدف الى تعطيل و تفكيك و هزيمة القاعدة. و قد اتخذت دول العالم العديد من الاجراءات لاحباط عدد لا يحصى و لا يعد من العمليات الارهابية المخططة.


      الواقع هو ان شعوب العالم ودولهم قد اصبحت في مقدمة تلك المعركة مع القاعدة و هم من ضيق الخناق عليها حيث اصبحت البشرية هي من تلاحق قيادي القاعدة في جحورهم و مخابئهم. و لا شك ان ابرز مثال لفشل القاعدة و انحدارها هو زوال زعيمها أسامة بن لادن.


      وقد أظهرت شعوب العالم رفضها لأيديولوجية القاعدة الملتوية و ثقافة الموت من خلال استمرارها في العيش حياة طبيعية و عبر تأسيس مجتمعات و دول مستقرة و امنة ومن خلال الاعتناء بعوائلهم و أطفالهم. فهم يعلمون اطفالهم في المدارس و ينخرطون في الاعمال التجارية و لعب كرة القدم و زيارة المتاحف و المشاركة في الانتخابات و تنفيذ الاصلاحات. و كما يعرف الجميع فأن اي عمل يتمحور حول البناء و التاسيس يتعارض تماما مع كل ما تؤمن به القاعدة.


      و قد اظهرت محاولة ايمن الظواهري البائسة الاخيرة لتجيير الحركات الشعبية التي اجتاحت الشرق الاوسط الشرق الأوسط منذ بداية هذا العام لحساب القاعدة او على الاقل محاولة اقناع الشعوب العربية بأن القاعدة تؤيد مطالبهم، لقد سلطت تلك المحاولة الفاشلة الضوء على المرحلة الحرجة التي تمر بها القاعدة و مواقفها المتضاربة ازاء التطورات في المنطقة.


      فان الجماهير الحاشدة التي شاركت في التظاهرات بالملايين و التي عبرت بوضوح انها تريد الكل ان يحترم ارواحهم و حرياتهم و كرامتهم فقد كانت تلك المطالب بمثابة صفعة بل حتى ربما ضربة قاضية للقاعدة و ثقافة الموت التي تروج لها. فقد اعربت الشعوب العربية بكل وضوح ان فكر القاعدة الهدام و اساليبها الوحشية ليست لها اي مكان في مستقبلها و انها تسعى الى البناء و التاسيس و ليس الدمار و المأسي.


      و في هذه الايام، و نحن نقترب من تلك الذكرى المؤلمة ، فإن الأميركيين وبقية البشرية لا شك سوف يستمرون في إبداء رغبتهم في العيش في امل و بدون خوف ودون أن ننسى أبدا قيمنا أو ان نتخلى عن إنسانيتنا. فالعالم اجمع يدرك الان ما تتمحور حوله البوصلة الاخلاقية للاغلبية العظمى من البشرية و ما هي المبادئ التي تؤمن بها القاعدة. و لا يمكن للفرق بين الاثنين ان يكون اكثر وضوحا عما هو عليه الان.


      فهد

      فريق التواصل الإلكتروني
      وزارة الخارجية الأمريكية



      [/INDENT]