بسم الله الرحجمن الرحيم
أصدقائي في المندى عندي هذه القصة والتي تعتبر أول مشاركة لي معكم .. وهي قصة حقيفية ولكن شخصياتها لم أحددها ولم أكتب أي أسماء وأتمنى ان تتابعوها معي ... سوف تكون طويلة وأرجو أن تعطوني انطباعكم انتباهكم لأنها ستكون طويلة جدا .. وفي النهاية أريد منكم حلا لمشكلة ذلك الفتى مع الفتاة التي أحبها وكيف يمكن أن يجعلها ترجع إليه ، فقد تغيرت حياته كلها ولكنه لم يستطع أن ينساها فهل إلى حل من سبيل .
المأساة
هو : إنسان ولد محروما وفقيرا ومعدما ، جاء إلى الحياة غير مرغوب به من بعض أفراد أسرته لأنه اعتبر كالعدو بالنسبة إليهم .
هي: لا يعرف عنها أي شيء سوى انه التقى بها في الجامعة وتعرف على اسمها ومكان سكنها فقط وغير ذلك لا غير .
احترت انى ابدأ الكلمات فتناثرت سيلا على وجناتي
وتعانقت مع لوعتي ومرارتي فتصافحت مع صفحتي عبراتي
وهنا أدرت الحب ذكرى قد مضت كم ذقت منها في الهوى كاسات
وسبحت فيها هائما في بحرها فعشقتها معسولة القسمات
قلبي وفكري بل وكل جوارحي تهفو لها بل حبها نبضاتي
أحببتها حب الزهور الى الندى او مثل حب الطير للنغمات
ما زلت أذكر يا لصحبي أنسنا أنسا حوى الأفراح والبسمات
أنسا به كنا كزهر ضاحك حول الغدير بتلكم الجنات
كنا طيورا ليس تدري ما العنا تشتاق صحبا فائح النسمات
ما زلت أذكر جدنا ومزاحنا وحديثنا في تلكم القاعات
واليوم نادانا الفراق بصرخة حتى اختفى منا صدى الأصوات
وهمت قلوب الحب حتى أن غدت محفوفة الآلام والحسرات
لكن هناك العزم جار في الدما نمضي الى تعميرنا لحياة
أهداكمو الله المسرة والهنا دنيا وأخرى أرفع الدرجات
رباه إنك قد دعوت الى الهدى فاغفر خطايا العبد والزلات
واجمع إلهي شمل أرواح لنا تهفو إلهي فاستجب دعواتي
رباه صل على الرسول محمد والآل والأصحاب خير هداة
هو : خرج إلى هذه الدنيا بصرخة البراءة على وجهه ولم يعرف ما تخبئه له الأيام ، ظل يكبر يوما بعد يوم وعندما بدأ يحفظ العقل بدأ يحفظ أحداث الألم والسعادة التي مر بها ،
وجد نفسه بين أشجار النخيل قد ولد ، وبين أحضانها قد ترعرع ووجد ، بدأ ينظر فيما حوله ويقول : يا لجمال الطبيعة ويا لحلاوة الدنيا برونقها والشمس تشرق كل صباح لتبعث الحياة في كل شبر من غابات النخيل حوله ، بدأ يحفظ الذاكرة والأحداث وكانت لحظات السعادة اقل ما يتذكره لأن الأحزان والهموم والظلم كانت تطغى على حياته ، اعتقد أن الدنيا لعب ولهو وسعادة عندما اكن يلعب مع أطفال القرية مختلف الألعاب ولم يكن يدري أن صيحة واحدة من عمته " زوجة أبيه الأولى " كفيلة بخطف تلك الابتسامة من على وجهه البريء .
كان بعد تلك الصرخة عليه أن يأخذ الدلو ليذهب لالتقاط ثمار النخيل التي تسقط وقت الصيف ، ويا ويله لو عاد والدلو غير ممتلئ فالعصا والزجر ينتظره ولسان عمته يتوعده بعبارات القسوة والألم ، كانت أمه تستمع والعبرات تتساقط من عينيها لما يصيب ابنها لكنها مغلوبة على أمرها لأنها تريد أن تعيش وتربي أبناءها ، وهي جالسة تندب حظها الذي رماها في عائلة لا تعرف الرحمة مع أنها عائلتها وأهلها ، والأب في الخارج يعمل ويكدح ليرسل النقود وتستفرد بها العمة أو زوجته الأولى ولا تنفق على أحد سوى أولادها أما هو وأمه واخوته فلهم أن يأكلوا ويشربوا ولا يطالبوا بشيء بعد أن تعطيهم العمة ريالين مصروفهم الشهري .
ورضيت الأم بحالها وكان هو يرى أمه تبكي يوما بعد يوم ولا حول له ولا قوة سوى كلمات تخرج من بين شفتيه الرقيقتين قائلا : لماذا تبكين ، أن الله معنا ، اصبري وبعد الصبر الفرج أن شاء الله .
كان في البيت المتواضع المبني من الطين جهاز تلفاز ولكن لا يسمح له واخوته أن يروه لأن العمة اشترته لأبناءها فقط . وكان يذهب إلى بيت الجيران لكي يرى التلفاز بدلا من بيتهم .
كان عليه أن ينام مبكرا حتى يستيقظ من الفجر لالتقاط ثمار النخيل ويعود قبل طلوع الشمس ليتناول فطوره البسيط المكون من خبز وشاي فقط ، وبعد ذلك يعود إلى ضواحي النخيل يبحث عن الثمار المتساقطة وان لم يجد كان يعمد إلى هز بعض سعف النخيل لتتساقط الثمار ، وأحيانا عندما تزيد الثمار عن الحاجة يخبئها ليعود إليها لاحقا عندما تشح النخيل .
وقت الصيف ينتقلون للعيش في المزرعة بين أشجار النخيل الوارفة الظلال بعد أن قاموا ببناء بيت من سعف النخيل وفي الشتاء يعودون للقرية التي بين أحضان الجبال وأشجار النخيل وغابات المانجو ، لم يكن يعرف من العالم غير قريته المتواضعة ولكنه كان يحلم بأن يرى العالم على حقيقته وان يلف العالم كله ليعرف من يخبئه وخباياه .
ظاهر الأيام حلو إنما باطن الأيام يخفي علقما
ظاهر الأيام بحر قشره غير لب في حشاياه نما
يالدهر نافق القلب هوى بالليل بات يخفي الأنجما
يالقطر فارق الزهر ندى يالطير شدوه ملء السما
صاح ذاك القلب من ظلم غدا سمه يقتل قتلا أصرما
فغدت ساحته عند الوغا تلف جبنا بعد جمر أضرما
لا عيون الغيد ترعاه ولا نسمات الطيف ترعى أهيما
هائما في عمره إذ أنه يعشق الشعر بيانا محكما
يعشق الأمواج في البحر ولا سيما وقت المساكي يحلما
يعشق الليل إذا الليل أضا نجمه والبدر في أفق السما
هل تراه مخطئا فيما رأى أم تراه صائبا في ذي الحما
اكتمل عمره ثماني سنوات ودخل المدرسة ليجد عالما آخر ، عالما يستطيع أن يبدع فيه ، وفعلا كان مبدعا حيث اجتهد قدر الإمكان لأنه أحس أن المدرسة هي التي خلصته من عذاب عمته داخل البيت فأحبها واجتهد للحصول على أفضل المراكز واكن ترتيبه الثاني بعد الطالب المصري الذي كان يحصل على المركز الأول ، ضاعف جهده في السنوات اللاحقة للحصول على المركز الأول وفعلا حصل عليه منذ بدايات الصف الرابع حتى الثاني الإعدادي .
شاءت الأقدار أن ينتخب سنويا رئيسا للصف وذلك ليتعلم القيادة والمسؤولية وكيف يتحمل الأخطاء ويعطي القرارات وفعلا استطاع أن يثبت نفسه من جديد ، ولكنه كان حازما مع أصدقاءه داخل الصف ولا يعرف الرحمة مع الأخطاء التي كانوا يرتكبونها ، كان متشددا جدا مع أخطاءهم ولا يغفر لأحد لأنه لم يجد من يغفر له خطأه عندما كان صغيرا ولا يميز الصح من الخطأ ومع ذلك كان الكثير من زملاءه يحترمونه .
عندما وصل إلى الصف السادس الابتدائي انتقلوا للعيش في البيت الجديد المبني من الإسمنت والذي يبدو كالقصر من الخارج ولكن لا يعرف ما تخبئه له الأقدار في ذلك البيت ، انتقل هناك بفرحة الأطفال ببيت جديد وحياة جديدة ربما تكون أفضل من السابق ولكن هيهات فلقد انتقلت الفرحة إلى حزن وشقاء بعد أن قرر والده الذي تقاعد أن ينشئ مزرعة داخل البيت فكان يطلب منه والده أن يقوم هو وابن عمه أن يحفرا في كل يوم حفرتين ، كل حفرة تصل حتى الكتف وأحيانا تغطي كل واحد منا وذلك لزرع أشجار النخيل ، وفي بعض الأيام على كل واحد منا حفرتين ، يضرب بالمعول ويخرج التراب بالمجرفة ، هذا بالإضافة إلى تنظيف الأرض من الحصى والأعشاب الضارة والأوساخ التي كانت متراكمة فيها فهي أرض قاحلة مثل الصحراء ، وفي كل يوم يصرخ وايداه من شدة الألم ، فقد تيبست يداه وظهرت عليها البثور من الألم ولكنه كان صابرا يتحمل الألم لأنه لا سبيل لديه غير ذلك .
وبعد أن تهيأت الأرض شرعوا بزراعة مختلف أصناف الأشجار : الليمون والامبا والتين والزيتون والخوخ والقمح والشعير ومختلف الخضروات كل حسب موسمه ولم نكن نترك الأرض ترتاح بل عندما نقلع صنفا أو نجني صنفا نزرع غيره ، ورغم كل التعب الذي يحسه عند إعداد الأرض وتسويتها وزراعتها بمختلف الأصناف إلا انه ينسى تعبه عندما يأكل منها ، رغم انه لم يكن يستطيع أن يأكل منها إلا بإذن من أخيه الأكبر أو أبيه وأحيانا أخرى من عمته ، فيا عجبا ألا يستطيع أن يأكل مما غرست يداه .
كانت العمة على عهدها تضع المشاكل والعقبات في طريقه وكان هو يفضل الصمت والكتمان داخل قلبه ولكنه لم يستطع الكتمان أكثر فأكثر حتى انفجر بركان غضبه وصار يصرخ في الكل ويتمرد على كل شيء ولا يستطيع أن يسكت عن الظلم اكثر من ذلك ، وياما كان يناله الضرب المبرح واللطم على الوجه ورغم ذلك لم يستسلم ، شيء يكتمه داخل قلبه وشيء يصرخ به في وجه الظالم .
