"الرفض" البريطاني أراء الكتاب الشبيبة

    • "الرفض" البريطاني أراء الكتاب الشبيبة

      " لا ينبغي لكاميرون على وجه الخصوص أن يسمح للمقارنات بتشرشل بالتأثير على سلوكه. ولا أظن أن أحداً قد يضع جيمس كالاهان وجون ميجور بين صفوف كبار الزعماء البريطانيين."

      هارولد جيمس

      في قمة الاتحاد الأوروبي التي اختتمت أعمالها مؤخرا، نَفَّس رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون عن عقود من الغضب المتراكم الناجم عن علاقة بلاده بأوروبا. وقد روِّع الأوروبيون إزاء الكيفية التي تسبب بها طرح خمس نقاط متحذلقة في اللحظة الأخيرة حول تنظيم البنوك في إحباط ما كان من المفترض أن يشكل اتفاقاً خارقاً فيما يتصل بتنظيم ميزانيات بلدان الاتحاد الأوروبي. والواقع أن أنصار كاميرون في بريطانيا هللوا له وصوروه وكأنه ونستون تشرشل الجديد الصامد في وجه تهديدات طاغية قاري شرس.

      كانت نظرة المملكة المتحدة لأوروبا تتسم دوماً بالعاطفية والغموض.ففي أوائل ستينيات القرن العشرين أبدت إحدى الحكومات المحافظة رغبتها في الانضمام إلى المجموعة الاقتصادية الأوروبية، ولكن الرئيس الفرنسي شارل ديجول رفض ذلك. فقد سخر الجنرال من الطموح البريطاني مقتبساً من أغنية اديث بياف التي تتحدث عن ارستقراطي إنجليزي تُرِك في الشارع "لا تبك يا ميلورد". وفي النهاية خرجت بريطانيا من دائرة الإهمال، ولكن زعماء بريطانيا كانوا يشعرون دوماً بأنهم غير مرحب بهم في الحظيرة الأوروبية.

      في لحظتين حرجتين من الماضي، كان للرفض الأوروبي تأثير حاسم على التطورات النقدية في أوروبا. ففي عام 1978، اقترح المستشار الألماني هلموت شميت والرئيس الفرنسي فاليري جيسكار ديستان ترتيباً خاصاً لتنظيم أسعار الصرف ــ النظام النقدي الأوروبي ــ بهدف استعادة أسعار الصرف المستقرة في أوروبا. وفي مستهل الأمر تفاوض الألمان والفرنسيون مع المملكة المتحدة، في اجتماعات بطيئة ومرهقة وغير مثمرة.

      والواقع أن المحادثات تعرضت للتخريب على يد رئيس الوزراء البريطاني جيمس كالاهان، الذي بدأ التشاور مع الرئيس الأمريكي جيمي كارتر حول التحدي الذي فرضته الخطة الأوروبية على الولايات المتحدة، وكيف ينبغي للمحور الأنجلوسكسوني أن يستجيب للتهديد القاري. وعلى حد تعبيره، طبقاً لنص إحدى المكالمات الهاتفية: "مع قوة الاقتصاد الألماني، فإن الأمر قد يصبح بالغ الخطورة، وأنا لا أدري يا جيمي كيف نتفادى ذلك".

      كان كالاهان وكارتر على حق في انزعاجهما، ولكن كان من الواجب عليهما أن يقلقا بشأن نفسيهما وليس الأوروبيين. ففي ذلك الوقت، كانت المشاكل في أوروبا والولايات المتحدة أعظم كثيراً من الحال اليوم ــ التمويل الحكومي غير المستقر على الإطلاق والنمو الاقتصادي الضعيف ــ الأمر الذي ضمن عدم جدوى الجهود التي بذلاها لعرقلة المفاوضات الأوروبية. وبمجرد انسحاب بريطانيا من المحادثات، أصبح من السهل ترتيب صفقة ثنائية فرنسية ألمانية. وتحول النظام النقدي الأوروبي إلى جهاز لتحسين السياسة الفرنسية وفتح الاقتصاد الفرنسي.

      وأصبح الموقف الفرنسي نموذجاً لرؤية جديدة للكيفية التي قد تتمكن بها البنوك المركزية من العمل على الساحة السياسية لتعزيز الاستقرار الاقتصادي. وفي غضون بضعة أعوام، واجهت فرنسا تحدياً كبيراً عندما انهارت تجربة فرانسوا ميتران في الاقتصاد الاشتراكي الراديكالي في عام 1983. وعندما شغل جاك ديلور، وزير مالية حكومة ميتران وصاحب فكرة إلغاء التأميم وغير ذلك من السياسات الاشتراكية، منصب رئيس مفوضية الاتحاد الأوروبي في وقت لاحق، أصبح واحداً من أكثر أنصار الاتحاد النقدي الأوروبي فعالية.

