فتاوى وأحكام
مع قرب حلول الشهر الكريم .. تهيأ لموسم الطاعات
يوسف عليه السلام مع إخوته ودخول أبويه إلى مصر
داء طول الأمل
التعدد .. حكم ومقاصد
لماذا يتخلف التلاميذ دراسيا؟
أبناؤنا والصلاة
سبيلك إلى توبة صادقة
40 بابا للخير
إليك أخي الطالب
احذر فساد مضغة جسدك
مدارس إسلامية عبر التاريخ
--------------------------------------------------------------------------------
فتاوى وأحكام
* ما قولكم فيمن اعتمر عن امواته مثل امه وابيه وغيرهم فهل في ذلك حرج؟
** لا حرج في ذلك. والله اعلم.
* هل هناك عدد من العمرات تكفي عن حجة الفريضة؟
** لا يغني عن الحجة المفروضة الاعتمار ولو تكرر فلا بد من اداء فريضة الحج والله اعلم.
* ما قولكم فيمن قصد مكة المكرمة حاجا فأحرم بعمرة وبعد إحلاله من العمرة بدا له ان يخرج الى المدينة المنورة لامر ما فهل عند رجوعه الى مكة ان يحرم بعمرة عن احد اقاربه ام ماذا عليه ان يفعل؟
** لا تتكرر العمرة في اشهر الحج وان اراد العودة العودة بإحرام الى مكة فليكن إحرامه بالحج والله اعلم.
* هل يجوز اعتمار عمرتين خلال اسبوع؟
** لا مانع من ذلك والله اعلم.
* ما رأيكم فيمن أدى العمرة عن نفسه وفي نفس الوقت استأجر ليعتمر عن شخص اخر هل يجوز ام لا؟
** ان كان اجر ليعتمر عن غيره عمرة ينشؤها من الحل القريب الى الحرم بعد فراغه من عمرته فلا حرج في ذلك مع التزامه جميع واجبات العمرة ولكن لا ينبغي للانسان ان يجعل العمرة تجارة والله اعلم.
* هل تجوز عمرة التطوع بعد الاحلال من عمرة التمتع وقبل الاحرام للحج؟ وهل تجوز بعد الافاضة من منى في اليوم الثاني عشر؟
** الاعتمار ينافي التمتع فلا يجوز الا بعد ايام التشريق والله اعلم.
* ما قولكم فيمن خرج لاداء العمرة وبعد انتهاء عمرته اعتمر الثانية والثالثة والرابعة هل يصح تكرار هذه العمرات ام لا يصح سواء كان مستأجرا او متطوعا افدنا اجرك الله تعالى؟
** اختلف اصحابنا وغيرهم في جواز تكرار العمرة والقول الصحيح الجواز لعدم قيام دليل على المنع لان العمرة ليست موقوتة بوقت كالحج بل هي كسائر أعمال البر غير الموقوتة فحكمها كحكمها في جواز التكرار والحديث دال على الترغيب فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:( تابعوا بين الحج والعمرة فإنهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد والذهب والفضة) وما دامت ممكنة العمرة في جميع الاوقات فيحمل الترغيب في الحديث على ذلك بخلاف الحج لعدم جوازه الا في ميقات زمني معين وفي حديث اخر عنه صلى الله عليه وسلم ( العمرة الى العمرة كفارة لما بينها والحج المبرور ليس له جزء إلا الجنة). والله اعلم
* ما قولكم فيمن قصد العمرة من عمان واحرم من ذي الحليفة ايجوز له ان يعتمر بعدما احل من عمرته بما شاء من العمرات عنه او عن غيره وهكذا من قضى الحج عنه أو عن غيره أيجوز له أن يعتمر ليلة الثالث عشر من ذي الحجة عنه او عن من استأجر؟
** من قصد مكة للعمرة فلا مانع بعد قضاء مناسكها ان يكرر العمرة متى شاء واما الحج فيقضي مناسكه اولا ثم ان شاء الاعتمار عن الغير فليعتمر من الرابع عشر فصاعدا اي بعد ايام التشريق. والله اعلم.
* هل تجوز العمرة قبل الحج؟
** العمرة جائزة قبل الحج وبعده وانما يمنع المتمتع من العمرة الى الحج ان يفصل بينهما بعمرة اخرى. والله اعلم.
يجيب عن أسئلتكم
سماحة الشيخ أحمد بن حمد الخليلي
المفتي العام للسلطنة
--------------------------------------------------------------------------------
مع قرب حلول الشهر الكريم
تهيأ لموسم الطاعات
ـ لا بد من إدراك المقاصد السامية من مشروعية صيام رمضان
ـ شهر رمضان مدرسة متكاملة الأبعاد وعظيمة النفع والفائدة
ـ صيام كافة الجوارح عن الحرام تزكية للنفس وخلاص لها
لا نبالغ إن قلنا أن كل المسلمين في شتى أصقاع الأرض متلهفين لاستقبال الضيف الذي يطل كل عام ، ذلكم هو شهر رمضان المبارك ، الموسم الذي أراده المولى سبحانه لكي يكون محطة تحين في كل عام مرة تسعة وعشرين يوما أو ثلاثين يوما ليتزود منها العباد بوقود الإيمان وزاد التقوى ، وهو مدرسة تصنع الأبرار الأخيار من البشر حين يعطوها قدرها.
خصوصيات في شهر الصوم
قال الحق سبحان وتعالى مبينًا منزلة هذا الشهر الكريم: (شهر رمضان الذي انزل فيه القرآن. هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر).