ألا ليت شعري هل سأبقى بحاليا وأرسل سيلا بات يكوي فؤاديا
وأبقى مدى الأيام موضع أسهم وأبصرتها تأتي إلي تواليا
فتخرق مني القلب خرقا وقد لحت شرايينه أضحى سقيما فباليا
سعيت التماسا للدواء فلم أجد سوى نزعها وبه عذابي ودائيا
وقد سرت أشكو لليالي لعلها ترق لحالي او تروم خلاصيا
فبت بها سهران فكري حائر أداجي نجوم الليل عند مناميا
شكوت الى البحر المآسي فخلته يجسدها موجا يهيج لياليا
وقد رحت للطير المغرد علني سأسمع صوتا منه يشفي جراحيا
فأبصرته في الغصن ينظر حائرا حزينا الى نحوي يبث المآسيا
فأرسل شدوا منه أسكب مقلتي دموعا من الآلام تحكي مصابيا
ولا خلتني أدنو من الزهرة مرة وأنظر إلا ذاكرا ومعانيا
ولا طب لباني وإن كان بارعا ولا خل إلا من نهاه مكانيا
فأضحيت مجزاعا بذا الدهر تائها أنادي وأنى لي جواب ندائيا
وكم كنت أكبت ما أعاني مؤملا بأني أرى خلا لحالي مراعيا
فلم ألق غير الحبر والبحر والدجى ولم ألف غير الطير والزهر مصغيا
أما زلت في الدنيا مقر تألم وحيدا عليلا لا يخال شفائيا
وما زال صبري بالإله وليتني أعانق في الجنات يا رب أميا
أظل أناجي الله ربي عالم بحالي إلهي فاستجب لي دعائيا
كان يريد منهم أن يحترمونه وان يلتفتوا لظلمهم له ولكن هيهات وكثرت المشاكل وازدادت سوءا حتى وصلت حد الطرد من المنزل ولكنه رفض أن يترك البيت لأن به أمه واخوته ولن يخرج إلا معهم ، كل ذلك حدث في بداية سن البلوغ والذي يعرف عنه التمرد والعصيان ، وبسبب ذلك أثرت المشاكل على دراسته وتراجع مستواه من المركز الأول إلى المركز الثاني ثم إلى المركز الثالث ومع ذلك يصل بهم عدم الاكتراث لأن يسألوا لم مستواك قد تدنى ونسوا انهم هم السبب بالمشاكل التي يحدثونها والعقبات التي يضعونها في طريقه والتي تجرح مشاعره وتؤرق صدره وتزيد همومه .
أراد أن يستخرج بطاقة وجواز سفر فلم يجد من يدفع مصاريف استخراجهما فقد أبى أن يدفع له أخوته وأبوه لا يملك النقود بعد أن تقاعد ، فقام بالتوفير من مصروفه الشهري البالغ خمسة ريالات ليستخرج البطاقة وجواز السفر وفعلا قام بذلك بتوفيق من الله ، ورغم أن مصروفه جيدا بعض الشيء فهو يعتبره أفضل مما سبق عما كان هو اخوته يعطون ريالين فقط ، أما الآن فقد اصبحوا يعطون ثلاثين ريالا بعد أن زاد عدد اخوته إلى ثمانية ، وكان عليهم أن يشتروا كل شيء منها .
تعلم الاعتماد على النفس وكان يذكر الله كثيرا ، حتى انه تعلم الصلاة بنفسه ولم يكن أحد يهتم بتعليمه أي شيء عن دينه فقد اطلع هو بنفسه على كل ما يهمه من دينه ودنياه ليفهم أمور الدنيا كيف تجري وما له وما عليه اتجاه ربه ومجتمعه من حوله .
وصل إلى الثالث الثانوي من دراسته وكان يعرف أن هذه السنة هي التي ستحدد مصيره ومستقبله ن حاول بذل كل جهد مستطاع ، سهر الليالي وبذل في سبيل تفوقه كل ما يستطيع لكن جو المنزل لم يساعده والمشاكل لم تتركه في حاله ورغم كل ذلك حصل على نسبة 87% القسم العلمي ، واكن يستطيع أن يحصل على نسبة أكبر لو كانت الظروف أكثر ملائمة ، ولكنها كانت نسبة لا باس بها في ذلك الوقت .
فكر إلى أين يذهب ن هل يعمل أم يواصل دراسته ، أراد أن يجرب الخيار الأول ولكنه لم ينجح في اختبار القبول حيث أن وزنه لم يساعده فقد اكن نحيلا جدا ، ولذلك لجأ إلى الخيار الثاني فسجل في الجامعة وقبل بكلية التربية تخصص لغة إنجليزية ، فطار من الفرحة وهو يقول يا لسعادتي ، أخيرا تحررت من قيود المنزل ولم يدري أن عيون الحسد تتبعه أينما ذهب ، دخل الجامعة وبدأ مشواره الدراسي خارج حدود المنزل بأن يبحث عن سكن له ليستقر فجاء إلى مسقط التي لم يكن يعرفها من قبل وتاه فيها بحثا عن سكن إلى أن وجد سكنا في أسوأ مكان في مسقط ولكنه لم يكن يعرف ذلك إلى أن استقر في المكان ، انتقل إليه وبدا مشواره الدراسي بكل ثقة وعزيمة ، بدت السنة الأولى من دراسته اسهل مما كان يتوقع ولكن مع بداية السنة الثانية وانتهاء الفصل الأول منها تفاجأ بما يحصل معه فقد سقط تحت الملاحظة الأكاديمية رغم أن الدراسة كانت سهلة وكان مجتهدا كعادته ولكن تغيرت حياته فجأة ، فبعد أن كان مبادرا إلى الإجابة والاشتراك في الصف اصبح هادئا ساكتا لا ينطق ببنت شفة ، ولا يشارك في الإجابة ويخاف من الدراسة وكأن لعنة قد أصابته وفقد ذكاءه وتركيزه ، لا يعرف ما هو السبب ولكن ذكريات الماضي ظلت تتبعه وتلاحقه في ذاكرته ومشاكل المنزل تتبعه إلى مسقط لتخنقه بآلامها وهمومها وتبعده عن جو الدراسة ، اجتهد قدر المستطاع ولكنه لم يفلح رغم انه كان يرى نفسه يبذل كل ما في وسعه ويحل الامتحانات بشكل جيد ولكن نتيجته كانت متدنية ولا يعرف السبب .
زماني زماني رفقا بقلبي فعمري دموع الضحى والأصيل
وعمري براكين شوق أراها تهد جناني وجسمي النحيل
فما عدت أدري يميني شمالي وأسأل اين فؤادي العليل ؟؟
إليك زماني أبث شجوني بقلب جريح ودمع يسيل
إذا بي أراك تزيد همومي وتثقل صدري بهم ثقيل
عهدتك صفوا جميلا وديعا وكنت لقلبي نعم الخليل
فآه زماني غدرت بقلبي وخنت الوعود فضاع السبيل
فأضحت دموعي رسولي ولكن إلى من سأبعث هذا الرسول
إليك سأبعث يا رب دمعي وأبقى أنادي بصوت طويل
فإن بح صوتي ومل فؤادي رجائي البعيد وحان الرحيل
سأبقى طوال حياتي أسيرا ولست عن الأسر يوما أميل
فيا دهر مالي أراك علي نسيت بأني ذاك الصغير
أما كنت يوما بروضك ألهو وأمرح جريا وراء الطيور
وحينا بماء عيونك ألهو وحينا أقبل تلك الزهور
وكم قد جعلت النخيل مراجح أغدو وأمسي بها كالنسور
يداعبني من هواها نسيم مداعبة الأم رأس الصغير
رميت بقلبي بعيدا بعيدا وما عدت تذكر تلك السطور
وسرت لوحدي بليل كئيب كطير هضيم الجناح كسير
تصفحت كراس عمري فثارت حشايا فؤادي بنار ونور
وقفت على صفحة من حياتي منمقة بمعاني السرور
ظللت على تلك أقرأ وأقرأ ففاضت عيوني بدمع غزير
كان يذهب إلى البلد كل أسبوع ليطمئن على أهله واخوته وكيف أمورهم في ذلك البيت اللعين وكأن اتصالاته اليومية لم تكن تكفي للاطمئنان عليهم ، كانوا يخبرونه بكل ما يصير لهم والمشاكل التي تضعها العمة وتدبرها لهم ، كان يزداد كل يوم ثقة بالله بأنه سيخرجهم ذات يوم من حياتهم المقرفة مع عائلتهم التي لا تعرف الرحمة ، وفي نفس الوقت كان يزداد عداوة وبغضاء ويحمل حقدا يكبر كل يوم لهم على ما يسببونه له ولأخوته وأمه من عذاب وشقاء .
وفي صيف عام 2000 م انقلبت حياته رأسا على عقب بعد أن تعرف عليها هي ، كانت البدايات في مختبر العلم حيث كان يذهب هو يوميا إلى هناك ليقوم بالتشات على الإنترنت وفجأة وفي يوم من الأيام عندما دخل إلى اللاب رآها تنظر إليه ن لم يكن يعرفها من قبل فاستغرب من هذه الفتاة التي تنظر إليه بهذه الطريقة ، هذه أول مرة يحدث ذلك له ، ارتبك لكنه اقترب من الكمبيوتر الذي تجلس هي عليه وجلس على الكمبيوتر المقابل لها ليدقق في ملامحها فتعرف عليها ، إنها تدرس معه في نفس الصف الذي يدرس فيه في الصيف ، دخل موقع التشات وظل يتحدث وعندما انتهى خرج من اللاب .
أتى في الغد وبعد دخوله بقليل دخلت هي بعده ، بعد ذلك دخل هو إلى موقع التشات وكتب على الصفحة العامة ، هناك بنت في لاب رقم 4 تنظر إلي وهي تدرس معي وأريد أن أكلمها ، كتبها عدة مرات حتى ردت عليه قائلة وكيف ستعرف أنها هي من سيرد عليك ، فقال لها لأنها ستنظر إلي وتبتسم وفعلا ابتسمت فعرف انه قد بدا في الكلام معها .
سألها : لماذا تنظرين إلي ؟
أجابته : وماذا في ذلك أنا معجبة بك ، فقال وما سبب إعجابك ، قال : هدوئك ، كنت انظر إليك كلما دخلت إلى الصف وهدوئك وصمتك يحيرني فأعجبت بك ولم تدر أن ذلك الهدوء والصمت هو ما قلب علي الدراسة رأسا على عقب .
انتهوا من الكلام في ذلك اليوم ثم عادوا في الغد ليبدأا مشوار التعرف على بعضهم أكثر وكان اللقاء ، فسألها: أنتي معجبة أم تحبينني ، فقالت وماذا أن كنت احبك ، ولكني خائفة لأنك من مقنيات وأخي له أصدقاء هناك ، استطردت قائلا ، أن الحب شيء كبير وفيه عذاب كبير جدا وحساد وأحقاد وناس يسعون لان يفرقوا الأحباب ، قالت أعرف كل ذلك وسأظل معك .
قال لها أن مشواري طويل وحياتي صعبة واحتاج إلى وقت طويل حتى أكون نفسي ، فقالت : مستعدة أن انتظرك حتى النهاية ، فقال لها أن لدي مشاكل كثيرة ولست على وفاق مع عائلتي وسأطيل الدرب حتى اصل إلى ما أريد ، قالت لا يهم ، سوف انتظرك ، فقال لها ، إذن تحملي ما سيأتيك وكأنه يعرف ما يخبئه القدر لهما .
حاول أن يبعدها عنه بان يشرح لها حياته والمصاعب التي تواجهه والمشاكل التي تحدث معه وفقره وبان مشواره طويل جدا حتى يكون نفسه ولكنها في كل مرة تمسك على يده وتشد على أزره وتشحذ هممه لتقول له أنا معك وسأظل احبك للابد .
