يحكى أنا أميرا من الأمراء كان يحفظ الشعر من أول مرة يسمعه ... ولديه جارية
تحفظ الشعر من ثاني مرة تسمعه ... ولديه غلام يحفظ الشعر من ثالث مرة يسمعه
فأراد ذاك الأمير أن يققتصد في مصروفات بيت مال المسلمين على الشعراء
الذين يأتون مادحين له فيجزل لهم بالعطايا والهبات كما هو متعارف عليه .
فأصدر أمرا بأنه لن يجازي شاعرا على ما يقول إلا إن كان ما يقول من تأليفه
وليس من منقوله وإن أتى بشيء من تأليفه فإنه سيعطيه بوزن ما كتبت عليه
القصيدة ذهبا ...
فأشكل ذلك على الشعراء ... إذ أنه كلما جاؤا وألقوا قصيدة على الأميرة
أكتشفوا أن ثلاثة يحفظونها ... الأمير والجارية والغلام ... فتبين لهم أن في الأمر
مكيدة .. فأخبروا الأصمعي
فذهب الأصمعي متنكرا في زي أعرابي متلثم إلى الأمير ليلقي عليه قصيدته
فقال :
صوت صفير البلبل ******* هيّج قلب الثمل
الماء و الزهر معاً ***** مع زهر لحظ المقل
وأنت ياسيد لي***** وسيدي وموللي
فكم ،فكم تيمّ ّليِ ****** غُزيّلٌ عقيقلِ
قطفته من وجنةٍ ***** من لثم ورد الخجل
فقال :لالا..لالالا ****** وقد غدا مهرول
والخود مالت طرباً **** من فعل هذا الرجل
فولولت و ولولت ****** ولي ولي ياويللي
فقلت لا تولولي ******وبيني اللؤلؤ لي
قالت له حين كذا **** انهض وجُد بالنُقَلِ
و فتيةٍ سقونني ******قهوة كالعســلــلِ
شممتها بأنَفَي **** أزكى من القرنفــلِ
في وسط بستانٍ حُلي ***** بالزهر والسرورِلي
والعود دن دن دن لي***** والطبل طب طب طب لي
طبطب طب طبطب طب***** طبطب طب طبطب لي
والسقف سقسقسقلي ***** والرقص قد طاب لي
شوا شوا وشاهِشو **** على ورق سفرجـلِ
و غرد القمريُّ يصيـــح ***** مللٌ فـــي مللِ
ولو تراني راكــباً ***** على حمارٍ أهـــزلِ
يمشي على ثلاثـــةٍ ***** كمشية ِ العرنجـلِ
والناس ترجم جملي ***** في السوق بالقلقـلـلِ
والكــل كعكع كعيكع ***** خلفي و من حويللي
لكن مشيت هارباً ***** من خشية العقنقــلِ
إلى لقاء ملـكٍ ***** معظّـــمٍ مبجّلِ
يأمرُ لي بخلـــعةٍ ***** حمـــراء كالدَمْدَمَلِ
أجرُّ فيـها ماشـياً **** مبـغـدداً للذّيَـــل
أنــا الأديـب الألمعي ***** من حي أرض الموصـلِ
نظمـت قـطعاً زُخرفت **** يعجز عنها الأدبلِ
أقــول في مطـلعها ***** صوت صفير البلبل
فاحتار الأمير في القصيدة وحاول التذكر واستيعاب الموضوع فلم يستطع ...
ونادى على الجارية ... هل سمعتي بها يا جارية قبلا؟ ... الجارية : لا و الله ما
سمعت بها قط يا أمير المؤمنين ... وكذا قال الغلام ...
إذا لابد الآن من العطية ... فقال هات ما كتبته عليها حتى نزنه ونعطيك بدلا منها
ذهبا يا أعرابي ... فقال الأعرابي كتبتها على عمود رخام ورثته عن جدي وهو
على ظهر الناقة ... فجاؤا به الرجال فوزنوه ... فذهب بكل ما في الخزينة من
ذهب ...
فاحتار الأمير في أمره فقال إكشف عن نفسك يا هاذا ... فكشف عن نفسه
فتبين للجميع أنه الأصمعي ... و أنه فعل هاذا حتى يحفظ للشعراء قوت
يومهم ... فأرجع الأصمعي الأموال إلى الخزينة بشرط أن يجازي الأمير الشعراء
على ما يلقونه من قصائد
منقوووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووول