مع الانبياء ... تفاصيل جميع الانبياء بطريقة رائعة

    • سديم الليل كتب:

      لكن الدعوة السرية الفردية اللتي اتبعها الرسول صلى الله عليه وسلم في أول الأمر وإن كانت مهمة لمرحلة الابتداء أو شرطا في النجاح والاستمرار لكنها لا تصلح أن تكون منهجا عاما إلى آخر المدى؛ إذ لا يمكن لدعوة عالمية يرجى لها الذيوع والانتشار في مشارق الأرض ومغاربها أن تعتمد هذا الأسلوب فقط إلى النهاية فإن في هذا إضعاف شديد للدعوة بل وأد لها، لذلك فما أن استجاب لهذه الدعوة نفر من الصحابة الأجلاء وخرجت الدعوة عن حيز الانحصار في شخص واحد بحيث يؤمن من وأدها والقضاء عليها، وما أن وجد الرسول صلى الله عليه وسلم أعوانا على الدعوة حتى بادر إلى الأسلوب الآخر أسلوب الإعلان والبوح وإظهار الدعوة والجهر بها بين الناس ؛ إذ هذا الأسلوب هو الكفيل بنشر الدعوة وبلوغها للناس على نطاق واسع في زمن قليل جدا إذا قورن بزمن الأسلوب الأول، لكن ما أن جهر الرسول صلى الله عليه وسلم بالدعوة حتى عاداه المشركون وصدوا الناس عن دعوته ولم يكن هذا في الحقيقة نتيجة لأمر عارض كطريقة عرض الدعوة مثلا ولكن كانت هذا المعارضة نتيجة تناقض حقيقي بين دعوة الإسلام ودعوة الشرك...|~


      وسياسة الرسول صلى الله عليه وسلم في الدعوة إلى الله كــآنت بالفعل سياسةةةةة نــآجحةةة رغم صعابهــآ ..~

      رــآئع آخــــــــــــــــــي .. آحيك ... بــلآ مجــآملةةةةةة .. آحسنت صنعـــــــــآ .. وفقك الله .. وسدد خطاااااااااااااااااااااك ..~




      كما قلتي وكلامج وااافي وشامل لمرحلة الدعوة عند الحبيب المصطفى
      اولا هي اسبااااب كثيرة قدرها العزيز المقتدر في نزول الوحي في سن متأخر للرسول صلى الله عليه وسلم
      ورغم كبره فالسن الرشيد الا ان نزول الوحي كااان امرا كبيرا ليتحمله في بداااية الأمر
      وهذا ما يتبين لنا عن سبب تأخر الرسااالة ونزول الوحي عليه ،،
      ورغم كل هذا هنالك اشيااااء كثيرة سنتعرف عليهاااا فالقاااادم من الاضااافااات
      //
      \\
      ما يميزج اختي سديم الليل عن بقية الأعضااااء انكِ تحللين الموضوع بفقراااات
      وهذا يدل على حسن متابعتج للموضوووع
      اشكرج من صميم القلب
      وبااارك الله فيج

    • [h=2]قواعد للدعاة
      [/h]

      إذن نخرج بقاعدة مهمة من موقف رسول الله عند بدء الدعوة، وهي أن الدعاة مطالبون بالحفاظ على أنفسهم وعلى حياتهم، لا لخوفهم من الموت، فالموت في سبيل الله في حد ذاته غاية ومطلب وهدف، ولكن حفاظًا على الدين وعلى الإسلام وعلى استمرار المسيرة.

      ونفهم من هذا الكلام الحكم الفقهيّ المشهور وهو أنه يجوز للجيش المسلم أن يفر من مثليه، ويوجد في كتب الفقه باب جواز الفرار من المثلين كما يقول الحق تبارك وتعالى: {الآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِئَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللهِ وَاللهُ مَعَ الصَّابِرِينَ} [الأنفال: 66].


      فلو كان عدد الأعداء أكثر من الضعف يجوز القتال ويجوز الفرار، حسب ما يرى القائد كما قال بذلك الفقهاء.

      لأن احتمال الهلكة كبير، إلا إذا غلب على ظن القائد أنهم سينتصرون فيجوز له القتال، بل إن الإمام مالك رحمه الله قال: إنه يجوز الفرار من المثل، وليس من المثلين إذا كان العدو أعتق جوادًا وأجود سلاحًا وأشد قوة وغلب على الظن الهلكة.

      ويوضح العز بن عبد السلام هذا الأمر بصورة أكبر فيقول: إذا لم تحصل النكاية في العدو وجب الانهزام، لما في الثبوت من فوات النفس مع شفاء صدور الكافرين. سيموت المؤمن ولن يحدث أثرًا في الكافرين، بل سيزيد الكفر. بل إنه يقول: وقد صار الثبوت هنا مفسدة محضة ليس في طيها مصلحة.

      يعني يأثم المسلم بإظهار نفسه إذا كان الاختفاء هو الألزم للمرحلة، ويأثم المسلم إذا ثبت إذا كان الانسحاب هو الألزم للمرحلة.


      [h=2]بين الحكمة في الحفاظ على الدعوة والجبن
      [/h]

      فقه ووعي وإدراك لسلوك الرسول ، وأسلوبه في التعامل مع كل ظرف، ولكن هنا لا بد من ملاحظتين مهمتين:


      الملاحظة الأولى: هي أن الفارق بين الحكمة في الحفاظ على النفس، وبين الجبن شعرة، وقد يدعي الإنسان أنه يحافظ على نفسه؛ لأن المرحلة تتطلب ذلك، فلا يتكلم الحق، ولا يجاهد، ولا يدعو إلى الله، ولا يقوم بعمل في سبيل الله، بينما الدافع الحقيقي من هذا الركون هو الخوف من مواجهة الباطل، فالفرق بين الحكيم الذي يتبع الرسول والجبان الذي لا يريد حمل الدعوة هو سيرة الرسول .


      فنرجع في ذلك إلى دليل شرعي من سيرة النبي ، يدل على أن هذا الموقف يشبه موقف الرسول لما أخذ النبي بمبدأ السرية.

      ونرجع في ذلك أيضًا إلى ورع وإيمان وتقوى الفرد العامل، والله مطلع على القلوب، وفي النهاية أنت تتعامل مع الله .

      وأهم من ذلك أيضًا الرأي المشار إليه من قبل القائد والجماعة والشورى.

      فالقائد في هذه المرحلة هو النبي أو من ينوب مكانه، والشورى كذلك في غاية الأهمية، ومن الممكن بعد ذلك أن يخرج عامل الهوى، ونستطيع أن نفرق بين الحكيم والجبان.

      الملاحظة الثانية: الذي يراعى في ذلك هو مصلحة المسلمين والإسلام عمومًا، وليس مصلحة الفرد، بمعنى أن هلاك الفرد قد يكون محققًا، ولكن هذا في مصلحة المجموع، فهنا لا يلتفت إلى الحفاظ عليه في نظير الحفاظ على الدين عمومًا، أو على الأمة بصفة عامة، أو المصلحة بصفة عامة.


      كما سيأتي بعد ذلك عند إعلان الرسول الدعوة بعد ثلاث سنوات، ووجود خطورة حقيقية على النبي ، لكن المصلحة العامة للدعوة أن يعلن الدعوة، وكما سيرسل مصعب بن عمير t إلى المدينة؛ لتعليم أهلها الإسلام رغم المخاطر التي تحيط به في المدينة، واحتمال قتله لأن المسلمين قلة، ويوجد بالمدينة يهود ومشركون، ولكن المصلحة المتحققة أعلى، وهذا من الممكن أن يقال في العمليات الاستشهادية التي نراها في فلسطين وفي غيرها؛ لأن هلاك الفرد فيها محقق، ولكن المصلحة أعلى، والمرجعية في كل ذلك كما ذكرنا لرأي القائد والشورى وليس لرأي الفرد لئلاَّ يدخل الهوى، مع العلم أن الهوى أحيانًا يكون في الهلكة، بأن ييئس الإنسان من ظلم الظالمين أو غلبة الكافرين، فيسارع بقتالهم أو إظهار نفسه في مكان ووقت لا يسمحان بذلك، قد يكون ذلك هوى في قلب الإنسان بينما تأمر الشورى بالحفاظ على النفس، فالرجوع إلى الشورى أو إلى قائد المسلمين أمر في غاية الأهمية.

      إذن الرسول والمسلمون في الثلاث السنوات الأولى كانوا لا يتحدثون بالإسلام إلى الناس إلا سرًّا، يختارون رجلاً من الناس يتحدثون إليه بأمر هذا الدين.



    • [h=2]أبو بكر الصديق بين الإيجابية والتصديق
      [/h]


      في اليوم الثاني بدأ رسول الله والمؤمنون الأوائل يتحركون من جديد بالدعوة لانتقاء عناصر جديدة.

      والحق أن أبا بكر الصديق كان إيجابيًّا بدرجة لا يمكن وصفها ولا تخيلها، أبو بكر الصديق تحرّك بالدعوة وكأنها أنزلت عليه هو، لم تكن الدعوة عنده مجرد تكاليف من الرسول ، ولكن هو الحب للإسلام الذي ملأ قلب الصديق ، وحبه لحمل الخير لكل الناس، وفي الوقت نفسه حبه هو لكل الناس.


      نتج عن حبه للدين وحبه للناس حماسة دعوية على أعلى مستوى تصل إليه من التفكير، وظل الصديق على هذه الروح في حمل الرسالة إلى أن مات ، وظل يحمل همّ الدعوة، ويتحمل مسئولية الإسلام، وكأنه ليس على الأرض مسلم غيره، إيجابية قصوى.


      في أول تحرك للصديق أتى للإسلام بمجموعة رائعة من المسلمين الجدد، وقِفْ مع كل اسم لحظة، أو لحظات لتعرف بلاءه في الإسلام ونصرته لدين الله ، لقد أتى الصديق بعثمان بن عفان، وتفكر في سيرة عثمان ، مجهِّز جيش العسرة، ومشتري بئر رومة، وموسع المسجد النبوي، تفكر في خلافته للمسلمين اثني عشر عامًا، تفكر في حياة فيها إنفاق، وفيها علم، وفيها جهاد، وفيها صيام، وفيها قيام، وفيها قراءة للقرآن، فعثمان بن عفان رغم كل هذه الأعمال حسنة من حسنات أبي بكر الصديق .

      - الزبير بن العوام.
      - سعد بن أبي وقاص.
      - طلحة بن عبيد الله.
      - عبد الرحمن بن عوف. رضي الله عنهم أجمعين.

      من المؤكد أن أغلب المسلمين يعرفون قدرهم، وما قدموه للإسلام، وهؤلاء الخمسة من العشرة المبشرين بالجنة، وكلهم في ميزان حسنات أبي بكر الصديق .


      الحدث فعلاً عجيب، فهؤلاء لا يغيّرون شيئًا بسيطًا في حياتهم، لا يغيّرون طعامًا أو شرابًا، لا يغيّرون وظيفة أو سكنًا، إنما يغيّرون ديانتهم، يغيّرون عقيدتهم، يغيّرون أمرًا استمرت به مكة مئات السنين، يسبحون ضد التيار.

      أي قوة إقناع كانت عند الصديق حتى يقنع هؤلاء الخمسة بأمر الإسلام؟! أي صدق كان في قلب الصديق حتى يهدي الله هؤلاء الخمسة العظام على يده ؟!


      والغريب أن هؤلاء الخمسة لم يكونوا من قبيلته (بني تيم) باستثناء طلحة بن عبيد الله .


      عثمان أموي، والزبير أسدي، وسعد بن أبي وقاص وعبد الرحمن بن عوف من بني زهرة، من المؤكد أن علاقات الصديق كانت قوية جدًّا، ووثيقة جدًّا بهؤلاء قبل الإسلام، من المؤكد أنهم كانوا يحبونه حبًّا عظيمًا، فالخطوة الأولى في الدعوة كما ذكرنا سابقًا هي الحب.

      ثم أيضًا نظرة على الأعمار:
      - الزبير بن العوام خمس عشرة سنة.
      - طلحة بن عبيد الله ست عشرة سنة.
      - سعد بن أبي وقاص سبع عشرة سنة.
      - عثمان بن عفان ثماني وعشرون سنة.
      - عبد الرحمن بن عوف ثلاثون سنة.

      كل هؤلاء أخذوا قرار تغيير الدين والارتباط بالإسلام وتحمل المشاق ومواجهة أهل مكة جميعًا، أخذوا هذا القرار وهم في هذه السن المبكرة.

      الزبير وطلحة وسعد لو كانوا في زماننا لكانوا في المرحلة الثانوية.

      هل أولادنا في هذه المرحلة عندهم من الوعي والإدراك، وتحمل المسئولية والقدرة على الفهم والتفكير واستنباط الصحيح من الخطأ، والحق من الباطل مثل الذي كان عند هؤلاء الشباب من الصحابة؟

      كثيرًا ما يحزن المرء عند رؤية بعض شبابنا في هذه المرحلة العمرية الثمينة، وقد فرغت عقولهم من كل ما هو ثمين أو قيم، لا تجد فيها إلا بعض الأغاني، وبعض المسلسلات، وبعض المباريات، وبعض قصات الشعر، وبعض ألعاب الكمبيوتر، مع أنهم نشئوا في بيوت مسلمة، وبين آباء وأمهات مسلمين، وربما عاشوا في بيئة إسلامية صالحة، ولم ينشئوا كما نشأ الزبير وطلحة وسعد في بيوت كافرين.

      ولست أدري أين الخلل؟ أين تكمن المشكلة؟

      لا ننكر أن هناك دورًا كبيرًا يقع على فساد الإعلام وفساد التعليم. لكن يقع على كاهلنا أيضًا جزء كبير من هذا الأمر، ولعلنا لا نعطي الشباب وقتًا كافيًا من حياتنا، لعلنا نستقلّ بإمكانيتهم، ونستصغر عقولَهم، ونستقلّ بأفكارهم.

      ودائمًا ما نردد: الولد ما زال صغيرًا. أكمل المرحلة الثانوية وما زال صغيرًا، وانتهت الجامعة وهو صغير، وقد يتزوج وما زال صغيرًا.

      أحيانًا بلوغ العقل عند بعضنا قد يجاوز الأربعين، ولا يعتمد على نفسه، ولا تعتمد عليه أمته إلا بعد أربعين عامًا.

      الأمر يحتاج لعدة وقفات، فالشباب هم قوة كامنة، فلو منحوا تربية وجهدا، بإمكانك أن تأخذ منهم كما أخذ النبي من الزبير وطلحة وسعد وغيرهم من الصحابة.

