الإطار الدستوري والتشريعي لعمل مؤسسات المجتمع المدني في سلطنة عُمان (الجزء الأول) جديد ليت لي جناح

    • الإطار الدستوري والتشريعي لعمل مؤسسات المجتمع المدني في سلطنة عُمان (الجزء الأول) جديد ليت لي جناح


      كانت هذه الورقة معدة للمشاركة بها في مؤتمر في القاهرة لمؤسسات المجتمع المدني الخليجي ولعدم وجود دعم مالي للمشاركة لم أستطع المساهمة بها وفضلت نشرها كما هي عبر مجلة الفلق الإلكترونية.
      تصدير:
      لست أدعي بأن هذه الورقة(*) بحثاً يستوفي الشروط والمنهجية العلمية، فما سيأتي ذكره هو مزيج بين شبه الطريقة البحثية والآراء الشخصية الناتجة عن مشاهدة ودراسة لوضع متصور كتب بطريقة تداعي الأفكار والخواطر كما سيلاحظ القارئ.


      لا يمكنني القول هنا بأنها ورقة علمية صريحة إذن فهي لا تخلو مما سيعتبره البعض خروج عن المنهجية العلمية وشطحات كاتب مبتدئ من جهة ومن جهة أخرى يستخدم الأسلوب التلغرافي في نشر شطحاته عن وفي مجتمع غار في الشكلية اللغوية والثقافية السائدة وإلى البحث عن ذاته وخلاصها دون أن يمعن النظر إلى كينونته وتركيبته.


      لا أخفي القارئ العزيز بأني لا أؤمن بالفهم السائد لعبارات “منهجية علمية” و”موضوعية بحثية” فكلها أوهام اصطنعتها محاولات التفكير بمثالية بحتة ،هي كعبارة “حيادية الإعلام” وهم وخداع ولكن يمكن أن تكون صحيحة في حال نظرنا للأمور بنظرة نسبية معيارية للحقيقة، ناهيك أن تلك المنهجية تعطي أي دراسة طابع جامد قاسي ؛ ولهذا لم أتّبع هذا المنهج ما يجب أن يدركه القارئ أنه لا يوجد حق وباطل فالحق معياري والباطل أيضاً معياري ، ويمكن القول بأن هناك حق وحق وكلاً يرى الحق بطريقته ومن زاويته وباختلاف الزمان ، ومنها يمكننا تحديد من هو المحق أكثر من الآخر من خلال دراستنا لتلك الزاوية المنظور من خلالها لا إلى دراستنا لماهية ذلك الحق إذاً هناك فرق بين الحقيقية وعرض تلك الحقيقة.


      هي إذاً ورقة لا تخلو من العيوب ولكنها محاولة بسيطة للفت النظر لجانب معين يدور في بلد يقع شرق الجزيرة العربية ، بالكاد يُسمع صوته وتُرى مشاكله من قبل الباحث أو الدارس أو حتى المواطن الخليجي ، ولا أقول العربي فيكفيني إحراجاً عندما أُسأل عن بلادي وطموحات الشعب الذي أنتمي له وتطلعاته بعد أن أصف لهم موقع بلادي على الخريطة السياسية والاقتصادية وحتى الجغرافية ، أحياناً ودائماً ما كنت ألوم نفسي لعدم حملي خريطة مصغرة للعالم في جيبي حتى تخفف علي مشاكل الرجعية التي أتأكد منها ومن وجودها وترعرعها بين ألسنة الغرباء بسبب نظامنا السياسي البائس.


      أخيراً … ولا أطيل عليكم أهدي هذه الدراسة البسيطة أو الشطحة اللئيمة إلى كل المشتغلين في مجال المجتمع المدني في عمان ،وأخص بالذات جمعية الكتّاب والأدباء العمانيين راجياً لها العافية الدائمة من أمراض المثقف العماني الذي ينطبق عليه قول محمود درويش: وأنا التوازن بين ما يجب … أدعو لأندلس إن حوصرت حلب.


