"استشراق إقامة ماضية"..ديوان يتمرد على الو

    • "استشراق إقامة ماضية"..ديوان يتمرد على الو

      * أهم ما يميز هذه التجربة انحيازها لحساسية الكتابة الشعرية الجديدة من خلال تقنيات ورؤى ذات طبيعة حداثية

      القاهرة -ش

      يعتبر الشاعر محمد السيد إسماعيل واحداً من المبدعين القلائل الذين وُهبوا للشعر والنقد، حيث يستطيع نقد أعماله قبل ظهورها، لذا يجيء نصه متماسكا وخاليا إلى درجة كبيرة مما ينتقص قيمته أو يخل بالنص الشعري.. فمن خلال ديوانه"استشراق إقامة ماضية"، استطاع أن يعكس من الديوان ومضات شعرية تتحدى الواقع، صدر ديوانه ضمن إصدارات سلسلة الإبداع الشعري المعاصر، التي تقوم بإصدارها الهيئة العامة للكتاب.

      وتعد تجربة هذا الديوان ذات طابع طليعي، فهي لا تتضامن مع ما هو سائد، ولكنها تطرح شهادة جديدة، ومعاناة إبداعية غير مسبوقة، وهذه دائما سمة الإبداع الكبير، الذي يساهم في تطوير الساحة الشعرية والإضافة لها. وأهم ما يميز هذه التجربة انحيازها لحساسية الكتابة الشعرية الجديدة من خلال تقنيات ورؤى ذات طبيعة حداثية، عندما يناقش الشاعر فيها العلاقة بين الذات الفردية والذات الجماعية، وعندما يستنكر هذا الفراغ الوحشي، ويستنكر معنى العنف بوجهه القبيح وغير الآدمي، وعندما يهتم بأصغر تفاصيل الحياة اليومية العابرة المصرية لأنها تشكل طبيعة حياتنا الجديدة، بعد أن تبخرت المعاني الكلية التقليدية، ولم يعد لها أي تأثير يذكر على حياتنا الفعلية، وعندما يمجد الشاعر الإنسان القروي البسيط، مما يدفعه لتأمل الذات ومحاولة فهمها فهما جديدا يتناسب مع ظروف الحياة اليوم.

      ولعل من ملامح الانحياز للكتابة الجديدة أيضا، الاهتمام بشكل القصيدة القصيرة؛ لأن القصيدة العربية التقليدية هي قصيدة متوسطة الطول، والشكلان الجديدان اللذان عبرا عن مرحلة التجديد، هما شكل القصيدة الطويلة والقصيدة القصيرة أو شديدة القصر، وهي التي تشير إلى الاهتمام بالجزئي بعد أن صار يشكل أهمية لا تقل عن أهمية الكبير والكليّ، وبعد أن صار التفصيلي معلماً من معالم حياتنا.

      "الإحساس بالفراغ مؤلم عندما يتربص بالإنسان".. هذا ما يحاول النص الأول من الديوان، التأكيد عليه تحت عنوان "الفراغ"، عندما اكتشف أن جسده انتهى إلى الفراغ، وأن الكلام كله ينتهي إلى الفراغ، وإذا تأملنا هذا النص سيجعلنا نشعر كأن الشاعر يريد فيه أن يدين العالم، وأن يرفض هذا الواقع الهش الذي لم يضف له أي شيء على الإطلاق، ويظل معني الفراغ يتوزع على قصائد الديوان كله، فهناك قصيدة تسمى"وقوف"، تنتهي بالمعنى ذاته، حيث الفراغ وعدم الجدوى، وتؤكد على أن الإحساس بالفراغ من أهم أسباب الشعور بالمعاناة والرثاء للنفس، بما قد يعبر الإحساس بالفراغ عن أزمة نفسية ناتجة عن العجز في ضبط التوازن النفسي، لأسباب اجتماعية وإنسانية عامة، عندما لا تتحقق مطالب الفرد في المجتمع.

      وثالث قصائد الديوان "تسلقوا الجدران"، لا تزيد على كونها نصا يتحدث عن شخص يقف ليحرس الفراغ، وهذا الشخص لا تربطه بالعالم أية علاقة، فيما يكون العالم خاوياً من حوله، ولكن عليه أن يظل واقفا ليحرس هذا الفراغ، وفي قلب هذه الوحدة الأليمة يحضر مجموعة من الأشخاص، ولا نعرف هل هم أشخاص حقيقيون، أم أنهم ذكريات قديمة استيقظت في رأسه على حين غرة؟ أم أنهم أصدقاء الطفولة، أم مجموعة من الأحباء الغائبين؟ أم أنهم مجموعة من الضباط والمخبرين، ولكنهم حضروا إليه فجأة، أم لم يحضروا؟ وهل هم تسلقوا الجدار ليصلوا له أم لم يتسلقوه؟ وهكذا يضع الشاعر نفسه ويضع قارئه في دائرة من التساؤلات المبهمة، التي تؤكد غرابة العالم وغموضه.

