من ملفات القضاء..(جريمة قتل)

    • من ملفات القضاء..(جريمة قتل)

      من ملفات القضاء... ( جريمة قتل )

      تتلخص وقائع الدعوى في أن الادعاء العام اتهم المتهم الأول/ ...... لأنه بتاريخ ../../....م بدائرة اختصاص مركز .... قتل المجني عليه /..... قصداً وعن سبق إصرار وتصميم وذلك بأن بيت النية على قتله فاستدرجه بسيارته الي مكان ناء وهناك أطبق على رقبته بيده حتى خارت قواه فدفعه خارج السيارة ثم قام بدهسه بها ثلاث مرات متتالية وأجهز عليه أخيراً بأداة راضه (مفك إطارات) محدثاً به الجروح الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية التي أودت بحياته كما اتهم الإدعاء العام المتهمة الثانية/ .... بتحريض المتهم الأول على قتل المجني عليه للتخلص من تهديداته لها وذلك وفق الثابت تفصيلاً في التحقيقات وبناء عليه آحال الإدعاء العام المتهم الأول والثانية الي المحاكمة أمام محكمة جنايات ... وطلب إدانة ومعاقبة الأول بمقتضى المادة (237) من قانون الجزاء وإدانة ومعاقبة المتهمة الثانية بموجب المادة (93) من ذات القانون.
      ..........................................................................
      دفاع المتهمان
      أولاً: دفع وكيل المتهم بانتفاء قصد القتل لدى المتهم الذي قصد إيذاء المجني عليه ولم يقصد تعمد قتله.
      واستند الىما كشفت عنه القرائن وأقوال المتهمة الثانية وعندما أقل المتهم المجني عليه الي مكان الحادث فقد كان يبتغي من ذلك نصحه بعدم التعرض للمتهمة الثانية وفضحها بسبب علاقته الغرامية به ولم تكن الغاية قتله بدليل ان الخلاف بينهما ابتدأ بمشاجرة وعراك لم تعد له العدة من قبل قام على أثرها المتهم بخنق المجني عليه بيده ثم دفعه خارج السيارة وقد دهسه بالسيارة بعد أن أخذ المجني عليه حجراً ورمى به على مقدمتها جهة السائق ولو كان المتهم يقصد قتل المجني عليه لرتب وسيله القتل التي تستعمل في مثل هذه الحالة كالسكين والمسدس والبندقية والمطواة وغيرها من الآلات التي يؤدي استعمالها الي القتل. فضلا على ذلك فان الادله التي قدمها الادعاء العام لا تؤدي الي استنتاج منطقي بتوافر عنصر سبق الإصرار والتصميم وطلب دفاع المتهم بتعديل وصف الاتهام بحقه من المادة (237) الي المادة (238) من قانون الجزاء.