      نحن نحتاج إلى إعادة تنسيق لأفكارنا وترتيب لأوراقنا وتنظيم لأولوياتنا وأهدافنا بعد دراسة السيرة النبوية، نحتاج إلى إعادة نظر، وإلى وقفة مع أبنائنا.

      نعود إلى الصديق t وحركته في سبيل الله، قد نتخيل أن الصديق t يأخذ قسطًا من الراحة بعد الإنتاج العظيم في يوم واحد، لكن سبحان الله، يبدو أن النشاط يولد نشاطًا، وأن الحركة تولد حركة، وأن العمل يولد عملاً، فالترس الذي لا يعمل يصدأ، في الأيام التالية جاء الصديق بمجموعة جديدة من عمالقة الإسلام، من هم؟

      - أبو عبيدة بن الجراح من بني الحارث بن فهر، أمين هذه الأمة حسنة من حسنات الصديق.

      - عثمان بن مظعون من بني جمح، من كبار الصحابة ومن أوائل المهاجرين إلى الحبشة.

      - الأرقم بن أبي الأرقم من بني مخزوم، ست عشرة سنة.

      - أبو سلمة بن عبد الأسد، زوج أم سلمة من بني مخزوم.

      وعجيب جدًّا أن يأتي الصديق باثنين من بني مخزوم؛ لأن قبيلة بني مخزوم تتنازع لواء الشرف مع قبيلة بني هاشم قبيلة رسول الله ، فكأنه قد أتى باثنين من عقر دار الأعداء.


      كان لدى أبي بكر الصديق قوة إقناع كبيرة جدًّا، وكان للصدق في الدعوة مكانٌ كبيرٌ في قلب أبي بكر الصديق.


      وبعض هؤلاء الصحابة له علاقة مباشرة برسول الله ، وكان من الممكن أن يتركهم الصديق لرسول الله .

      - الزبير بن العوام هو ابن عمة رسول الله السيدة صفية بنت عبد المطلب رضي الله عنها.

      - وأبو سلمة بن عبد الأسد هو ابن عمة رسول الله السيدة برة بنت عبد المطلب.

      - سعد بن أبي وقاص خال النبي .

      لكن الصديق يشعر أن الدعوة دعوته، فهو لا يضيع وقتًا، ولا يضيع فرصة، ومن هنا سبق الصديق.

      ولو شعر كل واحد منا بأن هذا الدين هو دينه وأنه مسئول عنه، وشعر بالغيرة الحقيقية على دين الإسلام كما شعر بذلك أبو بكر الصديق لاستطاع أن يصل بهذا الدين إلى قلب كل إنسان حتى ولو لم يعرفه.


      هذا هو الصديق، وهؤلاء هم المخلصون الذين نتشبه بهم، ونقتفي أثرهم.

      ولم يترك الصديق بيته، فالصديق لا يعاني من المرض الذي يعاني منه كثير من الدعاة، يعلمون الناس الإسلام، ويتركون دعوة أهلهم، وأحوج الناس لهم، والحق تبارك وتعالى يقول في ذلك: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا} [التَّحريم: 6].


      إنما ذهب الصديق إلى بيته وأدخل في الإسلام أهل بيته فدعا زوجته أم رومان وأولاده أسماء وعبد الله فآمنوا، أما السيدة عائشة فولدت في الإسلام، والابن الأكبر عبد الرحمن تأخر إسلامه إلى عام الحديبية.

      - أعتق الصديق غلامه عامر بن فهيرة بعد أن دعاه إلى الإسلام وأسلم.

      - دعا الصديق بلال بن رباح إلى الإسلام فأجاب، ثم اشتراه وأعتقه في سبيل الله.


      حركة دائبة، ونشاط لا يتخلله فتور، هذا هو الصديق .



    • [h=2]وقفات مع استجابة الناس لدعوة الصديق
      [/h]
      [h=3]الوقفة الأولى[/h] لماذا اسْتُجيب للصديق بهذه الصورة؟ المسألة ليست فقط إيجابية وحركة، كثير من المسلمين يتحرك، ومع ذلك لا يستجيب الناس لدعوته، بل إن كثيرًا من المسلمين ينفرون الناس من دين الله، وهم يعتقدون أنهم يتحركون له، حتى قال رسول الله : "يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ مِنْكُمْ مُنَفِّرِينَ".


      لا بد أن الصديق قد اتصف بصفات لازمة لكل داعية جعلت دعوته قريبة إلى قلوب الناس، فإلى جانب الصدق والتواضع والمروءة والعفة، فقد كان يتميز بصفات مهمة ذكرها طلحة بن عبيد الله في يوم إسلامه، يقول طلحة بن عبيد الله أحد حسنات الصديق:


      - كان رجلاً سهلاً محببًا موطأ الأكناف (أي ليّن الجانب)، ليس بالفظِّ ولا بالغليظ.

      - وكان تاجرًا ذا خلق واستقامة.

      والمال فتنة، وكثير من التجار يخسرون الناس بسبب التجارة، ولكن الصديق كان عكس ذلك، كان يكسب الناس بسبب التجارة، كان تاجرًا صدوقًا، بل صديقًا، كان تاجرًا كريمًا، كان تاجرًا رحيمًا، فيه رأفة، فيه أدب، فيه خلق حسن، كيف لا يحبه قومه؟

      - يقول طلحة: وكنا نألفه ونحب مجالسه؛ لعلمه بأخبار قريش وحفظه لأنسابها.

      كان الصديق عالمًا بعلم زمانه، علم الأنساب، وكانت الطبقة المثقفة في مكة ترتاد مجلسه للتباحث في هذا العلم، فالصديق لم يكن يعطي ابتسامة فقط أو مالاً فقط، إنما كان يعطي علمًا كذلك، وكان من أدبه ألا يطعن في أنساب أحد مع علمه بالنقائص في كل نسب، وهذا من حسن خلقه .


      فرجل بهذه الصورة، كيف لا يستجاب له؟!

      إذن الأمر لم يأت من فراغ، ولم تكن مصادفة أن يستجيب هذا العدد العظيم من عمالقة الإسلام إلى الصديق، وإذا كنت تريد حقًّا أن تصبح داعية، فعليك بدراسة سيرة الصديق t.

      [h=3]الوقفة الثانية[/h] هي أن الصديق أتى بهؤلاء، فهل أتينا نحن بأفراد جدد إلى الإسلام؟


      ليس بالضرورة أن نأتي بغير مسلمين إلى الإسلام، وليس بالضرورة أن نأتي برجال أمثال عثمان والزبير، ولكن هل تحركنا للدين؟

      هل وصلت دعوتنا إلى المسلمين غير الملتزمين بالإسلام؟
      هل أتينا إلى المسجد برجل لا يعرف طريق المساجد؟

      هل دفعنا إنسانًا إلى قراءة القرآن بعد هجره السنوات الطوال؟

      هل شرحنا لمسلم حال المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، وقد نسيهم أو تناساهم؟

      هل هذبنا من أخلاق أبنائنا وأصحابنا وشركائنا وزبائننا وجيراننا؟

      هل وصلنا بالدعوة إلى كل من نعرف؟

      مجالات العمل لله لا تُحصى ولا تعد، أبواب الدعوة لا حصر لها، المهم أن يتولد في القلب شعور أنك أنت، وأنت وحدك الذي يحمل هَمَّ الإسلام كله على كتفه، تشعر أنك أنت المسئول، أن القضية قضيتك، وأن المهمة فعلاً مهمتك.


      وهذا هو الدرس الذي نخرج به من قصة الصديق .


      ولو سمعنا قصة الصديق لمجرد التمتع بها، لم نفهم الغرض الرئيسي من هذا البحث، وهو كيف نبني أمة؟



    • [h=1]الإسلام والدعوة إلى الوحدة والمساواة
      [/h]

      [h=2]الدعوة نحو الوحدة وجمع الشمل
      [/h]
      تزايد عدد المسلمين، والقاعدة الأصيلة التي تحكم الاختيار هي: خيارهم في الجاهليّة خيارهم في الإسلام إذا فقهوا.

      ولم تكن تحكمهم أي قاعدة من القواعد التي اخترعها الناس للتفرقة بين الناس؛ لأن القواعد التي اخترعها الناس قواعد ظالمة، والله عادل، وعدله مطلق لا ظلم فيه، ولا تكون المفاضلة بين الناس إلا بأمور يستطيعون تغييرها، ولذلك يقول الله : {إنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات: 13].



      والتقوى شيء مكتسب، تستطيع أن تتحول من غير تقي إلى تقي، وكذلك الأخلاق الحسنة، فالأخلاق الحسنة شيء مكتسب، وإن كان لها جذور فطرية، أحيانًا يكون الإنسان مجبول على الصدق، مجبول على الكرم، لكنها في النهاية شيء مكتسب، تستطيع إذا أردت أن تتحول من كاذب إلى صادق، من خائن إلى وفيّ، من جبان إلى شجاع.

      كذلك الكفاءة: تستطيع أن تكتسب مهارة ما أو حرفة ما، فتفضل بها غيرك، ومن الأشياء الخطيرة في الإسلام أن يوسد الأمر لغير أهله، لمن تنقصه الكفاءة، لذلك ففي هذه المرحلة الحساسة من تاريخ الدعوة لم يكن الرسول ينتقي الناس بقواعد لا دخل لهم فيها، فلا تجوز التفرقة على أشياء لا دخل لهم فيها؛ فعلى سبيل المثال: لم يكن هناك فرق بين الأحرار والعبيد.


    • الدعوة نحو السواسية




      الكل أولاد آدم ، الكل سواسية، بل قد يسبق العبد الحر في مجال الأخلاق والتقوى والكفاءة، ولذلك وجه رسول الله دعوته إلى العبيد كما وجهها إلى السادة، وهذا شيء مستغرب جدًّا في البيئة المكية القديمة، وهو مستغرب إلى الآن.


      تخيل دعوة تدعو الوزير للجلوس إلى جوار الغفير، بل قد يقدم الغفير على الوزير إذا كان أعلم وأكفأ وأقدر على إدارة الأمور، لم يعط قانون ولا دستور للإنسان حقه مثلما فعل الإسلام.

      ها نحن نرى في الأوائل الذين أسلموا تباينات عجيبة، فكما رأينا من الأشراف أبا بكر الصديق وسعد بن أبي وقاص والزبير بن العوام وعثمان بن عفان وسعد بن زيد وغيرهم وهؤلاء من أشراف مكة، رأينا كذلك العبيد والموالي أمثال بلال وعامر بن فهيرة وزيد بن حارثة وغيرهم، وليس هذا إلا في دين الإسلام.

      لم يكن هناك فرق بين الغني والفقير.

      فالمال لا يصلح للمفاضلة بين الناس، والله يرزق من يشاء بغير حساب، فالأوائل الذين أسلموا كان فيهم الأغنياء واسعو الثراء، كالصديق وعبد الرحمن بن عوف وعثمان بن عفان، وكان منهم الفقراء شديدو الفقر مثل عبد الله بن مسعود وعمار بن ياسر وسميّة بنت خياط وخباب بن الأرت.

      ولكن هناك معلومة مهمة تأتي على عكس ما يتكلم به الكثيرون، فمعظم الدارسين للسيرة يعتقدون أن غالبية المسلمين كانوا من الفقراء البسطاء، ولكن بالتحليل الدقيق لكل شخصية من المسلمين الأربعين الأوائل، نجد أن الفقراء كانوا ثلاثة عشر، بينما كان الأغنياء سبعة وعشرين.

      إذن لم تكن ثورة من الفقراء على الأغنياء، كما يصور بعض الاشتراكيين من المسلمين ليأخذوا سندًا شرعيًّا لاشتراكيتهم، الوضع كان على خلاف ذلك تمامًا، الأغنياء سعوا إلى هذا الدين الرائع، مضحين بثرواتهم، ومُعرّضين أنفسهم للفقر الشديد، وليس أبلغ من الأمثلة الإسلامية الرائعة كأبي بكر الصديق، الذي كان من أغنى الأغنياء، ثم أصبح لا يمتلك شيئًا بعد إسلامه، ومصعب بن عمير الذي كان من أغنى شباب مكة فأصبح من أشدها فقرًا وضنكًا وحاجة، لم تكن ثورة على الأغنياء، ولم يكن هناك أدنى فرق بين الغني والفقير.

      لم يكن هناك فرق بين العرب وغير العرب.

      وما ذنبي أني ولدت في مصر أو باكستان أو الهند، المهم التقوى والأخلاق والكفاءة.

      دعوة الإسلام ليست دعوة قومية، حتى في هذه البيئة التي تفتخر جدًّا بعربيتها، فقد ضمت هذه الدعوة بلالا الحبشي وصهيبا الرومي، وستضم مستقبلاً سلمان الفارسي، وسيدخل بعد ذلك كل العرقيات من فرس ورومان وسلاجقة وأتراك وأكراد وغيرهم، لا فَرْقَ بَيْنَ عَرَبِيٍّ وَلا عَجَمِيٍّ إِلا بِالتَّقْوَى.

      لم يكن هناك فرق بين الرجل والمرأة.

      وهنا وقفة في غاية الأهمية، فإلى الذين يتكلمون عن الإسلام وظلمه للمرأة، عليهم مراجعة التاريخ وقوانين الإسلام مرة أخرى.

      تخيل الانقلاب الذي أحدثه الإسلام في حياة أهل مكة، تخيل مدى التحول الرهيب الذي أحدثه الإسلام في أهل مكة، تخيل كيف نقل الإسلام في يوم وليلة أهل مكة من رجال يستحقرون النساء ويستقلون شأنهم ويهمشون أدوارهم ولا يعطونهم شيئًا من الميراث، بل يرث الرجل زوجة أبيه إذا مات، ومن رجال يئدون بناتهم ويحزنون لولادتهم، تخيل التحول من هذه الحال إلى الوضع الجديد الذي تُدْعى فيه نساء مكة إلى الإسلام كما يُدعى الرجال، حتى يصبح ربع الرعيل الأول من النساء.

      تخيل أن في هذه المرحلة الحرجة من الدعوة، وفي ظل هذا التكتم الشامل والسرية التامة يعظم الرسول جدًّا من قيمة النساء ومن قيمة عقولهن، ويثق في إدراكهن لخطورة الموقف، ويعلم عن يقين احتياج الدعوة لهن، ليقفن عونًا لأزواجهن المسلمين، وليربين أبناءهن على الإسلام، وليقمن الدعوة في أوساط النساء، وليتحركن بالدين كما يتحرك الرجال.

      كل هذا الانقلاب والتحول في يوم وليلة.

      الفارق بين حياة الجاهلية بقوانينها الظالمة وأحكامها الجائرة، وبين العدل المطلق الذي جاء به الإسلام كان مجرد لحظات.