إن تناول الجوانب الروحية والفكرية والسلوكية لهذا الشهر الكريم يجب أن يتجاوز التناولات المألوفة والمكررة في النظر لهذا الشهر الكريم باعتباره موسما عابرا في حياة الفرد والمجتمع في عالمنا الإسلامي. بل يجب النظر إلى هذا الشهر ضمن النظرة التراتبية للمفهوم الإسلامي الشامل والرؤية الإسلامية للإنسان والكون والحياة بمعنى آخر يجب تكثيف النظرة إلى هذا الشهر من خلال مجموعة اعتبارات يجب إدراكها وفهم قواعدها كتلبية للإيحاءات والدلالات الملازمة لكل أنواع العبادات في الإسلام.
وعليه فإن النظرة إلى شهر رمضان يجب أن تشمل كل الأبعاد الرفيعة لهذا الشهر الكريم باعتباره مجموعة من الثورات الداخلية للإنسان المسلم فهو ثورة على المادة وفق مدلولاتها المتغيرة وباعتبار الانشداد الفطري لمادة الإنسان إلى نظائرها الأمر الذي يجعل من الإنسان أسيراً لهذه العلاقة.
وهو ثورة على النفس ورغباتها وفرصة لكسر جموحها وارغامها على الصبر على الخروج على المألوفية والنمطية التي يرتهن الإنسان المسلم لها طوال العام.
كما هو ثورة على الوعي الفردي والإنساني باعتبار الخصوصية الشعورية للإنسان المسلم بمختلف اتجاهاتها الرأسية والأفقية، والتي تتبدى في ضغط هذا الوعي باتجاه هذه الخصوصية في العلاقة مع الخالق جل وعلا ومع كتابه العزيز ومع الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم وسنته الشريفة وشمولية هذه الخصوصية لكل المناخات المرافقة لها.
وعليه فهذه دعوة للتخطيط المؤسسي والفردي للتعامل مع هذا الشهر الكريم ـ تخطيطا يراعي هذه النظرة وذلك بهدف رسم التفاعلات الكفيلة باستغلال هذا الشهر ـ وبما يحقق الاستفادة القصوى منه ـ كحل لكثير من مشكلات الأمة والتي أبرزها الإشكالات الناتجة عن افرازات الصراع الإنساني الكبير مع المادة والشيطان والأهواء ضمن المعادلة الحضارية الإسلامية الشاملة.
وقفات رمضانية
هذه وقفات قصيرة في مستهل هذا الشهر الكريم تحيي القلوب،وتذكر النفوس وتقوي العزائم:
الوقفة الأولى: أذكرك ـ أخي المسلم ـ بأصل الخلق وسبب الوجود قال الله عز وجل: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ) قال النووي: وهذا تصريح بأنهم خلقوا للعبادة، فحق عليهم الاعتناء بما خلقوا له، والإعراض عن حظوظ الدنيا بالزهادة، فإنها دار نفاد لا محل إخلاد ـ ومركب عبور لا منزل حبور، ومشرع انفصام لا موطن دوام.
وأجل تلك النعم وأعظمها نعمة الإسلام، فكم يعيش على هذه الأرض أمم حرمت شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله. وهذا فضل الله يؤتيه من يشاء.. ثم احمد الله عز وجل على نعمة الهداية والتوفيق، فكم ممن ينتسب إلى الإسلام وهم مخالفون لتعاليمه ظاهرا وباطنا، مفرطون في الواجبات غارقون في المعاصي والآثام، فاللهم لك الحمد.
الوقفة الثانية: من نعم الله عليك أن مد في عمرك وجعلك تدرك هذا الشهر العظيم، فكم غيب الموت من صاحب، ووارى الثرى من حبيب.. فإن طول العمر والبقاء على قيد الحياة فرصة للتزود من الطاعات، والتقرب إلى الله عز وجل بالعمل الصالح. فرأس مال المسلم هو عمره، لذا احرص على أوقاتك وساعاتك حتى لا تضيع سدى، وتذكر من صام معنا العام الماضي وصلى العيد!! ثم أين هو الآن بعد أن غيبه الموت؟! واجعل لك نصيبا من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اغتنم خمسا قبل خمس: حياتك قبل موتك، وصحتك قبل سقمك، وفراغك قبل شغلك، وشبابك قبل هرمك، وغناك قبل فقرك). واحرص أن تكون من خيار الناس كما أخبر بذلك الرسول صلى الله عليه وسلم فعن أبي بكر ـ رضي الله عنه ـ أن رجلا قال: يا رسول الله، أي الناس خير؟ قال صلى الله عليه وسلم: (من طال عمره، وحسن عمله) قال!: فأي الناس شر؟ قال صلى الله عليه وسلم: (من طال عمره، وساء عمله).
الوقفة الثالثة: يجب الإخلاص في النية، وصدق التوجه إلى الله عز وجل، واحذر وأنت تعمل الطاعات مداخل الرياء والسمعة فإنها داء خطير قد تحبط العمل، واكتم حسناتك وأخفها كما تكتم وتخفي سيئاتك وعيوبك، واجعل لك خبيئة من عمل صالح لا يعلم به إلا الله عز وجل.. من صلاة نافلة، أو دمعة في ظلمة الليل، أو صدقة سر، واعلم أن الله عز وجل لا يتقبل إلا من المتقين، فاحرص على التقوى (إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنْ الْمُتَّقِينَ) ولا تكن ممن يأبون دخول الجنة.. كما ذكر ذلك الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله: (كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى). قالوا: ومن يأبى يا رسول! الله؟ قال: (من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبى).
الوقفة الرابعة: عود نفسك على ذكر الله في كل حين وعلى كل حال، وليكن لسانك رطبة بذكر الله عز وجل، وحافظ على الأدعية المعروفة، والأوراد الشرعية قال تعالى: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا) وقال تعالى : (وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا).. قالت عائشة رضي الله عنها: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر الله في كل أحيانه).
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (سبق المفردون).. قالوا: وما المفردون يا رسول الله؟ قال: (الذاكرون الله كثيرا والذاكرات).
وبالجملة فإن العبد إذا أعرض عن الله واشتغل بالمعاصي، ضاعت عليه أيام حياته الحقيقية التي يجد نتيجة إضاعتها يوم يقول: (يَقُولُ يَالَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي) ..
واعلم ـ أخي المسلم ـ أنه لن يعمل أحد لك بعد موتك من صلاة وصيام وغيرها، فهب إلى الإكثار من ذكر الله عز وجل والتزود من الطاعات والقربات.
الوقفة الخامسة: احرص على قراءة القرآن الكريم كل يوم، ولو رتبت لنفسك جدولا تقرأ فيه بعد كل صلاة جزءا من القرآن لأتممت في اليوم الواحد خمسة أجزاء وهذا فضل من الله عظيم، والبعض يظهر عليه الجد والحماس في أول الشهر ثم يفتر، وربما يمر عليه اليوم واليومان بعد ذلك وهو لا يقرأ من القرآن شيئا، وقد ورد في فضل القرآن ما تقر به النفوس، وتهنأ به القلوب. فعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (من قرأ حرفا من كتاب الله فله حسنة والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول ألم حرف ولكن أقول ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف).
وعن أبي أمامة الباهلي قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (اقرأوا القرآن، فإنه يأتي يوم القيامة شفيعا لأصحابه).
الوقفة السادسة: رمضان فرصة مواتية للدعوة إلى الله.. فتقرب إلى الله عز وجل في هذا الشهر العظيم بدعوة أقاربك وجيرانك وأحبابك عبر الكتاب والشريط والنصيحة والتوجيه، ولا يخلو لك يوم دون أن تساهم في أمر الدعوة، فإنها مهمة الرسل والأنبياء والدعاة والمصلحين، وليكن لك سهم في هذا الشهر العظيم، فإن النفوس متعطشة، والقلوب مفتوحة، والأجر عظيم.. قال صلى الله عليه وسلم : (فوالله لأن يهدي الله بك رجلا خير لك من حمر النعم) . قال الحسن رحمه الله: فمقام الدعوة إلى الله أفضل مقامات العبد.
الوقفة السابعة: احذر مجالس الفارغين، واحفظ لسانك من الغيبة والنميمة وفاحش القول، واحبسه عن كل ما يغضب الله، وألزم نفسك الكلام الطيب الجميل، وليكن لسانك رطبا بذكر الله.. وهي فرصة للتزود من الطاعة والتفرغ للعبادة، وقد لا تتكرر الفرصة.. بل وقد تموت قبل أن تعود الفرص.. واعلم أن كل يوم يعيشه المؤمن هو غنيمة.. عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان رجلان من بلى من قضاعة أسلما على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستشهد أحدهما وأخر الآخر سنة، فقال طلحة بن عبيد الله: فرأيت المؤخر منهما أدخل قبل الشهيد، فتعجبت لذلك، فأصبحت فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم ، أو ذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: (أليس قد صام بعده رمضان وصلى ستة آلاف ركعة وكذا ركعة صلاة سنة).
الوقفة الثامنة: منزلك هو مناط توجيهك الأول، فاحرص أولا على أخذ نفسك وتربيتها على الخير، ثم احرص على من حولك من زوجة وأخ وأخت وأبناء بتذكيرهم بعظم هذا الشهر وحثهم على المحافظة على الصلاة، وكثرة قراءة القرآن، وكن آمرا بالمعروف ناهيا عن المنكر في منزلك بالقول الطيب، والكلمة الصادقة، وأتبع ذلك كله بالدعاء لهم بالهداية. وهذا الشهر فرصة لمراجعة ومناصحة المقصرين والمفرطين، فلعل الله عز وجل أن يهدي من حولك، فيكون لك الأجر العظيم كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (من دل على خير فله مثل أجر فاعله).
إن أفزعتك دورة الأيام، وأهمك أمر الآخرة، وأردت أن تعمل، فلا تتأخر واقصد باب التوبة، واطرق جادة العودة وقل: لعله آخر رمضان في حياتي، ولعلي لا أعيش سوى هذا العام، ولا تستكثر عليك هذا التصور. فاحزم أمرك وسر إلى الآخرة، فوالله إنك في حاجة إلى الحسنة الواحدة.. واستحضر عظمة الجبار، وهول المطلع، يوما تشيب فيه الولدان، وفكر في جنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين، ونار يقال لها لظى (نزاعة للشوى تدعو من أدبر وتولى) وسترى بتذكر كل ذلك بإذن الله عز وجل ما يعينك على الاستمرار في العبادة، والمحافظة على الطاعة، وإن كنت قد تصدقت بما مضى من عمرك على الدنيا وهو الأكثر، فتصدق بما بقي من عمرك على الآخرة وهو الأقل..
ثمار يجنيها الصائم:
لرمضان هذا الشهر المبارك فلسفة عظيمة تتجلى في رياضته التربوية ومصحاته الروحية، فلئن التزم بهما الصائم، اقتحم مغرياته، وكبح مشاعره، وقطع نزواته وكسر شهواته واذعن لنداء الفطرة الحقة التي هدفها رضا الخالق واستدرار رحمته.
فرمضان عملية توعوية وتربوية وعبادة جهادية تضفي على إنسانية الصائم صبغة جديدة وتضيف على سلوكيته صيغة رفيعة، فيسمو ويسمو في مصاف المقربين إلى الله.
