التعريب بين الشاطر والمشطور
شاطر ومشطور وبينهما طازج
بعد أكثر من خمسة و سبعين عاماً من العمل كانت حصيلة مجمع اللغة العربية بالقاهرة هذه النكتة التي يتندر بها المثقفون عليه حين أراد أن يعرب (السندويش).
سواء أكانت هذه الواقعة صحيحة أم لا فإن المشكلة لا تقف عند السندويش وإشكالية تعريبه
إن المشكلة بل الطامة الكبرى أن مجامع اللغة العربية تقف حاجزاً في وجه التقدم العلمي
قد يقال إن هذا الكلام فيه تحامل على مجامع أقل ما يقال عنها أنها سعت لخدمة اللغة العربية
نعم خدمت اللغة العربية ولكن في الاتجاه المعاكس لحركة العلم والنهضة
أولاً : لكونها مجامع وليست مجمع وصار كل واحد منها يعرب بخلاف المجامع الأخرى وكأنهم في مسابقة لاختيار المصطلح الأفضل أو الأجمل
حتى صارت اللغة العربية لغات متعددة وليست لغة واحدة
ورغم أن مكتب التنسيق بين هذه المجامع أنشئ عام 1961 إلا أنه لم يظهر أي أثر لهذا التنسيق .. فلا يزال الاختلاف قائماً على أشده بين هذه المجامع فعلى سبيل المثال تجد الجوال والنقال والمحمول والخليوي وغيرها وكلها أسماء لشيء واحد.
وأيضاً قد لا تكون هناك اشكالية في هذا المصطلح بعينه باعتبار أن عامة الناس يعرفون كل هذه الاسماء وينتقون منها ما يحلو لهم.
لكن ماذا لو عرفت أن جميع العلوم تعرب بهذا الشكل وأنك لو درست علماً ما ثم انتقلت إلى بلد عربي آخر لوجدت صعوبة في التعامل مع المصطلحات وكأنك داخل على لغة أخرى.
ثانياً : إن التعريب لا يجاري حركة العلم ووتيرة التقدم السريعة لتكنولوجيا العصر الحديث فلو أراد دارس أن يقتصر على المعرب من العلوم فإن عليه أن يعود عقوداً للوراء , ولا أدل على ذلك من تجربة تعريب مناهج كليات الطب الأمر الذي جعل الطلبة يدرسون مناهج ألغيت منذ زمن ليس بالقصير في البلدان التي صدرت منها وصارت دراستها أشبه بدراسة كتب ابن سينا والرازي.
ففي كل علم تصدر يومياً آلاف المطبوعات بين نشرات وكتب وفي كل عام يصدر حوالي 7300 مصطلح جديد في مختلف الميادين أي ما يعادل 20 مصطلحاً في اليوم فهل يا ترى تفلح مجامعنا في ملاحقتها بالتعريب أم أنها مشغولة بتعريب الشاطر والمشطور..؟؟!!
الجواب تخبرك به الأرقام .. فمن هذه السبعة آلاف وثلاثمائة مصطلح تعرب الدول العربية مجتمعة حوالي 2500 مصطلح فقط في حين يبقى 4800 مصطلح في طابور الانتظار مع عشرات الآلاف من المصطلحات التي تنتظر دورها بكل صبر
ليس معنى هذا أن نمتنع عن التعريب لكن التعريب يبدأ من التعريب نفسه وليس من فرض المناهج العربية الناقصة لأن فرض المناهج العربية يعتمد على التعريب كماً وكيفا وليس العكس.
نعم يمكن لهذه المناهج المعربة أن تخرج موظفين في الإدارات الحكومية لكنها لا يمكن بأي حال أن تخرج باحثين ومبدعين اللهم إلا في مجال الشريعة أو اللغة نفسها.
ثالثاً : إن التعريب كان من المفترض أن يستبدل الكلمات الدارجة التي جرت على ألسنة الناس والمستوردة من لغات أخرى بكلمات عربية فصيحة كجزء من مشروع الحفاظ على الهوية خاصة في ظل العولمة
لكن مجامعنا لم تأخذ في اعتبارها أن اللسان يستسهل الكلمات ويأخذ بأيسرها فكيف نطلب من ( اللسان) أن يستبدل كلمة بجملة .. فبدلاً من كلمة (فيديو) طُلب من المواطن العربي أن يقول (جهاز تسجيل مرئي ) دفعة واحدة وبدون تنفس
وبدلاً من تلفزيون عليه أن يقول (جهاز إذاعة مرئية) ولا يحذف كلمة جهاز حتى لا يخلط بينه وبين الاذاعة نفسها
وكان حري به أن يعربها إلى (تلفاز) وهو وزن عربي على وزن مِفعال ومنه يشتق تلفزة ومتلفز..الخ.