      نزل الأمر الإلهي {قُمْ فَأَنْذِرْ} [المدَّثر: 2]، فقام الرسول لينذر الرجال والنساء، قام ليحكم الأرض بقانون السماء. وصدق الرسول إذ يقول: "إِنَّمَا النِّسَاءُ شَقَائِقُ الرِّجَالِ".

      كذلك لم يكن هناك فرق بين قبيلة وأخرى.

      وهذا أيضًا مستغرب جدًّا في هذا المجتمع القبلي، الذي طالما دارت فيه الحروب بين القبائل على أتفه الأسباب. فبعد الإسلام إذا بالرجال من القبائل المختلفة يجتمعون معًا، ويضع بعضهم يده في يد الآخر، ويؤلف الله بين قلوبهم حتى يحاربوا غيرهم، وإن كانوا من نفس قبائلهم، وحتى يصبح الأنصاري أقرب إلى قلب مصعب بن عمير من أخيه الذي هو من أمه وأبيه.

      رأينا في الرعيل الأول مسلمين من بني هاشم وآخرين من بني مخزوم على العداوة المشهور بينهما. رأينا مسلمين من كل بطون قريش، من بني تيم وبني سهم وبني أسد وبني الحارث.

      الدعوة الإسلامية كانت إعلانًا لحقوق الإنسان أعظم ألف مرة من الإعلان الذي جاء بعد ذلك بثلاثة عشر قرنًا من الزمان.


      كان هذا إعلانًا من رب العالمين، أن الناس سواسية كأسنان المشط، بدأ الرسول بهذا الإعلان، وأنهى حياته في خطبة الوداع بنفس الإعلان.

      كل هذا العدد، وكل هذا العمل، وكل هذه الدعوة في سرية تامة، واستمرت هذه السرية لمعظم الأفراد حتى بعد الإعلان النبوي الذي سيحدث بعد ثلاث سنوات من البعثة عندما يقف فوق جبل الصفا.

      وكان رسول الله حريصًا كل الحرص على الحفاظ على كل واحد من أفراد جماعته المؤمنة، سواء كان عبدًا أو كان حرًّا، سواء كان قرشيًّا أو غير قرشي، وسواء كان من قدماء الصحابة أو حديثي الإسلام.

    • الرحلة متواااصلة أخواااني فنالك المزيد والمزيد من المعلوماااات عن حياااة الرسول صلى الله عليه وسلم
      لذا
      تابعونااا لحضة بلحضة
      //
      \\
      وفقني الله وأيااكم لما فيه صلاح للأسلام والمسلمين
    • اللهم صل وسلم وبارك على حبينا وسيدنا محمد وعلى آل سيدن محمد كما صليت وسلمت وباركت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدا إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد ،،،
      بارك الله فيك أخي فخر ،،،،،،لا أدري مااا أقول أمااام ما ننتهله ونستقيه هنااا من قصص وسرد متوااصل في كل يوم عن حبيبنا المصطفى وحياته وعن الدين الاسلامي وتوسعه وإنتشاره،،،
      سطور وصفحات كانت ولا زالت تتدفق وتنبض بخير الكلام والسير لأشرف خلق الله أنبياءه ورسله صلوات الله عليهم اجمعين ،،،،
      فخر السلطنة جزاك المولى جناته وأفاض عليك بحور من رزقه وبركااته ،،،،
      حقاا إنجااز كبير ما قمت به هناا ،،، وواصل ما بدأت به وفقك الله وسدد خطاك ،،،

      ‏​‏​الاستغفار قصہ طويلہ بدايتها الدنيا و نهايتها الجنہ استغفراللّه العظيم الذي لاإله إلا هو الحي القيوم واتوب اليہ ..
    • العبق كتب:

      اللهم صل وسلم وبارك على حبينا وسيدنا محمد وعلى آل سيدن محمد كما صليت وسلمت وباركت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدا إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد ،،،
      بارك الله فيك أخي فخر ،،،،،،لا أدري مااا أقول أمااام ما ننتهله ونستقيه هنااا من قصص وسرد متوااصل في كل يوم عن حبيبنا المصطفى وحياته وعن الدين الاسلامي وتوسعه وإنتشاره،،،
      سطور وصفحات كانت ولا زالت تتدفق وتنبض بخير الكلام والسير لأشرف خلق الله أنبياءه ورسله صلوات الله عليهم اجمعين ،،،،
      فخر السلطنة جزاك المولى جناته وأفاض عليك بحور من رزقه وبركااته ،،،،
      حقاا إنجااز كبير ما قمت به هناا ،،، وواصل ما بدأت به وفقك الله وسدد خطاك ،،،



      الشكر لكم اختي العبق ،، انتم من ساندني بهذا الموضوع الذي استمتع بكل حرف اضعه هنااا
      انه لشرف لي ان انقل المعلوماااات عن أخير من اصطفاااهم الله تعالى على هذه البشرية
      //
      \\
      من لا يفخر وهو يتكلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ..
      اللهم أحشرنا في زمرة الصحااابة والانبياااء والتابعين ومن ناصرهم
      اللهم آمين

      وسلامي لقلبج

    • [h=1]التربية الأمنية في حياة رسول الله
      [/h]


      [h=2]قصة إسلام عمرو بن عبسة
      [/h]تأتي روايات قيمة تبين لنا الحذر النبوي، وكيف تأثر الصحابة بمنهجية رسول الله في التربية الأمنيّة لأصحابه:

      سمع عمرو بن عبسة بأمر رسول الله ، وعمرو بن عبسة من قبيلة أسلم، وهو ليس من أهل مكة، وكونه سمع بأمر الرسول من بعيد فهذا يدل على أن سماع عمرو بن عبسة بأمر رسول الله كان متأخرًا، بعد إعلان رسول الله لأمر الدعوة. يقول عمرو بن عبسة :
      "فقعدت على راحلتي، فقدمت عليه، فإذا رسول الله مستخفيًا" (أي أن الرسول لم يكن يُعلِّم أصحابه علانية، بل يستخفي في تربيتهم، ولكنه لم يكن يستخفي بدعوته للعامة، بل كان يحدثهم في بيت الله الحرام، هذا طبعًا بعد إعلان الرسول للدعوة). يقول عمرو بن عبسة يصف حال الرسول : "جُرَآءُ عَلَيْهِ قَوْمُهُ".
      وهذا دليل أيضًا على أنه بعد الإعلان؛ لأن قريشًا لم تكن تؤذي الرسول قبل إعلان دعوته.


      يقول عمرو بن عبسة: "فتلطفت (توجهت إليه سرًّا) حتى دخلت عليه مكة، فقلت له: ما أنت؟ قال: أَنَا نَبِيٌّ. فقلت: وما نبي؟ قال: أَرْسَلَنِي اللَّهُ.


      فقلت: وبأي شيء أرسلك؟ قال: أَرْسَلَنِي بِصِلَةِ الأَرْحَامِ، وَكَسْرِ الأَوْثَانِ، وَأَنْ يُوَحَّدُ اللَّهَ لاَ يُشْرَكُ بِهِ شَيْءٌ. قلت له: فمن معك على هذا؟ (وكان مع النبي في ذلك الوقت أكثر من ستين صحابيًّا) فقال: حُرٌّ وَعَبْدٌ. يقول عمرو بن عبسة: ومعه يومئذ أبو بكر وبلال ممن آمن به. (أراد رسول الله أن يأخذ بالحيطة والحذر، فلا يخبر عن بقية أصحابه إلى أن يستوثق من أمر عمرو بن عبسة، وخاصة أن عَمْرًا ليس من مكة، وتاريخه مجهول بالنسبة للرسول ، لكن من المؤكد في هذه المرحلة من الدعوة أن الرسول كان معه عدد كبير من الصحابة جاوز الستين، ومن المؤكد أيضًا أن هناك الكثير قد أسلم قبل بلال، لكنه آثر التكتم والحذر، مع أنه لو أخبر عمرًا أن معه عددًا كبيرًا فقد يكون هذا دافعًا له للإيمان، ولكن الاحتياطات الأمنية عند رسول الله تسبق كثرة الأنصار والأتباع).


      ومع أنه قال له: معي حر وعبد، إلا أن الله ألقى الإسلام في قلب عمرو بن عبسة t فقال: إني متبعك (يقصد أنه سيبقى معه في مكة ويتبعه على الإسلام). لكن رسول الله الفقيه بأمور المرحلة الحساسة التي تمر بها الدعوة قال له: "إِنَّكَ لا تَسْتَطِيعُ ذَلِكَ يَوْمَكَ هَذَا، أَلاَ تَرَى حَالِي وَحَالَ النَّاسَ، وَلَكِنِ ارْجِعْ إلى أَهْلِكَ، فَإِذَا سَمِعْتَ بِي قَدْ ظَهَرْتُ فَأْتِنِي".

    • إنه فقه عالٍ جدًّا، كان من الممكن أن يفرح الرسول بإسلامه، ويضمه إلى جماعته، ولكن عمرو بن عبسة ليس من مكة، وسوف يُضْطهد أشد الاضطهاد، ولا يدافع عنه أحد، فهنا يضحي رسول الله بالنصرة التي ستأتي من وراء عمرو ببقائه، ويضحي أيضًا بالعلم الذي قد يحصله عمرو ببقائه في مكة نظير أن يُؤَمِّن حياة عمرو، ويحفظه لمرحلة قادمة قد تكون الدعوة أحوج إليه.
      كما أن عَمْرًا عندما يذهب إلى قبيلته أسلم، فإنه -ولا شك- سيحدّث أهله وأحبابه هناك بأمر الإسلام، وسيأتي بأقوام كان من الصعب على رسول الله أن يصل إليهم في هذه المرحلة، فهذا أدعى إلى انتشار الإسلام في وقت أسرع.



      كل هذه التدابير لا تنافي مطلقًا إيمان رسول الله التام بالقدر، وأن ما أصابه ما كان ليخطئه، وما أخطأه ما كان ليصيبه، ولكنه يأخذ بالأسباب، ويعلمنا كيف نأخذ بالأسباب في كل مرحلة من مراحل الدعوة، وقد عاد فعلاً عمرو بن عبسة إلى قومه، إلى قبيلة أسلم، وكان له دور كبير في إسلام أفرادها، وأتى إلى رسول الله في المدينة عندما ظهر أمر رسول الله هناك، فانظر إلى عمرو بن عبسة كيف حول نقطة الضعف عنده -وهي أنه ليس مجيرًا أو نصيرًا في مكة- إلى نقطة قوة للدعوة، فعمل في مكان آخر حتى حان وقت الالتقاء برسول الله في المدينة، وهكذا الداعية الصادق لا يعرف الفتور ولا السكون ولا الراحة.



    • [h=2]قصة إسلام أبي ذر الغفاري
      [/h]

      وشبيه بقصة عمرو بن عبسة ما حدث مع أبي ذر الغفاري .


      وأبو ذر هو جندب بن جنادة من قبيلة غفار، وهي قبيلة أيضًا خارج مكة، وأيضًا هو رجل غير معروف بمكة ومن ثَمَّ فلا يُؤْمن جانبه، ولا يمكن كشف أوراق المسلمين كلها أمامه، وفوق ذلك فهو من قبيلة اشتهرت بقطع الطريق فوضعه من الخطورة بمكان.


      سمع أبو ذر بأمر رسول الله فجاء إلى مكة يسأل عن رسول الله ، وجلس فترة في بيت الله الحرام ينتظر الفرصة ليقابل رسول الله ، وكان واضحًا أن الرسول لا يجلس مع أصحابه علنًا وإلا ذهب إليه مباشرة، فجلس أبو ذر ينتظر.

      كان علي بن أبي طالب قد أصبح شابًّا، مما يدل على أن هذه الرواية كانت بعد البعثة بست أو سبع سنين على الأقل، ولكن كانت التربية ما زالت سرية، فعندما رأى علي بن أبي طالب أبا ذر الغفاري علم أنه غريب، وقد شك علي بن أبي طالب في أمر الرجل، أتراه جاء يسأل عن الإسلام، أم هو عين على رسول الله وأصحابه؟


      في البداية لم يسأله عليٌّ عن شيء، وإنما مر عليه فقط دون كلام، وهكذا مرَّ اليوم الأول والثاني، وفي اليوم الثالث ذهب إليه وكلمه قائلاً له: ألم يجد الرجل حاجته بعد؟ ثم أخذه معه إلى بيته وضيفه وعاد به إلى الحرم، دون أن يسأله عن شيء، علي بن أبي طالب t يأخذ جانب الحذر لكن يريد أن يعطي أبا ذر الأمان حتى يتكلم بحرية، وأحس أبو ذر بالأمان ناحية علي بن أبي طالب، فسأله عن رسول الله ، وأحس علي بن أبي طالب بالصدق في لهجة أبي ذر، فقرر أن يأخذه إلى رسول الله ، ولكنه أراد ألا يراهم أحد حتى لا يتم تتبعهم، ويُعرف مكان رسول الله الذي سيجتمع فيه مع أبي ذر، فتأتي قريش وتفسد اللقاء، أو تعرف بإسلام أبي ذر وتؤذيه، والرجل ليس من أهل مكة، فأخذه علي بن أبي طالب في خفية وحذر، ولم يمش إلى جانبه، بل سار أمامه وجعل أبا ذر يتبعه من بعيد، ثم قال له كلمة توضح حذره واحتياطه.


      قال علي: "إن رأيتُ شيئًا أخاف عليك، قمت كأني أريق الماء" (أي أتبول). وفي رواية: "كأني أصلح نعلي".


      فلو رأى أبو ذر ذلك فليمض في طريقه ولا يتبع عليًّا؛ لأن الظروف لن تكون مواتية. وسار بالفعل علي بن أبي طالب ، وسار خلفه أبو ذر حتى ذهبوا إلى رسول الله ، أين ذهب علي بأبي ذر؟ لقد ذهب به إلى مقابلة رسول الله في البيت الحرام أثناء الطواف ليلاً، لم يذهب به إلى دار الأرقم بن أبي الأرقم فهو لم يطمئن إليه بعدُ، وفي الوقت ذاته فإن اللقاء في الليل يقلل من فرصة اكتشاف الموعد.


      وعندما قابل رسول الله أبا ذر سأله أولاً: مِنْ أَيْنَ؟ فقال أبو ذر: من غفار. فهنا شعر الرسول بالقلق، فغفار قبيلة قطاع طرق، وقد يكون أمر أبي ذر غير مأمون، وبلغ القلق برسول الله أن وضع يده على وجهه، حتى قال أبو ذر: فقلت في نفسي: كره أن انتميت إلى غفار. لكن على كل حال، بَلَّغه الرسول الدعوة وعلمه الإسلام، فهو لم يكن يترك أحدًا أبدًا دون دعوة، وسبحان الله! أسلم أبو ذر ليتحول مجرى حياته مائة وثمانين درجة، وليصبح بدلاً من الرجل المجهول المنتمي إلى قبيلة قطاع الطرق، يصبح الرجل الصحابي الجليل أبا ذر الغفاري .


