إنه مارس 2012
أشعر بالهلع كلما نظرت إلى شاشة حاسوبي و راجعت التاريخ لأجد أنني في الثانية و العشرين من العمر، أجلس بمفردي في غحدى شوارع مانهاتن، نيويورك لأراقب عن كثب مجموعة من شباب الجامعة الغاضبين على حال بلدهم و غلاء الأسعار و قلة الوظائف و خصخصة التعليم و نحن على أعتاب منتصف مارس من عام 2012.
أرجع لرأسي بالوراء و استرجع شريط هذا العام المجنون و أنا أحاول جاهدة فهم ما يحدث من حولي.
يالله، لقد مضى وقت طويل بالفعل منذ...منذ.. منذ أي شيء بالتحديد؟
الثورة بكل أحداثها؟
أم نجاتي من الموت بأعجوبة تحت جنازير دبابة أو برصاصات طائشة بضع مرات؟
أم التخرج من الجامعة وتنحية شهادتي التي لا قيمة لها في أي مكان جانبًا؟
أم السفر إلى أمريكا وتنقلي بين 11 ولاية في أقل من خمسة أشهر؟
أجد صعوبة شديدة في استيعاب كل هذه التجارب التي نزلت علي من حيث لا أحتسب وكل هؤلاء البشر الذين عبروا على طريق تجربتي الإنسانية..
في أقل من عام تغيرت حياتي بوتيرة مخيفة، و باتت آرائي فيما يخص كل شيء تقريبًا قابلة للنقاش و التعديل، لم يعد هناك أي ثوابت أو آراء قاطعة بخصوص أي شيء اعتقدته عن أي شيء وهذا الوضع مرهق ذهنيًا بصورة لا يتخيلها عقل..
كل ما اعتقدته عن مصر، السفر، الغربة، العمل، الدراسة، الإرتباط، السياسة، أصبح مفتوحًا للمناقشة -عالبحري- و صار لدي الآن مئات من المعطيات الجديدة التي أضيفت إلى المعادلة رغمًا عني..
لم تعد فكرة أن ينتهي بي المطاف في معمل ما لتغيير وجه البحث العلمي في مصر و الشرق الأوسط مغرية إلى الحد الذي كانت تبدو عليه قبل عام ونيف من الآن..
أمريكا نفسها ليست مكانًا أتمنى أن أنتقل فيه للسكن في يوم من الأيام، لم أحمل مشاعر قوية تجاه هذا البلد قبل زيارته لكن فكرتي تأكدت بعد أن قضيت فيها ما يقرب الخمسة أشهر عشت فيها مع أساتذة جامعات و كتّاب و صغار باحثين و الكثير من شباب الجامعة العاطل عن العمل و البائعين و المشردين..
رغم كل شيء للحظة بدا لي أن مصر ليست قاسية إلى هذا الحد في نهاية المطاف، الشر في بلادنا واضح و له معالم لكل ذي عقل ، شر خالص يمكنك أن تشمه و تشعره و تلمسه، شر يمكنك أن تحس رصاصاته وهي تخترق جسدك أو تستشعر ظلمه في حكمه عليك..
لكن هنا في بلادهم الشر لا اسم له، قد تجده متمثلا في مجموعة شركات عملاقة ميزانياتها تفوق ميزانيات دول مجتمعة تمص دماء العاملين و تستغل رغبة المستهلكين في الحصول على الأفضل دائمًا، قد تكون نظام سجون عنصري يتربح كلما زاد عدد المواطنين أصحاب الأقليات العرقية في زنازينه..
في بلادهم الشر يتمثل قوى ناعمة بلا رصاص ولا خدوش لا يمكن أن تلاحظه إذا كنت ربة أسرة تعمل في وظيفتين و تعول أطفال في مختلف مراحل التعليم ولا إن كنت كهلا تعمل في ثلاث وظائف كي تدفع ضرائبك و فواتيرك التي لا تكف عن التصاعد بينما مرتبك لم يتغير منذ أن كنت طالب في الجامعة..
في مصر يبقى الفقير فقيرًا و يزداد الأغنياء ثراءًا و تبقى الطبقة المتوسطة عالقة بين مصير الاثنين دون أن تخسر كل شيء، أما هناك احتمال أن تنزلق فجأة من الطبقة المتوسطة إلى قاع المجتمع و تخسر كل شيء دون أي مقدمات وارد جدًا..

أعترف أنني أشتاق إلى مصر بصورة جنونية_صدقوا أو لا تصدقوا_ مشاعر حنين لم أكن أتخيل أن أشعرها يومًا تجاه هذا البلد، و مشاعر سلبية من فكرة بقائي أطول قليلا مما رتبت له..
تسرب الضجر إلي و طالت أيامي و أنا أسير هائمة تحت المطر من أوكلاند إلى بيركلي على الساحل الغربي أو في شوارع مانهاتن في نيويورك و أنا أنظر إلى الوجوه المتجهمة المأسورة في تلك الحلقة الاستهلاكية المفرغة (وظيفة أفضل- بيت أكبر- تسوق- مرح)..