وجد فيها قلبا حنونا عطوفا ، قلبا ينبض بالحب فعلا ويطلق شعاع طيبته نحوه ، فكان يصارحها بكل ما في قلبه من هموم وأحزان ومشاكل حدثت وتحدث معه سواء في منطقة عيشه في مسقط أم في البلد ، أحبها رغم انه لم يكن قد خطط لذلك بل أرادها أن تبتعد عنه ولكن طيبتها واصلها وحبها جعلته يحبها رغم انه لم يشعر بالحب اتجاه أحد من قبل ، ولم يتقرب من قلب أحد من قبل .
ظل يكلمها كل يوم على التشات وهما في نفس اللاب ونظراته تتلاقى مع نظراتها لتشعل نار الحب اكثر واكثر ، وفي ذات يوم سألته سؤالا فتح باب الغيرة على مصراعيه ، هل هناك فتاة من أقاربك في الجامعة ؟ فأجابها ، لا ، ليس هناك من أحد من أقاربي من الفتيات يدرس هنا في الجامعة ، فكأنها ارتاحت عندما كان جوابه بالنفي .
شاء القدر أن تتعرف على ابنة جارنا في الجامعة والله يعلم أنها قد سألتها عني فقالت لها أنها قريبتي وانه ليس عندي في حياتي أي مشاكل وأنني أعيش حياة سعيدة في قصر لا مثيل لها في تلك الحلة أو البقعة من البلد ، فجاءتني ذات يوم تقول : لماذا كذبت علي ، هناك قريبتك في الجامعة وحياتك كلها سعيدة ، تفاجأ بكلامها ، من أين هذا الكلام الجديد الذي تأتى به ، أمعقول أن تكذبه وهي تحبه ، أمعقول أن يكذب هو على القلب الحنون والنابض بالحب الذي اختاره من بين كل الناس ليكون معه ، حاول أن يشرح لها الموضوع ويفهمها إياه لكنها لم تتقبل الفهم ، هو لم يكذب عليها ولكنها الحياة ، لا بد من وجود حاسد على كل لحظة سعادة يعيشها فرد كتب له الشقاء .
انتهيت المشكلة بالرضا وان كل ما فات مات ومرت الأيام وهو يكلمها حتى انه ألغى زياراته للبلد من اجل أن يذهب إلى الجامعة يوم الخميس لكي يكلمها ، ولكن طبعا ظل على اتصال بأهله حتى يطمئن عليهم ، كتب ذات مرة قصيدة ووضعها تحت أحد أبواب الجامعة بالقرب من اللاب فأخذتها وكان ذلك في أحد أيام الخميس ، مرت الأيام يوما بعد يوم وهو يكلمها ويراها ويتعلق بها اكثر فأكثر لأنها من فتحت له صدرها لتستمع إلى مشاكله وتخفف عنه همومه وأحزانه حتى صارت كالدم الذي يجري في شرايينه وكالهواء الذي بتنفسه ، صارت له كل شيء حتى انه ذات يوم عندما كانا يتحدثان وهي تجلس على الكمبيوتر الذي أمامه ظل ينظر في عينيها الجميلتين ويقول شعرا لم يخطر على باله من قبل ، وإنما كان وليد لحظته .
في أحد الأيام جاءت هي إلى أحد اللابات الجامعة " لاب الهندسة " فوجدت أن اسمه على التشات ويكلم إحدى الفتيات فغضبت عليه وزعلت منه ، نعم هو كان يتكلم على التشات ولكن كيف له أن يعرف انه كان يكلم فتاة أم فتى ، إنما فقط كان يساير من يتكلم معه حتى تأتى حبيبته ويكلمها ، فمر ذلك اليوم من دون أن تكلمه وعندما آتي الغد ظلت تعاتبه وتقول له لقد كشفتك على حقيقتك ، أنت تخدعني وتفعل ذلك مع كل البنات على التشات ، حاول هو أن يتدارك الأمر ولكنه لم يستطع لأن يحبها له كان اكبر من أن يسمح له ولو للحظة واحدة أن يخدعها أو تشك للحظة انه يفعل ذلك فخاصمته أسبوعا كاملا .
شجون الأصيل أقتل الخليل أجزت فإني لديك القتيل
سهامك والبعد قد جرحا نهاي فداوي فؤادي العليل
فكم بت أرعى نجوم الدجى وأسأل عنك ذوات الهديل
وكم رحت للماء أشكو له فابصرت عيني دمعا تسيل
شجون الأصيل سألت الأصيل عن الحب قال شعور نبيل
شجون الأصيل سألت النهى أجاب بأنك حبي الأصيل
أما تعلميني أنا يا منى حياتي بثين فإني جميل
جميلك بعدك ذاق العنا لبعدك عنه زمانا طويل
فلو تنظريني بكيت أسى بحالي فجودي بوصل يزيل
فأنت الحبيبة فلترحمي محبا رأى البعد مرا ثقيل
وأنت الهناء وأنت المنى بدونك عيشي غدا مستحيل
كان ذلك الأسبوع كالجحيم في حياته ، وبطوله ظل يرسل لها عبارات الأسف والاعتذار والرجاء بان لا تتركه لأنه محتاج لها إلى جنبه ، وظل يرسل الأشعار لكي تعود له لأنه أحس كان قطعة من روحه قد فارقته حتى رضيت عنه وعادت لأنها تحبه من كل مشاعرها كما أصبح يحبها .
عادا للقاءاتهما على التشات ولم يدريا أن هناك عيونا وشبانا يراقبون تحركاتهما وضحكاتهما ونظراتهما لبعضهما فبدأت رحلة الحسد ، فوضعوا برنامجا على الكمبيوتر وهو الهاكرز وذلك حتى يستطيعوا أن يقرءوا كل ما يكتبان لبعضهما كما مكنهم ذلك من الدخول إلى البريد الإلكتروني لكل منهما ومعرفة ما به من رسائل غرامية وكلام حب وشوق كل واحد منهما للآخر ، وفعلا قرءوا كل ما كان بينهم والله العالم أن كانوا قد أرسلوا لها ليقولوا لها أن ذلك الفتى يخدعها ويتلاعب معها أم ماذا ولكن الذي كان يعرفه حق المعرفة أنها بدأت تتغير عليه رغم أنها كانت تحبه .
مرت الأيام وتكرر نفس الخطأ الأول ووجدته يكلم فتاة أخرى على التشات ، فقالت في نفسها والله اعلم لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين ، فثار غضبها هذه المرة ومن شدة غيرتها عليه ظنت فعلا انه يخدعها ويفعل ذلك مع كل بنت فخاصمته هذه المرة خصاما شديدا ولم تكلمه أبدا ولم ترسل له أي رسالة لمدة شهر كامل أو يزيد وهو يتقلب على جمر الحب والفراق ويعتذر ويتأسف ويترجاها بان لا تتركه وتتخلى عنه ، فقد أصبحت قطعة منها لا يستطيع فراقها ، ظل يتأسف ويتأسف ويتعذر ويرسل بطاقات الشعر والاعتذار راجيا إياها أن تعود وكان كل ذلك في نهاية الفصل الأول من سنة 2001م ،
يا أين قلبي في متاهات السنين
يا أين قلبي ذلك القلب الحزين
يا أين قلبي قصر حب العاشقين
يا اين قلبي بين كل العالمين
إني قضيت العمر حزنا وأنين
من لم أجد غير المآسي لي قرين
من لم أجد قلبا بحق لي أمين
من لم أجد نفسي سوى فان دفين
من أجل ذا أعلنت أني أنسحب
من عالم ألفى به كل النصب
من عالم قد داس ما قلبي يحب
من عالم ما قال إلا قد كذب
ما قال إلا طامعا فيما رغب
فإذا رحلت الى سواه فلا عجب
إحدى الليالي قد رنوت الى السحب
ألفيتها تبكي بكاءا في غضب
قد قلت ما يبكيك قولي ما السبب
فإذا بها تعلو صراخا وصخب
احتار فكري هل أنا من البشر
ام هل وحوش هم بأثواب زهر
في ذات يوم كنت في ذاك الممر
وقعدت ذاك اليوم وحدي في كدر
أبكي على قلب تلاشى من أثر
أبكي على قلب تفضى وانفطر
أبكي على قلب قتيل مندثر
أبكي دما ودماء قلبي تنهمر
وفي تلك الأيام كان ما يزال هو تحت الملاحظة الأكاديمية فصارحها بذلك وحتى لا تزيد همومه وآلامه عادت إليه وأثبتت من جديد أن حبها له اكبر من أي شيء في الوجود .
عادت له بعد اتفاق بان لا يدخل أي منها إلى التشات وان تكون الرسائل في كل أسبوع مرتين فقط ، وفي تلك الفترة اكتشف الأشخاص الذين يحاولون النيل منه ومن حبيبته فقرر العودة إلى التشات من دون علم حبيبته وذلك ليكشفهم على حقيقتهم وينتقم منهم وفعل كان ذلك فانتقم منهم حتى انه هددهم بان يشتكي عليهم عند رئيس الجامعة مما سيؤدي إلى طردهم .
وأثناء دخوله على التشات لكشف الحساد والحقاد على حقيقتهم حدثت المشكلة الثالثة ، رأته حبيبته قد دخل على التشات بعد أن اتفقا على عدم الدخول إليه دون أن تعرف الأسباب التي دفعته لذلك ، ففارقته هذه المرة بشدة ، حاول الشرح والتبرير ولكنها لم تتقبل ، فصارحها بما كانوا يفعلون ولماذا دخل على التشات ، ترجاها للعودة مرة أخرى ويا لكثر رجاءه لها ،
لو تعلمين محبتي ووداديا لن تعذليني إن رايت دموعيا
فالعين تشكو والفؤاد معذب يبغي رضاك الحلو وهو دوائيا
حسبي بأن تبقي جنبي يا هوى حتى تهيأ أكفني لرحيليا
فلقد ذكرتك والأناس جميعهم حولي وأنتي الأنس بين صحابيا
ولقد ذكرتك في الشروق وفي المسا ولدى الغروب وكم سريت مناميا
ولقد ذكرتك عند كل نبيضة قلبي يغنيها فكنت حياتيا
فلئن بكيت فلا تلومي والها يهواك حتى صار باسمك شاديا
ولئن بكيت فصدقيني إنما حبا وشوقا ام تريني جانيا
بل رغبة في كسب ما ترضينه وبأن تكوني دائما بجواريا
أم أنني طالبت حقا ليس لي بالله ردي واشفقي من حاليا
عادت ولكن ليس بقلب راض وحمد هو الله على عودتها وكانت سعادته اكبر من أن يتصورها أي كائن على الكون ولكنها سعادة لم تدم طويلا سوى أسبوع حتى رحلت عنه ، فارقته ، خاصمته ، تركته ، رحلت دون حتى كلمة وداع ، قطعت كل صلة به والسبب ، لا يعرف ؟؟؟؟ !!!! لماذا ذلك؟؟؟ ، أرسل لها سائلا عن السبب لكنها رفضت أن تخبره ، أرسل لها معتذرا أن كان قد أخطأ في شيء لكنها لم تجبه ، ولكنها اكتفت بالقول من الأفضل أن يذهب كل في حال سبيله ، وأتمنى من الله أن يسامحك ولكني لا أستطيع . ..... أذقتني المرارة والدموع والسهر . لا أريد أن أراك أو التقي بك في الجامعة .