      وهنا أمره رسول الله كما أمر بذلك عمرو بن عبسة بالتكتم والتخفي، لكن في اليوم الثاني، ومن شدة فرح أبي ذر بالدين الجديد، ومن شدة حماسته لنشره، وقف في وسط البيت الحرام يعلن إسلامه ويدعو الناس إليه، وهذا عكس ما أراد الرسول لأنه ليس وقت المواجهة، وأبو ذر رجل وحيد، وخسارته لن تقدم الدعوة، ولن تصيب الكافرين، وحدث ما كان يخشاه رسول الله واجتمع أهل مكة على أبي ذر يضربونه، حتى أخبرهم أحد الرجال أنه من قبيلة غفار، وأنهم لو علموا بضربه في مكة فسيقطعون الطريق على قوافل قريش، فعندها كف القوم عن ضربه.


      عاد أبو ذر إلى قبيلته كما أمره الرسول ودعا فيها بدعوة الإسلام وكانت دعوته شاقة جدًّا، فهو يدعو في مجموعة من اللصوص وقطاع الطريق، ولكن الله شاء لهم الهداية، وشاء له التوفيق، فآمنت نصف غفار وجاء بها أبو ذر إلى المدينة بعد الهجرة، وسُرّ بها رسول الله سرورًا عظيمًا حتى قال : "غِفَارٌ غَفَرَ اللَّهُ لَهَا".



    • [h=2]التربية الأمنية في دار الأرقم بن أبي الأرقم
      [/h]

      من مظاهر السرية العجيبة في ذلك الوقت أيضًا اجتماع الرسول والصحابة في دار الأرقم بن أبي الأرقم ثلاث عشرة سنة دون أن يكتشف أمرهم.


      مكة بلد صغير، وصغير جدًّا، وأهلها جميعًا يعرف بعضهم بعضًا، فكيف يأخذ المسلمون الحذر حتى لا يعرف أحدٌ مكانهم بهذه الصورة العجيبة، إنه حقًّا أمر يدعو إلى الدهشة، فلم نسمع عن مداهمة واحدة من كفار قريش للمسلمين في دار الأرقم.

      ولعل سائلاً يسأل: لماذا دار الأرقم بن أبي الأرقم بالذات؟ لماذا لم يجتمعوا في بيت رسول الله أو في بيت أحد الصحابة الآخرين؟

      إن التفكر في هذا الأمر يوضح لنا مدى الفقه الأمني عند رسول الله ، ومدى الوعي والفهم العميق لظروف المكان الذي يمارس فيه الرسول دعوته.

      أولاً: الأرقم لم يكن معروفًا بإسلامه، فلن تتم مراقبة بيته من قريش، أما الرسول أو الصحابة الذين اكتشف أمرهم فلا تصلح بيوتهم لهذا الأمر.


      ثانيًا: الأرقم من بني مخزوم، وهي القبيلة المتنازعة دائمًا مع بني هاشم، فرسول الله وكأنه يجتمع في عقر دار العدو، ولن يخطر ذلك أبدًا على أذهان زعماء أهل مكة.


      ثالثًا: الأرقم كان بيته بعيدًا عند الصفا، لم يكن في قلب المدينة، ولم يكن هناك كثير من المارة في هذه المنطقة. ولم يكن هناك بيوت كثيرة حول بيت الأرقم يمكن أن يستخدمها أهل قريش للمراقبة.


      رابعًا: الأرقم كان يبلغ من العمر ستة عشر عامًا فقط -الصف الأول أو الثاني من المرحلة الثانوية- فهو شاب صغير ولن يشك فيه أهل مكة، قد يعتقد أهل مكة أن الرسول سيعقد اجتماعاته في بيت رجل من كبار صحابته، في بيت أبي بكر الصديق، أو في بيت عثمان بن عفان، أو في بيت عبد الرحمن بن عوف، ولم يكن يدور بخلدهم أن تكون تلك الاجتماعات الخطيرة في بيت هذا الشاب الصغير، هذا احتمال بعيد جدًّا عن أذهان أهل قريش.


      وسبحان الله! الإنسان يتعجب من قوة بأس الأرقم الذي أخذ على عاتقه هذه المهمة الخطيرة للغاية، أن يجعل من بيته مقرًّا لاجتماعات الرسول وأصحابه، مع العلم أنه لو اكتشف أمره فقد تكون نهايته، وبالذات أن زعيم بني مخزوم (قبيلة الأرقم) هو أبو جهل -لعنه الله- فرعون الأمة، وأعتى أهل قريش على المسلمين، فرضي الله عنك يا أرقم، وجزاك عن الإسلام والمسلمين خيرًا.



    • كبير ما تقوم به ، أعانك و وفقك الله تعالى لما تسعى له
      شكوت إلى وكيع سوء حفظي فأرشدني إلى ترك المعاصي وأخبرني بأن العلم نور ونور الله لا يُهدى لعاصي
    • [h=1]تربية الصحابة في دار الأرقم بن أبي الأرقم
      [/h]

      [h=2]منهج التربية في دار الأرقم
      [/h]
      من أبلغ النماذج الدالة على مدى الحذر الأمني والتربية الأمنية التي كان رسول الله يتبعها مع أصحابه في هذه المرحلة الحرجة من الدعوة، هو تربيته للصحابة الأوائل في دار الأرقم بن أبي الأرقم.

      وهنا سؤال من الأهمية بمكان ألا وهو: ما المنهج الذي كان رسول الله يربِّي عليه أصحابه في هذه الفترة في دار الأرقم؟

      أولاً: كان هذا المنهج صافيًا جدًّا، المصدر الوحيد للتلقي هو القرآن والحديث الشريف لرسول الله ، وبذلك يكون التأسيس متينًا سليمًا نظيفًا صالحًا، لا اضطراب فيه ولا غموض.


      ثانيًا: كان المنهج بسيطًا جدًّا، لم تكن هناك تفريعات كثيرة ولا شرائع متعددة.


    • الدال على الخير كتب:

      كبير ما تقوم به ، أعانك و وفقك الله تعالى لما تسعى له


      اهلا اخي العزيز الدال على الخير ،،
      شكرا لك ولمتابعتك الجميلة للموضوع ،،

    • [h=2]المنهج النظري
      [/h]

      فالمنهج النظري كان يشتمل في الأساس على ثلاثة أمور:

      [h=3]التربية بالعقيدة
      [/h]
      أي بناء العقيدة الصحيحة والاهتمام بالجانب الروحي وتعميق البعد الإيماني، فلا بد أن يعرف المؤمنون في هذه المرحلة ربهم جيدًا، لا بد أن يعرفوا رسولهم، لا بد أن يعرفوا كتابهم، ولا بد أن يعرفوا اليوم الآخر بتفصيلاته.

      وهذه قواعد أساسية لبناء قاعدة صلبة.

      نزلت السور التي تتحدث عن صفات الله وقدرته وعظمته وجبروته ورحمته وتتحدث عن كونه وخلقه وإعجازه، الكثير من السور تناول هذا المجال مثل سورة الأنعام، ونزلت السور التي تتحدث عن يوم القيامة بتفصيلاته، مثل سور التكوير والانفطار والانشقاق والقارعة والحاقة والقيامة وق وغيرها، ونزلت السور التي تتحدث عن الجنة والنار مثل الواقعة والدخان والنبأ والرحمن.


      [h=3]التربية بالأخلاق الحميدة[/h] أي تعميق القيم الأخلاقية في المجتمع المسلم، وتزكية النفوس، وتطهير القلوب من المعاصي والآثام، وتعظيم مكارم الأخلاق وربطها دائمًا برضا الله وبالجنة.

      فخرج المسلمون من هذه المرحلة وهم يعظمون الصدق والأمانة والكرم والعدل والمروءة والرحمة والعفة وطهارة اللسان والعين والأذن وكل الجوارح.

      وهذه أمور لا تصلح أمة بغيرها، حتى قصر رسول الله دعوته عليها فقال: "إِنَّمَا بُعْثِتُ لأُتَمِّمَ مَكَارِمَ الأَخْلاقِ".


      [h=3]التربية بالتاريخ[/h] أي قصص السابقين من الصالحين والفاسدين، قصص الأنبياء وماذا فعل معهم أقوامهم، وماذا كان رد فعل المؤمنين، وكيف كانت النتيجة في النهاية.

      أمر في غاية الأهمية في هذه المرحلة؛ لأن لله سننًا لا تتبدل ولا تتغير، نراها في القديم ونراها في الحديث وستكرر في المستقبل، فدراسة التاريخ تجعلك وكأنك ترى المستقبل، وهي نعمة كبيرة لأهل الدعوة، لذلك نجد أن هذه الفترة، أو الفترة المكيّة عمومًا قد حفلت بالسور المليئة بالقصص مثل الأعراف والشعراء وهود والقصص وسبأ والنمل وغافر وغيرها. وهو درس لا ينسى لمن أراد أن يبني الأمة بناءً راسخًا.


      كان هذا هو الجانب النظري من المنهج النبويّ في تربية الصحابة.



    • المنهج العملي




      أما المنهج العملي فكان يشتمل أيضًا -في رأيي- على ثلاثة أمور رئيسية ومعها أمور أخرى:
      التربية بالصلاة


      فالصلاة: هي عمود الدين ومن أقامها فقد أقام الدين ومن هدمها فقد هدم الدين، ومن أوائل أيام الدعوة، والصلاة مفروضة على المسلمين، ولكنها كانت ركعتين قبل الشروق وركعتين قبل الغروب، ولم يتم فرض الخمس صلوات إلا في حادث الإسراء والمعراج في أواخر الفترة المكية.

      التربية بقيام الليل



      فقيام الليل هو أمر مهم جدًّا في بناء الداعية الصادق، والمسلم المخلص، لدرجة أن الله فرضه على المؤمنين عامًا كاملاً متصلاً، حتى تفطرت أقدامهم، ثم جعله الله بعد ذلك نافلة، وهؤلاء الذين أسلموا في العام الأول هم الذين حملوا الدعوة تمامًا على أكتافهم، فمدرسة الليل من أعظم المدارس الإيمانية، وأولئك الذين حملوا الدعوة بعد هذا العام ما كانوا يتركون القيام أبدًا مع أنه قد أصبح نافلة.

      التربية بالدعوة إلى الله

      فالدعوة إلى الله كانت مهمة جدًّا للتعريف بهذا الدين ولضم أفراد جدد، وكانت مهمة الدعوة ملقاة على عاتق كل المؤمنين، كُلٌّ بحسب الدوائر التي يستطيع أن يصل إليها، وكانوا بالطبع يبدءون بأهلهم، فمعظم المتزوجين جاءوا بزوجاتهم، وبذلك تم بناء الكثير من الأسر المسلمة في أول أيام الدعوة، وكان لهذا الأمر أعظم الأثر في استمرار المسيرة بثبات.

      هل استطاعت قريش أن تكتشف أمر الدعوة في تلك الفترة؟

      الواقع أنه مع كل الحذر والاحتياط إلا أن قريشًا اكتشفت الأمر، فشاهدت بعض المسلمين يصلون صلاة لم يعتادوها، فعرفت أنهم على دين جديد، شاهد رجل كان يجلس مع العباس عم الرسول -وكان العباس مشركًا في ذلك الوقت- شاهد رسول الله يصلي هو وزوجته السيدة خديجة رضي الله عنها، فسأله عن ذلك، فقال العباس: إنه يزعم أنه يأتيه الوحي من السماء.

      وكذلك شاهد أبو طالب ابنه عليًّا ورسول الله يصليان، ولا شك أن هناك بعض القبائل قد شاهدت أبناءها وهم يصلون أو يقرءون القرآن الكريم، ولكن سبحان الله! مع كل هذه المشاهدات، ومع كل هذا الإدراك لأمر الإسلام لم تعترض قريش بالمرة في هذه المرحلة، بل لم تُعِرْهُ أي اهتمام، والمرء قد يتعجب لذلك عندما يرى حال قريش بعد ذلك عند إعلان الدعوة، لكن هذا الشيء طبيعي تمامًا، فقريش لا مانع عندها من أن يعبد كل إنسان ربه الذي يريد في بيته، وكانت قريش ترى رجالاً قبل ذلك على هذا المنهج فلا تهتم بهم أمثال أمية بن أبي الصلت وزيد بن عمرو بن نفيل وكانوا من الحنيفيين، أو ورقة بن نوفل وكان نصرانيًّا.

      لكن أن يجاهر الدعاة بدعوتهم ويدعون إلى تسفيه الأصنام والقوانين الوضعية التي وضعها أهل مكة وبدلوا كلام الله بها، فهذا ما لا تريده قريش. إن مبدأ قريش الواضح كان "دع ما لقيصر لقيصر وما لله لله"، أما أن يأتي دين يتدخل في كل صغيرة وكبيرة في منظومة الأرض، وفي حياة الإنسان والمجتمع فهذا ما ترفضه قريش بالكُلِّيَّة.


      إذن في هذه المرحلة ترك القرشيون المسلمين دون تعليق، ولكن في المرحلة القادمة، وبعد ثلاث سنوات من الدعوة السرية، سيجهر رسول الله بدعوته في وسط مكة، ويعلن توحيده لله رب العالمين، ونبذه للأصنام والأوثان.

      تُرى، ما الذي سيفعله رسول الله ؟ وما ردُّ فعل أهل مكة؟ وكيف سيحاربون الدعوة؟ وما ردُّ فعل المؤمنين؟



    • هَكَذَا كَانَ مُحَمَّدٌ صَلَّىَ الْلَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ . . "آخــي لآهنت"إضــآفةةة قرـأته..