      المقدمة:


      مثلما قال محدثو القانون ونظرياته: إن تطبيق القانون بحذافيره وبشكل دقيق وحرفي يؤدي إلى ظلم مطلق. وواجب من ينفذ القانون تجسيد إرادة المشرع من وجود النص التشريعي عبر النظر إلى أغراضه وأهدافه. وتحقيق هذا الأمر بشكله المتجرد صحيح ولكن المشكلة تثور بين شقي تلك المعلومة وتحديداً في شكلها العملي.


      تتجلى تلك الإشكالية في شق تطبيق القانون والشق الآخر في كينونة إرادة المشرع من وجود نص ينظم أمر ما في المجتمع، فدائماً ما يفترض نزاهة المشرع ليصطدم ذلك لاحقاً بشكلية وموضوعية تلك الإرادة الصادرة للنص القانوني، وما إذا كانت تستوفي الشروط الشكلية والموضوعية في تلك الإرادة من جهة ومن جهة أخرى انعكاس صحة من عدم صحة تلك الشكلية والموضوعية للمشرع في النص التشريعي ؛ ليعبر عن الأهداف الحقيقية من وجود النص التشريعي وما إذا كان مستوفياً لشروط شكليته وموضوعيته حتى نقول عن ذلك النص شرعي أو غير شرعي. أي بعبارة أخرى متى ما كان الدستور الذي أوجد السلطة التشريعية التي تصدر تلك القوانين متى ما كان محل احترام باقي السلطات نكون عندها قد تجاوزنا مسألة نزاهة من عدم نزاهة المشرع من وجود النص المنظم.


      وبتفصيل آخر، إذا ما كان النص القانوني متوافقاً مع الدستور أم لا وما إذا كان المشرع أصدر القانون في ظروف ولأهداف تتوافق مع الشروط الدستورية والإنسانية والأخلاقية وحاجة الناس والنظام؛ ليترجم احترامه لتلك الشروط في صدور إرادته المتجسدة في نص قانوني يقوم بتنظيم مسألة ما عبر وسائل القهر والجبر القانونية المشروعة. فأهداف القانون وتعريفاته بطبيعة الحال هو تنظيم مسألة ما من قبل سلطة عليا لها نفوذ على وسط إنساني معين عبر إعمال وسائل القهر والجبر ، وهذا لا يمنع من وجود دور رضا المواطن الفرد في منح السلطة تلك الصلاحيات. وأن التنازل الذي يقدمه الفرد لها طوعاً إنما يكون فقط عن حقه في تطبيق العدالة والقانون بيديه بصورة مباشرة وأن هذا الحق لابد أن يقتصر على الدولة وأجهزتها.(1)


      وللمشرع بالتأكيد يد طولا في تنظيم عمل مؤسسات المجتمع المدني كونها ظاهرة اشتركت المجتمعات الإنسانية منذ قديم الزمان بوجودها ، وعلى أهمية وجودها كعنصر يشكل خارطة أي مجتمع يحكمه نظام سياسي معين مهما اختلفت أشكاله. ودور مؤسسات المجتمع المستقلة بطبيعة الحال عن السلطة التنفيذية أو أي سلطة أخرى سوى السلطة الشعبية عادة ما يكون متذبذب باختلاف الزمان والمكان وشكل النظام السياسي وطريقة إدارته للمجتمع ، فنجد هذا الدور يخفت في الدولة الريعية ويختفي في نظام الدولة الحارسة ويزيد في النظام الديمقراطي ويصل أوجه في النظام السياسي الذي يعتمد فكرة الكرسي الدوار القائلة بأن معارضة الأمس هي موالاة اليوم وموالاة الأمس هي معارضة اليوم.


      المجتمع العماني كغيره من المجتمعات النامية، يتكون من مزيج بين المؤسسات التقليدية القديمة والتقليدية الحديثة التي أفرزها وجود النظام السياسي بالشكل الحديث الحالي ، ومن الطبيعي أن يعتمد أي نظام سياسي على تلك المؤسسات لترسيخ حكمه ونظامه وسيطرته على الإرادة الشعبية أو الفردية، وذلك من خلال عملية الضبط الاجتماعي التي تستهدف الأفراد وعلاقاتهم بتلك المؤسسات التقليدية القديمة كالقبيلة والعائلة والمنطقة والدين، والتي يجب أن تحتل فيها المؤسسات دور الوسيط أحياناً والضاغط في أحياناً أخرى بين الفرد والجماعة والحديثة كالمؤسسات الوظيفية والمهنية بين العامل ومجموعة العمال.