ولهذا الشهر حرمة عظيمة عند الله تشمل اسمه ورسمه، وكل هذه العظمة والحرمة تعود إلى ما حدث في هذا الشهر وما جاء من عبادات وفرائض، مثل الصوم وفيه نزول القرآن، وليلة القدر حيث أعطته قداسة وبهاء، وفيه ضيافة الله تعالى لعباده، وهو ربيع القرآن وفيه الحث على ضرورة الاهتمام بقراءته، وهو شهر الدعاء والتوبة، حيث للدعاء فيه آداب ونصوص خاصة وكما يقول الإمام (علي) كرم الله وجهه: الشقي من حرم غفران هذا الشهر العظيم ومن أعراف هذا الشهر الاطعام فهي ظاهرة حسنة وراءها عامل التكافل الاجتماعي والتضامن الإنساني والعطف على الفقراء والمساكين، علاوة على التصدق عليهم، حيث ورد عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): (اتقوا النار ولو بشق تمرة).
وشهر رمضان مدرسة متكاملة الأبعاد وعظيمة النفع والفائدة على المستويات الروحية والأخلاقية والجهادية والصحية والفقهية والسياسية، ومن هنا جاءت الشرائع السماوية والأديان السابقة بفرضه على اتباعها فقال تبارك وتعالى في كتابه المجيد: (كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون) (البقرة/ 183). ولقد عرض الله طاعة الصوم لعباده بنعمة الجنة وما أعظمها من مكافأة.
ويعتبر الصوم صومين الشرعي والأخلاقي فالشرعي هو صيام البطن والإمساك عن المفطرات واجتنابها، والالتزام به كما ورد في الأحكام والرسائل العملية وهذا الصوم يكتمل بالصيام الآخر وهو الصوم الأخلاقي. وهو صيام الجوارح وأعضاء البدن كصيام العين والأذن والقدم واليد واجتناب المكروهات والشبهات واللاأخلاقيات فقد ورد في بعض الروايات ان رسول الله سمع امرأة تسب جارية لها وهي صائمة فدعا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بطعام، فقال لها كلي، فقالت: اني صائمة، فقال: كيف تكونين صائمة وقد سببت جاريتك فإن الصوم ليس من الطعام والشراب.
فالإنسان يجب ان يسعى إضافة إلى صوم البطن ان تصوم جوارحه أيضا، لكي يوفق لبلوغ درجة التقوى وكمال السلوك، والأداء الشاق للصائم هو صيامه العرفاني، وان يصوم قلبه من مواطن السوء والصفات القبيحة، فلا يسجد ولا يحقد، ولا يبخل ولا يسيء الظن ولا يتكبر ولا يتوجه لغير الله، وان يخلص خلوص القلب في عبادته.
فالصائم في اتيانه لهذه المهمة العظيمة فهو في ضيافة الله تعالى لذا الصوم جنة من النار، وبه يحس المسلم بآلام الجوع فيصبر وتخشع جوارحه وتصفو نفسه ويصحو جسده، والصبر إحدى افرازات هذه العملية العبادية، ومن هنا جاء تفسير كلمة الصبر في هذه الآية: (واستعينوا بالصبر والصلاة)، الصبر أي الصوم. والصبر رأس مكارم الأخلاق.
وعن النبي (صلى الله عليه وسلم): (الصائم في عبادة وان كان نائما على فراشه ما لم يغتب مسلما).
وعلى المستوى الصحي للصوم اثر على الصحة والمزاج، وهناك دراسات مدعومة بشهادات طبية رفيعة، وهو مفيد للصحة البدنية، ففيه راحة المعدة من عناء العمل المستمر في طول العام، وفيه تجديد الشهية، وفيه زوال كثير من ألوان السموم والدهون التي تتكدس في الجسد وفيه نشاط ملفت للنظر يقول الدكتور (روبرت بارتولو) لاشك ان الصوم من الوسائل الفعالة، في التخلص من الميكروبات، وبينها ميكروب الزهري لما يتضمن من اتلاف للخلايا، ثم اعادة بنائها من جديد، ويقول الدكتور عبد العزيز اسماعيل: ان الصيام يستعمل طبيبا في حالات كثيرة، ووقائيا في حالات أكثر، وان كثيرا من الأوامر الدينية لم تظهر حكمتها، وستظهر مع تقدم العلوم فلقد ظهر ان الصيام هو العلاج أيضا لاضطراب الأمعاء المزمنة وينسق على زيادة الوزن الناشئ من كثرة الغذاء وتعادل الضغط وهو علاج لأمراض الكلي والقلب وهو خير وقاية للكثير من الأمراض).
وقال الدكتور محمد الظواهري: ان كرم رمضان، يشمل مرضى الأمراض الجلدية، إذ تتحسن بعض الأمراض الجلدية بالصوم، وهو يزيد من مقاومة الجلد للأمراض الجلدية والمعدية والميكروبية).
أما الأستاذ فريد وجدي يقول: ان الصيام عرف من عهد سقراط عامل قوي من العوامل المنقية للجسم، من سموم الأغذية، فإن المواد الحيوانية التي نتناولها بشراهة تحتوي على مواد دهنية لا تطيق البنية البشرية.
فالصوم عبادة وصحة وأخلاق، وصفاء روحي ونفسي، وإحساس بالرقة والخشوع وارتياح وانشراح للقلب وجهاد مستمر مع الأهواء الشيطانية، وأقبال منقطع النظير لطاعة الله.
قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): ان (شهركم هذا ليس كالشهور، انه إذا أقبل إليكم، أقبل بالبركة والرحمة، وإذا ادبر عنكم أدبر بغفران الذنوب). وعن النبي (صلى الله عليه وسلم): (إذا جاء شهر رمضان فتحت أبواب الجنة وغلقت أبواب النيران، وصفدت الشياطين، ولو تعلم أمتي ما في رمضان من الخير، لتمنت ان يكون العام كله رمضان) ويكفي الصائمون فخرا انهم يخاطبون عندما يدخلون الجنة: (كلوا وأشربوا هنيئا بما أسلفتم في الأيام الخالية)
مع قرب حلول الشهر الكريم .. تهيأ لموسم الطاعات
يوسف عليه السلام مع إخوته ودخول أبويه إلى مصر
داء طول الأمل
التعدد .. حكم ومقاصد
لماذا يتخلف التلاميذ دراسيا؟
أبناؤنا والصلاة
سبيلك إلى توبة صادقة
40 بابا للخير
إليك أخي الطالب
احذر فساد مضغة جسدك
مدارس إسلامية عبر التاريخ
--------------------------------------------------------------------------------
فتاوى وأحكام
* ما قولكم فيمن اعتمر عن امواته مثل امه وابيه وغيرهم فهل في ذلك حرج؟
** لا حرج في ذلك. والله اعلم.
* هل هناك عدد من العمرات تكفي عن حجة الفريضة؟
** لا يغني عن الحجة المفروضة الاعتمار ولو تكرر فلا بد من اداء فريضة الحج والله اعلم.
* ما قولكم فيمن قصد مكة المكرمة حاجا فأحرم بعمرة وبعد إحلاله من العمرة بدا له ان يخرج الى المدينة المنورة لامر ما فهل عند رجوعه الى مكة ان يحرم بعمرة عن احد اقاربه ام ماذا عليه ان يفعل؟
** لا تتكرر العمرة في اشهر الحج وان اراد العودة العودة بإحرام الى مكة فليكن إحرامه بالحج والله اعلم.
* هل يجوز اعتمار عمرتين خلال اسبوع؟
** لا مانع من ذلك والله اعلم.
* ما رأيكم فيمن أدى العمرة عن نفسه وفي نفس الوقت استأجر ليعتمر عن شخص اخر هل يجوز ام لا؟
** ان كان اجر ليعتمر عن غيره عمرة ينشؤها من الحل القريب الى الحرم بعد فراغه من عمرته فلا حرج في ذلك مع التزامه جميع واجبات العمرة ولكن لا ينبغي للانسان ان يجعل العمرة تجارة والله اعلم.
* هل تجوز عمرة التطوع بعد الاحلال من عمرة التمتع وقبل الاحرام للحج؟ وهل تجوز بعد الافاضة من منى في اليوم الثاني عشر؟
** الاعتمار ينافي التمتع فلا يجوز الا بعد ايام التشريق والله اعلم.
* ما قولكم فيمن خرج لاداء العمرة وبعد انتهاء عمرته اعتمر الثانية والثالثة والرابعة هل يصح تكرار هذه العمرات ام لا يصح سواء كان مستأجرا او متطوعا افدنا اجرك الله تعالى؟
** اختلف اصحابنا وغيرهم في جواز تكرار العمرة والقول الصحيح الجواز لعدم قيام دليل على المنع لان العمرة ليست موقوتة بوقت كالحج بل هي كسائر أعمال البر غير الموقوتة فحكمها كحكمها في جواز التكرار والحديث دال على الترغيب فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:( تابعوا بين الحج والعمرة فإنهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد والذهب والفضة) وما دامت ممكنة العمرة في جميع الاوقات فيحمل الترغيب في الحديث على ذلك بخلاف الحج لعدم جوازه الا في ميقات زمني معين وفي حديث اخر عنه صلى الله عليه وسلم ( العمرة الى العمرة كفارة لما بينها والحج المبرور ليس له جزء إلا الجنة). والله اعلم
* ما قولكم فيمن قصد العمرة من عمان واحرم من ذي الحليفة ايجوز له ان يعتمر بعدما احل من عمرته بما شاء من العمرات عنه او عن غيره وهكذا من قضى الحج عنه أو عن غيره أيجوز له أن يعتمر ليلة الثالث عشر من ذي الحجة عنه او عن من استأجر؟
** من قصد مكة للعمرة فلا مانع بعد قضاء مناسكها ان يكرر العمرة متى شاء واما الحج فيقضي مناسكه اولا ثم ان شاء الاعتمار عن الغير فليعتمر من الرابع عشر فصاعدا اي بعد ايام التشريق. والله اعلم.
* هل تجوز العمرة قبل الحج؟
** العمرة جائزة قبل الحج وبعده وانما يمنع المتمتع من العمرة الى الحج ان يفصل بينهما بعمرة اخرى. والله اعلم.
يجيب عن أسئلتكم
سماحة الشيخ أحمد بن حمد الخليلي
المفتي العام للسلطنة
--------------------------------------------------------------------------------
مع قرب حلول الشهر الكريم
تهيأ لموسم الطاعات
ـ لا بد من إدراك المقاصد السامية من مشروعية صيام رمضان
ـ شهر رمضان مدرسة متكاملة الأبعاد وعظيمة النفع والفائدة
ـ صيام كافة الجوارح عن الحرام تزكية للنفس وخلاص لها
لا نبالغ إن قلنا أن كل المسلمين في شتى أصقاع الأرض متلهفين لاستقبال الضيف الذي يطل كل عام ، ذلكم هو شهر رمضان المبارك ، الموسم الذي أراده المولى سبحانه لكي يكون محطة تحين في كل عام مرة تسعة وعشرين يوما أو ثلاثين يوما ليتزود منها العباد بوقود الإيمان وزاد التقوى ، وهو مدرسة تصنع الأبرار الأخيار من البشر حين يعطوها قدرها.
خصوصيات في شهر الصوم
قال الحق سبحان وتعالى مبينًا منزلة هذا الشهر الكريم: (شهر رمضان الذي انزل فيه القرآن. هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر).