      هَكَذَا كَانَ مُحَمَّدٌ صَلَّىَ الْلَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ . .
      - مُحَمَّدُ صَلَّىَ الْلَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ مَا عَابَ شَيْئَا قَطُّ .
      - مُحَمَّدُ صَلَّىَ الْلَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ مَا عَابَ طَعَاما قَطُّ ؛ إِنَّ اشْتَهَاهُ أَكَلَهُ وَ إِلَّا تَرَكَهُ .
      - مُحَمَّدُ صَلَّىَ الْلَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ يَبْدَأُ مِنْ لَقِيَهُ بِالْسَّلَامِ .
      - مُحَمَّدُ صَلَّىَ الْلَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ يُجَالِسُ الْفُقَرَاءِ .
      - مُحَمَّدُ صَلَّىَ الْلَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ يَجْلِسُ حَيْثُ انْتَهَىَ بِهِ الْمَجْلِسُ .
      - مُحَمَّدُ صَلَّىَ الْلَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ كَانَ أَجْوَدَ الْنَّاسِ .
      - مُحَمَّدُ صَلَّىَ الْلَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ أَشْجَعَ الْنَّاسِ .
      - مُحَمَّدُ صَلَّىَ الْلَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ أَشَدَّ حَيَاءً مِنْ الْعَذْرَاءِ فِيْ خِدْرِهَا .
      - مُحَمَّدُ صَلَّىَ الْلَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ مَا سُئِلَ شَيْئا فَقَالَ: ' لَا ' .
      - مُحَمَّدُ صَلَّىَ الْلَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ كَانَ يِصْبِرْ عَلَىَ الْأَذَى .
      - مُحَمَّدُ صَلَّىَ الْلَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ يَتَبَسَّمُ فِيْ وَجْهِ مُحَدِّثُهُ ، وَ يَأْخُذُ بِيَدِهِ ، وَ لَا يَنْزِعُهَا قَبْلِهِ .
      - مُحَمَّدُ صَلَّىَ الْلَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ يُقَبِّلُ عَلَىَ مَنْ يُحَدِّثُهُ ، حَتَّىَ يَظُنَّ أَنَّهُ أَحَبَّ الْنَّاسُ إِلَيْهِ .
      - مُحَمَّدُ صَلَّىَ الْلَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ مَا أَرَادَ أحَدٌ أَنْ يَسُرَّهُ بِحَدِيْثٍ، إِلَا وَ اسْتَمِعْ إِلَيْهِ بِإِنْصَاتٍ .
      - مُحَمَّدُ صَلَّىَ الْلَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ يَكْرَهُ أَنْ يَقُوْمَ لَهُ أَحَدُ ، كَمَا يُنْهَى عَنِ الْغُلُوِّ فِيْ مَدْحِهِ .
      - مُحَمَّدُ صَلَّىَ الْلَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ إِذَا كَرِهَ شَيْئا عُرِفَ ذَلِكَ فِيْ وَجْهِهِ .
      - مُحَمَّدُ صَلَّىَ الْلَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ مَا ضَرَبَ بِيَمِيِنِهِ قَطُّ إِلَا فِيْ سَبِيِلِ الْلَّهِ .
      - مُحَمَّدُ صَلَّىَ الْلَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ لَا تَأْخُذُهُ الْنَّشْوَةِ وَ الْكِبْرِ عِنْدَ الْنَّصْرِ .
      - مُحَمَّدُ صَلَّىَ الْلَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ كَانَ زَاهِدَاً فِيْ الْدُّنْيَا .
      - مُحَمَّدُ صَلَّىَ الْلَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ كَانَ يُبْغِضُ الْكَذِبَ .
      - مُحَمَّدُ صَلَّىَ الْلَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ كَانَ أَحَبَّ الْعَمَلِ إِلَيْهِ مَا دُوِمَ عَلَيْهِ وَ إِنْ قَلَّ .
      - مُحَمَّدُ صَلَّىَ الْلَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ كَانَ أَخَفَّ الْنَّاسِ صَلَاةً عَلَىَ الْنَّاسِ وَ أَطْوَلُ الْنَّاسِ صَلَاةً لِنَفْسِهِ .
      - مُحَمَّدُ صَلَّىَ الْلَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ كَانَ إِذَا أَخَذَ مَضْجَعَهُ جَعَلَ يَدَهُ الْيُمْنَىَ تَحْتَ خَدِّهِ الْأَيْمَنِ .
      - مُحَمَّدُ صَلَّىَ الْلَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ كَانَ إِذَا جَاءَ أَمْرَا أَسَرَهُ يَخِرُّ سَاجِدَا شُكْرَاً لِلَّهِ تَعَالَىْ .
      - مُحَمَّدُ صَلَّىَ الْلَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ كَانَ إِذَا خَافَ قَوْماً قَالَ : الْلَّهُمَّ إِنَّا نَجْعَلُكَ فِيْ نُحُوْرِهِمْ وَ نَعُوْذُ بِكَ مِنْ شُرُوْرِهِمْ ..
      - مُحَمَّدُ صَلَّىَ الْلَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ كَانَ إِذَا رَأَىَ مَا يُحِبُّ قَالَ : الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِيْ بِنِعْمَتِهِ تَتِمُّ الْصَّالِحَاتُ ، وَ إِذَا رَأَىَ مَا يَكْرَهُ قَالَ : الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَىَ كُلِّ حَالٍ .
      - مُحَمَّدُ صَلَّىَ الْلَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ كَانَ إِذَا دَعَا بَدَا بِنَفْسِهِ .
      - مُحَمَّدُ صَلَّىَ الْلَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ كَانَ إِذَا صَلَّىَ رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ اضْطَجَعَ عَلَىَ شِقِّهِ الْأَيْمَنِ .
      - مُحَمَّدُ صَلَّىَ الْلَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ كَانَ إِذَا فَرَغَ مِنْ دَفْنِ الْمَيِّتِ وَقَفَ عَلَيْهِ وَ قَالَ : اسْتَغْفِرُوْا الْلَّهَ لِأَخِيكُمْ وَ سَلُوا لَهُ الْتَّثْبِيْتَ فَإِنَّهُ الْآَنَ يُسْأَلُ .
      - مُحَمَّدُ صَلَّىَ الْلَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ كَانَ لَا يَنَامُ إِلَّا وَ الْسِّوَاكُ عِنْدَ رَأْسِهِ فَإِذَا اسْتَيْقَظَ بَدَأَ بِالْسِّوَاكِ .
      - مُحَمَّدُ صَلَّىَ الْلَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ كَانَ يَأْكُلُ بِثَلَاثَةِ أَصَابِعَ وَ يَلْعَقُ يَدَهُ قَبْلَ أَنْ يَمْسَحَهَا .
      - مُحَمَّدُ صَلَّىَ الْلَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ كَانَ يُحِبُّ التَّيَامُنَ مَا اسْتَطَاعَ فِيْ طُهُوِرِهِ وَ تَنَعُّلِهِ وَ تَرَجُّلِهِ وَ فِيْ شَأْنِهِ كُلِّهِ .
      - مُحَمَّدُ صَلَّىَ الْلَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ كَانَ يَذْكُرُ الْلَّهَ تَعَالَىْ فِيْ كُلِّ وَقْتٍ ..
      - مُحَمَّدُ صَلَّىَ الْلَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ كَانَ يُصَلِّيَ الْضُّحَىْ أَرْبَعَاً وَ يَزِيْدُ مَا شَاءَ الْلَّهُ .
      - مُحَمَّدُ صَلَّىَ الْلَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ كَانَ يَتَحَرَّىَ صِيَامَ الإثْنَيْنِ وَ الْخَمِيْسْ .
      - مُحَمَّدُ صَلَّىَ الْلَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ يَضْطَجِعُ عَلَىَ الْحَصِيرِ ، وَ يَرْضَىَ بِالْيَسِيْرِ ، وِ سَادَتُهُ مِنْ أَدَمٍ حَشْوُهَا لِيْفٌ .
      - مُحَمَّدُ صَلَّىَ الْلَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ عَلَىَ الْرَّغْمِ مِنْ حُسْنِ خُلْقِهِ كَانَ يَدْعُوَ الْلَّهَ بِأَنْ يُحَسِّنُ أَخْلَاقِهِ ، وَ يَتَعَوَّذْ مِنْ سُوَءِ الْأَخْلاقِ عَلَيْهِ الْصَّلاةُ وَ الْسَّلامُ .
      محمد صلى الله عليه وسسلم هو القدوه الحسنه ويجب التأسي به وتطبيق سنته
      بدل التأسي بالغ ـرب
      كم أحبك يـآ رسوول الله
      . . . لاشيء يتغير, الأحداث باردة وغرف القلب باردة و العالم كومة صقيع...,, . . .
    • تسلم فخــــــَـًــــــــــــــــــــــــــر ...وتسلمـ ايدك ويعطيك الف عافية ،’~
      جَزْااك الله خَير الجًزاء و كُل الشُكْر والتَقْدِير لَك ..~
      ولطَرْحِك القَيْم .. لاخلا ولاعدم من هالابداع ..~
      موووفققققققققققققـ .. دمت لله آآآآآآآآآآآآآقربـ ...~
      . . . لاشيء يتغير, الأحداث باردة وغرف القلب باردة و العالم كومة صقيع...,, . . .
    • سديم الليل كتب:

      تسلم فخــــــَـًــــــــــــــــــــــــــر ...وتسلمـ ايدك ويعطيك الف عافية ،’~
      جَزْااك الله خَير الجًزاء و كُل الشُكْر والتَقْدِير لَك ..~
      ولطَرْحِك القَيْم .. لاخلا ولاعدم من هالابداع ..~
      موووفققققققققققققـ .. دمت لله آآآآآآآآآآآآآقربـ ...~


      شكرا لج ولإضافاتج الدااائمة للموضوع سديم الليل ،
      كما ارحب بأي إضافة وفي أي وقت
      ولا شكر على واااجب ،، كما انني مستمتع بطرح هذا الموضوع المفيد
      طبتي وطااابت اوقاااتج بذكر الله
      //
      \\
      اللهم بارك على سيدنا محمد وعلى آل محمد فالعالمين

    • [h=1]مرحلة الدعوة الجهرية في مكة
      [/h]

      [h=2]الدعوة الجهرية في مكة
      [/h]
      بعد ثلاث سنوات كاملة من الدعوة السرية كان عدد المسلمين نحو الستين من الرجال والنساء، وقد بات من المتعذر على أهل مكة أن يستأصلوا الإسلام بكامله، خاصةً إذا كان هؤلاء المسلمون من قبائل مختلفة، وأن معظمهم من الأشراف، هنا أَذِن الله لرسوله الكريم أن يجهر بالدعوة.

      كانت الدعوة الجهرية مرحلة جديدة من مراحل بدايات الدعوة الإسلامية، وفي بداية هذه المرحلة أعلن رسول الله دعوته، بينما ظل المسلمون على سرّيتهم ما استطاعوا، فكان هذا تدرجًا واضحًا في طريق الدعوة.

      وكما أُمر الرسول بالبلاغ، فقد أُمر أن يبدأ بأقربائه بالتحديد دونَ بقية الناس، وهذا نوع من التدرج في إيصال الدعوة للعالمين، إذ نزل قوله تعالى: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ} [الشعراء: 214]، وقد أمره الله بدعوة الأقربين.


      جاءت الأوامر من الله أن يوسّع الرسول دائرة الدعوة، ويقوم بصيحة أعلى لدعوة قبيلته الكبيرة قريش بكل بطونها، فما كان من الرسول إلاَّ أن صعد جبل الصفا فجعل ينادي: "يَا بَنِي فِهْرٍ، يَا بَنِي عَدِيٍّ، يَا بَنِي هَاشِمٍ". كل بطون قريش حتى اجتمعوا، فجعل الرجل إذا لم يستطع أن يخرج أرسل رسولاً لينظر ما الأمر، فجاء - كما يقول ابن عباس في رواية البخاري - أبو لهب وقريش، ومع كونهم يعلمون سلفًا أن النبيَّ صادقٌ أمين إلا أنهم تراجعوا عن دعوته بل وحاربوها.

      لا ريب أن أهل مكة حاربوا الدعوة، ولم يؤمنوا بها للعيوب الأخلاقية والاجتماعية التي كانت فيهم، وأن أنفسهم لم تطِب لتصديق النبي ؛ بسبب تقاليدهم وجبنهم والقبلية المتعصبة التي كانت فيهم، ذلك التعصب وتلك القبلية أو القومية هي من صفات الجاهلية، وكما كان الكِبر كان الخوف على المصالح والزعامة والرياسة سببًا من الأسباب الرئيسية لعدم دخولهم الإسلام، فالإسلام يعدل بين الناس ويسوي بينهم، وهو ما أرَّق بعضهم؛ فالعنجهة القرشية القديمة التي تمتّع بها القرشيون بين القبائل ستسحب منهم، ويتحول ذلك السيد صاحب الصوت الجهوري إلى مواطن عادي يضارع أخيه الذي يصغره مقامًا أو فقرًا، وكذا خوفهم على مصالحهم المالية خوفًا من الضياع والتبدد والهلاك؛ فهم مستفيدون من وضع مكة الحالي المنغمس في الشهوات والمفاسد، والإسلام يدعو للتقيد بأحكامه حتى لا تكون حرية عاهرة، فالحرية في الإسلام هي التقيد بأحكامه؛ فمَنَعهم عن الإسلام غباؤهم في استيعاب قضية التوحيد والبعث والحاكمية.


      [h=2]لماذا الدعوة للأقربين أولاً؟[/h]

      كانت الدعوة الجهرية مرحلة جديدة من مراحل بدايات الدعوة الإسلامية، وفي بداية هذه المرحلة أعلن رسول الله دعوته بينما ظل بقية المسلمين على سرّيتهم ما استطاعوا، وكان هذا تدرجًا واضحًا في طريق الدعوة.


      وكما أُمر الرسول بالبلاغ، فقد أُمر أن يبدأ بأقربائه بالتحديد ودون بقية الناس، وكان هذا أيضًا نوعًا من التدرج في إيصال الدعوة للعالمين، حيث كان قد نزل قوله تعالى: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ} [الشعراء: 214].


      [h=3]ولماذا الأقربون بالذات؟![/h]




      أولاً: لأن هناك حبًّا فطريًّا لشخص الداعية من الأقربين، وبهذا فإن الأقربين سيكونون أقرب للإجابة، فالقريب ليس بينه وبين الداعية حواجز قبلية أو حواجز عنصرية، أو غير ذلك من الحواجز.


      ثانيًا: لأنه بذلك سيكون في حمية قبلية تدافع عنه، وإن هذا ليعطي قوة كبيرة للداعية، خاصة إذا كان له عائلة كبيرة وضخمة، كما أنه لو آمنت هذه العائلة بما يقول الداعي لأصبحت عضدًا له في دعوته.



      ثالثًا: أن دعوة الأقارب مسئولية أُولى على الداعية، حديث رسول الله : "كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ". ومن هنا جاءت أهمية صلة الرحم، وأهمية دعوة الأقربين.


      ولنتخيل لو أن الداعية كان يُحارب في عقر داره، يُحارب من داخل بيته أو عشيرته أو قبيلته، نتخيل لو أن زوجته أو ابنه أو أباه أو غيرهم ممن هم من أهله وعشيرته كان يعوق مسيرته، فإنه -ولا شك- سيواجه الكثير من الصعاب في طريق الدعوة، ومن هنا نؤكد على نقطة بنائية مهمة، ألا وهي: دعوة الأقربين أهم بكثير من دعوة الناس عامة.