رابعاً : إشكالية الترجمة .. مما لا شك فيه أن التعريب مرتبط ارتباطاً وثيقاً بالترجمة فلا يمكن أن يقوم أحدهما بمعزل عن الآخر فالترجمة الخاطئة للمصطلحات جعلت الكثير من المثقفين ينفرون منها ويفضلون استخدام المصطلح الأجنبي فعلى سبيل المثال مصطلح أيديولوجيا(ideology) فهو ليس بمعنى عقيدة أو معتقد لأن الأيديولوجيا تتضمن الحركة أو هي ( إطار عقائدي يتضمن برنامج عمل )
كما أنه تمت ترجمة مصطلحات مختلفة إلى معنى واحد مثل (substance) و(essence) بمصطلح عربي واحد هو (جوهر) وترجمت بكلمة (الزعامة) كلاً من (leadership,authority). ووضع للمصطلحين الأجنبيين (technical, artistique ) مصطلح واحد هو (فني)
فالترجمة تغذي المعربين بتراجم خاطئة والمعربين يزودون المترجمين بنفس المصطلحات الخاطئة فيصبح المترجم كمن كذب كذبة ثم صدقها.
خامساً الاقتصار على التعريب من كيس اللغة نفسها
قد لا تقدر اللغة نفسها على الالتزام بتوفير مرادف لكل مصطلح يصدر.. وهذا ما جعل المجامع العربية تلجأ إلى التركيب وهو ليس حلاً للمشكلة بل هو مشكلة في حد ذاته فما المانع من أخذ مصطلح أجنبي وملائمته مع الأوزان الصرفية للغة العربية ليصبح بذلك عربياً .. فاللغات يقتبس بعضها من بعض.
إن العرب قديماً أخذوا مفردات كثيرة من غيرهم ولكنهم بالسليقة كيفوها مع أوزانهم حتى صارت جزءاً من لغتهم.. فعلى سبيل المثال :
أخذوا من (الأكادية (تلميذ - ترجمان - تاجر- جسر.. ومن) السومرية(هيكل - كرسي) والحبشية( مشكاة - منبر - محراب - مائدة - مصحف - جهنم ) واليونانية(ابليس - ازميل - فندق - لص - اسطول - قصدير)، واللاتينية ( صراط - قنطرة - دينار - فردوس - قسطاط ( والفارسية(كوز - جرة - ابريق - ديباج - سندس - زنجبيل - نرجس - بنفسج - خندق - فرسخ ) والسنسكريتية( البارجة - السفينة - ليمون - فيل - جاموس - شطرنج.
ومع ذلك لا يمكن القول أن هذه المفردات ليست عربية بل هي عربية لاشك فيها بعد أن اقتبسها العرب وصارت جزءاً من لغتهم بدليل ورود بعضها في القرآن الكريم الذي قال الله عنه (بلسان عربي مبين).
يقول سيبويه في هذا الصدد( كل ما أرادوا أن يعربوه، ألحقوه ببناء كلامهم، كما يُلْحقون الحروف بالحروف العربية ) (الكتاب:4/304)
ويقول الجوهري في صدد تعريف هذه الظاهرة: ( تعريب الاسم الأعجمي: أن تتفوه به العرب على منهاجها ) (الصحاح: مادة عرب )
وقد أفرد ابن دريد في كتابه "الجمهرة" بابًا بعنوان ( باب ما تكلمت به العرب من كلام العجم حتى صار كاللغة ) وذكر فيه الألفاظ التي أخذها العرب من غيرهم.
