الرؤية ـ بثينة لبنة
-
"الضبابية" تكتنف المساعدات الغربية.. و"دول الربيع " سئمت المطالبة بها
- 120 مليار دولار خسائر متوقعة لاقتصادات دول الربيع العربي خلال 2012
• المطالب الشعبية تضع الحكومات الجديدة بين مطرقة "الشرعية" وسندان "النمو"
بعد مرور أكثر من عام على بداية "الربيع العربي" الذي أدى حتى الآن إلى الإطاحة بأربعة رؤساء في مصر وتونس وليبيا واليمن، تبدو الأوضاع الاقتصادية في دول الربيع صعبة في وقت تحاول فيه حكومات تلك الدول السيطرة على تلك الأوضاع عن طريق اتخاذ إجراءات وتدابير معينة، ولكن مازالت الصورة غير واضحة ومازالت أغلب التقديرات الاقتصادية تشير إلى أن "الربيع العربي" سيصبح شتاء اقتصاديا طويلا، وأن التدابير والإجراءات التي يتخذها صانعو القرار في تلك الحكومات لإرضاء مطالب الجماهير لن تحل الأزمة بالكامل بل أن بعضها قد تكون له آثار سلبية تظهر على المدى الطويل ويقلل من معدلات النمو المرجوة لتلك البلدان..
ورغم قتامة الصورة المستقبلية، إلا أن ليبيا تعد الأوفر حظا بين تلك الدول، فيما تزداد الأوضاع الاقتصادية في سوريا سوءا في ظل إصرار الأسد على التمسك بالحكم، وما يترتب على ذلك من تدهور اقتصادي مريع.
"الربيع العربي" يتحول إلى "شتاء" اقتصادي طويل.. وليبيا الأقرب للتعافي
تشير إحصاءات أن خسائر الاقتصاد العربي بشكل عام من تحولات الربيع العربي وصلت إلى نحو 56 مليار دولار في عام 2011، ومن المتوقع أن يتضاعف هذا الرقم خلال العام الجاري 2012 ويصل إلى نحو 120 مليار دولار.
وتواجه دول الربيع العربي عددا من المشكلات الاقتصادية الهامة والتي أولها التراجع الواضح في معدلات نموها ومن ثم في إيراداتها العامة، في الوقت الذي تميل فيه تكاليف المعيشة نحو الارتفاع لأسباب كثيرة، منها قيود العرض المصاحبة لظروف الثورة، وحرص الحكومات الجديدة على رفع الحد الأدنى للأجور دون أن يصاحب ذلك نمو مماثل في الناتج المحلي.
ومن ناحية أخرى تواجه تلك الدول عجزا كبيرا في ماليتها العامة بسبب تزايد الإنفاق العام الناجم عن حرص الحكومات على استيفاء الاحتياجات الأساسية للسكان وتحسين مستوياتها، في الوقت الذي تميل فيه الإيرادات العامة نحو الانخفاض بسبب تراجع معدلات النمو وانخفاض قدرة الممولين على دفع الضرائب، كما يتسبب العجز المالي الحالي في ارتفاع الدين العام المحلي إلى مستويات غير مستدامة، وإلى حد ما للدين الخارجي.
في نفس الوقت تشهد دول الربيع العربي تراجعا كبيرا في موارد النقد الأجنبي لهذه الدول، واستنزاف احتياطياتها منه نتيجة لخروج رأس المال وتراجع موارد النقد الأجنبي التقليدية بصفة خاصة عوائد السياحة، فضلا عن توقف تدفق الاستثمارات الأجنبية المباشرة نظرا للظروف السياسية غير الموائمة.
مصر
جاءت تقديرات صندوق النقد الدولي لتتوقع حصول نمو ضعيف في الدول العربية التي تمر بمرحلة انتقالية، وخاصة مصر التي لن تنمو بأكثر من 1.8 في المئة خلال 2012 مقابل أكثر من 5 في المئة خلال 2010.