      وفي توضيح أكثر وتدليل على ما سبق ما كان من أمر لوط u حينما جاءه قومه يراودونه عن ضيفه، فقد رد عليهم متأسفًا: {قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آَوِي إلى رُكْنٍ شَدِيدٍ} [هود: 80].


      إذ لم يكن لسيدنا لوط عائلة قوية تحميه وتقف من ورائه، فكان يودّ لو أن له عائلة قوية لوقف أمام القوم يدافع عن ضيفه، وهنا قال رسول الله معلقًا على موقفه هذا: "رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَى لُوطٍ؛ لَقَدْ كَانَ يَأْوِي إلى رُكْنٍ شَدِيدٍ (يعني الله )، فَمَا بَعَثَ اللَّهُ بَعْدَهُ مِنْ نَبِيٍّ إِلاَّ فِي ثَرْوَةٍ مِنْ قَوْمِهِ".



      وعلى النقيض من هذا كان موقف شعيب ، وذلك حين جاء إليه قومه يعترضون عليه فقالوا: {وَلَوْلاَ رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ وَمَا أَنْتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ} [هود: 91]. ومن هنا فقد كانت دعوة الأقربين ذات أهمية بالغة في بناء الأمم.


      لذلك حين نزل قوله تعالى: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ} [الشعراء: 214] تحرك رسول الله ودعا الأقربين إلى طعام وكان عددهم خمسة وأربعين من أهله وعشيرته، حيث إن الدعوة على الطعام مما ترقق القلوب، وتبعث على المودة والألفة.


    • موقف أبي لهب من الدعوة




      وفي هذا الاجتماع وقبل أن يتكلم رسول الله ويجهر ويصرح لهم بأمر دعوته حدث أمر غريب، فقد وقف أبو لهب وقال: هؤلاء هم عمومتك وبنو عمك، فتكلم ودع الصباة، واعلم أنه ليس لقومك بالعرب قاطبة طاقة.

      وهذا يعني أن أبا لهب كان يعلم بأمر الدعوة وأمر الإسلام، ولكنه ما اعترض عليه من قبل، ولم يعترض أحد من قريش قبل ذلك مع اكتشافهم أمر بعض المسلمين، ولقد كان ذلك لأن المسلمين كانوا يكتفون بعبادات فردية، كانوا يعبدون الله في بيوتهم، وقد ظن أهل قريش أن هذا لا يعدو أن يكون مثل أفعال بعض السابقين الذين تنصروا أو اتخذوا الحنيفية دينًا.

      فالأمر الطبيعي أن أهل الباطل لا يمانعون أن تعبد ما تشاء في بيتك، طالما أن ذلك دونما تدخلٍ منك في أمر المجتمع، أما أن يجمع محمد الناس ويبدأ في دعوتهم إلى ما هو عليه، ثم يسفّه ما يعبدون من دون الله، ثم يُحكّم الله الذي يعبده في أمورهم، فهذا ما يرفضه أهل الباطل من قريش.

      ومن ثم كانت هذه مبادرة أبي لهب، وقد أتبعها بكلام شديد حيث قال: "فما رأيت أحدًا جاء على بني أبيه بشرٍّ مما جئت به".

      وهنا وفي حنكة وحكمة بالغة سكت رسول الله ولم يقم بما كانت من أجله هذه الدعوة وذاك الاجتماع، فلم يدعُ الناس، ولم يدخل في جدل مع أبي لهب، حيث الظرف غير موات، فالجو مشحون، والخلاف قريب، وليس من الحكمة تبليغ الدعوة في مثل هذه الأحوال، وخاصة أن أبا لهب هذا هو عمه وله أيضًا أتباع وأنصار.

      إذن فليجمع الرسول الناس في موعد آخر، يبادر هو فيه الكلام ويسبق أبا لهب وغيره.

      موقف أبي طالب من الدعوة



      في جولة ثانية، وفي اجتماع ثانٍ، وفي أمر إن دل على شيء فإنما يدل على أن طريق الدعوة شاق وطويل، وأن الدعوة مكلفة ولها ثمن وأثمان، وأن الداعية يعطي لا يأخذ، وأنه يساعد لا يطلب المساعدة، وأنه يخدم لا يطلب الخدمة، جمع الرسول الله أهله وعشيرته مرة ثانية على الطعام، وفي هذا الموعد الثاني بادر الرسول بالحديث فقال: "الْحَمْدُ لِلَّهِ، أَحْمَدُهُ وَأَسْتَعِينُهُ، وَأُؤْمِنُ بِهِ وَأَتَوَكَّلُ عَلَيْهِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ". إنها كلمات خطيرة جدًّا في مكة في ذلك الوقت.



      ثم قال: "إِنَّ الرَّائِدَ لاَ يَكْذِبُ أَهْلَهُ، وَاللَّهِ الَّذِي لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ خَاصَّةً، وَإِلَى النَّاسِ عَامَّةً، وَاللَّهِ لَتَمُوتُنَّ كَمَا تَنَامُونَ، وَلَتُبْعَثُنَّ كَمَا تَسْتَيْقِظُونَ، وَلَتُحَاسَبُنَّ بِمَا تَعْمَلُونَ، وَإِنَّهَا الْجَنَّةُ أَبَدًا أَوِ النَّارُ أَبَدًا".


      ورغم أنه خطاب قصير جدًّا، إلا أن الرسول جمع فيه الكليات الأساسية للعقيدة، ووضح فيه مغزى الرسالة، كما أنه -تقريبًا- أعلن الحرب على آلهة قريش وعلى من يقفون وراءها.


      وإزاء هذا الخطاب القصير والبسيط في ظاهره، العميق الدلالة في جوهره، كان لأقارب رسول الله موقفان متباينان.

      موقفان متباينان


      الموقف الأول





      هو موقف أبي طالب، عم رسول الله ، الذي أحبه حبًّا يفوق حب أولاده، وهو الذي كان قد تكفل به بعد وفاة جده عبد المطلب، والذي يعدّ موقفه هذا من أكبر علامات الاستفهام في التاريخ.

      فقد وقف إلى جواره يشجعه بكل طاقاته، لكنه ما دخل في دينه أبدا، لقد تحمّل أبو طالب الكثير من تبعات الدين الشاقة ولكنه لم يستمتع بأجمل ما فيه، تضحية وبذل وجهاد وعطاء، ولا إيمان {إِنَّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالمُهْتَدِينَ} [القصص: 56]، قام أبو طالب فقال: "ما أحب إلينا معاونتك، وأقبلنا لنصيحتك، وأشد تصديقنا لحديثك، وهؤلاء بنو أبيك مجتمعون، وإنما أنا أحدهم غير أني أسرعهم إلى ما تحب (يقصد النصرة)، فامضِ لما أُمرت به (وهذا يعني أنه كان يعلم أن الله أمره بذلك، ولم يأت به من عنده)، فوالله لا أزال أحوطك وأمنعك، غير أن نفسي لا تطاوعني على فراق دين عبد المطلب".


      تناقض بشع في ذات المقالة، فقد وقفت التقاليد حاجزًا وحائلاً بين أبي طالب وبين الإيمان، ووقف تقديس رأي الآباء والأجداد حتى وإن كان مخالفًا للحق دون دعوة الحق.

      لكن ما يهمنا هو أن أبا طالب كان واضحًا وصريحًا في دفاعه عن رسول الله من أول يوم جهر فيه بالدعوة لأقاربه.

      الموقف الآخر





      هو موقف أبي لهب فما زال مصرًّا على عدائه فقد قال: هذه والله السوءة، خذوا على يده قبل أن يأخذ غيركم. فقال أبو طالب: "والله لنمنعه ما بقينا".


      الدعوة لقريش عامة



      جاءت الأوامر من الله أن يوسع الرسول دائرة الدعوة، ويقوم بصيحة أعلى لدعوة قبيلته الكبيرة قريش بكل بطونها، فما كان من الرسول إلا أن صعد جبل الصفا فجعل ينادي: "يَا بَنِي فِهْرٍ، يَا بَنِي عَدِيٍّ، يَا بَنِي هَاشِمٍ"ٍ. كل بطون قريش حتى اجتمعوا، فجعل الرجل إذا لم يستطع أن يخرج أرسل رسولاً لينظر ما الأمر، فجاء -كما يقول ابن عباس في رواية البخاري- أبو لهب وقريش (يذكر أبا لهب خاصة لموقفه في هذا الحدث).


      فقال :"أَرَأَيْتُكُمْ لَوْ أَخْبَرْتُكُمْ أَنَّ خَيْلاً بِالْوَادِي تُرِيدُ أَنْ تُغْيرَ عَلَيْكُمْ، أَكُنْتُمْ مُصَدِّقِيَّ؟" ومع أن هذا أمر غاية في الخطورة ويحتاج إلى رويّةٍ وتثبُّت، إلا أنهم قالوا: نَعَمْ؛ مَا جَرَّبْنَا عَلَيْكَ إِلاَّ صِدْقًا. فقال : "فَإِنِّي نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ".


      أي: إذا كنتم تصدقون إنذاري لكم بخيلٍ وأعداء، فيجب أن تصدقوا إنذاري لكم بعذاب شديد إذا بقيتم على ما أنتم عليه من عبادة الأوثان، وتحكيمها في حياتكم.

      وكان موقف أبي لهب هو أن قال: تَبًّا لَكَ سَائِرَ الْيَوْمِ، أَلِهَذَا جَمَعْتَنَا؟ فنزل قوله تعالى: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ} [المسد: 1].


      كانت التقاليد وأعراف المجتمع هي التي منعت أبا طالب من الإيمان، وكان الذي منع أبا لهب من الإيمان هو الجبن، والجبن الشديد، فهو الذي قال: "ليس لنا بالعرب من طاقة". ليس لنا قدرة على تغيير المألوف، ولا يمتنع أبو لهب أن يقف بجوار القوي وإن كان مخالفًا للحق، كما أنه لا يمتنع عن خذلان ابن أخيه والتكذيب بالحق الذي جاء به طالما هو في موقف الضعيف كما يتراءى له، وإن كان من أقاربه ومن عشيرته، وهذا هو الذي أرداه فجعله من الأخسرين.


      وهكذا نرى التدرج الواضح في أمر الدعوة والذي قام به رسول الله ، فقد دعا الأقارب أولاً، ثم قريشًا، ثم عامة الناس.

      ومع الأمر الإلهي: {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ المُشْرِكِينَ} [الحجر: 94] يكون قد وضح أمران من المفترض أنهما سيظلان متلازمين في هذه المرحلة، التي تسمى مرحلة جهرية الدعوة، وهما:



      الأمر الأول: إعلان الدعوة للناس عامة، مع خطورة هذا الأمر.


      الأمر الثاني: الإعراض عن المشركين، بمعنى عدم قتالهم، وهذا يحمل في طياته أن المشركين سيحاولون قدر استطاعتهم أن يوقفوا مد هذه الدعوة، وعلى الرسول في هذه الفترة أن يتجنب الصدام مع الكفر، حتى ولو حدث كيد وحدث تعذيب، بل لو حدث قتل، فهذه ظروف مرحلة معينة دقيقة جدًّا تمر بها الدعوة.



    • [h=1]موقف أهل مكة من الإسلام
      [/h]

      بعد أن صدع رسول الله بالأمر الإلهي حدث انفجار في مكة، فهذه مشاعر الغضب والاستنكار والرفض للدعوة، وهذه اجتماعات وتخطيطات ومكائد ومؤامرات، قامت الدنيا ولم تقعد، إنها -ولا شك- الحرب، ولا هوادة في الحرب.

      وها هم المسلمون في مكة لم يعلنوا إسلامهم باستثناء رسول الله ، وها هو رسول الله لا أحد من البشر يدافع عنه غير عمه أبي طالب، وهو دفاع غير مشروط، ورسول الله يقبل بدفاعه مع كونه كافرا، لكنه في ذات الوقت ما فرط في كلمة واحدة من الدين، ما تنازل، وما بدل، وما غير.

      كان هذا هو موقف الرسول وموقف عمه أبي طالب، وموقف مكة بصفة عامة، وقبل الحديث عن خطة مكة في القضاء على الدعوة الإسلامية نريد أن نبحث في موانع الإسلام عند أهل مكة، وبعبارة أخرى: لماذا لم يؤمن أهل مكة بدعوة رسول الله ؟

      لماذا حاربوا الدعوة ولم ينصروها مع كون الرسول منهم؟ أم أنهم لم يدركوا الحق الذي جاء به رسول الله ؟!

      وأعتقد أن الجواب على هذا السؤال الأخير هو: لا على الإطلاق؛ فعلى أقل تقدير كانت الرسالة واضحة جدًّا، إنما الصواب هو أنهم كانوا كما قال في كتابه الكريم: {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ المُفْسِدِينَ} [النمل: 14].


      فقد كان القرآن الكريم -ولا يزال- كلامًا معجزًا، وهؤلاء هم أهل اللغة والبلاغة والفصاحة، أي أنهم يعلمون جيدًا أن هذا ليس من عند البشر، وقد كانوا على يقين أن محمدًا رسول من عند الله، لكن أنفسهم لم تطب بهذا التصديق.

      ومما يؤكد هذا الأمر أن أُبيّ بن خلف كان يقابل الرسول فيقول له: إني سأقتلك، فكان يرد عليه بقوله: "بَلْ أَنَا أَقْتُلُكَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ". وبعد حين من الوقت خرج أُبيّ بن خلف لحرب رسول الله في موقعة أُحد، فكان أن أصابه بسهم سبَّب جرحًا طفيفًا في كتفه، فعاد أُبيّ إلى قومه يصرخ بأنه سيموت من هذا الجرح الطفيف، فكان الناس يقولون له: هوِّن عليك؛ إن هذا لأمر يسير. فكان يرد عليهم أُبيّ بقوله: إنه قال لي بمكة: أنا أقتلك، فوالله لو بصق عليّ لقتلني.



      فأين كان عقلك يا أُبيّ؟! أين كان عقل الذين سمعوك ولا يزالون يقاتلون النبي ؟!


      إذن فقد كان أهل مكة يوقنون أن هذا الذي جاء به هو الحق الذي لا ريب فيه، لكن السؤال هو: لماذا -إذن- كذبوا ولم يؤمنوا؟!


    • لماذا لم يؤمن أهل مكة ؟!


      التقاليد والجبن والقبلية





      في معرض الإجابة على هذا السؤال السابق فقد تعددت موانع الإسلام عند أهل مكة، فكان منهم من منعته التقاليد كأبي طالب، وكان منهم من منعه الجبن كأبي لهب كما ذكرنا، وكان منهم من منعته القبلية.

