عندما يصبح المنكر معروفاً
اليوم هو 11 ربيع الأول 1433 الموافق 3 فبراير 2012
الممثل عادل إمام يقرر استئناف الحكم الصادر ضده بالسجن لمدة ثلاثة أشهر وغرامة ألف جنيه مصري (حوالي 150 دولار) بتهمة الإساءة للإسلام ورموزه من حجاب ولحية وغيرهما في أكثر من فيلم ومسرحية!
عن أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "كيف بكم إذا طغى نساؤكم وفسق شبابكم وتركتم جهادكم؟! قالوا: وإن ذلك لكائن؟! قال: نعم والذي نفسي بيده وأشد منه سيكون! قالوا: وما أشد منه يا رسول الله؟ قال: كيف أنتم إذا لم تأمروا بالمعروف ولم تنهوا عن المنكر؟ قالوا: وكائن ذلك يا رسول الله؟! قال: نعم والذي نفسي بيده وأشد منه سيكون! قالوا: وما أشد منه يا رسول الله؟ قال: كيف إذا رأيتم المعروف منكرا ورأيتم المنكر معروفاً؟"
ويقول أحد المسئولين الباكستانيين: "قبل عقود قليلة كان العامة يعدُّون الفساد رذيلة غير مغتفرة يجب أن تستأصل فوراً. وكانوا ينأون بأنفسهم عن هؤلاء الذين يحصلون على الأموال من مصادر مشبوهة, ولكن يبدو أنه حدث تغير كبير في المجتمع تجاه الفساد, فإن التسرب الصارخ للممارسات الفاسدة ومرتكبوها شوه الخط السامي الفاصل بين النظيف والفاسد إلى حد بعيد!" اهـ.
والشاهد من كلام الأخير أن الموازين قد اختلت, والمقاييس تبدلت, فأصبح الناس بتفربون ويتشرفون بمعرفة من كانوا يعدونهم إلى عهد قريب من المفسدين, وساروا على نهج علماء بني إسرائيل الذين قال عنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن أول ما دخل النقص على بني إسرائيل كان الرجل يلقى الرجل فيقول يا هذا اتق الله ودع ما تصنع فإنه لا يحل لك ثم يلقاه من الغد فلا يمنعه ذلك أن يكون أكيله وشريبه وقعيده فلما فعلوا ذلك ضرب الله قلوب بعضهم ببعض؛ ثم قال: (لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ ... إلى قوله فاسقون) ثم قال كلا والله لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر ولتأخذن على يدي الظالم ولتأطرنه على الحق أطرا ولتقصرنه على الحق قصرا أو ليضربن الله بقلوب بعضكم على بعض، ثم يلعنكم كما لعنهم).
وهذا التدرج في تبدل المفاهيم والأعراف والعادات والتقاليد لا ينطبق على قضية الفساد الإداري وحدها؛ وإنما حدث في شتى نواحي الحياة: الدينية منها والدنيوية على حد سواء, للتقصير في القيام بفريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, وسياسة الحكومات المتعاقبة في استخدام وسائل الإعلام عموماً, و"الفن" خصوصا في هدم أركان الإسلام, ومحاربة القائمين بتلك الفريضة, وكان آخر مظاهرها قرار ملك السعودية بمنع التطوع في القيام بهذه الفريضة, لتصبح حكراً على الموظفين الرسميين التابعين للدولة ليلتزموا بالأوامر التي تصدر لهم, والقبض على الضعفاء الذين ترى الدولة أنهم قد خرجوا عما شرَّعته للناس من حلال وحرام, والنهي عما اعتبرته الدولة وأمرائها وأميراتها فقط منكراً وليس ما اعتبره الشارع الحكيم!
وكانت البداية في هدم قواعد الإسلام وأركانه في ما يتعلق بشئون الأسرة من أحكام وآداب والالتزام بالعبادات, والضرب على وتر الاختلافات المذهبية, كما كان في الأفلام المصرية القديمة, وتدرجوا حتى مسخوا كل القيم والأخلاقيات, وخاصة الغيرة لدى الرجال, والحياء عند النساء, فصار كل ما يتعلق بهما من مخلفات الماضي.
وبعد أن كانت الأفلام والمسرحيات تعرض أولا على الرقابة قبل عرضها على التلفاز لحذف ما يتنافى من وجهة نظر المراقبين –وليس الشرع- مع الأخلاق ويخدش "الحياء", أصبح الأمر مشاعا والمناظر الجنسية الفاضحة والكلمات الفاحشة البذيئة تذاع جهارا حتى في نهار رمضان والناس صيام!