      ثانياً: دفع وكيل المتهمة الثانية بانتفاء التهمة في حق المتهمة حيث خلت الأوراق من ثمة دليل يدين المتهمة وما ورد بقرار الاحاله فهو قول أجوف خالي من ثمة دليل وان الادانه أقيمت على التخمين والاحتمال في حين أن الادانه تبنى على الجزم واليقين وأن الأصل في الإنسان البراءة.
      ...................................................................
      دفاع الادعاء العام
      قرر الادعاء العام بثبوت التهمة في حق المتهمان ثبوتاً يقينيا وضحد دفاع المتهمان وقرر أن التحقيقات أكدت أن المتهم الأول تربطه علاقة غرامية مع المتهمة الثانية (زوجة أب المجني عليه) التي امتنعت عن تلبية رغبات المجني عليه في مواقعتها فأثار ذلك غضبه وبدأ في مضايقتها وتهديدها بفضح أمر علاقتها بالمتهم الأول وإبلاغ والده وأهلها ثم قام بالاستيلاء على هاتفها ليقطع وسيلة اتصالها بعشيقها فطلبت من المتهم الأول التصرف معه كيف ما كان فحاول أثناءه عن مضايقتها لمدة شهر ولكنه رفض واستمر في مسلكه وفي اليوم السابق لارتكاب الجريمة طلب المتهم من المجني عليه مقابلته بمنطقه .... فاستجاب له فاصطحبه في مركبته وتوجه به الي مكان بعيد خلف الجبل بمنطقة .... وهناك أوقف المركبة وقام بخنقه بيده حتى أنزل رأسه عند قدميه وسال دمه وفقد وعيه فقام بدفعه خارج المركبة ودهسه عدة مرات ثم قام بضربه على رأسه بمفتاح ربط إطارات المركبة في جبهته وبعد التأكد من موته حمله في صندوق المركبة وأخفى الجثة بين مخلفات المباني وعاد الي منزله وقام بإحراق ملابسه الملوثة بالدماء كما قام بإحراق نعال وكمه المجني عليه وغسل المركبة ولما لم يعد الهالك الي منزله أبلغ والده بفقدانه وبتاريخ ../../....م أبلغ المواطن /........... عن وجود جثه شخص مغطاة بالصخور والطابوق وتبعث منها رائحة كريهة وبانتقال فريق من الشرطة الي هذا المكان تم العثور على الجثة وبالتحري اتضح أنها للمجني عليه بعد أن تعرف عليها والده.
      ........................................................
      المحكمة
      وحيث أن واقعة الدعوى تتوافر بها كافة أركان الجريمة التي أدين بها المتهم الأول وأورد على ثبوتها في حقه أدله وقرائن سائغة مما له أصل ثابت بالأوراق وكان عماد الادله مستخلصاً من اعتراف المتهم الأول على نحو تفصيلي دقيق يكشف عن إقرار صريح جازم بجرمه الآثم وهذا الاعتراف صدر منه عن إرادة حرة أمام عضو الادعاء العام وأمام محكمة الموضوع واستقام هذا الاعتراف مع قرائن الأحوال وأقوال الشهود والمتهمة الثانية ومع تقرير الصفة التشريحية وكذلك المعاينة التي أجرتها الشرطة ومن محاضر الاستدلال ووجود القتيل بين ركام من النفايات ومخلفات المباني.
      ورداً على الدفع المبدئ من المتهم بعدم توافر القصد الجنائي وعدم توافر سبق الإصرار والتصميم فهو دفع غير سديد ذلك أن قصد القتل أمر خفي يبطنه الجاني ويضمره في نفسه فهو لا يدرك بالحس الظاهر وإنما يدرك بالظروف المحيطة بالدعوى والأمارات والمظاهر الخارجية التي يأتيها الجاني وتنم عما يضمره في نفسه واستخلاص هذا القصد من عناصر الدعوى موكول إلى محكمة الموضوع في حدود سلطتها التقديرية وحيث إنه من جماع ما تقدم فإن الثابت بالأوراق أن المتهم قد عمد إلى إزهاق روح المجني عليه من تعمد خنقه ثم دفعه خارج المركبة وملاحقته له عند محاولة فراره ودهسه بالمركبة عدة مرات، ولم يكتف بذلك بل قام بنقله إلى مكان آخر واعتدى عليه بضربه على رأسه وهو موضع قاتل بطبيعته بأداتين راضه وصلبة حتى تيقن من إزهاق روحه الأمر الذي يكشف بجلاء لا غموض فيه عن أن حجم الاعتداءات والإصابات التي تخلفت من جراءه وفي المواضع القاتلة على نحو ما سلف وهذا ما يؤكد توافر نية القتل ويضحى الدفع المبدي من دفاع المتهم من عدم توافر القصد الجنائي في غير محله متعينا رفضه. إضافة إلى ذلك ما اعترف به المتهم أمام محكمة الموضوع.
      وحيث أنه في شان سبق الإصرار والتصميم على القتل المجني عليه فإنه من المقرر أنه أمر نفساني ليس له كيان مادي ملموس في كثير من الأحيان وإنما يستفاد من وقائع خارجية تكون بمثابة القرائن التي تكشف عن وجوده وإثباته مسألة موضوعيه يدخل البحث فيه والقول بتوافره أو عدم توافره في سلطة قاضي الموضوع دون معقب عليه من المحكمة العليا طالما أن موجب أوقائع والظروف التي استخلص منها لا يتنافر عقلاً مع هذا الاستنتاج وحيث أن سبق الإصرار متوافر في حق المتهم وثابت من واقعة استدراج المجني عليه ونقلة بسيارة المتهم الي مكان بعيد عن أعين الرقباء وهناك اعتدى عليه المتهم بالخنق حتى خارت قواه ثم قذفه خارج السيارة ولم يشفع له هروبه فلاحقه حتى تمكن من دهسه بالسيارة أكثر من مرة ولم يكتف بذلك فقد ضربه باله راضه على رأسه ليطمئن الي موته وكان ذلك كله إرضاء لعشيقته حتى يخلو لهما الجو دون مضايقه أو تهديد بافتضاح أمرهما ومن هنا يتوافر سبق الإصرار ويضحى ما يثيره المتهم من جدل حول عدم توافره في غير محله, وحيث مثل والد المجني عليه بجلسات المحاكمة وطلب القصاص ولما كان من المعلوم شرعاً أن القصاص حق لأولياء الدم ولهم أن يطلبوه أو ينزلوا عنه الي الدية أو العفو وعلى ذلك نصت المادة (291) من قانون الإجراءات الجزائية على أنه " وإذا كان الإعدام قصاصاً وعفا صاحب الدم قبل تنفيذه استبدلت عقوبة السجن المطلق بعقوبة الإعدام "
      وحيث عن المتهمة الثانية وقد خلت الأوراق من ثمة دليل على مشاركتها في الجريمة سوى أقوال المتهم الأول والتي لا تعد دليل حيث استقر قضاء النقض على أن اعتراف متهم على آخر لا تعد دليل.
      كما أن والد المجني عليه لا يطالب المتهمة الثانية بشيء وقد جاء بنص المادة (217) إجراءات جزائية " إذا كانت التهمة غير ثابتة في حق المتهم تحكم المحكمة ببراءته".
      فلهذه الأسباب
      حكمت المحكمة بادانه المتهم الأول بما هو منسوب إليه بإجماع الآراء وعاقبته بالإعدام وألزمته المصاريف وبراءة المتهمة الثانية مما هو منسوب إليها.

      محمد أحمد منصور
      محـــــام
      بالإستئناف العالي
      وعضو الإتحاد الدولي للمحامين العرب
      ومستشار قانوني
      ------------------
      تليفون رقم / 00201066096624
      ------------------------
      لا خير في فكرة
      لم يتجرد لها صاحبها
      ولم يجعلها رداءه وكفنه
      بها يعيش .. وفيها يموت
      ( المفكر المصري الكبير : توفيق الحكيم )