      وكان أكثر مَن جسد القبلية أبو جهل، وكان من بني مخزوم، فكان يقول: "تنازعنا نحن وبنو عبد مناف الشرف، أطْعَموا فأطعمنا وحملوا فحملنا، وأعطوا فأعطينا، حتى إذا تحاذينا على الرُّكب وكنا كفرسي رهان، قالوا: لنا نبي يأتيه الوحي من السماء، فمتى ندرك هذه؟ والله لا نؤمن به أبدًا، ولا نصدقه".


      ذلك التعصب وتلك القبلية أو القومية هي من شيم وصفات الجاهلية، وأعداء الإسلام ما فتئوا يستغلون هذا المدخل، ويشعلون تلك النعرة منذ القديم وإلى الآن وإلى يوم القيامة.


      فالعامل الذي أسقط به اليهود والإنجليز الدولة العثمانية هو إشعال تلك النعرة، وتفريق المسلمين إلى عرب وأتراك، ومثله الذي دخل به الفرنسيون الجزائر أيضًا كان تفريق المسلمين إلى عرب وبربر، وهو العامل أيضًا الذي فرّق به شاس بن قيس اليهودي بين الأنصار حين أشعل العنصرية في قبيلتي الأوس والخزرج، وهذه كلها من شيم الجاهلية.

      الكِبْر





      كان من الناس أيضًا من منعه الكبر من الدخول تحت راية الإسلام، وما أكثر الذين امتنعوا عن طريق الحق بسبب الكبر، تلك الصفة التي ظهرت مع بداية قصة الخلق، ومنذ آدم ، يقول تعالى: {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآَدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الكَافِرِينَ} [البقرة: 34]. فاقتضى كبر إبليس هذا كفره وطرده من الجنة وإبعاده عن رحمة الله تعالى.


      والكبر كما عَرّفه رسول الله هو: "بَطَرُ الْحَقِّ (أي معرفة الحق ثم إنكاره)، وغَمْطُ النَّاسِ" أي احتقارهم.



      وقد جسد القرآن الكريم هذه الصفة في نفوس أهل مكة حين حكى عنهم قولهم: {وَقَالُوا لَوْلاَ نُزِّلَ هَذَا القُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ القَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ} [الزُّخرف: 31]. يقصدون الوليد بن المغيرة في قرية مكة، وعروة بن مسعود الثقفي في قرية الطائف.



      فكانوا يقولون: لو نزل هذا الأمر على رجل عظيم كمن في هاتين القريتين لكنا آمنا بهذا الدين، والرسول -لا شك- أعظم الخلق، لكنهم كانوا يقيسون العظمة بكثرة الأموال لا بقيم الأخلاق والدين وشرف العقيدة.

      وفي آثار وسلبيات هذه الصفة فقد وضح الله أن من يتصف بها فإنه من الصعوبة بمكان أن يتبع الحق، قال الله : {سَأَصْرِفُ عَنْ آَيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آَيَةٍ لاَ يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لاَ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ} [الأعراف: 146].



    • [h=3] الخوف على السيادة والحكم
      [/h]



      كان هذا الأمر أيضًا من الأسباب التي منعت بعضًا من قريش من الدخول في الإسلام، فقد كانوا يظنون أن الإسلام يسلبهم السيادة والحكم في أقوامهم.

      فإن رسول الله جاء ليُحكّم شرع الله في أمور العباد، وهو ناقل عن رب العزة، ومن ثم فسيسحب البساط من تحت أقدام الزعماء كأبي سفيان وغيره إن انتشر دين الإسلام بمكة، فكان الخوف على الحكم مُعوِّقًا ضخمًا للانخراط في الدعوات الصالحة.

      [h=3] الخوف على المصالح المالية[/h]



      كذلك كان هناك من يخاف على مصالحه المالية، فهو في الواقع مستفيد من الوضع الحالي لمكة بحالتها الكافرة الاشتراكية.

      فمكة بلد آمن، وهي محط أنظار أهل الجزيرة العربية، والتجارة فيها على أشد ما تكون، ولو حارب العرب محمدًا لتحول البلد الآمن إلى مثلث فتن وحروب، وهو مما لا يساعد على الربح أو التجارة، كما أن المشركين الذين يمثلون غالبية أو كل سكان الجزيرة العربية قد يرفضون القدوم إلى مكة بعد إسلامها، بل وقد يحاصرون مكة اقتصاديا إذا آمنوا هم.

      ثم ماذا لو آمن واحد من كبار التجار خارج مكة؟ ألن يمنع عن مكة الطعام والتجارة؟ وإن مثل هذا ليس ببعيد؛ فقد حدث ذلك بالفعل بعد سنوات حينما أسلم ثمامة بن أثال ملك اليمامة، وكان أن منع الطعام عن مكة، فتأذت بسبب ذلك أذى كثيرًا.

      إذن كان الخوف على المصالح المالية والشخصية والمصالح التجارية، سببًا رئيسيًّا لعدم قبول بعض المشركين بفكرة الإسلام.

      [h=3] الخوف على الشهوات والملذات[/h]



      ومثل سابقه فقد كان هناك أيضًا من أهل مكة من يخاف على شهواته وملذاته من أن تُجرّم أفعالها، أو يقضى عليها.

      فالإسلام دعوة إصلاحية تدعو إلى الفضيلة ومكارم الأخلاق والبعد عن المعاصي والذنوب، وأهل الباطل لا يريدون قيودًا أو حواجز بينهم وما تهفو نفوسهم إليه، ومن ثَمَّ فإن الدعوات التي تمنع الزنا والإباحية والظلم والفساد لا بد أن تحارب، وعلى قدر انغماس الرجل في شهواته وملذاته على قدر ما يكون حربه للإسلام.

      [h=3]الغباء وانغلاق الفكر[/h]



      وقف الغباء أيضًا وعدم إعمال الفكر والعقل حاجزًا وسدًّا منيعًا لدى البعض من أهل مكة من أن يدخلوا في الإسلام.


      فقد اعتاد مثل هؤلاء الاعتقاد بأن الآلهة متعددة، فحين يأتي رجل بعد ذلك ليخبرهم أن الله واحد لا شريك له، تحجرت قلوبهم وعقولهم لقبول هذا الأمر الجديد، بل وقالوا: {أَجَعَلَ الآَلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ} [ص: 5].



      لكن العجيب حقًّا هو أن يعتقد إنسان -أي إنسان- أن في الكون أكثر من إله، يقول : {مَا اتَّخَذَ اللهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلاَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللهِ عَمَّا يَصِفُونَ} [المؤمنون: 91].


      وقال أيضًا: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آَلِهَةٌ إِلاَّ اللهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللهِ رَبِّ العَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ} [الأنبياء: 22].



      فكان من الغريب حقًّا أمر هؤلاء الكفار، فقد كانوا يسمعون الحق وكأنهم لا يسمعون، وكما حكى عنهم القرآن الكريم: {لَهُمْ قُلُوبٌ لاَ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آَذَانٌ لاَ يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الغَافِلُونَ} [الأعراف: 179].


      وقد وصل بهم الأمر إلى أن يناقضوا أنفسهم وعقولهم في قضية وحدانية الخالق ، يحكي حالهم I فيقول: {قُلْ لِمَنِ الأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ * قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ * سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلاَ تَتَّقُونَ * قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلاَ يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ * بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِالْحَقِّ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ} [المؤمنون: 84- 90].


      فإذا كان الله هو المتصرف في كل شيء كما تعترفون، فلماذا تُحكّمون غيره؟! وهذه هي النقطة التي انغلقت عقولهم عن الإجابة عليها.


      ومن هذه الفئة كان هناك في مكة من منعه غباؤه عن استيعاب فكرة أن الله يرسل رسولاً إلى البشر من البشر، ولم يدرك عقله الحكمة من وراء ذلك، يصور ذلك القرآن الكريم فيقول: {وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الهُدَى إِلاَّ أَنْ قَالُوا أَبَعَثَ اللهُ بَشَرًا رَسُولاً} [الإسراء: 94]، وبمنطقهم ردَّ عليهم فقال: {قُلْ لَوْ كَانَ فِي الأَرْضِ مَلَائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ مَلَكًا رَسُولاً} [الإسراء: 95]. وقال أيضًا: {وَقَالُوا لَوْلاَ أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنْزَلْنَا مَلَكًا لَقُضِيَ الأَمْرُ ثُمَّ لاَ يُنْظَرُونَ * وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَجَعَلْنَاهُ رَجُلاً وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ} [الأنعام: 8، 9].


      كذلك كان هناك من الناس من منعه غباؤه أيضًا عن استيعاب فكرة البعث واليوم الآخر، ذلك الأمر الجديد الذي لم يخطر ببالهم، فقد كانوا يقيسون الأمور بأبعادها المحدودة المادية والملموسة، ولو أدركوا قدرة الله لعلموا أنه لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء، يقول تعالى يحكي شأنهم: {وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لاَ يَبْعَثُ اللهُ مَنْ يَمُوتُ بَلَى وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ} [النحل: 38].


      فقد جاء العاص بن وائل (وفي رواية: أبيّ بن خلف) إلى رسول الله وفي يده عظم رميم، وهو يفتته ويذروه في الهواء ثم يقول: يا محمد، أتزعم أن الله يبعث هذا؟ فقال رسول الله : "نَعَمْ، يُمِيتُكَ اللَّهُ تَعَالَى ثُمَّ يَبْعَثُكَ ثُمَّ يَحْشُرُكَ إِلَى النَّارِ".


      ثم نزلت الآيات تخاطب العقول: {أَوَلَمْ يَرَ الإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ * وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي العِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ * قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ * الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الأَخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ * أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى وَهُوَ الخَلاَّقُ العَلِيمُ} [يس: 77- 81].



      وهذه حقيقة؛ يقول تعالى: {لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ} [غافر: 57]. فالذي خلق السموات والأرض قادر على خلق الإنسان، ثم يكمل ذلك مؤكدًا فيقول: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ * فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [يس: 82، 83].


      بل إن من الناس من أهل مكة من كان شديد الغباء حتى اعترض على القرآن الكريم نفسه، والقرآن الكريم كلام الله لا يشبهه كلام البشر ولا يستطيعونه {لاَ يَأْتِيهِ البَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} [فصِّلت: 42].



      وقد كان العرب في زمان رسول الله أعلم أهل الأرض باللغة، وأكثرهم إتقانًا لها، وقد كانوا يعلمون تمام العلم أن هذا النَّظْم وذاك التعبير ليس من مقدورهم، وليس في مقدور عموم البشر جميعًا، ولكن كان حالهم كما أخبر : {فَإِنَّهَا لاَ تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى القُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} [الحج: 46].


      فقد وصفوا القرآن بأنه شعر، وبأنه سحر وبأنه كهانة وغير ذلك من الصفات كذبًا وافتراءً.


      ومن هنا فقد كانت هذه وغيرها موانع وقفت حائلاً أمام أهل مكة من أن يدخلوا في الدين الإسلامي العظيم، وهم لم يكتفوا بذلك، بل بدءوا يخططون ويدبرون للكيد لهذا الدين، وهي سنة ماضية إلى يوم القيامة، الحرب بين الحق والباطل {وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً} [النساء: 89].


      فالدعوات الإصلاحية الصحيحة لا بد أن تحارب، ولا بد أن يجتمع عليها أهل الباطل، قد تؤجل المعركة ولكن لا بد لها من حدوث، قد تأخذ صورًا مختلفة ولكن لا بد في النهاية من أن تقع.


      ومن هنا فقد بدأ الكفار في الكيد لرسول الله ولمن معه من المسلمين، وقد سلكوا في ذلك السبيل نفسه الذي سلكه من قبلهم الكفار في صدر التاريخ، والذي يسلكه أمثالهم إلى يومنا هذا، والذي سيظل كذلك إلى يوم القيامة، {وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبْدِيلاً} [الفتح: 23].



    • زيارة ابليس اللعين لمحمد صلى الله عليه وآله وسلم في بيت رجل من الأنصار...|~

      ربمــآ تكون إضــآفةة بعيدةةةة عن آلنطــآق آلذي آنت فيه .. آو آلحيز آلذي تسير ع نهجه ..
      ولكنهــآ إضــآفةةة آحببتتتتتتتتتتتـ آن آدرجهــآ هنــآ~


      [TABLE='class: ecxMsoNormalTable, width: 100%']
      [TR]
      [TD='bgcolor: transparent']
      عن معاذ بن جبل رضي الله عنه عن ابن عباس قال: كنا مع رسول الله في بيت رجل من الأنصار في جماعة فنادى منادِ :يا أهل المنزل .. أتأذنون لي بالدخول ولكم إليّ حاجة؟

      فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أتعلمون من المنادي؟



      فقالوا: الله ورسوله أعلم



      فقال رسول الله: هذا إبليس اللعين لَعَنَه الله تعالى



      فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : أتأذن لي يا رسول الله أن أقتله؟



      فقال النبي : مهلاً يا عمر .. أما علمت أنه من المُنظَرين إلي يوم الوقت المعلوم؟ لكن افتحوا له الباب فإنه مأمور ، فافهموا عنه ما يقول واسمعوا منه ما يحدثكم



      قال ابن عباس رضي الله عنهما : فَفُتِحَ له الباب فدخل علينا فإذا هو شيخ أعور وفي لحيته سبع شعرات كشعر الفرس الكبير ، وأنيابه خارجة كأنياب الخنزير وشفتاه كشفتي الثور



      فقال : السلام عليك يا محمد .. السلام عليكم يا جماعة المسلمين



      فقال النبي : السلام لله يا لعين ، قد سمعت حاجتك ما هي



      فقال له إبليس : يا محمد ما جئتك اختياراً ولكن جئتك اضطرارا



      فقال النبي : وما الذي اضطرك يا لعين



      فقال : أتاني ملك من عند رب العزة فقال إن الله تعالى يأمرك أن تأتي لمحمد وأنت صاغر ذليل متواضع وتخبره كيف مَكرُكَ ببني آدم وكيف إغواؤك لهم ، وتَصدُقَه في أي شيء يسألك ، فوعزتي وجلالي لئن كذبته بكذبة واحدة ولم تَصدُقَه لأجعلنك رماداً تذروه الرياح ولأشمتن الأعداء بك ، وقد جئتك يا محمد كما أُمرت فاسأل عما شئت فإن لم أَصدُقَك فيما سألتني عنه شَمَتَت بي الأعداء وما شيء أصعب من شماتة الأعداء