وهذا ليس شأن اللغة العربية وحدها بل إن جميع اللغات يقتبس بعضها من بعض والتلاقح بين اللغات أمر مألوف على مر العصور
فالفرنسية يوجد بها أكثر من 8000 مصطلح مستورد من لغات أخرى منها العربية أي ما يعادل 13% من إجمالي مفردات اللغة
ويوجد في اللغة الاسبانية أكثر من 4000 كلمة عربية الأصل .. كما أن اللغة العربية تعد من أبرز اللغات التي أقتبست منها الانجليزية .. فعلى سبيل المثال : أميرالبحر(admiral) .. وعفريت (afreet) ..ودار الصناعة (arsenal).. وعطر (attar).. والقصبة (casbah).. وقهوة (coffee).. وفلاح (fellah).. ونخاع (nucha).. وطبلة (tabla).. وشريف (sharif) وغيرها.*
فالاقتباس ليس شيئاً غريباً ولا هو بدعة وليس له ضرر على اللغة الأم بل هو إثراء لها وهو موجود في جميع اللغات وهذا ما فعله العرب قديماً
أما نحن وفي هذا العصر فقد رفضنا وبشدة أن نأخذ مصطلحات ونكيفها مع أوزان لغتنا من باب الحرص على هويتنا أو من باب الكره للآخر في الوقت الذي تجدنا نحرص وبشدة على نطقها كما جاءت من لغتها الأم
فما المانع من أن نقول (رابوت) على وزن فاعول بدل أن نعربها إلى جملة (إنسان آلي).
نحب نحن العرب أن نفتخر بلغتنا فنقول إنها من أغنى اللغات بالمفردات
نعم هي غنية ولكن مفرداتها كعملة أصحاب الكهف لم تعد تجدي نفعاً وإلا فما فائدة أن يكون للأسد خمسمائة اسم (في وطن خلا من الأسود) وللسيف الذي لم نعد نستخدمه ثلاثمائة اسم وللحمار خمسون اسماً وأنت لا تجد اسماً واحدا لدواء تتناوله أو لجهاز تستخدمه
إننا نحن العرب لم ننجز غير الشعر ولم نفلح إلا في الكلام ومع ذلك عجزنا أن نصنع شيئاً بهذا الكلام حين جاء وقت الصنع به.
العالم من حولنا يخترع ويصنع ويبدع ونحن وقفنا عاجزين حتى عن وضع أسماء لما صنعوه.
صحيح إن خيار التعريب ليس له بديل فهو إما تعريب وإما تغريب لكن التعريب بحالته الراهنة لا يقل سوءاً عن التغريب ولا حل إلا بتوحيد الجهود وصرف الأموال الطائلة من أجل الحفاظ على لغتنا التي هي رمز هويتنا.
الحل يكمن في أمرين لا ثالث لهما :
إما أن تتوحد هذه المجامع في مجمع واحد مع بقائها في بلدانها كفروع للمجمع الرئيسي الذي يكون تحت إشراف جامعة الدول العربية.
ويكون دور مكتب التنسيق بين هذه المجامع هو ترشيح المصطلح الأمثل.
وإما أن يتخصص كل مجمع من هذه المجامع في فرع أو مجموعة فروع من العلوم حتى تتمكن من ملاحقة كل ما يستجد من مصطلحات
ويكون دور مكتب التنسيق هو تزويد الدول العربية بالمفردات التي ليست من تخصصها.
ولا بد من مد جسور التواصل مع الجامعات والمترجمين ودور النشر ومراكز الأبحاث ومراكز السلطة واتخاذ القرار في الوطن العربي ومع الهيئات الثقافية في العالم .
وبدون هذا التواصل ستبقى هذه المجامع في جزيرة نائية لا تعلم شيئاً عن واقع الحياة ولا يدري بها أحد اللهم إلا كبار السن من علماء اللغة الذين وجدوها منفساً من رتابة التقاعد ليلقوا فيها خطباً رنانة تشيد بإنجازاتهم الأسطورية كما فعلوا في الذكرى الخامسة والسبعين لتأسيس المجمع أو عمال النظافة الذين ينفضون الغبار عن المعاجم التي كتبها هؤلاء العلماء في مسيرة الخمسة والسبعين عاماً.
وسيكون على الأجيال القادمة أن تعيد النظر في لغة ركيكة ورثوها عن أسلافهم لا تعبر عن واقعهم أو أن يلقوها وراء ظهورهم ويلجأوا إلى لغة أخرى ليعاصروا زمانهم.
---------------------------------------
شاطر ومشطور وبينهما طازج
بعد أكثر من خمسة و سبعين عاماً من العمل كانت حصيلة مجمع اللغة العربية بالقاهرة هذه النكتة التي يتندر بها المثقفون عليه حين أراد أن يعرب (السندويش).
سواء أكانت هذه الواقعة صحيحة أم لا فإن المشكلة لا تقف عند السندويش وإشكالية تعريبه
إن المشكلة بل الطامة الكبرى أن مجامع اللغة العربية تقف حاجزاً في وجه التقدم العلمي
قد يقال إن هذا الكلام فيه تحامل على مجامع أقل ما يقال عنها أنها سعت لخدمة اللغة العربية
نعم خدمت اللغة العربية ولكن في الاتجاه المعاكس لحركة العلم والنهضة
أولاً : لكونها مجامع وليست مجمع وصار كل واحد منها يعرب بخلاف المجامع الأخرى وكأنهم في مسابقة لاختيار المصطلح الأفضل أو الأجمل
حتى صارت اللغة العربية لغات متعددة وليست لغة واحدة
ورغم أن مكتب التنسيق بين هذه المجامع أنشئ عام 1961 إلا أنه لم يظهر أي أثر لهذا التنسيق .. فلا يزال الاختلاف قائماً على أشده بين هذه المجامع فعلى سبيل المثال تجد الجوال والنقال والمحمول والخليوي وغيرها وكلها أسماء لشيء واحد.
وأيضاً قد لا تكون هناك اشكالية في هذا المصطلح بعينه باعتبار أن عامة الناس يعرفون كل هذه الاسماء وينتقون منها ما يحلو لهم.
لكن ماذا لو عرفت أن جميع العلوم تعرب بهذا الشكل وأنك لو درست علماً ما ثم انتقلت إلى بلد عربي آخر لوجدت صعوبة في التعامل مع المصطلحات وكأنك داخل على لغة أخرى.
ثانياً : إن التعريب لا يجاري حركة العلم ووتيرة التقدم السريعة لتكنولوجيا العصر الحديث فلو أراد دارس أن يقتصر على المعرب من العلوم فإن عليه أن يعود عقوداً للوراء , ولا أدل على ذلك من تجربة تعريب مناهج كليات الطب الأمر الذي جعل الطلبة يدرسون مناهج ألغيت منذ زمن ليس بالقصير في البلدان التي صدرت منها وصارت دراستها أشبه بدراسة كتب ابن سينا والرازي.
ففي كل علم تصدر يومياً آلاف المطبوعات بين نشرات وكتب وفي كل عام يصدر حوالي 7300 مصطلح جديد في مختلف الميادين أي ما يعادل 20 مصطلحاً في اليوم فهل يا ترى تفلح مجامعنا في ملاحقتها بالتعريب أم أنها مشغولة بتعريب الشاطر والمشطور..؟؟!!
الجواب تخبرك به الأرقام .. فمن هذه السبعة آلاف وثلاثمائة مصطلح تعرب الدول العربية مجتمعة حوالي 2500 مصطلح فقط في حين يبقى 4800 مصطلح في طابور الانتظار مع عشرات الآلاف من المصطلحات التي تنتظر دورها بكل صبر
ليس معنى هذا أن نمتنع عن التعريب لكن التعريب يبدأ من التعريب نفسه وليس من فرض المناهج العربية الناقصة لأن فرض المناهج العربية يعتمد على التعريب كماً وكيفا وليس العكس.
نعم يمكن لهذه المناهج المعربة أن تخرج موظفين في الإدارات الحكومية لكنها لا يمكن بأي حال أن تخرج باحثين ومبدعين اللهم إلا في مجال الشريعة أو اللغة نفسها.
ثالثاً : إن التعريب كان من المفترض أن يستبدل الكلمات الدارجة التي جرت على ألسنة الناس والمستوردة من لغات أخرى بكلمات عربية فصيحة كجزء من مشروع الحفاظ على الهوية خاصة في ظل العولمة
لكن مجامعنا لم تأخذ في اعتبارها أن اللسان يستسهل الكلمات ويأخذ بأيسرها فكيف نطلب من ( اللسان) أن يستبدل كلمة بجملة .. فبدلاً من كلمة (فيديو) طُلب من المواطن العربي أن يقول (جهاز تسجيل مرئي ) دفعة واحدة وبدون تنفس
وبدلاً من تلفزيون عليه أن يقول (جهاز إذاعة مرئية) ولا يحذف كلمة جهاز حتى لا يخلط بينه وبين الاذاعة نفسها
وكان حري به أن يعربها إلى (تلفاز) وهو وزن عربي على وزن مِفعال ومنه يشتق تلفزة ومتلفز..الخ.