إن تناول الجوانب الروحية والفكرية والسلوكية لهذا الشهر الكريم يجب أن يتجاوز التناولات المألوفة والمكررة في النظر لهذا الشهر الكريم باعتباره موسما عابرا في حياة الفرد والمجتمع في عالمنا الإسلامي. بل يجب النظر إلى هذا الشهر ضمن النظرة التراتبية للمفهوم الإسلامي الشامل والرؤية الإسلامية للإنسان والكون والحياة بمعنى آخر يجب تكثيف النظرة إلى هذا الشهر من خلال مجموعة اعتبارات يجب إدراكها وفهم قواعدها كتلبية للإيحاءات والدلالات الملازمة لكل أنواع العبادات في الإسلام.
وعليه فإن النظرة إلى شهر رمضان يجب أن تشمل كل الأبعاد الرفيعة لهذا الشهر الكريم باعتباره مجموعة من الثورات الداخلية للإنسان المسلم فهو ثورة على المادة وفق مدلولاتها المتغيرة وباعتبار الانشداد الفطري لمادة الإنسان إلى نظائرها الأمر الذي يجعل من الإنسان أسيراً لهذه العلاقة.
وهو ثورة على النفس ورغباتها وفرصة لكسر جموحها وارغامها على الصبر على الخروج على المألوفية والنمطية التي يرتهن الإنسان المسلم لها طوال العام.
كما هو ثورة على الوعي الفردي والإنساني باعتبار الخصوصية الشعورية للإنسان المسلم بمختلف اتجاهاتها الرأسية والأفقية، والتي تتبدى في ضغط هذا الوعي باتجاه هذه الخصوصية في العلاقة مع الخالق جل وعلا ومع كتابه العزيز ومع الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم وسنته الشريفة وشمولية هذه الخصوصية لكل المناخات المرافقة لها.
وعليه فهذه دعوة للتخطيط المؤسسي والفردي للتعامل مع هذا الشهر الكريم ـ تخطيطا يراعي هذه النظرة وذلك بهدف رسم التفاعلات الكفيلة باستغلال هذا الشهر ـ وبما يحقق الاستفادة القصوى منه ـ كحل لكثير من مشكلات الأمة والتي أبرزها الإشكالات الناتجة عن افرازات الصراع الإنساني الكبير مع المادة والشيطان والأهواء ضمن المعادلة الحضارية الإسلامية الشاملة.
وقفات رمضانية
هذه وقفات قصيرة في مستهل هذا الشهر الكريم تحيي القلوب،وتذكر النفوس وتقوي العزائم:
الوقفة الأولى: أذكرك ـ أخي المسلم ـ بأصل الخلق وسبب الوجود قال الله عز وجل: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ) قال النووي: وهذا تصريح بأنهم خلقوا للعبادة، فحق عليهم الاعتناء بما خلقوا له، والإعراض عن حظوظ الدنيا بالزهادة، فإنها دار نفاد لا محل إخلاد ـ ومركب عبور لا منزل حبور، ومشرع انفصام لا موطن دوام.
وأجل تلك النعم وأعظمها نعمة الإسلام، فكم يعيش على هذه الأرض أمم حرمت شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله. وهذا فضل الله يؤتيه من يشاء.. ثم احمد الله عز وجل على نعمة الهداية والتوفيق، فكم ممن ينتسب إلى الإسلام وهم مخالفون لتعاليمه ظاهرا وباطنا، مفرطون في الواجبات غارقون في المعاصي والآثام، فاللهم لك الحمد.
الوقفة الثانية: من نعم الله عليك أن مد في عمرك وجعلك تدرك هذا الشهر العظيم، فكم غيب الموت من صاحب، ووارى الثرى من حبيب.. فإن طول العمر والبقاء على قيد الحياة فرصة للتزود من الطاعات، والتقرب إلى الله عز وجل بالعمل الصالح. فرأس مال المسلم هو عمره، لذا احرص على أوقاتك وساعاتك حتى لا تضيع سدى، وتذكر من صام معنا العام الماضي وصلى العيد!! ثم أين هو الآن بعد أن غيبه الموت؟! واجعل لك نصيبا من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اغتنم خمسا قبل خمس: حياتك قبل موتك، وصحتك قبل سقمك، وفراغك قبل شغلك، وشبابك قبل هرمك، وغناك قبل فقرك). واحرص أن تكون من خيار الناس كما أخبر بذلك الرسول صلى الله عليه وسلم فعن أبي بكر ـ رضي الله عنه ـ أن رجلا قال: يا رسول الله، أي الناس خير؟ قال صلى الله عليه وسلم: (من طال عمره، وحسن عمله) قال!: فأي الناس شر؟ قال صلى الله عليه وسلم: (من طال عمره، وساء عمله).
الوقفة الثالثة: يجب الإخلاص في النية، وصدق التوجه إلى الله عز وجل، واحذر وأنت تعمل الطاعات مداخل الرياء والسمعة فإنها داء خطير قد تحبط العمل، واكتم حسناتك وأخفها كما تكتم وتخفي سيئاتك وعيوبك، واجعل لك خبيئة من عمل صالح لا يعلم به إلا الله عز وجل.. من صلاة نافلة، أو دمعة في ظلمة الليل، أو صدقة سر، واعلم أن الله عز وجل لا يتقبل إلا من المتقين، فاحرص على التقوى (إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنْ الْمُتَّقِينَ) ولا تكن ممن يأبون دخول الجنة.. كما ذكر ذلك الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله: (كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى). قالوا: ومن يأبى يا رسول! الله؟ قال: (من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبى).
الوقفة الرابعة: عود نفسك على ذكر الله في كل حين وعلى كل حال، وليكن لسانك رطبة بذكر الله عز وجل، وحافظ على الأدعية المعروفة، والأوراد الشرعية قال تعالى: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا) وقال تعالى : (وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا).. قالت عائشة رضي الله عنها: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر الله في كل أحيانه).
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (سبق المفردون).. قالوا: وما المفردون يا رسول الله؟ قال: (الذاكرون الله كثيرا والذاكرات).