      فقال رسول الله : إن كنت صادقا فأخبرني مَن أبغض الناس إليك؟



      فقال : أنت يا محمد أبغض خلق الله إليّ ، ومن هو على مثلك



      فقال النبي : ماذا تبغض أيضاً؟



      فقال : شاب تقي وهب نفسه لله تعالى



      قال : ثم من؟



      فقال : عالم وَرِع



      قال : ثم من؟



      فقال : من يدوم على طهارة ثلاثة



      قال : ثم من؟



      فقال : فقير صبور إذا لم يصف فقره لأحد ولم يشك ضره



      فقال : وما يدريك أنه صبور؟



      فقال : يا محمد إذا شكا ضره لمخلوق مثله ثلاثة أيام لم يكتب الله له عمل الصابرين



      فقال : ثم من؟



      فقال : غني شاكر



      فقال النبي : وما يدريك أنه شكور؟



      فقال : إذا رأيته يأخذ من حله ويضعه في محله



      فقال النبي : كيف يكون حالك إذا قامت أمتي إلى الصلاة؟



      فقال : يا محمد تلحقني الحمى والرعدة



      فقال : وَلِمَ يا لعين؟



      فقال : إن العبد إذا سجد لله سجدة رفعه الله درجة



      فقال : فإذا صاموا؟



      فقال : أكون مقيداً حتى يفطروا



      فقال : فإذا حجوا؟



      فقال : أكون مجنوناً



      فقال : فإذا قرؤوا القرآن؟



      فقال : أذوب كما يذوب الرصاص على النار



      فقال : فإذا تصدقوا؟



      فقال : فكأنما يأخذ المتصدق المنشار فيجعلني قطعتين



      فقال له النبي : وَلِمَ ذلك يا أبا مُرّة؟



      فقال : إن في الصدقة أربع خصال ... وهي أن الله تعالي يُنزِلُ في ماله البركة وحببه إلي حياته ويجعل صدقته حجاباً بينه وبين النار ويدفع بها عنه العاهات والبلايا



      فقال له النبي : فما تقول في أبي بكر؟



      فقال : يا محمد لَم يُطعني في الجاهلية فكيف يُطعني في الإسلام



      فقال : فما تقول في عمر بن الخطاب؟



      فقال : والله ما لقيته إلا وهربت منه



      فقال : فما تقول في عثمان بن عفان؟



      فقال : استحى ممن استحت منه ملائكة الرحمن



      فقال : فما تقول في علي بن أبي طالب؟



      فقال : ليتني سلمت منه رأساً برأس ويتركني وأتركه ولكنه لم يفعل ذلك قط



      فقال رسول الله : الحمد لله الذي أسعد أمتي وأشقاك إلى يوم معلوم



      فقال له إبليس اللعين : هيهات هيهات .. وأين سعادة أمتك وأنا حي لا أموت إلي يوم معلوم! وكيف تفرح على أمتك وأنا أدخل عليهم في مجاري الدم واللحم وهم لا يروني ، فوالذي خلقني وانظَرَني إلي يوم يبعثون لأغوينهم أجمعين .. جاهلهم وعالمهم وأميهم وقارئهم وفاجرهم وعابدهم إلا عباد الله المخلصين



      فقال : ومن هم المخلصون عندك؟



      فقال : أما علمت يا محمد أن من أحب الدرهم والدينار ليس بمخلص لله تعالى ، وإذا رأيت الرجل لا يحب الدرهم والدينار ولا يحب المدح والثناء علمت أنه مخلص لله تعالى فتركته ، وأن العبد ما دام يحب المال والثناء وقلبه متعلق بشهوات الدنيا فإنه أطوع مما أصف لكم!
      أما علمت أن حب المال من أكبر الكبائر يا محمد ، أما علمت أن حب الرياسة من أكبر الكبائر ، وإن التكبر من أكبر الكبائر



      يا محمد أما علمت إن لي سبعين ألف ولد ، ولكل ولد منهم سبعون ألف شيطان فمنهم من قد وَكّلتُه بالعلماء ومنهم قد وكلته بالشباب ومنهم من وكلته بالمشايخ ومنهم من وكلته بالعجائز ، أما الشبّان فليس بيننا وبينهم خلاف وأما الصبيان فيلعبون بهم كيف شاؤا ، ومنهم من قد وكلته بالعُبّاد ومنهم من قد وكلته بالزهاد فيدخلون عليهم فيخرجوهم من حال إلي حال ومن باب إلي باب حتى يسبّوهم بسبب من الأسباب فآخذ منهم الإخلاص وهم يعبدون الله تعالى بغير إخلاص وما يشعرون



      أما علمت يا محمد أن (برصيص) الراهب أخلص لله سبعين سنة ، كان يعافي بدعوته كل من كان سقيماً فلم اتركه حتى زني وقتل وكفر وهو الذي ذكره الله تعالى في كتابه العزيز بقوله تعالى كمثل الشيطان إذ قال للإنسان أكفر فلما كفر قال إني بريء منك إني أخاف الله رب العالمين



      أما علمت يا محمد أن الكذب منّي وأنا أول من كذب ومن كذب فهو صديقي ، ومن حلف بالله كاذباً فهو حبيبي ، أما علمت يا محمد أني حلفت لآدم وحواء بالله إني لكما لمن الناصحين .. فاليمين الكاذبة سرور قلبي ، والغيبة والنميمة فاكهتي وفرحي ، وشهادة الزور قرة عيني ورضاي ، ومن حلف بالطلاق يوشك أن يأثم ولو كان مرة واحدة ولو كان صادقاً ، فإنه من عَوّدَ لسانه بالطلاق حُرّمَت عليه زوجته! ثم لا يزالون يتناسلون إلي يوم القيامة فيكونون كلهم أولاد زنا فيدخلون النار من أجل كلمة



      يا محمد إن من أمتك من يؤخر الصلاة ساعة فساعة .. كلما يريد أن يقوم إلي الصلاة لَزِمته فأوسوس له وأقول له الوقت باقٍ وأنت في شغل ، حتى يؤخرها ويصليها في غير وقتها فَيُضرَبَ بها في وجهه ، فإن هو غلبني أرسلت إليه واحدة من شياطين الإنس تشغله عن وقتها ، فإن غلبني في ذلك تركته حتى إذا كان في الصلاة قلت له انظر يميناً وشمالاً فينظر .. فعند ذلك أمسح بيدي على وجه وأُقَبّلَ ما بين عينيه وأقول له قد أتيت ما لا يصح أبداً ، وأنت تعلم يا محمد من أَكثَرَ الالتفات في الصلاة يُضرَب ، فإذا صلى وحده أمرته بالعجلة فينقرها كما ينقر الديك الحبة ويبادر بها ، فإن غلبني وصلى في الجماعة ألجمته بلجام ثم أرفع رأسه قبل الإمام وأضعه قبل الإمام وأنت تعلم أن من فعل ذلك بطلت صلاته ، ويمسخ الله رأسه رأس حمار يوم القيامة ، فإن غلبني في ذلك أمرته أن يفرقع أصابعه في الص لاة حتى يكون من المسبحين لي وهو في الصلاة ، فإن غلبني في ذلك نفخت في أنفه حتى يتثاءب وهو في الصلاة فإن لم يضع يده على فيه (فمه) دخل الشيطان في جوفه فيزداد بذلك حرصاً في الدنيا وحباً لها ويكون سميعاً مطيعاً لنا ، وأي سعادة لأمتك وأنا آمر المسكين أنا يدعَ الصلاة وأقول ليست عليك صلاة إنما هي على الذي أنعم الله عليه بالعافية لأن الله تعالي يقول ولا على المريض حرج ، وإذا أفقت صليت ما عليك حتى يموت كافراً فإذا مات تاركاً للصلاة وهو في مرضه لقي الله تعالى وهو غضبان عليه يا محمد



      وإن كنت كذبت أو زغت فأسال الله أن يجعلني رماداً ، يا محمد أتفرح بأمتك وأنا أُخرج سدس أمتك من الإسلام؟



      فقال النبي : يا لعين من جليسك؟



      فقال : آكل الربا



      فقال : فمن صديقك؟



      فقال : الزاني



      فقال: فمن ضجيعك؟



      فقال : السكران



      فقال : فمن ضيفك؟



      فقال : السارق



      فقال : فمن رسولك؟



      فقال : الساحر



      فقال : فما قرة عينيك؟



      فقال : الحلف بالطلاق



      فقال : فمن حبيبك؟



      فقال : تارك صلاة الجمعة



      فقال رسول الله : يا لعين فما يكسر ظهرك؟



      فقال : صهيل الخيل في سبيل الله



      فقال : فما يذيب جسمك؟



      فقال : توبة التائب



      فقال : فما ينضج كبدك؟



      فقال : كثرة الاستغفار لله تعالي بالليل والنهار



      فقال : فما يخزي وجهك؟



      فقال : صدقة السر



      فقال : فما يطمس عينيك؟



      فقال : صلاة الفجر



      فقال : فما يقمع رأسك؟



      فقال : كثرة الصلاة في الجماعة



      فقال : فمن أسعد الناس عندك؟



      فقال : تارك الصلاة عامداً



      فقال : فأي الناس أشقي عندك؟



      فقال : البخلاء



      فقال : فما يشغلك عن عملك؟



      فقال : مجالس العلماء



      فقال : فكيف تأكل وتشرب؟



      فقال : بشمالي وبإصبعي



      فقال : فأين تستظل أولادك في وقت الحرور والسموم؟



      فقال : تحت أظفار الإنسان



      فقال النبي : فكم سألت من ربك حاجة؟



      فقال : عشرة أشياء



      فقال : فما هي يا لعين؟



      فقال : سألته أن يشركني في بني آدم في مالهم وولدهم فأشركني فيهم وذلك قوله تعالى وشاركهم في الأموال والأولاد وَعِدهُم وما يَعِدهُم الشيطان إلا غروراً ، وكل مال لا يُزَكّى فإني آكل منه وآكل من كل طعام خالطه الربا والحرام ، وكل مال لا يُتَعَوَذ عليه من الشيطان الرجيم ، وكل من لا يتعوذ عند الجماع إذا جامع زوجته فإن الشيطان يجامع معه فيأتي الولد سامعاً ومطيعاً ، ومن ركب دابة يسير عليها في غير طلب حلال فإني رفيقه لقوله تعالي وأجلب عليهم بخيلك ورجلك
      وسألته أن يجعل لي بيتاً فكان الحمام لي بيتاً
      وسألته أن يجعل لي مسجداً فكان الأسواق
      وسألته أن يجعل لي قرآناً فكان الشعر
      وسألته أن يجعل لي ضجيعاً فكان السكران
      وسألته أن يجعل لي أعواناً فكان القدرية
      وسألته أن يجعل لي إخواناً فكان الذين ينفقون أموا لهم في المعصية ثم تلا قوله تعالي إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين



      فقال النبي : لولا أتيتني بتصديق كل قول بآية من كتاب الله تعالى ما صدقتك



      فقال : يا محمد سألت الله تعالى أن أرى بنى آدم وهم لا يروني فأجراني على عروقهم مجرى الدم أجول بنفسي كيف شئت وإن شئت في ساعة واحدة .. فقال الله تعالى لك ما سألت ، وأنا أفتخر بذلك إلي يوم القيامة ، وإن من معي أكثر ممن معك وأكثر ذرية آدم معي إلي يوم القيامة
      وإن لي ولداً سميته عتمة يبول في أذن العبد إذا نام عن صلاة الجماعة ، ولولا ذلك ما وجد الناس نوماً حتى يؤدوا الصلاة
      وإن لي ولداً سميته المتقاضي فإذا عمل العبد طاعة سراً وأراد أن يكتمها لا يزال يتقاضى به بين الناس حتى يخبر بها الناس فيمحوا الله تعالى تسعة وتسعين ثواباً من مائة ثواب
      وإن لي ولداً سميته كحيلاً وهو الذي يكحل عيون الناس في مجلس العلماء وعند خطبة الخطيب حتى ينام عند سماع كلام العلماء فلا يكتب له ثواب أبداً
      وما من امرأة تخرج إلا قعد شيطان عند مؤخرتها وشيطان يقع د في حجرها يزينها للناظرين ويقولان لها أَخرِجي يدك فتخرج يدها ثم تبرز ظفرها فتهتك



      ثم قال : يا محمد ليس لي من الإضلال شيء إنما موسوس ومزين ولو كان الإضلال بيدي ما تركت أحداً على وجه الأرض ممن يقول لا إله إلا الله محمد رسول الله ولا صائما ولا مصلياً ، كما أنه ليس لك من الهداية شيء بل أنت رسول ومبلغ ولو كانت بيدك ما تركت على وجه الأرض كافراً ، وإنما أنت حجة الله تعالي على خلقه ، وأنا سبب لمن سبقت له الشقاوة ، والسعيد من أسعده الله في بطن أمه والشقي من أشقاه
      الله في بطن أمه



      فقرأ رسول الله قوله تعالى : ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك
      ثم قرأ قوله تعالى : وكان أمر الله قدراً مقدوراً



      ثم قال النبي يا أبا مُرّة : هل لك أن تتوب وترجع إلى الله تعالى وأنا أضمن لك الجنة؟



      فقال : يا رسول الله قد قُضِيَ الأمر وجَفّ القلم بما هو كائن إلى يوم القيامة فسبحان من جعلك سيد الأنبياء المرسلين وخطيب أهل الجنة فيها وخَصّكَ واصطفاك ، وجعلني سيد الأشقياء وخطيب أهل النار وأنا شقي مطرود ، وهذا آخر ما أخبرتك عنه وقد صدقت فيه



      اللهم صلِ وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وعلى من اتبعه بإحسان إلى يوم الدين، اللهم آمين.


      [/TD]
      [/TR]
      [/TABLE]


      . . . لاشيء يتغير, الأحداث باردة وغرف القلب باردة و العالم كومة صقيع...,, . . .
    • اختي سديم الليل إضااافة اضطررت ان انسخهاا واطبعهااا لروعتهااا
      معلومة مرت علي منذ سنين وكنت ابحث عنهاا رغم النسيان المستمر دااائما
      بوركتي لإضاافتها لنا
      //
      \\
      ربي يسعدج
    • بارك الله جهودكم المتواصلة في سردكم المتواصل والذي بالفعل أحيا في قلوبنا وعقولنا الكثير والكثير من ما عايشته الحياه العطرة لحبيبنا المصطفى صلى الله عليه وسلم ،،،،
      لكم الأجر والثواب بإذنه تعالى فمنكم ومن منهلكم إستفدنا وتعلمنا ما كنا نجهله من أمور ،،،،
      جزيتم الجنان ونعيمها وخيراتها اخي ،،،

      ‏​‏​الاستغفار قصہ طويلہ بدايتها الدنيا و نهايتها الجنہ استغفراللّه العظيم الذي لاإله إلا هو الحي القيوم واتوب اليہ ..