      إلا أن تنظيم عمل تلك المؤسسات لم يخرج عن إطار العرف الاجتماعي الذي سبق وجود الدولة بالشكل الحديث منذ عام 1970م مع بقاء دوره حتى بعد السبعين بشرط أن يتوافق مع التنظيم الأوتوقراطي (2) المستبد لعمل المؤسسات من قبل لإرادة السياسية، والتي لم تستند إلى مرجعية واضحة وتنظيم محدد يقبله المنطق الزماني للإنسان العماني المتأثر بعملية التنمية التي عقبت الانقلاب الذي قادة الإنجليز للإطاحة بسعيد بن تيمور عام 1970م وتسليم السلطة بعدها لإبنه قابوس.


      فمنذ سبعينيات القرن الماضي وحتى اليوم حدثت متغيرات وهزات في الوعي السياسي والثقافي الجمعي للعمانيين؛ نتيجة ملامستهم وممارسته عناصر التأثير المحلية والعالمية كالتعليم والإعلام والتقنية، وارتفاع مستوى الدخل، ولم تكن الإرادة السياسية تترافق وتتزامن مع ذلك التنامي في الوعي الجمعي حتى يتبلور ذلك الترافق في قالب تنظيمي يتماشى مع تطور الإنسان العماني ووعيه، بل كان هناك نوع من التجاهل المستمر، وسنرى ذلك جلياً في النصوص الدستورية والقانونية المنظمة للإرادة الشعبية والفردية. فلا توجد في عُمان أحزاب سياسية فالأحزاب السياسية والمجتمعات والمنظمات ذات الميول السياسية غير مسموح بها في الدولة حسب القوانين والأنظمة الصادرة بها، وعادة ما تحوّل المطالب وتمرر بصورة غير رسمية عبر الصداقات والولاءات والعائلات والعشائر القبلية والارتباطات مع أعيان السلطة والشخصيات العامة.(3)


      أي أن هناك طبقة مصالح وسيطة بين الإرادة الشعبية والإرادة السياسية مع تغييب تام لدور مؤسسات المجتمع المدني المفترض بها القيام بدور الوسيط والشارح والشريك، ولهذا التغييب أسباب تنظيمية:
      شكلية: في الدستور والقوانين.
      عملية: في تحقيق أغراض تلك النصوص وتفعيلها.


      وهذا ما سنتناوله في هذه الورقة مع التأكيد بأهمية الدور التنظيمي لتحقيق الأغراض الحقيقية لعمل مؤسسات المجتمع المدني في أي دولة ، فمع تعاظم فكرة الحقوق والمواطنة والشرعية الدستورية والتشريعية والمشاركة السياسية وأهمية امتزاج إرادة الشعب مع الإرادة السياسية إن لم تكن قد تجاوزتها في بعض المجتمعات العربية -ومجتمعات شبه الجزيرة العربية ليست بعيدة عنها- إلى تأكيد أسبقية الإرادة الشعبية على إرادة الحاكم، وبروز فكرة الشعب مصدر السلطات، كل هذا يدعونا إلى الاهتمام بالجانب التنظيمي، فهو إلى جانب دوره المدير الضبطي للنشاط المؤسساتي المدني هو أيضاً كاشف للمشاكل التي قد تواجه المؤسسات في أي مجتمع لأي سبب كان عبر الممارسة ، ومعبر عن الرغبات الجمعية والذي لابد أن ينعكس في شكل نصوص منظمة لعملها ولتحقيق أغراضها.


      ما سبق هي مقدمة سريعة غير منصفة لابد منها عن القانون وعن المجتمع العماني والنظام السياسي وقد يعتبرها البعض حكماً أولياً. وعموماً يمكنه النظر في النقاط القادمة كوني بصدد الحديث عن نصوص قانونية تنظم عمل مؤسسات المجتمع المدني في عمان فقط ويمكنهم قياس هذا الجانب على باقي الأمور التي نظمها المشرع العماني. فلست هنا للحديث عن أهداف القانون وأبعاده التطبيقية والفلسفية وأغراضه ونتائجه ، فلن أزيد عما قاله هيجل ومونتسكيو وهوريو وباقي الفلاسفة والكتب “على قفا من يشيل” على حد التعبير المصري. فلا أرغب حشو عقولكم وإضاعة وقتكم بكلام يعتبره البعض أنه لا يخلو من اللمسات المثالية أو العدمية حتى يبقى حبر على ورق كونه يمس بشكل أو بآخر العلاقة بين الحاكم والمحكوم وبين المواطن والمواطن بينما هم فعلياً غارقين في تفكيرهم للأمور بمثالية تشبه مثالية أرسطو أو الفارابي الموهومة وفي نفس الوقت تصرفاتهم لا تخلو من الأنانية ،ويريدون لتلك العلاقات التي ينظمها القانون أن تكون مثالية في حد تفكيرهم بها ومنحازة إليهم ولعصبيتهم في حد تعاملهم معها ؛ لتجد المواطن غارق في تناقضاته بين المثالية في تفكيره والأنانية في تصرفاته ليّخرج هذا التفكير منافقي الدين مثلاً أو الأدب والسياسة والمجتمع والقانون وهذا ما يسمى في علم الاجتماع بـ”التناشز الاجتماعي” فلا عجب أن نرى وزير الأوقاف السالمي مثلاً يتحدث ويجعل وزارته كلها تتحدث بخطاب وعظي ديني في مناسبة ما حول قضية دنيوية معينة أفسدت المجتمع ، وفي نفس الوقت يستغل منصبه للتّكسب والتربّح، ولا نستغرب ولا ننكر ذلك عليه. وهذا من نتائج التناشز الاجتماعي. وليت شعري هل يرى الناس أنفسهم قبل أن يتحدثون؟


      إن النظرة الشعبية للدستور والقانون في عمان لا تخلو أيضاً من التناشز وكثيراً ما عززت الحكومة ذلك التناشز ولهذا أضفت في نهاية هذه السطور البسيطة مقالة ملحقة صغيرة بعنوان (التناشز القانوني في عُمان) لعلني أصيب وربما أخطئ فيه، ولعله يفتح العيون على موضوع قد يعتبر مهماً كما يعتبره كاتب هذه السطور. وحقيقة جاء هذا الملحق بعد قراءتي لشطر منظومة لأحمد مطر أختم بها هذه المقدمة حيث قال محملاً القانون مالا يحتمل ويحتمل في نفس الوقت:


      أيها اللص الصغير
      يأكل الشرطي والقاضي
      على مائدة اللص الكبير
      فبماذا تستجير؟
      ولمن تشكو؟
      أللقانون … والقانون معدوم الضمير؟
      أم إلى خف بعير … تشتكي ظلم البعير؟


      أولاً: النظام الأساسي للدولة (الدستور)(4):


      قبل الدستور:


      قبل أن أتناول النصوص الدستورية المنظمة للعمل المؤسساتي المدني الذي جاء بها الدستور العماني أو كما يسمى بالنظام الأساسي للدولة كونه بطبيعة الحال الوثيقة العليا في الدولة والمنظمة لباقي السلطات وتحديداً السلطة التشريعية المصدرة للقوانين، قبل كل هذا لابد أن أتطرق هنا لخلفية تاريخية عن الوضع الدستوري في عُمان حتى تتضح الصورة للقارئ المهتم.
      في حقيقة الأمر لم تعرف البلاد قبل عام 1996 أي شكل من أشكال التنظيم الدستوري المكتوب والموثق، وقد يذهب بعض فقهاء القانون إلى القول بوجود العرف الدستوري كمنظم للسلطات والدولة والنظام في عُمان، إلا أن هذا الرأي يصطدم مع فكرة توافر الركن المادي والمعنوي للعرف الدستوري. فلابد أن تنتهج مؤسسات الدولة وسلطاتها نشاطات معينة تتصل بمسألة دستورية فتنشأ من تكرار هذا السلوك على مر الزمن قاعدة دستورية غير مكتوبة يكون لهذا قوة القانون الدستوري.(5) وهذا مالا يتوافر فعلياً في عُمان وتحديداً في مسألة الركن المادي المنتج للركن المعنوي بطبيعة الحال، وأيضاً فيما يتعلق بوجود مؤسسات الحكم وشكل الدولة ومسألة الزمان وممارسة تلك النشاطات وتكرارها مدة طويلة من الزمن حتى يتولد الشعور بالإلزام.
      عمان لم تعرف شكل سياسي منظم حديث قبل عام 1970م والشكل السياسي الكائن قبل السبعين يجعلنا في محل تساؤلات عن مؤسسات الحكم الموجودة آن ذاك ومدى تشابهها حالياً وفكرة سيادة الدولة وبسط نفوذها والتقلبات الثورية التي واجهتها البلاد.
      إلا أنه يمكن القول أن الشكل الوحيد الذي قد يعتمد عليه كمنظم للعرف الدستوري في عمان هو في إطار المؤسسة الدينية فقط، وتحديداً في فكرة الإمامة الإباضية، التي يمكن القول عندها بتوافر العرف الدستوري فيها كمنظم لو كان شكل النظام السياسي في عُمان قبل ظهور أول دستور في البلاد عام 1996 يتوافق مع شكل الإمامة الإباضية، إلا أنه فعلياً لا يتوافق معه مما يجعلنا نشكك في ذلك القول القائل بوجود التنظيم الدستوري قبل عام 1996 بأي شكل كان. فشكل النظام السياسي في الإمامة الإباضية يختلف عن شكل النظام السياسي الذي أقيم منذ 1970 وشكل المؤسسات السياسية أيضاً التي تمارس أعمال السيادة وتصرفات السلطات في الإمامة الإباضية لا يشبه ما أفرزه شكل النظام القائم وبالتالي أي قول يذهب إلى أن العرف الدستوري كان المنظم للدولة العمانية منذ عام 1970 حتى صدور الدستور عام 1996 هو أمر مخالف للحقيقة.
      مما تقدم إذاً، لا يمكن التحدث عن وجود أي شكل من أشكال التنظيم الدستوري في عمان قبل صدور أول دستور فيها في عام 1996 وهناك 26 سنة مابين قيام عمان بشكلها السياسي الحديث في عام 1970 إلى عام 1996 سنة صدور الدستور، وهذا التأخر كان له الدور الكبير في ما أشرت له من تجاهل للإرادة الشعبية وعدم تزامن ومواكبة الإرادة السياسية معها، وتغول مؤسسات الدولة الأمنية لترسيخ أركان النظام في جميع الأصعدة، وممارسة عملية التخلف الحقوقي في المجتمع العماني ولازال حتى يومنا هذا لولا الربيع العربي الذي بدأ يعلق أجراس الأفكار في الوعي الجمعي للمواطن العماني.
      جاء صدور الدستور العماني في نوفمبر 1996 بعد مرور 26 عاماً من غياب أي تنظيم دستوري في البلاد مترافقاً مع التطور على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي والثقافي، حيث يعتبر هذا الدستور أول دستور مكتوب في عُمان على أسلوب المنحة أو الهبة وهو أسلوب غير ديمقراطي في حقيقة الأمر، مما يحيلنا إلى تساؤلات لها علاقة بالإرادة السياسية المتمثلة بطبيعة الحال في السلطان قابوس الذي انفرد بإصدار تلك النصوص الدستورية ،وما إذا كانت فعلاً معبرة وملبية وشارحة للنظم الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية للمجتمع العماني، سواء أكان حاضراً أم مستقبلاً وأيضاً في الأغراض الحقيقية الذي جاء الدستور لتلبيتها وهذه مسألة لهذا علاقة بموضوعنا بطريقة غير مباشرة في النصوص التي تنظم عمل المؤسسات والمجتمعات والمنظمات.
      سنلاحظ أن هناك عدة قوانين صدرت منذ عام 1970 في ظل غياب دستور في البلاد لازالت سارية حتى بعد صدور الدستور وحتى الآن، سواء أكانت متوافقة مع الدستور أو مخالفة له ، وهذا الأمر يدعونا إلى التساؤل حول مسألة مواكبة الدستور وإرهاصاته كالقوانين واللوائح والنظم لحاجات وطموحات المجتمع وتزامنه مع تطوره وتطور الوعي الجمعي ، وأيضاً في مسألة احترام الإرادة السياسية للدستور ، فالمتمعن لسير عمل مؤسسة الحكم العمانية والمؤسسات التي أفرزها الدستور نفسه يجد أن هناك تهميش دائم للدستور وتقزيم لدوره كوثيقة عليا تنظم السلطات والحقوق والحريات ، عبر عدم إعماله وحضور مزاجية الإرادة السياسية المخالفة أو المعطلة لنصوصه وهذا ما لا يجوز في حقيقة الأمر ومعيب ويعد مؤشراً للعلاقة والعقد الذي يربط الحاكم بالمحكوم والمنظم لعلاقتهما ؛ ولهذا فضلت أن أتحدث هنا عن الأطر التنظيمية لعمل مؤسسات المجتمع المدني في عُمان كونها إحدى أهم معيقات عمل مؤسسات المجتمع المدني فيها.
      فعلياً الكثير من المشاكل التي تواجه هذه المؤسسات يبدأ من الأطر التنظيمية وأيضاً لا يعقل تناول إشكاليات تلك المؤسسات في عُمان بعيداً عن التنظيم التشريعي في زمن سيادة الدستور والقانون، صحيح أن العمل المؤسساتي شق له طريق وتنظيم منذ قيام النظام السياسي الحالي في عام 1970 وقبل وجود الدستور والقوانين والمؤسسات التي أفرزها ، إلا أنه لم يخرج ذلك التنظيم عن مسألة الضرورة والتعامل مع الواقع المتغير إلى جانب التعامل الإسبتدادي المزاجي أو التنويري العادل أو الظالم للنظام السياسي القائم.
      فأول جمعية عمانية تم تأسيسها في البلاد هي الجمعية التاريخية العمانية حيث تأسست في عام 1972(6) وتذهب وزارة التنمية الاجتماعية والبعض إلى أن أول مؤسسة مجتمع مدني هي جمعية المرأة العمانية المؤسسة في نفس العام(7) أي في ظل غياب الدستور والقانون المنظم لعمل الجمعيات، وأول قانون ينظم عمل مؤسسات المجتمع المدني صدر في عام 2000 تحت مسمى (قانون الجمعيات الأهلية) وهذا الأمر يؤكد جلياً ما أشرت له من وجود مشكلة تتعلق بتأخر الأطر التنظيمية لعمل مؤسسات المجتمع المدني في البلاد ، مما أخر بروز دور تلك المؤسسات في المجتمع العماني وتخبطها التنظيمي بين مزاجية السلطة والمرجعية ومدى استنارتها خصوصاً في ظل التغير الهائل في المجتمع العماني ، فعلى الرغم من كل مظاهر الحداثة الصاخبة في البنى الاقتصادية والخدماتية وفي طرائق الحياة المدنية .. وبخاصة في مجتمعات اليَسَار والرخاء الاقتصاديين (بلدان النفط على وجه التحديد) فإن الدولة فيها والبنى السياسية على قدر كبير من التقليدانية يفضح الفجوة الرهيبة فيها بين جماح حداثوي رث عبارة عن طلاء أو زينة خارجية تخفي التجاعيد وبين فوات وتأخر هائلين في بنية السياسة والسلطة بل قل في طبيعة الاجتماع السياسي.(8)
      الدستور:


      بالنظر إلى الدستور العماني نجده يتكون من 81 مادة موزعة على عدة أبواب، توضح شكل الدولة ونظام الحكم والمبادئ العامة للدولة وسياساتها والحقوق والواجبات العامة والسلطات الثلاث (التشريعية- التنفيذية- القضائية) إلى جانب أحكام عامة أخرى، ونلاحظ أن هناك 25 مادة تتطرق بشكل أو بآخر للحقوق والحريات الأساسية الفردية والشعبية.
      في باب الحقوق والواجبات العامة مثلاً نصت المادة (33) على ( حرية تكوين الجمعيات على أساس وطني ولأهداف مشروعة وبوسائل سلمية وبما لا يتعارض مع نصوص وأهداف هذا النظام الأساسي مكفولة وفقاً للشروط والأوضاع التي يبينها القانون. ويحظر إنشاء جمعيات يكون نشاطها معادياً لنظام المجتمع أو سرياً أو ذا طابع عسكري ولا يجوز إجبار أحد على الانضمام إلى أية جمعية) كما نصت المادة (32) على أن (للمواطنين حق الاجتماع ضمن حدود القانون) وأيضاً المادة (34) حيث جاء فيها (للمواطنين الحق في مخاطبة السلطات العامة فيما ينوبهم من أمور شخصية أو فيما له صلة بالشؤون العامة بالكيفية والشروط التي يعينها القانون) إضافة إلى نصوص أخرى تكفل حق التعبير وحرية الصحافة وحق مخاطبة السلطات العامة، إلا إن هذه المواد برغم عموميتها وإرادتها المحالة لتنظيم القانون الصادر من السلطة التشريعية، تعد بحد ذاتها محفزة لتدعيم عمل المجتمع المدني وأجراس معلقة يمكن أن تقرع شعبياً وفئوياً وفردياً لكن الممارسات الرسمية والشعبية المسيّرة أو العفوية بالإضافة إلى القوانين المنظمة الصادرة أظهرت أن الصورة ليست بتلك الوردية الحالمة التي تؤكدها تلك النصوص، كما سيأتي عند الحديث عن التشريعات المنظمة لعمل مؤسسات المجتمع المدني ، فكثيراً ما اصطدمت الإرادة الفردية والفئوية وفي بعض الأحيان الشعبية مع إرادة النظام ، والذي أكد مراراً وتكراراً أن مدى تراكم الرُخص والسماحات الذي قدمها السلطان على شكل نصوص دستورية لم يكن غرضه ما نعتقده بديهة بمجرد التفكير عن غايات الدستور في أي نظام سياسي ما.


      مأخذ:
      من المآخذ والانتقادات على الدستور العماني فيما يتعلق بتنظيم العمل المدني هو خلوه لذكر النقابات المهنية والعمالية على الرغم من أنه تطرق إلى تكوين الجمعيات الأهلية بشكل عام ويرى البعض(9) أن نص المادة (33) يكفل ذلك الحق ولو ورد باسم ووصف آخر إلا أن هذا الأمر غير صحيح في حقيقة الأمر، فلا يمكن مساواة الجمعيات ذات الأهداف التنموية مثلاً بالجمعيات المهنية العمالية فيما يتعلق بالتنظيم القانوني، فهناك اعتبارات لها علاقة بضمان حقوق العامل من خلال التكتلات العمالية وتمثيلها للعامل في العقود الجماعية والمطالبات وأيضاً في شخصيتها القانونية وتمثيلها للعامل أمام المحاكم وفي القضايا المهنية والعمالية والعقود الجماعية العمالية فلا يمكن مساواة جمعيات ذات أهداف تنموية بجمعيات ذات أهداف رقابية وحمائية وتمثيلية، هذا على المستوى الموضوعي أما من الناحية الشكلية فالنقابات والإتحادات العمالية العمانية لا تخضع لقانون الجمعيات الأهلية بل تخضع لقانون العمل الصادر في عام 2003 والذي سمح بتشكيل نقابات عمالية ونظم عملها بشكل مختلف عن الجمعيات الأهلية كما سنرى وسنرى أيضاً بأن هذا الأمر لا يكفي حماية وتقريراً لهذا الحق ؛ ولهذا كان من الأهمية أن يحتوي الدستور على نص منفرد يتعلق بكفالة حق إنشاء النقابات المهنية والعمالية.
      إن صدور النظام الأساسي للدولة (الدستور) في عام 1996 جاء متأخراً كثيراً عن ركب طموحات المواطن العماني برغم أن هذا الطموح شابه تجهيل حقوقي بسبب الإرادة السياسية واستخدامها أدوات خلق الوعي الجمعي بطريقة لا تلبي الإرادة الحقيقية لنصوص الدستور هذه من جهة ، ومن جهة أخرى الدستور يحتاج للكثير من التعديلات وحقيقة يعود السبب إلى عدم إعمال نصوصه حتى تظهر عيوبه الحقيقية وأيضاً إلى تجاهل النداءات المستمرة حول الحقوق والحريات الدستورية في عُمان ، فهو القانون الأسمى في الدولة ويهدف إلى حماية حقوق الأفراد وحرياتهم ومنع الاستبداد على الرغم من أنه أحد أسباب عوامل الاستبداد عبر تركزه الشكلي للسلطات وعدم خلق مساحة كافية للمشاركة الشعبية.
      [HR][/HR]بسمة عبدالعزيز، إغراء السلطة المطلقة،دار صفصافة للنشر والتوزيع والدراسات،القاهرة، 2011، ص25
      هو شكل من أشكال الحكم، تكون فيه السلطة السياسية بيد شخص واحد بالتعيين لا بالانتخاب. كلمة “أوتوقراط” أصلها يوناني و تعني الحاكم الفرد، أو من يحكم بنفسه.
      مؤسسة بيرتلسمان، مؤشر بيرلتسمان للتحول الديموقراطي 2008م، مركز الخليج للأبحاث، دبي،2009، ص 69.
      كان يسمى في السنوات الأولى لإصدارة بـ”الكتاب الأبيض” وتم إلغاء استخدامها، وعبارة “النظام الأساسي للدولة” هي تعريب لكلمة “دستور” ذات الأصل الفارسي، ويعتقد الكثير من العمانيين أن هذا النظام لا يعد دستوراً وهذا أمر خاطئ يعود لعدم إعمال النظام السياسي للدستور وعدم حضوره عبر وسائط تشكيل الوعي الجمعي وخلوه من المؤسسات الدستورية الرقابية وعدم إعمالها كالمادة (70) مثلاً القائلة: (يعين القانون الجهة القضائية التي تختص بالفصل في المنازعات المتعلقة بمدى تطابق القوانين واللوائح مع النظام الأساسي للدولة وعدم مخالفتها لأحكامه ويبين صلاحياتها والإجراءات التي تتبعها).
      نعمان الخطيب، الوسيط في النظم السياسية والقانون الدستوري، دار الثقافة للنشر والتوزيع، عمّان، 2010م، ص465
      سعيد الهاشمي، مؤسسات المجتمع المدني في سلطنة عمان: الواقع والتحديات، مجلة المستقبل العربي، العدد 369، بيروت، 2009م.
      مسعود ظاهر، سلطنة عمان أربعون عاماً من التنمية المستدامة، دار الفارابي، بيروت، 2010م، ص 317.
      عبد الإله بلقزيز، السلطة والمعارضة، المركز الثقافي العربي،الدار البيضاء،2007، ص25
      خالد القشطيني، التجربة الديمقراطية في عمان، دار الحكمة، لندن، 2011م، ص 115.






      المصدر ليت لي جناح


      ¨°o.O ( على كف القدر نمشي ولا ندري عن المكتوب ) O.o°¨
      ---
      أتمنى لكم إقامة طيبة في الساحة العمانية

      وأدعوكم للإستفادة بمقالات متقدمة في مجال التقنية والأمن الإلكتروني
      رابط مباشر للمقالات هنا. ومن لديه الرغبة بتعلم البرمجة بلغات مختلفة أعرض لكم بعض
      المشاريع التي برمجتها مفتوحة المصدر ومجانا للجميع من هنا. تجدون أيضا بعض البرامج المجانية التي قمت بتطويرها بذات الموقع ..
      والكثير من أسرار التقنية في عالمي الثاني
      Eagle Eye Digital Solutions