وبالجملة فإن العبد إذا أعرض عن الله واشتغل بالمعاصي، ضاعت عليه أيام حياته الحقيقية التي يجد نتيجة إضاعتها يوم يقول: (يَقُولُ يَالَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي) ..
واعلم ـ أخي المسلم ـ أنه لن يعمل أحد لك بعد موتك من صلاة وصيام وغيرها، فهب إلى الإكثار من ذكر الله عز وجل والتزود من الطاعات والقربات.
الوقفة الخامسة: احرص على قراءة القرآن الكريم كل يوم، ولو رتبت لنفسك جدولا تقرأ فيه بعد كل صلاة جزءا من القرآن لأتممت في اليوم الواحد خمسة أجزاء وهذا فضل من الله عظيم، والبعض يظهر عليه الجد والحماس في أول الشهر ثم يفتر، وربما يمر عليه اليوم واليومان بعد ذلك وهو لا يقرأ من القرآن شيئا، وقد ورد في فضل القرآن ما تقر به النفوس، وتهنأ به القلوب. فعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (من قرأ حرفا من كتاب الله فله حسنة والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول ألم حرف ولكن أقول ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف).
وعن أبي أمامة الباهلي قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (اقرأوا القرآن، فإنه يأتي يوم القيامة شفيعا لأصحابه).
الوقفة السادسة: رمضان فرصة مواتية للدعوة إلى الله.. فتقرب إلى الله عز وجل في هذا الشهر العظيم بدعوة أقاربك وجيرانك وأحبابك عبر الكتاب والشريط والنصيحة والتوجيه، ولا يخلو لك يوم دون أن تساهم في أمر الدعوة، فإنها مهمة الرسل والأنبياء والدعاة والمصلحين، وليكن لك سهم في هذا الشهر العظيم، فإن النفوس متعطشة، والقلوب مفتوحة، والأجر عظيم.. قال صلى الله عليه وسلم : (فوالله لأن يهدي الله بك رجلا خير لك من حمر النعم) . قال الحسن رحمه الله: فمقام الدعوة إلى الله أفضل مقامات العبد.
الوقفة السابعة: احذر مجالس الفارغين، واحفظ لسانك من الغيبة والنميمة وفاحش القول، واحبسه عن كل ما يغضب الله، وألزم نفسك الكلام الطيب الجميل، وليكن لسانك رطبا بذكر الله.. وهي فرصة للتزود من الطاعة والتفرغ للعبادة، وقد لا تتكرر الفرصة.. بل وقد تموت قبل أن تعود الفرص.. واعلم أن كل يوم يعيشه المؤمن هو غنيمة.. عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان رجلان من بلى من قضاعة أسلما على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستشهد أحدهما وأخر الآخر سنة، فقال طلحة بن عبيد الله: فرأيت المؤخر منهما أدخل قبل الشهيد، فتعجبت لذلك، فأصبحت فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم ، أو ذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: (أليس قد صام بعده رمضان وصلى ستة آلاف ركعة وكذا ركعة صلاة سنة).
الوقفة الثامنة: منزلك هو مناط توجيهك الأول، فاحرص أولا على أخذ نفسك وتربيتها على الخير، ثم احرص على من حولك من زوجة وأخ وأخت وأبناء بتذكيرهم بعظم هذا الشهر وحثهم على المحافظة على الصلاة، وكثرة قراءة القرآن، وكن آمرا بالمعروف ناهيا عن المنكر في منزلك بالقول الطيب، والكلمة الصادقة، وأتبع ذلك كله بالدعاء لهم بالهداية. وهذا الشهر فرصة لمراجعة ومناصحة المقصرين والمفرطين، فلعل الله عز وجل أن يهدي من حولك، فيكون لك الأجر العظيم كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (من دل على خير فله مثل أجر فاعله).
إن أفزعتك دورة الأيام، وأهمك أمر الآخرة، وأردت أن تعمل، فلا تتأخر واقصد باب التوبة، واطرق جادة العودة وقل: لعله آخر رمضان في حياتي، ولعلي لا أعيش سوى هذا العام، ولا تستكثر عليك هذا التصور. فاحزم أمرك وسر إلى الآخرة، فوالله إنك في حاجة إلى الحسنة الواحدة.. واستحضر عظمة الجبار، وهول المطلع، يوما تشيب فيه الولدان، وفكر في جنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين، ونار يقال لها لظى (نزاعة للشوى تدعو من أدبر وتولى) وسترى بتذكر كل ذلك بإذن الله عز وجل ما يعينك على الاستمرار في العبادة، والمحافظة على الطاعة، وإن كنت قد تصدقت بما مضى من عمرك على الدنيا وهو الأكثر، فتصدق بما بقي من عمرك على الآخرة وهو الأقل..
ثمار يجنيها الصائم:
لرمضان هذا الشهر المبارك فلسفة عظيمة تتجلى في رياضته التربوية ومصحاته الروحية، فلئن التزم بهما الصائم، اقتحم مغرياته، وكبح مشاعره، وقطع نزواته وكسر شهواته واذعن لنداء الفطرة الحقة التي هدفها رضا الخالق واستدرار رحمته.
فرمضان عملية توعوية وتربوية وعبادة جهادية تضفي على إنسانية الصائم صبغة جديدة وتضيف على سلوكيته صيغة رفيعة، فيسمو ويسمو في مصاف المقربين إلى الله.