رابعاً : إشكالية الترجمة .. مما لا شك فيه أن التعريب مرتبط ارتباطاً وثيقاً بالترجمة فلا يمكن أن يقوم أحدهما بمعزل عن الآخر فالترجمة الخاطئة للمصطلحات جعلت الكثير من المثقفين ينفرون منها ويفضلون استخدام المصطلح الأجنبي فعلى سبيل المثال مصطلح أيديولوجيا(ideology) فهو ليس بمعنى عقيدة أو معتقد لأن الأيديولوجيا تتضمن الحركة أو هي ( إطار عقائدي يتضمن برنامج عمل )
كما أنه تمت ترجمة مصطلحات مختلفة إلى معنى واحد مثل (substance) و(essence) بمصطلح عربي واحد هو (جوهر) وترجمت بكلمة (الزعامة) كلاً من (leadership,authority). ووضع للمصطلحين الأجنبيين (technical, artistique ) مصطلح واحد هو (فني)
فالترجمة تغذي المعربين بتراجم خاطئة والمعربين يزودون المترجمين بنفس المصطلحات الخاطئة فيصبح المترجم كمن كذب كذبة ثم صدقها.
خامساً الاقتصار على التعريب من كيس اللغة نفسها
قد لا تقدر اللغة نفسها على الالتزام بتوفير مرادف لكل مصطلح يصدر.. وهذا ما جعل المجامع العربية تلجأ إلى التركيب وهو ليس حلاً للمشكلة بل هو مشكلة في حد ذاته فما المانع من أخذ مصطلح أجنبي وملائمته مع الأوزان الصرفية للغة العربية ليصبح بذلك عربياً .. فاللغات يقتبس بعضها من بعض.
إن العرب قديماً أخذوا مفردات كثيرة من غيرهم ولكنهم بالسليقة كيفوها مع أوزانهم حتى صارت جزءاً من لغتهم.. فعلى سبيل المثال :
أخذوا من (الأكادية (تلميذ - ترجمان - تاجر- جسر.. ومن) السومرية(هيكل - كرسي) والحبشية( مشكاة - منبر - محراب - مائدة - مصحف - جهنم ) واليونانية(ابليس - ازميل - فندق - لص - اسطول - قصدير)، واللاتينية ( صراط - قنطرة - دينار - فردوس - قسطاط ( والفارسية(كوز - جرة - ابريق - ديباج - سندس - زنجبيل - نرجس - بنفسج - خندق - فرسخ ) والسنسكريتية( البارجة - السفينة - ليمون - فيل - جاموس - شطرنج.
ومع ذلك لا يمكن القول أن هذه المفردات ليست عربية بل هي عربية لاشك فيها بعد أن اقتبسها العرب وصارت جزءاً من لغتهم بدليل ورود بعضها في القرآن الكريم الذي قال الله عنه (بلسان عربي مبين).
يقول سيبويه في هذا الصدد( كل ما أرادوا أن يعربوه، ألحقوه ببناء كلامهم، كما يُلْحقون الحروف بالحروف العربية ) (الكتاب:4/304)
ويقول الجوهري في صدد تعريف هذه الظاهرة: ( تعريب الاسم الأعجمي: أن تتفوه به العرب على منهاجها ) (الصحاح: مادة عرب )
وقد أفرد ابن دريد في كتابه "الجمهرة" بابًا بعنوان ( باب ما تكلمت به العرب من كلام العجم حتى صار كاللغة ) وذكر فيه الألفاظ التي أخذها العرب من غيرهم.
وهذا ليس شأن اللغة العربية وحدها بل إن جميع اللغات يقتبس بعضها من بعض والتلاقح بين اللغات أمر مألوف على مر العصور
فالفرنسية يوجد بها أكثر من 8000 مصطلح مستورد من لغات أخرى منها العربية أي ما يعادل 13% من إجمالي مفردات اللغة
ويوجد في اللغة الاسبانية أكثر من 4000 كلمة عربية الأصل .. كما أن اللغة العربية تعد من أبرز اللغات التي أقتبست منها الانجليزية .. فعلى سبيل المثال : أميرالبحر(admiral) .. وعفريت (afreet) ..ودار الصناعة (arsenal).. وعطر (attar).. والقصبة (casbah).. وقهوة (coffee).. وفلاح (fellah).. ونخاع (nucha).. وطبلة (tabla).. وشريف (sharif) وغيرها.*
فالاقتباس ليس شيئاً غريباً ولا هو بدعة وليس له ضرر على اللغة الأم بل هو إثراء لها وهو موجود في جميع اللغات وهذا ما فعله العرب قديماً
أما نحن وفي هذا العصر فقد رفضنا وبشدة أن نأخذ مصطلحات ونكيفها مع أوزان لغتنا من باب الحرص على هويتنا أو من باب الكره للآخر في الوقت الذي تجدنا نحرص وبشدة على نطقها كما جاءت من لغتها الأم
فما المانع من أن نقول (رابوت) على وزن فاعول بدل أن نعربها إلى جملة (إنسان آلي).