      كانت الفكرة الكامنة وراء الاستراتيجية الفرنسية التي تمثلت في ربط العملة بالقوة الألمانية، تتلخص في أن ذلك من شأنه أن يحد من، أو يقيد، السياسات الداخلية. وكان لزاماً على ميتران أن يتصارع مع مجموعة معاندة مشاكسة من الشركاء المتحالفين. فعلى اليسار كان هناك الشيوعيون، الذين أراد تهميشهم سياسيا، فضلاً عن الاشتراكيين المتطرفين الذين كانوا يريدون مساراً وطنياً للتنمية الاقتصادية. كما طالب بعض القادة الصناعيين الأكثر أهمية أيضا ــ في "زيارات ليلية" سرية إلى القصر الرئاسي ــ بمسار وطني يشتمل على خفض القيمة وإضعاف العملة.

      لم تحظ الطريقة الأوروبية المعقدة لتقييد المعارضة الداخلية بأي قدر من القبول لدى الساسة البريطانيين. ففي أوائل تسعينيات القرن العشرين تفاوض رئيس الوزراء جون ميجور على الانسحاب من بنود معاهدة ماستريخت الخاصة بالاتحاد النقدي، ولكنه كان فخوراً باستقرار الجنيه الإنجليزي وتشكيله ــ وفقاً لرأيه ــ جزءاً مركزياً من النظام النقدي الأوروبي. وفي سبتمبر1992، أدت هجمة مضاربة على الجنيه إلى انسحاب بريطانيا.

      ثم شهدت الأشهر التسعة التالية انهياراً مذهلاً للنظام النقدي الأوروبي، حيث وجه المضاربون هجماتهم إلى بلد تلو الآخر. فانسحبت أسبانيا، ثم البرتغال، ثم الدول الاسكندنافية، في أعقاب إيطاليا والمملكة المتحدة، من النظام النقدي الأوروبي، قبل أن تتعرض فرنسا ذاتها للهجوم ــ فكانت آخر أحجار الدومينو سقوطا.

      والواقع أن الأزمات التي عصفت بأوروبا من سبتمبر1992 إلى يوليو 1993 أرست الأساس للدفعة الأخيرة لتأسيس الاتحاد النقدي الأوروبي. فتُرِكَت بريطانيا جانبا، وكان من المفترض أن يتم فرض الانضباط المالي من الخارج. وكانت المشكلة الرئيسية بطبيعة الحال أن الانضباط لم يُفرَض في بعض الحالات.

      وكما كانت الحال في عام 1978 ثم في عام 1992، فإن العرقلة البريطانية اليوم قد تكون بمثابة النعمة المستترة بالنسبة لبقية أوروبا. فهي تفتح الطريق أمام هندسة أوروبية متغيرة، حيث يصبح بوسع الدول الراغبة في قبول معايير الاستقرار المضي قدماً في تعميق التكامل. وعلى الصعيد المؤسسي، قد يكون هذا أكثر تعقيداً من تعديل معاهدة الاتحاد الأوروبي، ولكن قد يكون في الإمكان تكييف النتيجة بشكل أكثر ملاءمة للأوضاع الحقيقية في بلدان متنوعة.

      على النقيض من ذلك، وبالنسبة لبريطانيا، كان إرث تحديها البطولي لأوروبا أكثر كآبة. ففي كل من عامي 1978 و1992، كانت العاقبة المباشرة تتلخص في فترة طويلة من الاضطرابات الاقتصادية والسياسية. كما أدت الصدمات النقدية إلى إخراجها من السياق الجيوسياسي.

      واليوم، كما كنت الحال في عام 1978، تعيش المملكة المتحدة والولايات المتحدة حالة مالية محفوفة بالمخاطر، ولم تعد الشماتة إزاء المشاكل الأوروبية صالحة كبديل للشروع في سلوك مسار جاد نحو الإصلاح.

      لا ينبغي لكاميرون على وجه الخصوص أن يسمح للمقارنات بتشرشل بالتأثير على سلوكه. ولا أظن أن أحداً قد يضع جيمس كالاهان وجون ميجور بين صفوف كبار الزعماء البريطانيين. وكاميرون أيضاً قد نتذكره كشخصية مهمة ولكنها فاقدة لمصداقيتها إلى حد كبير.

      هارولد جيمس أستاذ التاريخ والشؤون الدولية في جامعة برينستون، وأستاذ التاريخ لدى معهد الجامعة الأوروبية في فلورنسا، ومؤلف كتاب "خلق وتدمير القيمة: دورة العولمة".

      أكثر...


      ¨°o.O ( على كف القدر نمشي ولا ندري عن المكتوب ) O.o°¨
      ---
      أتمنى لكم إقامة طيبة في الساحة العمانية

      وأدعوكم للإستفادة بمقالات متقدمة في مجال التقنية والأمن الإلكتروني
      رابط مباشر للمقالات هنا. ومن لديه الرغبة بتعلم البرمجة بلغات مختلفة أعرض لكم بعض
      المشاريع التي برمجتها مفتوحة المصدر ومجانا للجميع من هنا. تجدون أيضا بعض البرامج المجانية التي قمت بتطويرها بذات الموقع ..
      والكثير من أسرار التقنية في عالمي الثاني
      Eagle Eye Digital Solutions