ولهذا الشهر حرمة عظيمة عند الله تشمل اسمه ورسمه، وكل هذه العظمة والحرمة تعود إلى ما حدث في هذا الشهر وما جاء من عبادات وفرائض، مثل الصوم وفيه نزول القرآن، وليلة القدر حيث أعطته قداسة وبهاء، وفيه ضيافة الله تعالى لعباده، وهو ربيع القرآن وفيه الحث على ضرورة الاهتمام بقراءته، وهو شهر الدعاء والتوبة، حيث للدعاء فيه آداب ونصوص خاصة وكما يقول الإمام (علي) كرم الله وجهه: الشقي من حرم غفران هذا الشهر العظيم ومن أعراف هذا الشهر الاطعام فهي ظاهرة حسنة وراءها عامل التكافل الاجتماعي والتضامن الإنساني والعطف على الفقراء والمساكين، علاوة على التصدق عليهم، حيث ورد عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): (اتقوا النار ولو بشق تمرة).
وشهر رمضان مدرسة متكاملة الأبعاد وعظيمة النفع والفائدة على المستويات الروحية والأخلاقية والجهادية والصحية والفقهية والسياسية، ومن هنا جاءت الشرائع السماوية والأديان السابقة بفرضه على اتباعها فقال تبارك وتعالى في كتابه المجيد: (كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون) (البقرة/ 183). ولقد عرض الله طاعة الصوم لعباده بنعمة الجنة وما أعظمها من مكافأة.
ويعتبر الصوم صومين الشرعي والأخلاقي فالشرعي هو صيام البطن والإمساك عن المفطرات واجتنابها، والالتزام به كما ورد في الأحكام والرسائل العملية وهذا الصوم يكتمل بالصيام الآخر وهو الصوم الأخلاقي. وهو صيام الجوارح وأعضاء البدن كصيام العين والأذن والقدم واليد واجتناب المكروهات والشبهات واللاأخلاقيات فقد ورد في بعض الروايات ان رسول الله سمع امرأة تسب جارية لها وهي صائمة فدعا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بطعام، فقال لها كلي، فقالت: اني صائمة، فقال: كيف تكونين صائمة وقد سببت جاريتك فإن الصوم ليس من الطعام والشراب.
فالإنسان يجب ان يسعى إضافة إلى صوم البطن ان تصوم جوارحه أيضا، لكي يوفق لبلوغ درجة التقوى وكمال السلوك، والأداء الشاق للصائم هو صيامه العرفاني، وان يصوم قلبه من مواطن السوء والصفات القبيحة، فلا يسجد ولا يحقد، ولا يبخل ولا يسيء الظن ولا يتكبر ولا يتوجه لغير الله، وان يخلص خلوص القلب في عبادته.
فالصائم في اتيانه لهذه المهمة العظيمة فهو في ضيافة الله تعالى لذا الصوم جنة من النار، وبه يحس المسلم بآلام الجوع فيصبر وتخشع جوارحه وتصفو نفسه ويصحو جسده، والصبر إحدى افرازات هذه العملية العبادية، ومن هنا جاء تفسير كلمة الصبر في هذه الآية: (واستعينوا بالصبر والصلاة)، الصبر أي الصوم. والصبر رأس مكارم الأخلاق.
وعن النبي (صلى الله عليه وسلم): (الصائم في عبادة وان كان نائما على فراشه ما لم يغتب مسلما).
وعلى المستوى الصحي للصوم اثر على الصحة والمزاج، وهناك دراسات مدعومة بشهادات طبية رفيعة، وهو مفيد للصحة البدنية، ففيه راحة المعدة من عناء العمل المستمر في طول العام، وفيه تجديد الشهية، وفيه زوال كثير من ألوان السموم والدهون التي تتكدس في الجسد وفيه نشاط ملفت للنظر يقول الدكتور (روبرت بارتولو) لاشك ان الصوم من الوسائل الفعالة، في التخلص من الميكروبات، وبينها ميكروب الزهري لما يتضمن من اتلاف للخلايا، ثم اعادة بنائها من جديد، ويقول الدكتور عبد العزيز اسماعيل: ان الصيام يستعمل طبيبا في حالات كثيرة، ووقائيا في حالات أكثر، وان كثيرا من الأوامر الدينية لم تظهر حكمتها، وستظهر مع تقدم العلوم فلقد ظهر ان الصيام هو العلاج أيضا لاضطراب الأمعاء المزمنة وينسق على زيادة الوزن الناشئ من كثرة الغذاء وتعادل الضغط وهو علاج لأمراض الكلي والقلب وهو خير وقاية للكثير من الأمراض).
وقال الدكتور محمد الظواهري: ان كرم رمضان، يشمل مرضى الأمراض الجلدية، إذ تتحسن بعض الأمراض الجلدية بالصوم، وهو يزيد من مقاومة الجلد للأمراض الجلدية والمعدية والميكروبية).
أما الأستاذ فريد وجدي يقول: ان الصيام عرف من عهد سقراط عامل قوي من العوامل المنقية للجسم، من سموم الأغذية، فإن المواد الحيوانية التي نتناولها بشراهة تحتوي على مواد دهنية لا تطيق البنية البشرية.
فالصوم عبادة وصحة وأخلاق، وصفاء روحي ونفسي، وإحساس بالرقة والخشوع وارتياح وانشراح للقلب وجهاد مستمر مع الأهواء الشيطانية، وأقبال منقطع النظير لطاعة الله.
قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): ان (شهركم هذا ليس كالشهور، انه إذا أقبل إليكم، أقبل بالبركة والرحمة، وإذا ادبر عنكم أدبر بغفران الذنوب). وعن النبي (صلى الله عليه وسلم): (إذا جاء شهر رمضان فتحت أبواب الجنة وغلقت أبواب النيران، وصفدت الشياطين، ولو تعلم أمتي ما في رمضان من الخير، لتمنت ان يكون العام كله رمضان) ويكفي الصائمون فخرا انهم يخاطبون عندما يدخلون الجنة: (كلوا وأشربوا هنيئا بما أسلفتم في الأيام الخالية)