نحب نحن العرب أن نفتخر بلغتنا فنقول إنها من أغنى اللغات بالمفردات
نعم هي غنية ولكن مفرداتها كعملة أصحاب الكهف لم تعد تجدي نفعاً وإلا فما فائدة أن يكون للأسد خمسمائة اسم (في وطن خلا من الأسود) وللسيف الذي لم نعد نستخدمه ثلاثمائة اسم وللحمار خمسون اسماً وأنت لا تجد اسماً واحدا لدواء تتناوله أو لجهاز تستخدمه
إننا نحن العرب لم ننجز غير الشعر ولم نفلح إلا في الكلام ومع ذلك عجزنا أن نصنع شيئاً بهذا الكلام حين جاء وقت الصنع به.
العالم من حولنا يخترع ويصنع ويبدع ونحن وقفنا عاجزين حتى عن وضع أسماء لما صنعوه.
صحيح إن خيار التعريب ليس له بديل فهو إما تعريب وإما تغريب لكن التعريب بحالته الراهنة لا يقل سوءاً عن التغريب ولا حل إلا بتوحيد الجهود وصرف الأموال الطائلة من أجل الحفاظ على لغتنا التي هي رمز هويتنا.
الحل يكمن في أمرين لا ثالث لهما :
إما أن تتوحد هذه المجامع في مجمع واحد مع بقائها في بلدانها كفروع للمجمع الرئيسي الذي يكون تحت إشراف جامعة الدول العربية.
ويكون دور مكتب التنسيق بين هذه المجامع هو ترشيح المصطلح الأمثل.
وإما أن يتخصص كل مجمع من هذه المجامع في فرع أو مجموعة فروع من العلوم حتى تتمكن من ملاحقة كل ما يستجد من مصطلحات
ويكون دور مكتب التنسيق هو تزويد الدول العربية بالمفردات التي ليست من تخصصها.
ولا بد من مد جسور التواصل مع الجامعات والمترجمين ودور النشر ومراكز الأبحاث ومراكز السلطة واتخاذ القرار في الوطن العربي ومع الهيئات الثقافية في العالم .
وبدون هذا التواصل ستبقى هذه المجامع في جزيرة نائية لا تعلم شيئاً عن واقع الحياة ولا يدري بها أحد اللهم إلا كبار السن من علماء اللغة الذين وجدوها منفساً من رتابة التقاعد ليلقوا فيها خطباً رنانة تشيد بإنجازاتهم الأسطورية كما فعلوا في الذكرى الخامسة والسبعين لتأسيس المجمع أو عمال النظافة الذين ينفضون الغبار عن المعاجم التي كتبها هؤلاء العلماء في مسيرة الخمسة والسبعين عاماً.
وسيكون على الأجيال القادمة أن تعيد النظر في لغة ركيكة ورثوها عن أسلافهم لا تعبر عن واقعهم أو أن يلقوها وراء ظهورهم ويلجأوا إلى لغة أخرى ليعاصروا زمانهم.
---------------------------------------
قُرئت هذه المقالة في
¨°o.O ( على كف القدر نمشي ولا ندري عن المكتوب ) O.o°¨
---
أتمنى لكم إقامة طيبة في الساحة العمانية
---
أتمنى لكم إقامة طيبة في الساحة العمانية
وأدعوكم للإستفادة بمقالات متقدمة في مجال التقنية والأمن الإلكتروني
رابط مباشر للمقالات هنا. ومن لديه الرغبة بتعلم البرمجة بلغات مختلفة أعرض لكم بعض
المشاريع التي برمجتها مفتوحة المصدر ومجانا للجميع من هنا. تجدون أيضا بعض البرامج المجانية التي قمت بتطويرها بذات الموقع ..
والكثير من أسرار التقنية في عالمي الثاني Eagle Eye Digital Solutions
رابط مباشر للمقالات هنا. ومن لديه الرغبة بتعلم البرمجة بلغات مختلفة أعرض لكم بعض
المشاريع التي برمجتها مفتوحة المصدر ومجانا للجميع من هنا. تجدون أيضا بعض البرامج المجانية التي قمت بتطويرها بذات الموقع ..
والكثير من أسرار التقنية في عالمي الثاني Eagle Eye Digital Solutions