وتتعرض موارد مصر الرئيسة من النقد الأجنبي حاليا لضربات حادة، خصوصا صادراتها السلعية وإيراداتها من السياحة، نظرا للتراجع الكبير في أعداد السائحين بسبب عدم الاستقرار السياسي والأمني الذي تتعرض له البلاد حاليا. فمنذ بدء الثورة حتى الآن تراجع الاحتياطي المصري من النقد الأجنبي بنحو 19 مليار دولار نتيجة لخروج رؤوس أموال أجنبية بمقدار 8.8 مليار دولار، ودفع 4.9 مليار دولار لخدمة الديون الخارجية المصرية (فوائد، وأقساط، وسداد)، وتحويل 2.6 مليار من قطاع البترول ودفع 2.6 مليار لاستيراد السلع التموينية.
ولحسن الحظ أن موردين أساسيين للنقد الأجنبي وهما (على التوالي من حيث الأهمية) تحويلات المصريين العاملين في الخارج وإيرادات رسوم العبور في قناة السويس هما من المصادر شبه المستقرة لتدفقات النقد الأجنبي، التي من المنتظر أن تشهد ارتفاعا في المرحلة القادمة. غير أن أفضل التقديرات لهذين الموردين تدور حاليا حول نحو 17 مليار دولار، وهو مستوى لا يتوافق مع الاحتياجات الضخمة لمصر من النقد الأجنبي في المرحلة الحالية.
فجوة تمويلية
وللتعامل مع هذه الفجوة التمويلية الضخمة ربما تلجأ مصر إلى فرض ضرائب جديدة أو توسيع نطاق الضرائب القائمة بما في ذلك الضرائب على المستثمرين، وتعديل الضرائب الجمركية بما لا يخل بالتزامات مصر نحو منظمة التجارة العالمية، وهي جميعها إجراءات انكماشية لا تساعد الاقتصاد الوطني في مثل هذه الظروف وستؤثر سلبا في معدلات النمو المتوقعة، ناهيك عن ضعف حصيلتها المرتقبة في ظل الظروف الحالية وأخذا في الاعتبار درجة كفاءة الإدارة الضريبية في التحصيل.
وإذا فرضنا أن استيفاء الاحتياجات الأساسية للجماهير يحتل أولوية أولى لدى صانع السياسة الاقتصادية في مرحلة ما بعد الثورة، حتى يشعر المواطن بأن هناك تحسنا في أوضاعه نتيجة لها، فإن ذلك سيرفع من الإنفاق العام لتلك الدول على نحو غير مسبوق؛ لأن تلك الاحتياجات تتمثل في رفع مستويات الأجور والمعاشات التقاعدية ورفع مخصصات الدعم الحكومي للسلع والخدمات المختلفة التي تقدمها الدولة، وتحسين مستويات الخدمات التي تؤديها المؤسسات العامة، سواء الإنتاجية أو الخدمية.
وقد قدر العجز المبدئي للميزانية العامة المصرية في عام 2012 بـ 134 مليار جنيه (22 مليار دولار تقريبا)، غير أن التقديرات الجديدة تصل بهذا العجز إلى 182 مليار جنيه (30 مليار دولار) وهو عجز تنوء إمكانات الدولة عن تحمله على المدى الطويل، الأمر الذي يجعل الصورة أكثر قتامة.
تونس
قبل سقوط نظام بن علي، كان متوقّعاً أن يصل النمو الاقتصادي في تونس لعام 2011 إلى 5.4 في المئة، وألا يتجاوز العجز في الموازنة 2.5 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، وأن تظل نسبة الدين العام دون 40 في المئة.
كما كان للثورة الليبية بعض الآثار الجانبية على اقتصاد تونس، حيث تراجعت السياحة التي تعدّ أكبر مزوّد للنقد الأجنبي في تونس، بنسبة تزيد على 50 في المئة، وتفاقم الوضع في سوق العمل، لتسريح العمال وتدفّق العمال التونسيين الفارّين من ليبيا.
في نفس الوقت تراجعت الاستثمارات الأجنبية المباشرة بنسبة 20 في المئة، وغادرت أكثر من 80 شركة أجنبية البلاد وارتفع عدد العاطلين من العمل إلى 700 ألف مقارنةً بأقل من 500 ألف نهاية عام 2010. وبلغ معدل البطالة 17 في المئة، مقارنة بـ 14 في المئة قبل الثورة، وازداد عجز الموازنة العامة وعجز الحساب الجاري، واضطرّت البلاد إلى مواجهة عقبة مزدوجة تمثّلت في نقص السيولة وارتفاع كلفة التمويل الخارجي نظراً إلى خفض درجة التصنيف.
ويتعيّن الآن على الحكومة المنتخبة أن تتعامل مع توقّعات اقتصادية مختلفة بسبب الانعكاسات السلبية المرتبطة بالثورة، وتداعيات أزمة اليورو في الاتحاد الأوروبي الذي يعتبر الشريك الاقتصادي الرئيس لتونس.
وقد أقرت الحكومة التونسية مشروع الميزانية التكميلي للعام 2012 -2013 اعتبارا إلى أن نسبة النمو في سنة 2011 كانت سلبية في حدود 1.8 بالمئة أما نسبة النمو المقدرة للعام الجاري 2012 فقد كانت أوليا في حدود 4.5 بالمئة، ولكن تم التخفيض إلى 3.5 بالمئة فقط؛ وأسباب ذلك تعود إلى أن سعر النفط الذي كان مقدرا في البداية بـنحو 100 دولار للبرميل الواحد لكن الأسعار ارتفعت في الفترة الأخيرة لتبلغ 110 دولارا، كما أنّ سعر الدولار بحساب الدينار التونسي تطور من 1.42 دينار إلى 1.5 دينار تقريبا وهو ما أدى إلى إدخال بعض التغييرات تجلت بصفة خاصة في التخفيض من نسبة النمو التقديرية للعام الجاري.
ليبيا
على الرغم من أن البنية الأساسية في ليبيا تعرضت لتدمير شبه كلي إلا أن ليبيا أمامها فرصة ذهبية لتخطي المشكلات الاقتصادية التي خلفها النظام البائد، فمن الملاحظ أن ليبيا تتمتع بمزايا اقتصادية هائلة مقارنة بجارتيها تونس ومصر، فالثروات الليبية، ولا سيما في قطاع النفط، سيكون لها تأثيرا حاسما في تحقيق الانتعاش الاقتصادي. فقد كانت ليبيا تسهم سابقا بنحو 2 في المئة من جملة الإنتاج العالمي للنفط. ومن المعتقد أن احتياطات ليبيا من النفط تبلغ نحو 46 مليار برميل، وهو ما يجعلها تحتل المرتبة الأولى إفريقيًّا. يعني ذلك أن استعادة القوة الإنتاجية للحقول النفطية في ليبيا مرة أخرى سيسهم دون أدنى شك في توفير الإيرادات اللازمة لتحقيق التنمية الاقتصادية وإعادة الإعمار في البلاد.
وقد توقعت مجلة "الإيكونوميست" أن يسجل الاقتصاد الليبي أسرع معدل نمو في العالم خلال عام 2012. ووفقاً لوحدة المعلومات الاقتصادية التابعة للمجلة، فإن النمو في ليبيا سيكون مدعوماً بإعادة إعمار البلاد في أعقاب سقوط نظام معمر القذافي، وستصل نسبة النمو إلى 23 بالمئة.
تباطؤ المساعدات الغربية
على الرغم من إعلان الحكومة المصرية أنها ستقوم بتمويل جانب كبير من هذا العجز من خلال الاقتراض الخارجي لما يراوح بين 10 و12 مليار دولار، إلا أن هذه السيناريو تحوم حوله العديد من الشكوك لعل أهمها توقف تدفقات المساعدات إلى الاقتصاد المصري بعد الثورة بصورة شبه تامة، كذلك فإن هناك نوعا من التباطؤ من جانب المؤسسات الدولية والجهات المتعددة الأطراف التي وعدت بإقراض مصر في إبرام هذه القروض، من ناحية ثالثة فإن التصنيف الائتماني لمصر تم خفضه أكثر من مرة بعد الثورة إلى مستويات متدنية نتيجة لتردي الأوضاع السياسية التي تتفاقم يوما بعد الآخر تحت دوي هدير الجماهير في الميادين الرئيسة في مصر، كما أن ذلك يجعل من خدمة هذه الديون الجديدة مسألة ذات تكلفة عالية للاقتصاد المصري.
رفض الكونجرس للمساعدات
وأعلنت الولايات المتحدة الأمريكية يوم 5 مارس الماضي أن لديها خططا لمساعدة الدول العربية التي عرفت انتفاضات شعبية خلال عام 2011 بأكثر من 800 مليون دولار لدعم الإصلاح السياسي والاقتصادي. واقترح الرئيس باراك أوباما في مشروع ميزانية العام المالي 2013 الذي يبدأ في 1 أكتوبر القادم تخصيص 800 مليون دولار لمساعدة الدول العربية التي عرفت انتفاضات شعبية تسببت في أضرار اقتصادية بالغة بحسب ما ذكرته وكالات الأنباء العالمية.
إلا أن البيت الأبيض قال في توقعاته أن العجز في ميزانية الحكومة الفيدرالية الأمريكية قد يبلغ أكثر من 33ر1 تريليون دولار في السنة المالية لعام 2012 التي تنتهي في سبتمبر 2012.
وعبر بعض أعضاء الكونجرس الأمريكي عن رفضهم لخطط مساعدة دول "الربيع العربي" داعين إلى خفض الإنفاق الخارجي لمعالجة عجز الميزانية في الولايات المتحدة.
نوايا أوروبية مع وقف التنفيذ
أعلنت حكومات في الاتحاد الأوروبي في فبراير الماضي أنها "تعتزم" تخفيض ديون" بلدان في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا من بينها مصر، مقابل "إصلاحات ديمقراطية وتنازلات تجارية".
وجاء في توصيات تم إرسالها إلى قمة للاتحاد الأوروبي في الأول والثاني من مارس، أن "دولا أعضاء في الاتحاد سيدرسون إمكان اللجوء إلى تخفيف الدين كمؤشر للتغيير" في بلدان جنوب وشرق المتوسط.
واعتبر مسؤول رفيع في الاتحاد الأوروبي تعليقا على هذا الموضوع أنه من المتوقع حصول "نقاش محموم" بشأن مشروع القرار الذي ينص على تخفيض للدين مقابل إصلاحات ديمقراطية وتنازلات تجارية، مشيرا إلى أن الفكرة تندرج في سياق دعم "الربيع العربي"، حيث يطالب الاتحاد بتحقيق "تقدم سريع" في المفاوضات حول اتفاقات التبادل الحر بين الأوروبيين و"جيرانهم في جنوب المتوسط" .
وبحسب الاتحاد الأوروبي، فإن البلدان والمناطق المعنية هي: الجزائر ومصر وقطاع غزة والضفة الغربية وإسرائيل والأردن ولبنان والمغرب وسوريا وتونس.
ويملك القادة الأوروبيون خططا طموحة لدمج هذه المنطقة بالكامل مع المجال الواسع للتبادل الحر للسلع والخدمات في العالم والمساعدة في إنعاش الاقتصاد العالمي المصاب بالركود.
وإذا ما تم تبني المشروع، فإن تخفيض الديون سيشجع هذه البلدان على اعتماد المعايير الأوروبية مع تهديد بتعليق المساعدة للدول التي ستتهم بالقمع أو بانتهاكات لحقوق الإنسان.
وفي يناير الماضي كشف مبعوث الاتحاد الأوروبي الخاص لمنطقة جنوب المتوسط برناردينو ليون، إن المساعدات التي خصصها الاتحاد الأوروبي لدعم الدول العربية التي تشهد حركات إصلاحية تصل إلى 10 مليارات يورو ستكون ضمن برامج سياسة حسن الجوار، ومن خلال البنك الأوروبي، وسيكون الأردن من بين هذه الدول التي ستستفيد من هذه المساعدات، وجاء هذا التصريح ضمن لقاء له مع ملك الأردن.
وهو ما يؤكد أن التصريحات و "الاعتزامات" أصبحت تتضارب وفكرة أن يقوم الاتحاد الأوروبي بتقديم مساعدات لدول الربيع مع عدمها مازالت مشوشة،
ومازال المستقبل الاقتصادي لتلك الدول غير محدد المعالم ويتسم بالضبابية والغموض.
-
"الضبابية" تكتنف المساعدات الغربية.. و"دول الربيع " سئمت المطالبة بها
- 120 مليار دولار خسائر متوقعة لاقتصادات دول الربيع العربي خلال 2012
• المطالب الشعبية تضع الحكومات الجديدة بين مطرقة "الشرعية" وسندان "النمو"
بعد مرور أكثر من عام على بداية "الربيع العربي" الذي أدى حتى الآن إلى الإطاحة بأربعة رؤساء في مصر وتونس وليبيا واليمن، تبدو الأوضاع الاقتصادية في دول الربيع صعبة في وقت تحاول فيه حكومات تلك الدول السيطرة على تلك الأوضاع عن طريق اتخاذ إجراءات وتدابير معينة، ولكن مازالت الصورة غير واضحة ومازالت أغلب التقديرات الاقتصادية تشير إلى أن "الربيع العربي" سيصبح شتاء اقتصاديا طويلا، وأن التدابير والإجراءات التي يتخذها صانعو القرار في تلك الحكومات لإرضاء مطالب الجماهير لن تحل الأزمة بالكامل بل أن بعضها قد تكون له آثار سلبية تظهر على المدى الطويل ويقلل من معدلات النمو المرجوة لتلك البلدان..
ورغم قتامة الصورة المستقبلية، إلا أن ليبيا تعد الأوفر حظا بين تلك الدول، فيما تزداد الأوضاع الاقتصادية في سوريا سوءا في ظل إصرار الأسد على التمسك بالحكم، وما يترتب على ذلك من تدهور اقتصادي مريع.
"الربيع العربي" يتحول إلى "شتاء" اقتصادي طويل.. وليبيا الأقرب للتعافي
تشير إحصاءات أن خسائر الاقتصاد العربي بشكل عام من تحولات الربيع العربي وصلت إلى نحو 56 مليار دولار في عام 2011، ومن المتوقع أن يتضاعف هذا الرقم خلال العام الجاري 2012 ويصل إلى نحو 120 مليار دولار.
وتواجه دول الربيع العربي عددا من المشكلات الاقتصادية الهامة والتي أولها التراجع الواضح في معدلات نموها ومن ثم في إيراداتها العامة، في الوقت الذي تميل فيه تكاليف المعيشة نحو الارتفاع لأسباب كثيرة، منها قيود العرض المصاحبة لظروف الثورة، وحرص الحكومات الجديدة على رفع الحد الأدنى للأجور دون أن يصاحب ذلك نمو مماثل في الناتج المحلي.
ومن ناحية أخرى تواجه تلك الدول عجزا كبيرا في ماليتها العامة بسبب تزايد الإنفاق العام الناجم عن حرص الحكومات على استيفاء الاحتياجات الأساسية للسكان وتحسين مستوياتها، في الوقت الذي تميل فيه الإيرادات العامة نحو الانخفاض بسبب تراجع معدلات النمو وانخفاض قدرة الممولين على دفع الضرائب، كما يتسبب العجز المالي الحالي في ارتفاع الدين العام المحلي إلى مستويات غير مستدامة، وإلى حد ما للدين الخارجي.
في نفس الوقت تشهد دول الربيع العربي تراجعا كبيرا في موارد النقد الأجنبي لهذه الدول، واستنزاف احتياطياتها منه نتيجة لخروج رأس المال وتراجع موارد النقد الأجنبي التقليدية بصفة خاصة عوائد السياحة، فضلا عن توقف تدفق الاستثمارات الأجنبية المباشرة نظرا للظروف السياسية غير الموائمة.
مصر
جاءت تقديرات صندوق النقد الدولي لتتوقع حصول نمو ضعيف في الدول العربية التي تمر بمرحلة انتقالية، وخاصة مصر التي لن تنمو بأكثر من 1.8 في المئة خلال 2012 مقابل أكثر من 5 في المئة خلال 2010.
وتتعرض موارد مصر الرئيسة من النقد الأجنبي حاليا لضربات حادة، خصوصا صادراتها السلعية وإيراداتها من السياحة، نظرا للتراجع الكبير في أعداد السائحين بسبب عدم الاستقرار السياسي والأمني الذي تتعرض له البلاد حاليا. فمنذ بدء الثورة حتى الآن تراجع الاحتياطي المصري من النقد الأجنبي بنحو 19 مليار دولار نتيجة لخروج رؤوس أموال أجنبية بمقدار 8.8 مليار دولار، ودفع 4.9 مليار دولار لخدمة الديون الخارجية المصرية (فوائد، وأقساط، وسداد)، وتحويل 2.6 مليار من قطاع البترول ودفع 2.6 مليار لاستيراد السلع التموينية.
ولحسن الحظ أن موردين أساسيين للنقد الأجنبي وهما (على التوالي من حيث الأهمية) تحويلات المصريين العاملين في الخارج وإيرادات رسوم العبور في قناة السويس هما من المصادر شبه المستقرة لتدفقات النقد الأجنبي، التي من المنتظر أن تشهد ارتفاعا في المرحلة القادمة. غير أن أفضل التقديرات لهذين الموردين تدور حاليا حول نحو 17 مليار دولار، وهو مستوى لا يتوافق مع الاحتياجات الضخمة لمصر من النقد الأجنبي في المرحلة الحالية.
فجوة تمويلية
وللتعامل مع هذه الفجوة التمويلية الضخمة ربما تلجأ مصر إلى فرض ضرائب جديدة أو توسيع نطاق الضرائب القائمة بما في ذلك الضرائب على المستثمرين، وتعديل الضرائب الجمركية بما لا يخل بالتزامات مصر نحو منظمة التجارة العالمية، وهي جميعها إجراءات انكماشية لا تساعد الاقتصاد الوطني في مثل هذه الظروف وستؤثر سلبا في معدلات النمو المتوقعة، ناهيك عن ضعف حصيلتها المرتقبة في ظل الظروف الحالية وأخذا في الاعتبار درجة كفاءة الإدارة الضريبية في التحصيل.
وإذا فرضنا أن استيفاء الاحتياجات الأساسية للجماهير يحتل أولوية أولى لدى صانع السياسة الاقتصادية في مرحلة ما بعد الثورة، حتى يشعر المواطن بأن هناك تحسنا في أوضاعه نتيجة لها، فإن ذلك سيرفع من الإنفاق العام لتلك الدول على نحو غير مسبوق؛ لأن تلك الاحتياجات تتمثل في رفع مستويات الأجور والمعاشات التقاعدية ورفع مخصصات الدعم الحكومي للسلع والخدمات المختلفة التي تقدمها الدولة، وتحسين مستويات الخدمات التي تؤديها المؤسسات العامة، سواء الإنتاجية أو الخدمية.
وقد قدر العجز المبدئي للميزانية العامة المصرية في عام 2012 بـ 134 مليار جنيه (22 مليار دولار تقريبا)، غير أن التقديرات الجديدة تصل بهذا العجز إلى 182 مليار جنيه (30 مليار دولار) وهو عجز تنوء إمكانات الدولة عن تحمله على المدى الطويل، الأمر الذي يجعل الصورة أكثر قتامة.
تونس
قبل سقوط نظام بن علي، كان متوقّعاً أن يصل النمو الاقتصادي في تونس لعام 2011 إلى 5.4 في المئة، وألا يتجاوز العجز في الموازنة 2.5 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، وأن تظل نسبة الدين العام دون 40 في المئة.
كما كان للثورة الليبية بعض الآثار الجانبية على اقتصاد تونس، حيث تراجعت السياحة التي تعدّ أكبر مزوّد للنقد الأجنبي في تونس، بنسبة تزيد على 50 في المئة، وتفاقم الوضع في سوق العمل، لتسريح العمال وتدفّق العمال التونسيين الفارّين من ليبيا.
في نفس الوقت تراجعت الاستثمارات الأجنبية المباشرة بنسبة 20 في المئة، وغادرت أكثر من 80 شركة أجنبية البلاد وارتفع عدد العاطلين من العمل إلى 700 ألف مقارنةً بأقل من 500 ألف نهاية عام 2010. وبلغ معدل البطالة 17 في المئة، مقارنة بـ 14 في المئة قبل الثورة، وازداد عجز الموازنة العامة وعجز الحساب الجاري، واضطرّت البلاد إلى مواجهة عقبة مزدوجة تمثّلت في نقص السيولة وارتفاع كلفة التمويل الخارجي نظراً إلى خفض درجة التصنيف.
ويتعيّن الآن على الحكومة المنتخبة أن تتعامل مع توقّعات اقتصادية مختلفة بسبب الانعكاسات السلبية المرتبطة بالثورة، وتداعيات أزمة اليورو في الاتحاد الأوروبي الذي يعتبر الشريك الاقتصادي الرئيس لتونس.
وقد أقرت الحكومة التونسية مشروع الميزانية التكميلي للعام 2012 -2013 اعتبارا إلى أن نسبة النمو في سنة 2011 كانت سلبية في حدود 1.8 بالمئة أما نسبة النمو المقدرة للعام الجاري 2012 فقد كانت أوليا في حدود 4.5 بالمئة، ولكن تم التخفيض إلى 3.5 بالمئة فقط؛ وأسباب ذلك تعود إلى أن سعر النفط الذي كان مقدرا في البداية بـنحو 100 دولار للبرميل الواحد لكن الأسعار ارتفعت في الفترة الأخيرة لتبلغ 110 دولارا، كما أنّ سعر الدولار بحساب الدينار التونسي تطور من 1.42 دينار إلى 1.5 دينار تقريبا وهو ما أدى إلى إدخال بعض التغييرات تجلت بصفة خاصة في التخفيض من نسبة النمو التقديرية للعام الجاري.
ليبيا
على الرغم من أن البنية الأساسية في ليبيا تعرضت لتدمير شبه كلي إلا أن ليبيا أمامها فرصة ذهبية لتخطي المشكلات الاقتصادية التي خلفها النظام البائد، فمن الملاحظ أن ليبيا تتمتع بمزايا اقتصادية هائلة مقارنة بجارتيها تونس ومصر، فالثروات الليبية، ولا سيما في قطاع النفط، سيكون لها تأثيرا حاسما في تحقيق الانتعاش الاقتصادي. فقد كانت ليبيا تسهم سابقا بنحو 2 في المئة من جملة الإنتاج العالمي للنفط. ومن المعتقد أن احتياطات ليبيا من النفط تبلغ نحو 46 مليار برميل، وهو ما يجعلها تحتل المرتبة الأولى إفريقيًّا. يعني ذلك أن استعادة القوة الإنتاجية للحقول النفطية في ليبيا مرة أخرى سيسهم دون أدنى شك في توفير الإيرادات اللازمة لتحقيق التنمية الاقتصادية وإعادة الإعمار في البلاد.
وقد توقعت مجلة "الإيكونوميست" أن يسجل الاقتصاد الليبي أسرع معدل نمو في العالم خلال عام 2012. ووفقاً لوحدة المعلومات الاقتصادية التابعة للمجلة، فإن النمو في ليبيا سيكون مدعوماً بإعادة إعمار البلاد في أعقاب سقوط نظام معمر القذافي، وستصل نسبة النمو إلى 23 بالمئة.
تباطؤ المساعدات الغربية
على الرغم من إعلان الحكومة المصرية أنها ستقوم بتمويل جانب كبير من هذا العجز من خلال الاقتراض الخارجي لما يراوح بين 10 و12 مليار دولار، إلا أن هذه السيناريو تحوم حوله العديد من الشكوك لعل أهمها توقف تدفقات المساعدات إلى الاقتصاد المصري بعد الثورة بصورة شبه تامة، كذلك فإن هناك نوعا من التباطؤ من جانب المؤسسات الدولية والجهات المتعددة الأطراف التي وعدت بإقراض مصر في إبرام هذه القروض، من ناحية ثالثة فإن التصنيف الائتماني لمصر تم خفضه أكثر من مرة بعد الثورة إلى مستويات متدنية نتيجة لتردي الأوضاع السياسية التي تتفاقم يوما بعد الآخر تحت دوي هدير الجماهير في الميادين الرئيسة في مصر، كما أن ذلك يجعل من خدمة هذه الديون الجديدة مسألة ذات تكلفة عالية للاقتصاد المصري.
رفض الكونجرس للمساعدات
وأعلنت الولايات المتحدة الأمريكية يوم 5 مارس الماضي أن لديها خططا لمساعدة الدول العربية التي عرفت انتفاضات شعبية خلال عام 2011 بأكثر من 800 مليون دولار لدعم الإصلاح السياسي والاقتصادي. واقترح الرئيس باراك أوباما في مشروع ميزانية العام المالي 2013 الذي يبدأ في 1 أكتوبر القادم تخصيص 800 مليون دولار لمساعدة الدول العربية التي عرفت انتفاضات شعبية تسببت في أضرار اقتصادية بالغة بحسب ما ذكرته وكالات الأنباء العالمية.
إلا أن البيت الأبيض قال في توقعاته أن العجز في ميزانية الحكومة الفيدرالية الأمريكية قد يبلغ أكثر من 33ر1 تريليون دولار في السنة المالية لعام 2012 التي تنتهي في سبتمبر 2012.
وعبر بعض أعضاء الكونجرس الأمريكي عن رفضهم لخطط مساعدة دول "الربيع العربي" داعين إلى خفض الإنفاق الخارجي لمعالجة عجز الميزانية في الولايات المتحدة.
نوايا أوروبية مع وقف التنفيذ
أعلنت حكومات في الاتحاد الأوروبي في فبراير الماضي أنها "تعتزم" تخفيض ديون" بلدان في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا من بينها مصر، مقابل "إصلاحات ديمقراطية وتنازلات تجارية".
وجاء في توصيات تم إرسالها إلى قمة للاتحاد الأوروبي في الأول والثاني من مارس، أن "دولا أعضاء في الاتحاد سيدرسون إمكان اللجوء إلى تخفيف الدين كمؤشر للتغيير" في بلدان جنوب وشرق المتوسط.
واعتبر مسؤول رفيع في الاتحاد الأوروبي تعليقا على هذا الموضوع أنه من المتوقع حصول "نقاش محموم" بشأن مشروع القرار الذي ينص على تخفيض للدين مقابل إصلاحات ديمقراطية وتنازلات تجارية، مشيرا إلى أن الفكرة تندرج في سياق دعم "الربيع العربي"، حيث يطالب الاتحاد بتحقيق "تقدم سريع" في المفاوضات حول اتفاقات التبادل الحر بين الأوروبيين و"جيرانهم في جنوب المتوسط" .
وبحسب الاتحاد الأوروبي، فإن البلدان والمناطق المعنية هي: الجزائر ومصر وقطاع غزة والضفة الغربية وإسرائيل والأردن ولبنان والمغرب وسوريا وتونس.
ويملك القادة الأوروبيون خططا طموحة لدمج هذه المنطقة بالكامل مع المجال الواسع للتبادل الحر للسلع والخدمات في العالم والمساعدة في إنعاش الاقتصاد العالمي المصاب بالركود.
وإذا ما تم تبني المشروع، فإن تخفيض الديون سيشجع هذه البلدان على اعتماد المعايير الأوروبية مع تهديد بتعليق المساعدة للدول التي ستتهم بالقمع أو بانتهاكات لحقوق الإنسان.
وفي يناير الماضي كشف مبعوث الاتحاد الأوروبي الخاص لمنطقة جنوب المتوسط برناردينو ليون، إن المساعدات التي خصصها الاتحاد الأوروبي لدعم الدول العربية التي تشهد حركات إصلاحية تصل إلى 10 مليارات يورو ستكون ضمن برامج سياسة حسن الجوار، ومن خلال البنك الأوروبي، وسيكون الأردن من بين هذه الدول التي ستستفيد من هذه المساعدات، وجاء هذا التصريح ضمن لقاء له مع ملك الأردن.
وهو ما يؤكد أن التصريحات و "الاعتزامات" أصبحت تتضارب وفكرة أن يقوم الاتحاد الأوروبي بتقديم مساعدات لدول الربيع مع عدمها مازالت مشوشة،
ومازال المستقبل الاقتصادي لتلك الدول غير محدد المعالم ويتسم بالضبابية والغموض.

¨°o.O ( على كف القدر نمشي ولا ندري عن المكتوب ) O.o°¨
---
أتمنى لكم إقامة طيبة في الساحة العمانية
---
أتمنى لكم إقامة طيبة في الساحة العمانية
وأدعوكم للإستفادة بمقالات متقدمة في مجال التقنية والأمن الإلكتروني
رابط مباشر للمقالات هنا. ومن لديه الرغبة بتعلم البرمجة بلغات مختلفة أعرض لكم بعض
المشاريع التي برمجتها مفتوحة المصدر ومجانا للجميع من هنا. تجدون أيضا بعض البرامج المجانية التي قمت بتطويرها بذات الموقع ..
والكثير من أسرار التقنية في عالمي الثاني Eagle Eye Digital Solutions
رابط مباشر للمقالات هنا. ومن لديه الرغبة بتعلم البرمجة بلغات مختلفة أعرض لكم بعض
المشاريع التي برمجتها مفتوحة المصدر ومجانا للجميع من هنا. تجدون أيضا بعض البرامج المجانية التي قمت بتطويرها بذات الموقع ..
والكثير من أسرار التقنية في عالمي الثاني Eagle Eye Digital Solutions