يتردد صوت ريانا في كل المظاهرات في أوكلاند و سان فرانسيسكو التي تغني عن الحب الذي وجدته في مكان غير مناسب فأتذكر أننا أصحاب الصدارة في فن الثورات بلا منازع و أن ما يفعله هؤلاء الناس فعلا لا يقارن باستبسال وشجاعة أهل بلدي الثوار..
قف في أي تجمع و قل أنك شهدت يوم واحد من الثورة المصرية وسوف يبدأ الجميع التقافز من حولك و يعلو الصفير و الهتاف التشجيعي لحياة مصر و لثورة مصر وشعبها العظيم الذي أصبح أيقونة و مثال لما يمكن أن يفعله البشر إذا آمنوا بقدرتهم على التغيير..
لقد أضافت هذه الثورة ثقلا و معنى جديد لماهية الكائن المصري و رفعت قيمته في وجدان كل إنسان ذي عقل و قلب في أي مكان في العالم و خاصة العالم الغربي..
أشياء كهذه و أكثر تجبرني على الشعور بالحنين الجارف لمصر و الشعور بالواجب تجاه هذا البلد بعد الإنتفاضة المجيدة، في الماضي القريب، ربما عامين أو ثلاثة كنت أشعر بالسخف عندما أمر على مدونة تحمل الملصق الشهير " مش هنبطل مش هنسافر مش هنسيب". كانت هذه سخافة منقطعة النظير و مثالية لا أفهمها وقتها ، كان حلمي الوحيد وقتها هو شهادة دكتوراة و معمل في أبحاث السرطان أو الخلايا الجذعية. وقتها لم تعن لي هذه العبارة أي شيء ولم تعن لي مصر أي شيء إيجابي بالمرة.
الآن أرى أنني لا أريد أن أبطل أو أسافر أو أسيب لأن من يسافر لا يعود في أغلب الأوقات و لأن لهؤلاء الناس علي دين و واجب لابد أن أوفيه.
تبدو لي فكرة مركز تعليمي صغير أو مشروع تنموي في الجزء الشعبي من حيِّنا تدرس فيه العلوم الحديثة و اللغات بتكلفة بسيطةأكثر إغراءًا من كل هذه الجامعات العريقة التي فتحت أبوابها لي الآن في الولايات المتحدة.
لقد كنت و مازلت محظوظة جدًا لذلك علي أن أشارك هذا الحظ مع من لم يتسن لهم نفس الفرص التي رزقني الله إياها سواء تعليم أو سفر أو معرفة..
عندما أبدأ محادثة مع شخص غاضب أقل حظًا مني و تبدأ نبرتي بالتحول إلى" أنتم أصلا متعرفوش اللي فيها" أتذكر كلمات ميخاليس لي في العام الماضي، ميخاليس ذلك الشاب الصغير الذي جاء من قبرص بمفرده ليرى شعب مصر و هو يعزف تلك السيمفونية الخالدة في يناير وفبراير من العام الماضي..
قال لي أنني كنت محظوظة ولا مبرر لما أفعله حينما أتحدث مع من يعارضونني من البسطاء الذين اختاروا العيش بسلام ليس لأنهم جهلة أو أغبياء لكن لانهم أقل حظًا، قال لي أنني أتحدث الإنجليزية بطلاقة، سافرت إلى الغرب بضع مرات و أنا في تلك السن صغيرة و درست في جامعة خاصة وخبرت كل هذه الأشياء التي لم يخبروها هم وليس هذا خطأهم. قال لي أن لهؤلاء الناس علينا واجبًا لأننا محظوظين و لابد أن نشاركهم ما لدينا من معرفة و أن نتعلم منهم أيضًا..
[TABLE='class: tr-caption-container']
[TR]
[TD='align: center']
[/TR]
[TR]
[TD='class: tr-caption, align: center']صورة لطابور خبز في حي جدتي التقطها في 2007 [/TD]
[/TR]
[/TABLE]
"قليل من النور الذي قد تبثه كلماتك و خبراتك في نفس طفل أو مراهق صغير أو شخص قليل الحظ في الدنيا قد يغير حياته إلى الأبد. فإذا لم نفعل نحن ذلك فمن سيفعل؟"
المصدر : عالم افتراضي
¨°o.O ( على كف القدر نمشي ولا ندري عن المكتوب ) O.o°¨
---
أتمنى لكم إقامة طيبة في الساحة العمانية
---
أتمنى لكم إقامة طيبة في الساحة العمانية
وأدعوكم للإستفادة بمقالات متقدمة في مجال التقنية والأمن الإلكتروني
رابط مباشر للمقالات هنا. ومن لديه الرغبة بتعلم البرمجة بلغات مختلفة أعرض لكم بعض
المشاريع التي برمجتها مفتوحة المصدر ومجانا للجميع من هنا. تجدون أيضا بعض البرامج المجانية التي قمت بتطويرها بذات الموقع ..
والكثير من أسرار التقنية في عالمي الثاني Eagle Eye Digital Solutions
رابط مباشر للمقالات هنا. ومن لديه الرغبة بتعلم البرمجة بلغات مختلفة أعرض لكم بعض
المشاريع التي برمجتها مفتوحة المصدر ومجانا للجميع من هنا. تجدون أيضا بعض البرامج المجانية التي قمت بتطويرها بذات الموقع ..
والكثير من أسرار التقنية في عالمي الثاني Eagle Eye Digital Solutions