تلك كانت آخر كلمات لها ، كلمات قلبت في نفسه المواجع وقلبت حياته رأسا على عقب ، لماذا كل ذلك ما الذي حدث ؟؟!!!!! لا يعرف ما الذي غير رأسها ، لا يعرف ؟؟؟؟
زادت عليه الهموم والمواجع وضغط الموقف الدراسي الذي كان فيه فاضطر إلى التحويل من تخصصه إلى تخصص آخر ، كان يحب تخصصه كثيرا ولم يكن يريد أن يغير ولكن شاءت الظروف ذلك .
قاتل لها : لك وعد علي أن أظل وفيا لك وستظلين في قلبي للابد أن شاء الله ، لن أنساك أبدا وسأظل أذكر للابد ، ومع جهله بما حدث إلا انه اعتذر لها عن كل ما سببه لها من ألم وحسرة وعذاب وهموم ، لم يكن يريدها أن تقاسي وتشرب من العذاب الذي شرب منه هو ، اعتذر لها عن كل ما بدر منه من أخطاء خلال مدة علاقتهما وراجيا إياها أن تسامحه حتى سامحته وقالت له الله يوفقك ، اذهب في حال سبيلك وعش حياتك كما كنت قبل أن تتعرف علي .
لم يستطع نسيانها ، ظل يبحث عنها في الجامعة كل يوم ليراها ولو من بعيد وعندما تأتى عيناه في عينيها يخاف منهما بعد أن كانتا مصدر سعادته وأمله وفرحه .
يا مالكا قلبي وفكري عنده يا ساكنا روحي بما أفديه
يا قصة معسولة لو قلتها لا يرتقي حبري لما أبغيه
يا وردة في روض حبي أبهجت عيني بدمعي مهجتي أرويه
يا من يرى أني نسيت وداده والله يدري ما أنا ناسيه
يا من يرى أني جهلت وجوده وأراه في عيني وما تلفيه
يا محرقا قلبي بنار بعاده ارحم فؤادي من لظى تكويه
ما بت إلا والسهاد مؤرق جفني ودمع الوجد كم أهميه
يا من أردد باسمه من غير ما أدري مضى عهد لكم أبكيه
يا خفق قلبي كم قبضت بقوتي أذياله وبكل ما أحويه
ورجوته ألا يشد رحاله عني بدمع محرق يدريه
مع كل ذا لم يرع حالي بعده ومضى وطوى ما هنا طاويه
وبقيت أرقبه بدمع سائح حتى اختفى عني الى واديه
وبخافق تجري الدموع به دما أيلام حتى الموت أن يبكيه
عاهد نفسه أن يجعل لنفسه شانا بين مجتمعه وأهله حتى يحترمونه ، قال سابني مستقبلي من الآن حتى اثبت للجميع بأنني لست ضعيفا ، وخلال السنتين اللاحقتين لفراقه معها ، استطاع أن يوفر بعض النقود وبمساعدة أخيه الذي بدا بالعمل استطاع أن يشتري سيارة ويستقل بذاته ، اثبت انه سيعتمد على نفسه فقط ولن يتوكل إلا على الله الذي يعطي الصابر على قدر نيته .
ولكن لم تكتمل فرحته بها حتى تعرض لحادث أليم بعد شراءها بثمانية أشهر ، كان ذلك في 22/5/2002 عندما كان راجعا من مسقط بعد أن أنهي اختبارات الفصل الثاني من السنة الدراسية 2001/2002 ، وكان أخاه الذي يقود السيارة وعلى ما يبدو انه لم يكن منتبها للشارع جيدا فاصطدم بسيارة كانت متوقفة على جنب الطريق ، أصيب هو بكسر في كتفه الأيمن وبجروح في قدميه وكدمات في ظهره ، أما الآخرون فقد أصيبوا بجروح بسيطة عولجت بسرعة لهم ، ظل هو في المستشفى لمدة يومين ثم انتقل إلى البيت ولكنه لم يكن يستطيع المشي من اثر الكدمات على قدميه وظهره والكسر الذي في كتفه ، ظل طريح الفراش لمدة أسبوعين حتى استطاع في الأسبوع الثالث الوقوف على قدميه والمشي بحرية أكبر والتحرك بشكل أفضل ، كانت تلك الفترة كالجحيم بالنسبة حوله ، لم يستطع النوم أو الحركة هذا بالإضافة إلى السهر الذي يعانيه بسبب الكسر ولكنه تخطى هذه المرحلة بصبر وعزيمة .
ثم جاءت الخطوة الثانية والفرحة الثانية بعد أن انتقل هو وأخوته من بيت الظلم والجور والهم والحزن ليستقلوا بذاتهم وتكون لهم حياتهم الخاصة ، انتقلوا إلى بيت آخر حتى يكون لهم شانهم كباقي الناس وتكون لهم كلمتهم ، كانت هاتان فرحتان فتحت له باب الأمل من جديد حتى يبدأ حياة جديدة ولكن هيهات ذلك .
ومن كثر حزنه على فراقها وكثر تفكيره فيها قرر الذهاب إلى في البيت متعذرا بالسؤال عن أخيها ، وفعلا ذهب أولا ليتعرف على المكان ، ويا ليته لم يذهب ، عاد من هناك مهموما مريضا ، لماذا لم يصل إلى البيت بعد أن تعرف عليه ، لماذا ؟؟؟؟؟ وعند وصوله إلى البيت سقط طريح الفراش مريضا ، لم يعرف السبب ولكنه أحس بان شيئا داخله يكويه ويحرقه ولكن سرعان ما تماثل للشفاء .
قرر بعد أسبوع أن يعاود الكرة ويذهب إلى البيت هذه المرة وفعلا ركب سيارته وذهب إلى البيت حتى وصل ودق الجرس وسال عن أخيها ولكنه لم يكون موجودا ، تمنى لو استطاع رؤيتها ولكن أمنيته لم تتحقق ، كان مشتاقا إليها كثيرا ، اكثر من أي وقت مضى ، تمنى أن تشاركه فرحته ببداية حياته الجديدة ولكنه لم يجدها جنبه عندما أراد أن يشاطرها تلك الفرحة .
دامت مدة فراقهما سنتين حتى استطاع أن يحصل على البريد الإلكتروني لها ليكلمها ويرسل إليها من جديد لأنه لم يستطع نسيانها ، استطاع أن يحصل عليه بالخدعة رغم أنها كانت وسيلة غير لائقة وعندما أرسل لها يقول انه أتى لزيارة بيتهم مرتين علشان خاطرها ردت أنها تفاجأت بذلك وطلبت منه الرحيل لأنها غير مستعدة لتجديد أي علاقة معه .
احتار ماذا عساه أن يفعل معها حتى ترجع إليه ، جرب كل الطرق ولكن لا فائدة ولكنه سيظل يحبها إلى الأبد .
قرر أن يخطو الخطوة الثانية في حياته وطريق مستقبله فاستغل فرصة طلب الحكومة من العمانيين أن يديروا محلات بيع المواد الغذائية ، ففتح محلا لبيع المواد الغذائية ليحصل منه على بعض الربح ، فكان التوفيق من الله سبحانه وتعالى .
ظلت هي في ذاكرته ليل نهار وكلما خطا خطوة تمنى لو كانت معه تشاركه تلك الفرحة ومن كثر التفكير بها تذكر بيت الشعر التالي :
أحبابي صعب علي فراقكم وجسمي من طول الفراق نحيل
أراد أن يستغل فرصة حصوله على بعض الربح من المحل فقرر الاشتراك في جمعية تعاونية ليوفر بها بعض النقود لحين تخرجه ، وفعلا اشترك بمبلغ طيب وكانت هذه الخطوة الثالثة في مشوار حياته ، وحمد الله كثيرا على توفيقه إياه في كل خطوة يخطوها والحمد لله رب العالمين على كل حال .
ثم جاءت بعد ذلك الخطوة الرابعة واستطاع الحصول على ارض حكومية عندما تم توزيع المخطط الحكومي في البلد وسيستلمها عما قريب أن شاء الله وكل هذا بفضل الله عز وجل .
لم تكد تكتمل فرحته حتى تعرض لحادث سير آخر أيضا في هذه السنة بتاريخ 8/9/2003 عند بداية العام الدراسي الجديد ، هذه المرة اصطدم بهم سائق آخر وكان هو راكبا في الخلف واثنان من اخوته في الأمام ، تعرض أخوه الأكبر لضربة في الرأس أفقدته وعيه ونقل إلى المستشفى أما هو وأخوه الآخر الذي كان يقود السيارة فلم يصابا إلا برضوض بسيطة والحمد لله ، تماثل أخوه المصاب للشفاء بعد العلاج مباشرة والحمد لله ، أما عن السيارة فلم تعد صالحة للعمل لأن بها أضرارا كبيرة ومع ذلك قررت شركة التامين إصلاحها ، وبعد إصلاحها سيبيعها ويشتري سيارة أخرى لأنها وعلى ما يبدو كأنها مصدر حسد بالنسبة له فلم يتمكن من الفرحة بها مدة طويلة ، ومع ذلك يقول الحمد لله على كل حال .
لم يتبقى له من مشوار حياته إلا أن يتخرج ويعمل ويبني بيتا لاخوته وأهله ويرتبط بفتاة تقبل العيش معه على ما هو عليه وتشد على أزره ويده وتكون له سندا وعون .
ومع تسارع هذه الأحداث وتواليها استطاع أن يكسب ود واحترام اخوته الكبار بعد أن كانوا يكرهونه واستطاع هو واخوته وأهله أن يكون لهم كلمتهم الخاصة بين أهلهم وتوثقت العلاقة بينه وبين أهله اكثر واكثر وانتهت المشاكل بينهم وانتهت رحلة العذاب والأسى التي عاشها معهم ولكن ذكريات الماضي لم تنتهي من ذاكرته أبدا وهيهات أن يمحوها الزمن ومع كل ذلك فقد سامح أهله على ما فعلوه له ولاخوته من أسى وعذاب .
إني لأعجب من دنيا حقيقتها زيف وأصحابها خروا لما فيها
إني لأعجب من نفس كأن لها عرش السماوات والرحمن منشيها
تمشي غرورا كأن الأرض تخرقها والراسيات شموخا أن تجاريها
لو يذكر المرء أصل المرء ما جرأت نفس تدنسه سوءا وتشويها
ولاستحت من إله الكون خالقها وهي التي خلقت من ماء ممنيها
بالله يا نفس جودي وارحمي جسدا غدا يودع دنيا عاش يحويها
غدا رهين ليد كم تقلبه كما تشاء ولا يقوى لينئيها
غدا سجين بقبر لا ملاذ له في ظلمة وحده لا مؤنس فيها
غدا أمام نكير عند هامته ومنكر هل ترى الآثام يخفيها
وكيف يهرب من هذا وذاك إذا ما يسألان عن الدنيا وماضيها
بل كيف ينجو من القهار يوم تقف أمامه النفس ما تخفي سيعريها
بالله يا نفس كفي ما الحياة سوى حلم سريع ودار الخلد فابنيها
فمن تزود دينا في الدنى ظفرت يمناه سعدا بأخرى عز بانيها
يا رب لطفك فياض فخذ بيدي نحو الهدى فذنوبي لست أحصيها
لكن عفوك يا رحمن ليس له مدى لعبد أبى الدنيا وما فيها
وهكذا انتهت رحلة ذلك الطفل البريء الذي أتى إلى الدنيا بصرخة علت وجهه وعاش أياما تمنى لو كانت افضل من ذلك بكثير حتى وفقه الله أن يكون له شان وتقدير بين الناس واحترام له .
أصدقائي في المندى عندي هذه القصة والتي تعتبر أول مشاركة لي معكم .. وهي قصة حقيفية ولكن شخصياتها لم أحددها ولم أكتب أي أسماء وأتمنى ان تتابعوها معي ... سوف تكون طويلة وأرجو أن تعطوني انطباعكم انتباهكم لأنها ستكون طويلة جدا .. وفي النهاية أريد منكم حلا لمشكلة ذلك الفتى مع الفتاة التي أحبها وكيف يمكن أن يجعلها ترجع إليه ، فقد تغيرت حياته كلها ولكنه لم يستطع أن ينساها فهل إلى حل من سبيل .
المأساة
هو : إنسان ولد محروما وفقيرا ومعدما ، جاء إلى الحياة غير مرغوب به من بعض أفراد أسرته لأنه اعتبر كالعدو بالنسبة إليهم .
هي: لا يعرف عنها أي شيء سوى انه التقى بها في الجامعة وتعرف على اسمها ومكان سكنها فقط وغير ذلك لا غير .
احترت انى ابدأ الكلمات فتناثرت سيلا على وجناتي
وتعانقت مع لوعتي ومرارتي فتصافحت مع صفحتي عبراتي
وهنا أدرت الحب ذكرى قد مضت كم ذقت منها في الهوى كاسات
وسبحت فيها هائما في بحرها فعشقتها معسولة القسمات
قلبي وفكري بل وكل جوارحي تهفو لها بل حبها نبضاتي
أحببتها حب الزهور الى الندى او مثل حب الطير للنغمات
ما زلت أذكر يا لصحبي أنسنا أنسا حوى الأفراح والبسمات
أنسا به كنا كزهر ضاحك حول الغدير بتلكم الجنات
كنا طيورا ليس تدري ما العنا تشتاق صحبا فائح النسمات
ما زلت أذكر جدنا ومزاحنا وحديثنا في تلكم القاعات
واليوم نادانا الفراق بصرخة حتى اختفى منا صدى الأصوات
وهمت قلوب الحب حتى أن غدت محفوفة الآلام والحسرات
لكن هناك العزم جار في الدما نمضي الى تعميرنا لحياة
أهداكمو الله المسرة والهنا دنيا وأخرى أرفع الدرجات
رباه إنك قد دعوت الى الهدى فاغفر خطايا العبد والزلات
واجمع إلهي شمل أرواح لنا تهفو إلهي فاستجب دعواتي
رباه صل على الرسول محمد والآل والأصحاب خير هداة
هو : خرج إلى هذه الدنيا بصرخة البراءة على وجهه ولم يعرف ما تخبئه له الأيام ، ظل يكبر يوما بعد يوم وعندما بدأ يحفظ العقل بدأ يحفظ أحداث الألم والسعادة التي مر بها ،
وجد نفسه بين أشجار النخيل قد ولد ، وبين أحضانها قد ترعرع ووجد ، بدأ ينظر فيما حوله ويقول : يا لجمال الطبيعة ويا لحلاوة الدنيا برونقها والشمس تشرق كل صباح لتبعث الحياة في كل شبر من غابات النخيل حوله ، بدأ يحفظ الذاكرة والأحداث وكانت لحظات السعادة اقل ما يتذكره لأن الأحزان والهموم والظلم كانت تطغى على حياته ، اعتقد أن الدنيا لعب ولهو وسعادة عندما اكن يلعب مع أطفال القرية مختلف الألعاب ولم يكن يدري أن صيحة واحدة من عمته " زوجة أبيه الأولى " كفيلة بخطف تلك الابتسامة من على وجهه البريء .
كان بعد تلك الصرخة عليه أن يأخذ الدلو ليذهب لالتقاط ثمار النخيل التي تسقط وقت الصيف ، ويا ويله لو عاد والدلو غير ممتلئ فالعصا والزجر ينتظره ولسان عمته يتوعده بعبارات القسوة والألم ، كانت أمه تستمع والعبرات تتساقط من عينيها لما يصيب ابنها لكنها مغلوبة على أمرها لأنها تريد أن تعيش وتربي أبناءها ، وهي جالسة تندب حظها الذي رماها في عائلة لا تعرف الرحمة مع أنها عائلتها وأهلها ، والأب في الخارج يعمل ويكدح ليرسل النقود وتستفرد بها العمة أو زوجته الأولى ولا تنفق على أحد سوى أولادها أما هو وأمه واخوته فلهم أن يأكلوا ويشربوا ولا يطالبوا بشيء بعد أن تعطيهم العمة ريالين مصروفهم الشهري .
ورضيت الأم بحالها وكان هو يرى أمه تبكي يوما بعد يوم ولا حول له ولا قوة سوى كلمات تخرج من بين شفتيه الرقيقتين قائلا : لماذا تبكين ، أن الله معنا ، اصبري وبعد الصبر الفرج أن شاء الله .
كان في البيت المتواضع المبني من الطين جهاز تلفاز ولكن لا يسمح له واخوته أن يروه لأن العمة اشترته لأبناءها فقط . وكان يذهب إلى بيت الجيران لكي يرى التلفاز بدلا من بيتهم .
كان عليه أن ينام مبكرا حتى يستيقظ من الفجر لالتقاط ثمار النخيل ويعود قبل طلوع الشمس ليتناول فطوره البسيط المكون من خبز وشاي فقط ، وبعد ذلك يعود إلى ضواحي النخيل يبحث عن الثمار المتساقطة وان لم يجد كان يعمد إلى هز بعض سعف النخيل لتتساقط الثمار ، وأحيانا عندما تزيد الثمار عن الحاجة يخبئها ليعود إليها لاحقا عندما تشح النخيل .
وقت الصيف ينتقلون للعيش في المزرعة بين أشجار النخيل الوارفة الظلال بعد أن قاموا ببناء بيت من سعف النخيل وفي الشتاء يعودون للقرية التي بين أحضان الجبال وأشجار النخيل وغابات المانجو ، لم يكن يعرف من العالم غير قريته المتواضعة ولكنه كان يحلم بأن يرى العالم على حقيقته وان يلف العالم كله ليعرف من يخبئه وخباياه .
ظاهر الأيام حلو إنما باطن الأيام يخفي علقما
ظاهر الأيام بحر قشره غير لب في حشاياه نما
يالدهر نافق القلب هوى بالليل بات يخفي الأنجما
يالقطر فارق الزهر ندى يالطير شدوه ملء السما
صاح ذاك القلب من ظلم غدا سمه يقتل قتلا أصرما
فغدت ساحته عند الوغا تلف جبنا بعد جمر أضرما
لا عيون الغيد ترعاه ولا نسمات الطيف ترعى أهيما
هائما في عمره إذ أنه يعشق الشعر بيانا محكما
يعشق الأمواج في البحر ولا سيما وقت المساكي يحلما
يعشق الليل إذا الليل أضا نجمه والبدر في أفق السما
هل تراه مخطئا فيما رأى أم تراه صائبا في ذي الحما
اكتمل عمره ثماني سنوات ودخل المدرسة ليجد عالما آخر ، عالما يستطيع أن يبدع فيه ، وفعلا كان مبدعا حيث اجتهد قدر الإمكان لأنه أحس أن المدرسة هي التي خلصته من عذاب عمته داخل البيت فأحبها واجتهد للحصول على أفضل المراكز واكن ترتيبه الثاني بعد الطالب المصري الذي كان يحصل على المركز الأول ، ضاعف جهده في السنوات اللاحقة للحصول على المركز الأول وفعلا حصل عليه منذ بدايات الصف الرابع حتى الثاني الإعدادي .
شاءت الأقدار أن ينتخب سنويا رئيسا للصف وذلك ليتعلم القيادة والمسؤولية وكيف يتحمل الأخطاء ويعطي القرارات وفعلا استطاع أن يثبت نفسه من جديد ، ولكنه كان حازما مع أصدقاءه داخل الصف ولا يعرف الرحمة مع الأخطاء التي كانوا يرتكبونها ، كان متشددا جدا مع أخطاءهم ولا يغفر لأحد لأنه لم يجد من يغفر له خطأه عندما كان صغيرا ولا يميز الصح من الخطأ ومع ذلك كان الكثير من زملاءه يحترمونه .
عندما وصل إلى الصف السادس الابتدائي انتقلوا للعيش في البيت الجديد المبني من الإسمنت والذي يبدو كالقصر من الخارج ولكن لا يعرف ما تخبئه له الأقدار في ذلك البيت ، انتقل هناك بفرحة الأطفال ببيت جديد وحياة جديدة ربما تكون أفضل من السابق ولكن هيهات فلقد انتقلت الفرحة إلى حزن وشقاء بعد أن قرر والده الذي تقاعد أن ينشئ مزرعة داخل البيت فكان يطلب منه والده أن يقوم هو وابن عمه أن يحفرا في كل يوم حفرتين ، كل حفرة تصل حتى الكتف وأحيانا تغطي كل واحد منا وذلك لزرع أشجار النخيل ، وفي بعض الأيام على كل واحد منا حفرتين ، يضرب بالمعول ويخرج التراب بالمجرفة ، هذا بالإضافة إلى تنظيف الأرض من الحصى والأعشاب الضارة والأوساخ التي كانت متراكمة فيها فهي أرض قاحلة مثل الصحراء ، وفي كل يوم يصرخ وايداه من شدة الألم ، فقد تيبست يداه وظهرت عليها البثور من الألم ولكنه كان صابرا يتحمل الألم لأنه لا سبيل لديه غير ذلك .
وبعد أن تهيأت الأرض شرعوا بزراعة مختلف أصناف الأشجار : الليمون والامبا والتين والزيتون والخوخ والقمح والشعير ومختلف الخضروات كل حسب موسمه ولم نكن نترك الأرض ترتاح بل عندما نقلع صنفا أو نجني صنفا نزرع غيره ، ورغم كل التعب الذي يحسه عند إعداد الأرض وتسويتها وزراعتها بمختلف الأصناف إلا انه ينسى تعبه عندما يأكل منها ، رغم انه لم يكن يستطيع أن يأكل منها إلا بإذن من أخيه الأكبر أو أبيه وأحيانا أخرى من عمته ، فيا عجبا ألا يستطيع أن يأكل مما غرست يداه .
كانت العمة على عهدها تضع المشاكل والعقبات في طريقه وكان هو يفضل الصمت والكتمان داخل قلبه ولكنه لم يستطع الكتمان أكثر فأكثر حتى انفجر بركان غضبه وصار يصرخ في الكل ويتمرد على كل شيء ولا يستطيع أن يسكت عن الظلم اكثر من ذلك ، وياما كان يناله الضرب المبرح واللطم على الوجه ورغم ذلك لم يستسلم ، شيء يكتمه داخل قلبه وشيء يصرخ به في وجه الظالم .
ألا ليت شعري هل سأبقى بحاليا وأرسل سيلا بات يكوي فؤاديا
وأبقى مدى الأيام موضع أسهم وأبصرتها تأتي إلي تواليا
فتخرق مني القلب خرقا وقد لحت شرايينه أضحى سقيما فباليا
سعيت التماسا للدواء فلم أجد سوى نزعها وبه عذابي ودائيا
وقد سرت أشكو لليالي لعلها ترق لحالي او تروم خلاصيا
فبت بها سهران فكري حائر أداجي نجوم الليل عند مناميا
شكوت الى البحر المآسي فخلته يجسدها موجا يهيج لياليا
وقد رحت للطير المغرد علني سأسمع صوتا منه يشفي جراحيا
فأبصرته في الغصن ينظر حائرا حزينا الى نحوي يبث المآسيا
فأرسل شدوا منه أسكب مقلتي دموعا من الآلام تحكي مصابيا
ولا خلتني أدنو من الزهرة مرة وأنظر إلا ذاكرا ومعانيا
ولا طب لباني وإن كان بارعا ولا خل إلا من نهاه مكانيا
فأضحيت مجزاعا بذا الدهر تائها أنادي وأنى لي جواب ندائيا
وكم كنت أكبت ما أعاني مؤملا بأني أرى خلا لحالي مراعيا
فلم ألق غير الحبر والبحر والدجى ولم ألف غير الطير والزهر مصغيا
أما زلت في الدنيا مقر تألم وحيدا عليلا لا يخال شفائيا
وما زال صبري بالإله وليتني أعانق في الجنات يا رب أميا
أظل أناجي الله ربي عالم بحالي إلهي فاستجب لي دعائيا
كان يريد منهم أن يحترمونه وان يلتفتوا لظلمهم له ولكن هيهات وكثرت المشاكل وازدادت سوءا حتى وصلت حد الطرد من المنزل ولكنه رفض أن يترك البيت لأن به أمه واخوته ولن يخرج إلا معهم ، كل ذلك حدث في بداية سن البلوغ والذي يعرف عنه التمرد والعصيان ، وبسبب ذلك أثرت المشاكل على دراسته وتراجع مستواه من المركز الأول إلى المركز الثاني ثم إلى المركز الثالث ومع ذلك يصل بهم عدم الاكتراث لأن يسألوا لم مستواك قد تدنى ونسوا انهم هم السبب بالمشاكل التي يحدثونها والعقبات التي يضعونها في طريقه والتي تجرح مشاعره وتؤرق صدره وتزيد همومه .
أراد أن يستخرج بطاقة وجواز سفر فلم يجد من يدفع مصاريف استخراجهما فقد أبى أن يدفع له أخوته وأبوه لا يملك النقود بعد أن تقاعد ، فقام بالتوفير من مصروفه الشهري البالغ خمسة ريالات ليستخرج البطاقة وجواز السفر وفعلا قام بذلك بتوفيق من الله ، ورغم أن مصروفه جيدا بعض الشيء فهو يعتبره أفضل مما سبق عما كان هو اخوته يعطون ريالين فقط ، أما الآن فقد اصبحوا يعطون ثلاثين ريالا بعد أن زاد عدد اخوته إلى ثمانية ، وكان عليهم أن يشتروا كل شيء منها .
تعلم الاعتماد على النفس وكان يذكر الله كثيرا ، حتى انه تعلم الصلاة بنفسه ولم يكن أحد يهتم بتعليمه أي شيء عن دينه فقد اطلع هو بنفسه على كل ما يهمه من دينه ودنياه ليفهم أمور الدنيا كيف تجري وما له وما عليه اتجاه ربه ومجتمعه من حوله .
وصل إلى الثالث الثانوي من دراسته وكان يعرف أن هذه السنة هي التي ستحدد مصيره ومستقبله ن حاول بذل كل جهد مستطاع ، سهر الليالي وبذل في سبيل تفوقه كل ما يستطيع لكن جو المنزل لم يساعده والمشاكل لم تتركه في حاله ورغم كل ذلك حصل على نسبة 87% القسم العلمي ، واكن يستطيع أن يحصل على نسبة أكبر لو كانت الظروف أكثر ملائمة ، ولكنها كانت نسبة لا باس بها في ذلك الوقت .
فكر إلى أين يذهب ن هل يعمل أم يواصل دراسته ، أراد أن يجرب الخيار الأول ولكنه لم ينجح في اختبار القبول حيث أن وزنه لم يساعده فقد اكن نحيلا جدا ، ولذلك لجأ إلى الخيار الثاني فسجل في الجامعة وقبل بكلية التربية تخصص لغة إنجليزية ، فطار من الفرحة وهو يقول يا لسعادتي ، أخيرا تحررت من قيود المنزل ولم يدري أن عيون الحسد تتبعه أينما ذهب ، دخل الجامعة وبدأ مشواره الدراسي خارج حدود المنزل بأن يبحث عن سكن له ليستقر فجاء إلى مسقط التي لم يكن يعرفها من قبل وتاه فيها بحثا عن سكن إلى أن وجد سكنا في أسوأ مكان في مسقط ولكنه لم يكن يعرف ذلك إلى أن استقر في المكان ، انتقل إليه وبدا مشواره الدراسي بكل ثقة وعزيمة ، بدت السنة الأولى من دراسته اسهل مما كان يتوقع ولكن مع بداية السنة الثانية وانتهاء الفصل الأول منها تفاجأ بما يحصل معه فقد سقط تحت الملاحظة الأكاديمية رغم أن الدراسة كانت سهلة وكان مجتهدا كعادته ولكن تغيرت حياته فجأة ، فبعد أن كان مبادرا إلى الإجابة والاشتراك في الصف اصبح هادئا ساكتا لا ينطق ببنت شفة ، ولا يشارك في الإجابة ويخاف من الدراسة وكأن لعنة قد أصابته وفقد ذكاءه وتركيزه ، لا يعرف ما هو السبب ولكن ذكريات الماضي ظلت تتبعه وتلاحقه في ذاكرته ومشاكل المنزل تتبعه إلى مسقط لتخنقه بآلامها وهمومها وتبعده عن جو الدراسة ، اجتهد قدر المستطاع ولكنه لم يفلح رغم انه كان يرى نفسه يبذل كل ما في وسعه ويحل الامتحانات بشكل جيد ولكن نتيجته كانت متدنية ولا يعرف السبب .
زماني زماني رفقا بقلبي فعمري دموع الضحى والأصيل
وعمري براكين شوق أراها تهد جناني وجسمي النحيل
فما عدت أدري يميني شمالي وأسأل اين فؤادي العليل ؟؟
إليك زماني أبث شجوني بقلب جريح ودمع يسيل
إذا بي أراك تزيد همومي وتثقل صدري بهم ثقيل
عهدتك صفوا جميلا وديعا وكنت لقلبي نعم الخليل
فآه زماني غدرت بقلبي وخنت الوعود فضاع السبيل
فأضحت دموعي رسولي ولكن إلى من سأبعث هذا الرسول
إليك سأبعث يا رب دمعي وأبقى أنادي بصوت طويل
فإن بح صوتي ومل فؤادي رجائي البعيد وحان الرحيل
سأبقى طوال حياتي أسيرا ولست عن الأسر يوما أميل
فيا دهر مالي أراك علي نسيت بأني ذاك الصغير
أما كنت يوما بروضك ألهو وأمرح جريا وراء الطيور
وحينا بماء عيونك ألهو وحينا أقبل تلك الزهور
وكم قد جعلت النخيل مراجح أغدو وأمسي بها كالنسور
يداعبني من هواها نسيم مداعبة الأم رأس الصغير
رميت بقلبي بعيدا بعيدا وما عدت تذكر تلك السطور
وسرت لوحدي بليل كئيب كطير هضيم الجناح كسير
تصفحت كراس عمري فثارت حشايا فؤادي بنار ونور
وقفت على صفحة من حياتي منمقة بمعاني السرور
ظللت على تلك أقرأ وأقرأ ففاضت عيوني بدمع غزير
كان يذهب إلى البلد كل أسبوع ليطمئن على أهله واخوته وكيف أمورهم في ذلك البيت اللعين وكأن اتصالاته اليومية لم تكن تكفي للاطمئنان عليهم ، كانوا يخبرونه بكل ما يصير لهم والمشاكل التي تضعها العمة وتدبرها لهم ، كان يزداد كل يوم ثقة بالله بأنه سيخرجهم ذات يوم من حياتهم المقرفة مع عائلتهم التي لا تعرف الرحمة ، وفي نفس الوقت كان يزداد عداوة وبغضاء ويحمل حقدا يكبر كل يوم لهم على ما يسببونه له ولأخوته وأمه من عذاب وشقاء .
وفي صيف عام 2000 م انقلبت حياته رأسا على عقب بعد أن تعرف عليها هي ، كانت البدايات في مختبر العلم حيث كان يذهب هو يوميا إلى هناك ليقوم بالتشات على الإنترنت وفجأة وفي يوم من الأيام عندما دخل إلى اللاب رآها تنظر إليه ن لم يكن يعرفها من قبل فاستغرب من هذه الفتاة التي تنظر إليه بهذه الطريقة ، هذه أول مرة يحدث ذلك له ، ارتبك لكنه اقترب من الكمبيوتر الذي تجلس هي عليه وجلس على الكمبيوتر المقابل لها ليدقق في ملامحها فتعرف عليها ، إنها تدرس معه في نفس الصف الذي يدرس فيه في الصيف ، دخل موقع التشات وظل يتحدث وعندما انتهى خرج من اللاب .
أتى في الغد وبعد دخوله بقليل دخلت هي بعده ، بعد ذلك دخل هو إلى موقع التشات وكتب على الصفحة العامة ، هناك بنت في لاب رقم 4 تنظر إلي وهي تدرس معي وأريد أن أكلمها ، كتبها عدة مرات حتى ردت عليه قائلة وكيف ستعرف أنها هي من سيرد عليك ، فقال لها لأنها ستنظر إلي وتبتسم وفعلا ابتسمت فعرف انه قد بدا في الكلام معها .
سألها : لماذا تنظرين إلي ؟
أجابته : وماذا في ذلك أنا معجبة بك ، فقال وما سبب إعجابك ، قال : هدوئك ، كنت انظر إليك كلما دخلت إلى الصف وهدوئك وصمتك يحيرني فأعجبت بك ولم تدر أن ذلك الهدوء والصمت هو ما قلب علي الدراسة رأسا على عقب .
انتهوا من الكلام في ذلك اليوم ثم عادوا في الغد ليبدأا مشوار التعرف على بعضهم أكثر وكان اللقاء ، فسألها: أنتي معجبة أم تحبينني ، فقالت وماذا أن كنت احبك ، ولكني خائفة لأنك من مقنيات وأخي له أصدقاء هناك ، استطردت قائلا ، أن الحب شيء كبير وفيه عذاب كبير جدا وحساد وأحقاد وناس يسعون لان يفرقوا الأحباب ، قالت أعرف كل ذلك وسأظل معك .
قال لها أن مشواري طويل وحياتي صعبة واحتاج إلى وقت طويل حتى أكون نفسي ، فقالت : مستعدة أن انتظرك حتى النهاية ، فقال لها أن لدي مشاكل كثيرة ولست على وفاق مع عائلتي وسأطيل الدرب حتى اصل إلى ما أريد ، قالت لا يهم ، سوف انتظرك ، فقال لها ، إذن تحملي ما سيأتيك وكأنه يعرف ما يخبئه القدر لهما .
حاول أن يبعدها عنه بان يشرح لها حياته والمصاعب التي تواجهه والمشاكل التي تحدث معه وفقره وبان مشواره طويل جدا حتى يكون نفسه ولكنها في كل مرة تمسك على يده وتشد على أزره وتشحذ هممه لتقول له أنا معك وسأظل احبك للابد .