وانتهى الأمر بالنسبة لقواعد الإسلام إلى هدم مفهوم "لا إله إلا الله" والإرجاء في كل ما يتعلق بالحكم على الناس خاصة السياسيين والفنانين منهم, لينطبق عليهم تعريف الإرجاء وأهله الذي ذكره الإمام أحمد رحمه الله بأنهم: "هم الذين يزعمون أن الإيمان مجرد النطق باللسان, وأن الناس لا يتفاضلون في الإيمان, وأن إيمانهم وإيمان الملائكة والأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم واحد، وأن الإيمان لا يزيد ولا ينقص, وأن الإيمان ليس فيه استثناء, وأن من آمن بلسانه ولم يعمل فهو مؤمن حقاً", ولذا نرى هوان الدين على المسئولين والقضاة والناقدين السياسيين أو الفنيين, حتى أن جريمة كانت تعد ردة وخروجا من الملة في الزمن القريب, ويستتاب صاحبها أو تضرب عنقه, أصبح عقوبتها مجرد الحبس – إن طبق- لمدة ثلاثة أشهر ثم يخرج بعدها صاحبها كبطل للقيم والمبادئ التي يؤمن بها, وضحية في نظر منظمات حقوق الإنسان والمنظمات الدولية!
بل إن مجرد المطالبة بإقامة الحد على مرتكبها هو تشدد منكر وعدوان على "حرية الإبداع", والإشادة بمرتكبها وتشجيعه على الخروج عن النص والعدوان على مبادئ الدين هو تشجيع للقدرة الإبداعية والارتقاء لقمة الفن!
وليت الأمر وقف على الشواذ من الفنانين والناقدين والخارجين عن الدين من صحفيين وإعلاميين فقط في التفلت من الدين وقلب المقاييس ليصبح المعروف منكرا والمنكر معروفا, بل إنه وصل إلى من يتمسحون بالإسلام ويرفعون شعاراته ويدعون الناس لاتباعهم في فهمهم للدين والانخراط في الحياة السياسية على طريقتهم, على أساس أنها هي الطريق المستقيم وتمثل روح الإسلام ومبادئه السمحة ووسطيته واعتداله, وفي نفس الوقت التشنيع على من يطالب بالدخول في السلم كافة وإحياء ما اندرس من مبادئه وقيمه, وأهمها فريضتي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, والولاء والبراء في العلاقات مع "الآخرين" سواء ممن يدينون ظاهريا بديننا أو يدينون بغيره من الأديان الباطلة!
فالتحالف مع الأحزاب العلمانية واليسارية مبرر ومباح بل هو المعروف في الزمن الحالي لدى الأحزاب الإسلامية المندرجة في لعبة الديمقراطية والانتخابات التعددية, ولذا لم يكن مستغربا اختيار رئيس شيوغي لتونس بعد ثورتها التي كانت شرارة ثورات "الربيع العربي", أو الرضا من التجمع اليمني للإصلاح وغيره ممن يحسبون على الإسلام في اليمن بالمرشح الرئاسي التوافقي بعد كل تلك التضحيات التي قدمها الشعب اليمني المسلم طوال عام كامل والدمار الذي خلفه النظام السابق لكل مناحي الحياة فيها, وكان هذا المرشح التوافقي أحد أركانه ودعائمه طوال ثلاثة عقود من الزمان!
أما المطالبة بإقامة حدود الله وحكم إسلامي شامل والقضاء على النظام السابق برموزه وأعوانه وحنده, فهي من الصيحات المنكرة وتستحق تجييش القبائل والعشائر لمحاربة المنادين بها والساعين لتحقيقها!
والالتزام بمعاهدات السلام مع اليهود طالما أن الجانب الأمريكي التزم بدفع المساعدات المالية والعسكرية السنوية لمصر حسب اتفاقية كامب دافيد معروف عند بعض المتسلقين على رقاب الإسلاميين في مصر, أما إذا توقفت تلك المساعدات فهو المنكر الذي بسببه يجب النظر في أمر الاتفاقية برمتها! وأما لحساب من تلك المساعدات, والأسلحة التي تشترى بها تستخدم ضد من؛ فمسألة لا تستحق النقاش فيها! بل المطالبة بإلغاء الاتفاقية مع اليهود دون ذريعة أمر منكر لأنه يخالف التوافق الدولي ويعرض مصر لعقوبات اقتصادية في وقت هي في أشد الحاجة للمساعدة الخارجية!
والتنازل عن 96% من مساحة فلسطين في مقابل إقامة دويلة مقطعة الأوصال لفلسطينيي الداخل معروف يجب تناسي كل الخلافات والخيانات وقبول كل التنازلات من أجله, أما تكفير "فتح" وقياداتها والمطالبة برفض كل أشكال التفاوض الاستسلامي مع اليهود, والإصرار على الجهاد ضدهم فهذا إثم كبير ومنكر يجب إزالته بالفوة المسلحة وكل ما يتيسر من دعم خارجي, المهم هو رأب الصدع وتوحيد الجبهة الداخلية والتركيز على الاعتداءات الإسرائيلية على المقدسات وإيقاف الاستيطان!
ورحم الله السلطان عبد الحميد الذي قال كلمته التي خلدها التاريخ: "إني لا أستطيع أن أتخلى عن شبر واحد من أرض فلسطين, فهي ليست ملك يميني بل ملك الأمة الإسلامية. إن عمل المبضع في بدني لأهون عليَّ من أن أرى فلسطين قد بترت من دولة الخلافة,وهذا أمر لا يكون. إني لا أستطيع الموافقة على تشريح أجسادنا ونحن على قيد الحياة!".
للمزيد الرجاء زيارة قسم قضايا الامة بشبكة شموخ الإسلام ::http://www.shamikh1.info/vb/index.php