مسقط - زوينة الريامية
-

تعد الكلمة وسيلة لإيصال الرسائل للآخر، لكن في المعرض الدولي للحرف التقليدية بحديقة القرم الطبيعية فإن عبارة "الفن لغة عالمية يعرفها الجميع" لا تصبح مجرد كلمات وحروف، وإنما واقع مملوس، فالصورة الفنية الرائعة تمزج بين جمال الألوان وروعة القيم الإنسانية.
وعند مدخل المدينة يرى الزائر لوحة عمانية بامتياز، حيث رجل كبير في السن بالزي العماني التقليدي تظهر على وجهه ملامح الاندماج في صناعة الأدوات السعفية فترى عمق الألوان التي تندمج بتناغم مع ملامح الرجل والتي أعطت مع الخطوط الموجودة في الخوص "أوراق النخيل" والتجاعيد التي رسمها الزمن على وجه الرجل، رسالة مهرجان مسقط في حديقة القرم وهي ارتباط العماني بأرضه وتراثه.
ومع اندماج لون الخوص مع زي الرجل العماني يتنقل بصر الزائر دون شعور إلى تلك الصورة التي يمتزج فيها لون السماء الأزرق مع الألوان الأخرى التي تعكس روعة الألوان، وتتجلى في فن الخط العربي من خلال كتابة حروف القرآن والرسومات الإسلامية، ما يعيد الزائر بذاكرته إلى قرون عديدة تؤكد روعة الفن الاسلامي بخطوطه وألوانه ونقوشه التي تريح النفس فتغوص في عوالم من الطمانينة والجمال. ويستمر جمال الفن الاسلامي الذي ينتقل بانسيابية تامة من الزجاج ليسطر جماله ورقته على الخشب الذي يتناسى قسوته مع جمال الزخارف الإسلامية في صورة لصناعة الصناديق وزخرفتها.
ولأن جمال الفن لغة الشعوب فإن لوحة الرقصات الفلكورية لبعض الدول العالمية تتابع قصة الجمال الفني في هذه القرية، حيث الألوان الزاهية المتناسقة والمتناسبة مع طبيعة تلك المجتمعات القادمة منها والتي تظهر بدقة روعة الحركات الراقصة وانسيابيتها مما يشعرك بأنك تستمع إلى الموسيقى التي تتحرك هؤلاء الراقصات على أنغامها.
لحظات جميلة تلك حينما يقف الزائر أمام صورة رائعة لزي المرأة العمانية التقليدي، الذي يسيطر عليه جمال اندماج اللون الاسود مع اللون الفضي فتتوقف الأنظار في محاولة لاستيعاب الرقي الملكي الذي يعكسه هذين اللونيين. وإلى جانبهما تلمع الألوان الزاهية كالأخضر والأصفر وكأنها نور يكسر اللون الأسود فينتج عنه جمال وارتياح في الرؤية.
وبعد لحظات من جمال الزي العماني، تظهر لوحة لا يمكن مقاومة جمالها ورسالتها العميقة، حيث شاب يرتدي الزي العصري ويثبت بدقة أنامله أن تراثنا جزء من حاضرنا وأن جمال الماضي قادر على الصمود اليوم، فالنقوش والزخارف بألوانها المتداخلة مع انسيابية الزجاج المصنوعة منه الأدوات، تجعل الناظر لها يدرك أنه لو وجدت هذه الأدوات في ديكور منازلنا لشغلنا جمالها عن الفيسبوك والتلفزيون.
وإذا كان جمال لوحة الرسم على الزجاج تشغل الإنسان عن متابعة التلفزيون، فإن جمال تلك اللوحة التي تجمع أكثر من حرفة بصورة لا يمكن من خلالها التوقع بأنها تحمل أكثر من حرفة. وهو أمر يعكس أن وحدة الفن والتراث جزء من وحدتنا، كما أن تناغم ألوان الملابس مع ألوان أدوات الصناعة يرسل شعورا يظل مع الناظر إلى هذه اللوحات.
وللباحث عن روح المجتمع العماني وسر هدوئه، فالاجابة تتمثل في لوحة فنية للفنون الشعبية الرجالية مثل الرزحة والرزحة الحماسية، حيث الحركة المتناسقة والموحدة التي تعكس روح التعاون والانسجام التي يعيش فيها المجتمع العماني.
وإلى جانب هذه اللوحة يندمج اللون الأحمر والبني في لوحة منسجمة تحكي قصة التراث مهما اختلف بلده، حيث تبدأ القصة من صورة امراة افريقية تعمل بانسجام تام في جمع الخيوط الملونة بألوان متناقسة لصناعة السجاد وتستمر القصة، حيث شاب عصري بملاح عربية ينظر الى مصنوعات من الخشب والفخار وكأنه يراقب كنوز، ومن ثم طفلة بملامح غربية تجلس على طاولة عليها مشغولات تراثية.
ومن قصة الفن العالمي، قصة إصرار المرأة العمانية في اقتحام كل مجال، حيث امرأة تصنع ما يسمى "القفير" وهو مصنوع من الخوص، ما يظهر تداخل اللون الأخضر والأصفر للخوص ويعكس جمالا طبيعيا.
وفي رحلة التجوال بين جمال الفن يقف الزائر فجأة مندمجا أمام صورة لا يمكن وصفها إلا أنها عمان، حيث طفل صغير يقف بكل شموخ وهو يرتدي الزي العماني التقليدي والخنجر بكل ما فيها من زخارف إسلامية راقية وابتسامة رائعة مرسومة على وجهه ترحب بالجميع في عمان وتعكس سمة الطيبة في أهل عمان. وإلى جانبه الخنجر بروعته ولونه الفضي الذي يثبت أنه عماني، وأن عمان السياسية إلى جانب الاجتماعية حاضرة. أما هدوء الشعب العماني فيظهر في تلك الألوان الهادئة التي يغلب عليها اللون الأبيض فهي لوحة تصرخ عاليا أنا عمان.
وفي نهاية محطات الجولة، لابد أن يلتقي الحديث مع القديم، حيث صورة للبخور العماني والمجمر "الذي يوضع فيه البخور" ويضم جمال الأشكال الهندسية في نقوشاته، وكذلك عبق الماضي في الفخار المصنوع منه بكل دقة.