وجد فيها قلبا حنونا عطوفا ، قلبا ينبض بالحب فعلا ويطلق شعاع طيبته نحوه ، فكان يصارحها بكل ما في قلبه من هموم وأحزان ومشاكل حدثت وتحدث معه سواء في منطقة عيشه في مسقط أم في البلد ، أحبها رغم انه لم يكن قد خطط لذلك بل أرادها أن تبتعد عنه ولكن طيبتها واصلها وحبها جعلته يحبها رغم انه لم يشعر بالحب اتجاه أحد من قبل ، ولم يتقرب من قلب أحد من قبل .
ظل يكلمها كل يوم على التشات وهما في نفس اللاب ونظراته تتلاقى مع نظراتها لتشعل نار الحب اكثر واكثر ، وفي ذات يوم سألته سؤالا فتح باب الغيرة على مصراعيه ، هل هناك فتاة من أقاربك في الجامعة ؟ فأجابها ، لا ، ليس هناك من أحد من أقاربي من الفتيات يدرس هنا في الجامعة ، فكأنها ارتاحت عندما كان جوابه بالنفي .
شاء القدر أن تتعرف على ابنة جارنا في الجامعة والله يعلم أنها قد سألتها عني فقالت لها أنها قريبتي وانه ليس عندي في حياتي أي مشاكل وأنني أعيش حياة سعيدة في قصر لا مثيل لها في تلك الحلة أو البقعة من البلد ، فجاءتني ذات يوم تقول : لماذا كذبت علي ، هناك قريبتك في الجامعة وحياتك كلها سعيدة ، تفاجأ بكلامها ، من أين هذا الكلام الجديد الذي تأتى به ، أمعقول أن تكذبه وهي تحبه ، أمعقول أن يكذب هو على القلب الحنون والنابض بالحب الذي اختاره من بين كل الناس ليكون معه ، حاول أن يشرح لها الموضوع ويفهمها إياه لكنها لم تتقبل الفهم ، هو لم يكذب عليها ولكنها الحياة ، لا بد من وجود حاسد على كل لحظة سعادة يعيشها فرد كتب له الشقاء .
انتهيت المشكلة بالرضا وان كل ما فات مات ومرت الأيام وهو يكلمها حتى انه ألغى زياراته للبلد من اجل أن يذهب إلى الجامعة يوم الخميس لكي يكلمها ، ولكن طبعا ظل على اتصال بأهله حتى يطمئن عليهم ، كتب ذات مرة قصيدة ووضعها تحت أحد أبواب الجامعة بالقرب من اللاب فأخذتها وكان ذلك في أحد أيام الخميس ، مرت الأيام يوما بعد يوم وهو يكلمها ويراها ويتعلق بها اكثر فأكثر لأنها من فتحت له صدرها لتستمع إلى مشاكله وتخفف عنه همومه وأحزانه حتى صارت كالدم الذي يجري في شرايينه وكالهواء الذي بتنفسه ، صارت له كل شيء حتى انه ذات يوم عندما كانا يتحدثان وهي تجلس على الكمبيوتر الذي أمامه ظل ينظر في عينيها الجميلتين ويقول شعرا لم يخطر على باله من قبل ، وإنما كان وليد لحظته .
في أحد الأيام جاءت هي إلى أحد اللابات الجامعة " لاب الهندسة " فوجدت أن اسمه على التشات ويكلم إحدى الفتيات فغضبت عليه وزعلت منه ، نعم هو كان يتكلم على التشات ولكن كيف له أن يعرف انه كان يكلم فتاة أم فتى ، إنما فقط كان يساير من يتكلم معه حتى تأتى حبيبته ويكلمها ، فمر ذلك اليوم من دون أن تكلمه وعندما آتي الغد ظلت تعاتبه وتقول له لقد كشفتك على حقيقتك ، أنت تخدعني وتفعل ذلك مع كل البنات على التشات ، حاول هو أن يتدارك الأمر ولكنه لم يستطع لأن يحبها له كان اكبر من أن يسمح له ولو للحظة واحدة أن يخدعها أو تشك للحظة انه يفعل ذلك فخاصمته أسبوعا كاملا .
شجون الأصيل أقتل الخليل أجزت فإني لديك القتيل
سهامك والبعد قد جرحا نهاي فداوي فؤادي العليل
فكم بت أرعى نجوم الدجى وأسأل عنك ذوات الهديل
وكم رحت للماء أشكو له فابصرت عيني دمعا تسيل
شجون الأصيل سألت الأصيل عن الحب قال شعور نبيل
شجون الأصيل سألت النهى أجاب بأنك حبي الأصيل
أما تعلميني أنا يا منى حياتي بثين فإني جميل
جميلك بعدك ذاق العنا لبعدك عنه زمانا طويل
فلو تنظريني بكيت أسى بحالي فجودي بوصل يزيل
فأنت الحبيبة فلترحمي محبا رأى البعد مرا ثقيل
وأنت الهناء وأنت المنى بدونك عيشي غدا مستحيل
كان ذلك الأسبوع كالجحيم في حياته ، وبطوله ظل يرسل لها عبارات الأسف والاعتذار والرجاء بان لا تتركه لأنه محتاج لها إلى جنبه ، وظل يرسل الأشعار لكي تعود له لأنه أحس كان قطعة من روحه قد فارقته حتى رضيت عنه وعادت لأنها تحبه من كل مشاعرها كما أصبح يحبها .
عادا للقاءاتهما على التشات ولم يدريا أن هناك عيونا وشبانا يراقبون تحركاتهما وضحكاتهما ونظراتهما لبعضهما فبدأت رحلة الحسد ، فوضعوا برنامجا على الكمبيوتر وهو الهاكرز وذلك حتى يستطيعوا أن يقرءوا كل ما يكتبان لبعضهما كما مكنهم ذلك من الدخول إلى البريد الإلكتروني لكل منهما ومعرفة ما به من رسائل غرامية وكلام حب وشوق كل واحد منهما للآخر ، وفعلا قرءوا كل ما كان بينهم والله العالم أن كانوا قد أرسلوا لها ليقولوا لها أن ذلك الفتى يخدعها ويتلاعب معها أم ماذا ولكن الذي كان يعرفه حق المعرفة أنها بدأت تتغير عليه رغم أنها كانت تحبه .
مرت الأيام وتكرر نفس الخطأ الأول ووجدته يكلم فتاة أخرى على التشات ، فقالت في نفسها والله اعلم لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين ، فثار غضبها هذه المرة ومن شدة غيرتها عليه ظنت فعلا انه يخدعها ويفعل ذلك مع كل بنت فخاصمته هذه المرة خصاما شديدا ولم تكلمه أبدا ولم ترسل له أي رسالة لمدة شهر كامل أو يزيد وهو يتقلب على جمر الحب والفراق ويعتذر ويتأسف ويترجاها بان لا تتركه وتتخلى عنه ، فقد أصبحت قطعة منها لا يستطيع فراقها ، ظل يتأسف ويتأسف ويتعذر ويرسل بطاقات الشعر والاعتذار راجيا إياها أن تعود وكان كل ذلك في نهاية الفصل الأول من سنة 2001م ،
يا أين قلبي في متاهات السنين
يا أين قلبي ذلك القلب الحزين
يا أين قلبي قصر حب العاشقين
يا اين قلبي بين كل العالمين
إني قضيت العمر حزنا وأنين
من لم أجد غير المآسي لي قرين
من لم أجد قلبا بحق لي أمين
من لم أجد نفسي سوى فان دفين
من أجل ذا أعلنت أني أنسحب
من عالم ألفى به كل النصب
من عالم قد داس ما قلبي يحب
من عالم ما قال إلا قد كذب
ما قال إلا طامعا فيما رغب
فإذا رحلت الى سواه فلا عجب
إحدى الليالي قد رنوت الى السحب
ألفيتها تبكي بكاءا في غضب
قد قلت ما يبكيك قولي ما السبب
فإذا بها تعلو صراخا وصخب
احتار فكري هل أنا من البشر
ام هل وحوش هم بأثواب زهر
في ذات يوم كنت في ذاك الممر
وقعدت ذاك اليوم وحدي في كدر
أبكي على قلب تلاشى من أثر
أبكي على قلب تفضى وانفطر
أبكي على قلب قتيل مندثر
أبكي دما ودماء قلبي تنهمر
وفي تلك الأيام كان ما يزال هو تحت الملاحظة الأكاديمية فصارحها بذلك وحتى لا تزيد همومه وآلامه عادت إليه وأثبتت من جديد أن حبها له اكبر من أي شيء في الوجود .
عادت له بعد اتفاق بان لا يدخل أي منها إلى التشات وان تكون الرسائل في كل أسبوع مرتين فقط ، وفي تلك الفترة اكتشف الأشخاص الذين يحاولون النيل منه ومن حبيبته فقرر العودة إلى التشات من دون علم حبيبته وذلك ليكشفهم على حقيقتهم وينتقم منهم وفعل كان ذلك فانتقم منهم حتى انه هددهم بان يشتكي عليهم عند رئيس الجامعة مما سيؤدي إلى طردهم .
وأثناء دخوله على التشات لكشف الحساد والحقاد على حقيقتهم حدثت المشكلة الثالثة ، رأته حبيبته قد دخل على التشات بعد أن اتفقا على عدم الدخول إليه دون أن تعرف الأسباب التي دفعته لذلك ، ففارقته هذه المرة بشدة ، حاول الشرح والتبرير ولكنها لم تتقبل ، فصارحها بما كانوا يفعلون ولماذا دخل على التشات ، ترجاها للعودة مرة أخرى ويا لكثر رجاءه لها ،
لو تعلمين محبتي ووداديا لن تعذليني إن رايت دموعيا
فالعين تشكو والفؤاد معذب يبغي رضاك الحلو وهو دوائيا
حسبي بأن تبقي جنبي يا هوى حتى تهيأ أكفني لرحيليا
فلقد ذكرتك والأناس جميعهم حولي وأنتي الأنس بين صحابيا
ولقد ذكرتك في الشروق وفي المسا ولدى الغروب وكم سريت مناميا
ولقد ذكرتك عند كل نبيضة قلبي يغنيها فكنت حياتيا
فلئن بكيت فلا تلومي والها يهواك حتى صار باسمك شاديا
ولئن بكيت فصدقيني إنما حبا وشوقا ام تريني جانيا
بل رغبة في كسب ما ترضينه وبأن تكوني دائما بجواريا
أم أنني طالبت حقا ليس لي بالله ردي واشفقي من حاليا
عادت ولكن ليس بقلب راض وحمد هو الله على عودتها وكانت سعادته اكبر من أن يتصورها أي كائن على الكون ولكنها سعادة لم تدم طويلا سوى أسبوع حتى رحلت عنه ، فارقته ، خاصمته ، تركته ، رحلت دون حتى كلمة وداع ، قطعت كل صلة به والسبب ، لا يعرف ؟؟؟؟ !!!! لماذا ذلك؟؟؟ ، أرسل لها سائلا عن السبب لكنها رفضت أن تخبره ، أرسل لها معتذرا أن كان قد أخطأ في شيء لكنها لم تجبه ، ولكنها اكتفت بالقول من الأفضل أن يذهب كل في حال سبيله ، وأتمنى من الله أن يسامحك ولكني لا أستطيع . ..... أذقتني المرارة والدموع والسهر . لا أريد أن أراك أو التقي بك في الجامعة .