      وبالعودة إلى قصيدة "وقوف"، نجد أنها من القصائد التي تبين كيف يطرح الشاعر الجديد طبيعة التفاصيل الصغيرة في حياتنا اليومية، بل يمكن أن يركز على أدق التفاصيل، وهذا ينسجم مع طبيعة العصر الجديد الذي نعيشه اليوم، فكل كيان كبير ينقسم إلى أجزائه الصغيرة التي هي مكوناته الأساسية، وكل جزء صغير يبدأ في التضخم، حتى يبدأ بدوره في الانقسام إلى مكوناته الأصغر، وتظل المسأله هكذا دواليك، وهذا ما يمكن أن نلاحظه في أية ظاهرة من حولنا، فقد خف الحديث عن القومية العربية على سبيل المثال، أو قل كثيرا، عما كان منذ عقود، بينما ازداد الحديث عما يمكن تسميته بالقومية المصرية، أما الذي استجد في المراحل الأخيرة، فهو الحديث عن هذه المقومات القومية المصرية، فتفجرت فضايا كثيرة في الآونة الأخيرة تخص الأقباط، وكذلك البدو، والنوبيين وهذا لا يعني انقسام مصر، بل انتباه كل فصيل لطبيعته وتكوينه وأحلامه داخل الوحدة المصرية الكبيرة.

      * تيمة الموت

      وتتبدي تيمة الموت في سياق الرؤية الجماعية، المدعومة بالتجربة حول علاقة الذات بمصيرها، حيث أتاح الشاعر فرصة للمعرفة، وللحكمة على امتداد التاريخ البشري، والموت له مكان رئيس في هذا الديوان، ويعالج الشاعر موضوعه ببعده المعنوي ماديا أو جسديا أحيانا، ولبعده معنى رمزيا، يتسلل إلى كل أشكال الإحباطات والمعوقات في حياتنا اليومية في أحيان أخرى، فالشاعر يعيش لحظة أليمة من لحظات الهزيمة التي تمر بنا جميعا، فالشيء لديه يتساوى بلا شيء، وتسقط البناية فوق الشاعر بعد أن دخلها توا أو لا تسقط سيان، ويبقى عنوان القصيدة شاملا فهو لا يعني بالضرورة موت الجسد الحي، بل قد يكون موت المعنى أو الفكرة أو الموقف.

      والجانب الحسي له مكانة كبيرة في الشعر الجديد بعامة، وله سطوته في الطبيعة الشعرية المعاصرة، وتبدو بؤرة الاستقطاب فيه من خلال الاعتراف الواقعي بالجسد الإنساني، والدعوة للحد من محاولات تغييبه، وتتضمن احترام مطالبه والاعتراف بمشروعيتها.

      ومن ناحية فنية، نجد أن الجانب الحسي يعتمد على درجة من الوعي يتم فيها تطويع الكلمة الشعرية لتحمل مجمل ذبذبات الحياة، وهنا تلتئم معطيات الحس في وحدة متكاملة، وهذا التلقيم الحسي، يتم فيه تلقي المعطيات الحسية والبصرية، غالبا قبل أن تتدخل الخبرات الأخرى، ويمكن للناقد أن يدرك نسبة الحساسية والذكاء في تكوينها، وفي نصوص شاعرنا نحس بالجانب الحسي، من خلال عنصر التشبيه في تشكيل الصورة، دون أن تدخل في نطاق الاستعارات الغامضة، أو الرمز الغارق في غيبوبته، ودون أن نصل إلى تخييل شعري أسطوري، فالمعنى واضح وبسيط ونافذ بسهولة إلى عقلية المتلقي، وفي قصيدة "قيمة الأصابع" على سبيل المثال، نستشعر هذه الحسية بقوة، فعلاوة على المعنى الغزلي، الذي يقارن فيه الشاعر بين عين الحبيبة وعين الماء النقية الصافية، ويلتقط هذا الشعور الحسي الذي يشبه قعقعة أواني الذهب، ويتحدث الشاعر عن الحب، كما لو كان نوعا من اللعب الإنساني الجميل بين المحبين.. مشيرا إلى أن الحب هو الهواء الذي يتنفسه المحبوب، ويشير في آخر هذه القصيدة إلى معنى حسي كثيف، هو قيمة الأصابع التي تدفعها يقظة الحنين، وخاصة أن الأصابع يكون لها دور حسي حاسم في خلال الاحتضان الحميم.

      مستندًا إلى قانون الاستجابة البدائي الذي يجعل الموقف الجمالي مرتكزا إلى المنبهات الحسية الحادة؛ مثل البصر والشم واللمس والذاكرة، ولعل هذا الاستخدام الشعري الحاد يتعمد تثبيت مجال الإدراك بقصره على تلك الجوانب الملموسة، وهذه سمة الكتابة الجديدة اليوم.

      أكثر...


      ¨°o.O ( على كف القدر نمشي ولا ندري عن المكتوب ) O.o°¨
      ---
      أتمنى لكم إقامة طيبة في الساحة العمانية

      وأدعوكم للإستفادة بمقالات متقدمة في مجال التقنية والأمن الإلكتروني
      رابط مباشر للمقالات هنا. ومن لديه الرغبة بتعلم البرمجة بلغات مختلفة أعرض لكم بعض
      المشاريع التي برمجتها مفتوحة المصدر ومجانا للجميع من هنا. تجدون أيضا بعض البرامج المجانية التي قمت بتطويرها بذات الموقع ..
      والكثير من أسرار التقنية في عالمي الثاني
      Eagle Eye Digital Solutions