تلك كانت آخر كلمات لها ، كلمات قلبت في نفسه المواجع وقلبت حياته رأسا على عقب ، لماذا كل ذلك ما الذي حدث ؟؟!!!!! لا يعرف ما الذي غير رأسها ، لا يعرف ؟؟؟؟
زادت عليه الهموم والمواجع وضغط الموقف الدراسي الذي كان فيه فاضطر إلى التحويل من تخصصه إلى تخصص آخر ، كان يحب تخصصه كثيرا ولم يكن يريد أن يغير ولكن شاءت الظروف ذلك .
قاتل لها : لك وعد علي أن أظل وفيا لك وستظلين في قلبي للابد أن شاء الله ، لن أنساك أبدا وسأظل أذكر للابد ، ومع جهله بما حدث إلا انه اعتذر لها عن كل ما سببه لها من ألم وحسرة وعذاب وهموم ، لم يكن يريدها أن تقاسي وتشرب من العذاب الذي شرب منه هو ، اعتذر لها عن كل ما بدر منه من أخطاء خلال مدة علاقتهما وراجيا إياها أن تسامحه حتى سامحته وقالت له الله يوفقك ، اذهب في حال سبيلك وعش حياتك كما كنت قبل أن تتعرف علي .
لم يستطع نسيانها ، ظل يبحث عنها في الجامعة كل يوم ليراها ولو من بعيد وعندما تأتى عيناه في عينيها يخاف منهما بعد أن كانتا مصدر سعادته وأمله وفرحه .
يا مالكا قلبي وفكري عنده يا ساكنا روحي بما أفديه
يا قصة معسولة لو قلتها لا يرتقي حبري لما أبغيه
يا وردة في روض حبي أبهجت عيني بدمعي مهجتي أرويه
يا من يرى أني نسيت وداده والله يدري ما أنا ناسيه
يا من يرى أني جهلت وجوده وأراه في عيني وما تلفيه
يا محرقا قلبي بنار بعاده ارحم فؤادي من لظى تكويه
ما بت إلا والسهاد مؤرق جفني ودمع الوجد كم أهميه
يا من أردد باسمه من غير ما أدري مضى عهد لكم أبكيه
يا خفق قلبي كم قبضت بقوتي أذياله وبكل ما أحويه
ورجوته ألا يشد رحاله عني بدمع محرق يدريه
مع كل ذا لم يرع حالي بعده ومضى وطوى ما هنا طاويه
وبقيت أرقبه بدمع سائح حتى اختفى عني الى واديه
وبخافق تجري الدموع به دما أيلام حتى الموت أن يبكيه
عاهد نفسه أن يجعل لنفسه شانا بين مجتمعه وأهله حتى يحترمونه ، قال سابني مستقبلي من الآن حتى اثبت للجميع بأنني لست ضعيفا ، وخلال السنتين اللاحقتين لفراقه معها ، استطاع أن يوفر بعض النقود وبمساعدة أخيه الذي بدا بالعمل استطاع أن يشتري سيارة ويستقل بذاته ، اثبت انه سيعتمد على نفسه فقط ولن يتوكل إلا على الله الذي يعطي الصابر على قدر نيته .
ولكن لم تكتمل فرحته بها حتى تعرض لحادث أليم بعد شراءها بثمانية أشهر ، كان ذلك في 22/5/2002 عندما كان راجعا من مسقط بعد أن أنهي اختبارات الفصل الثاني من السنة الدراسية 2001/2002 ، وكان أخاه الذي يقود السيارة وعلى ما يبدو انه لم يكن منتبها للشارع جيدا فاصطدم بسيارة كانت متوقفة على جنب الطريق ، أصيب هو بكسر في كتفه الأيمن وبجروح في قدميه وكدمات في ظهره ، أما الآخرون فقد أصيبوا بجروح بسيطة عولجت بسرعة لهم ، ظل هو في المستشفى لمدة يومين ثم انتقل إلى البيت ولكنه لم يكن يستطيع المشي من اثر الكدمات على قدميه وظهره والكسر الذي في كتفه ، ظل طريح الفراش لمدة أسبوعين حتى استطاع في الأسبوع الثالث الوقوف على قدميه والمشي بحرية أكبر والتحرك بشكل أفضل ، كانت تلك الفترة كالجحيم بالنسبة حوله ، لم يستطع النوم أو الحركة هذا بالإضافة إلى السهر الذي يعانيه بسبب الكسر ولكنه تخطى هذه المرحلة بصبر وعزيمة .
ثم جاءت الخطوة الثانية والفرحة الثانية بعد أن انتقل هو وأخوته من بيت الظلم والجور والهم والحزن ليستقلوا بذاتهم وتكون لهم حياتهم الخاصة ، انتقلوا إلى بيت آخر حتى يكون لهم شانهم كباقي الناس وتكون لهم كلمتهم ، كانت هاتان فرحتان فتحت له باب الأمل من جديد حتى يبدأ حياة جديدة ولكن هيهات ذلك .
ومن كثر حزنه على فراقها وكثر تفكيره فيها قرر الذهاب إلى في البيت متعذرا بالسؤال عن أخيها ، وفعلا ذهب أولا ليتعرف على المكان ، ويا ليته لم يذهب ، عاد من هناك مهموما مريضا ، لماذا لم يصل إلى البيت بعد أن تعرف عليه ، لماذا ؟؟؟؟؟ وعند وصوله إلى البيت سقط طريح الفراش مريضا ، لم يعرف السبب ولكنه أحس بان شيئا داخله يكويه ويحرقه ولكن سرعان ما تماثل للشفاء .
قرر بعد أسبوع أن يعاود الكرة ويذهب إلى البيت هذه المرة وفعلا ركب سيارته وذهب إلى البيت حتى وصل ودق الجرس وسال عن أخيها ولكنه لم يكون موجودا ، تمنى لو استطاع رؤيتها ولكن أمنيته لم تتحقق ، كان مشتاقا إليها كثيرا ، اكثر من أي وقت مضى ، تمنى أن تشاركه فرحته ببداية حياته الجديدة ولكنه لم يجدها جنبه عندما أراد أن يشاطرها تلك الفرحة .
دامت مدة فراقهما سنتين حتى استطاع أن يحصل على البريد الإلكتروني لها ليكلمها ويرسل إليها من جديد لأنه لم يستطع نسيانها ، استطاع أن يحصل عليه بالخدعة رغم أنها كانت وسيلة غير لائقة وعندما أرسل لها يقول انه أتى لزيارة بيتهم مرتين علشان خاطرها ردت أنها تفاجأت بذلك وطلبت منه الرحيل لأنها غير مستعدة لتجديد أي علاقة معه .
احتار ماذا عساه أن يفعل معها حتى ترجع إليه ، جرب كل الطرق ولكن لا فائدة ولكنه سيظل يحبها إلى الأبد .
قرر أن يخطو الخطوة الثانية في حياته وطريق مستقبله فاستغل فرصة طلب الحكومة من العمانيين أن يديروا محلات بيع المواد الغذائية ، ففتح محلا لبيع المواد الغذائية ليحصل منه على بعض الربح ، فكان التوفيق من الله سبحانه وتعالى .
ظلت هي في ذاكرته ليل نهار وكلما خطا خطوة تمنى لو كانت معه تشاركه تلك الفرحة ومن كثر التفكير بها تذكر بيت الشعر التالي :
أحبابي صعب علي فراقكم وجسمي من طول الفراق نحيل
أراد أن يستغل فرصة حصوله على بعض الربح من المحل فقرر الاشتراك في جمعية تعاونية ليوفر بها بعض النقود لحين تخرجه ، وفعلا اشترك بمبلغ طيب وكانت هذه الخطوة الثالثة في مشوار حياته ، وحمد الله كثيرا على توفيقه إياه في كل خطوة يخطوها والحمد لله رب العالمين على كل حال .
ثم جاءت بعد ذلك الخطوة الرابعة واستطاع الحصول على ارض حكومية عندما تم توزيع المخطط الحكومي في البلد وسيستلمها عما قريب أن شاء الله وكل هذا بفضل الله عز وجل .
لم تكد تكتمل فرحته حتى تعرض لحادث سير آخر أيضا في هذه السنة بتاريخ 8/9/2003 عند بداية العام الدراسي الجديد ، هذه المرة اصطدم بهم سائق آخر وكان هو راكبا في الخلف واثنان من اخوته في الأمام ، تعرض أخوه الأكبر لضربة في الرأس أفقدته وعيه ونقل إلى المستشفى أما هو وأخوه الآخر الذي كان يقود السيارة فلم يصابا إلا برضوض بسيطة والحمد لله ، تماثل أخوه المصاب للشفاء بعد العلاج مباشرة والحمد لله ، أما عن السيارة فلم تعد صالحة للعمل لأن بها أضرارا كبيرة ومع ذلك قررت شركة التامين إصلاحها ، وبعد إصلاحها سيبيعها ويشتري سيارة أخرى لأنها وعلى ما يبدو كأنها مصدر حسد بالنسبة له فلم يتمكن من الفرحة بها مدة طويلة ، ومع ذلك يقول الحمد لله على كل حال .
لم يتبقى له من مشوار حياته إلا أن يتخرج ويعمل ويبني بيتا لاخوته وأهله ويرتبط بفتاة تقبل العيش معه على ما هو عليه وتشد على أزره ويده وتكون له سندا وعون .
ومع تسارع هذه الأحداث وتواليها استطاع أن يكسب ود واحترام اخوته الكبار بعد أن كانوا يكرهونه واستطاع هو واخوته وأهله أن يكون لهم كلمتهم الخاصة بين أهلهم وتوثقت العلاقة بينه وبين أهله اكثر واكثر وانتهت المشاكل بينهم وانتهت رحلة العذاب والأسى التي عاشها معهم ولكن ذكريات الماضي لم تنتهي من ذاكرته أبدا وهيهات أن يمحوها الزمن ومع كل ذلك فقد سامح أهله على ما فعلوه له ولاخوته من أسى وعذاب .
إني لأعجب من دنيا حقيقتها زيف وأصحابها خروا لما فيها
إني لأعجب من نفس كأن لها عرش السماوات والرحمن منشيها
تمشي غرورا كأن الأرض تخرقها والراسيات شموخا أن تجاريها
لو يذكر المرء أصل المرء ما جرأت نفس تدنسه سوءا وتشويها
ولاستحت من إله الكون خالقها وهي التي خلقت من ماء ممنيها
بالله يا نفس جودي وارحمي جسدا غدا يودع دنيا عاش يحويها
غدا رهين ليد كم تقلبه كما تشاء ولا يقوى لينئيها
غدا سجين بقبر لا ملاذ له في ظلمة وحده لا مؤنس فيها
غدا أمام نكير عند هامته ومنكر هل ترى الآثام يخفيها
وكيف يهرب من هذا وذاك إذا ما يسألان عن الدنيا وماضيها
بل كيف ينجو من القهار يوم تقف أمامه النفس ما تخفي سيعريها
بالله يا نفس كفي ما الحياة سوى حلم سريع ودار الخلد فابنيها
فمن تزود دينا في الدنى ظفرت يمناه سعدا بأخرى عز بانيها
يا رب لطفك فياض فخذ بيدي نحو الهدى فذنوبي لست أحصيها
لكن عفوك يا رحمن ليس له مدى لعبد أبى الدنيا وما فيها
وهكذا انتهت رحلة ذلك الطفل البريء الذي أتى إلى الدنيا بصرخة علت وجهه وعاش أياما تمنى لو كانت افضل من ذلك بكثير حتى وفقه الله أن يكون له شان وتقدير بين الناس واحترام له .