مراهقة مبكرة .. مراهقة متأخرة - جديد فشكول

    • مراهقة مبكرة .. مراهقة متأخرة - جديد فشكول







      لم أكن أعلم أني حينها أتحول من مجرد طفل إلى رجل مكتمل الرجولة، كانت مشكلة في الحقيقة، كوني عندما بدأت أكتشف الأمر كان أمراً مخزياً، كنت أرتدي شورتاً إلى نصف الساق، ولم أكن أعي أن الشعر على ساقي قد نما بطريقة تدل أن هناك تغيراً فسولوجياً حاداً جداً يعشش في داخلي، بالضبط كما تصوره أفلام الخيال العلمي عندما ينمو مخلوق غريب المنظر والقسمات في أحشاء ضحية ما.



      أتذكر عصر ذلك اليوم، في قريتنا الكئيبة الجميلة أحياناً، في عصر ذلك اليوم لم ألحظ أن من ألعب معهم الساحرة المستديرة أنهم يُحسبون على الأطفال، وأني قد أصبحتُ وحشاً، ذا بعض الشعرِ في الساق، قد نما بصورةٍ مخيفة، من حولي أطفال حقاً، ولكن لطفرة ما،فأنا أعايش تحولاً وأنا مازلت في السنة الإبتدائية السادسة أي بعمر الثانية عشرة .. ولم أكن أعي أني أصبحت مخيفاً للدرجة التي ستقف عليها إحدى الأمهات مسعورة الفؤاد على أبنائها المساكين !


      عندما بدأ يتخاطر إلى ذهني ما تقول من سباب وشتائم فكرتُ أنه ربما لي ما يعنيني في الأمر، فألتفت إليها وأجدها "تشعرفني" سباً قد ناهز جدي السابع، أصبت بالحيرة، فأنا لم أفعل ما يوجب هذا القذع والشتيمة، تنبهت أني "جعري" وسط "فريخات" بحسب مفهومها المخيف حقاً والمقزز لي جداً، ثم أنقذني أنها عرفت من أنا وابن من أنا، لتنهال علي سيلاً من الإعتذار لسمعة طيبة جداً خلقها والدي الطيب في القرية الكئيبة وتستسمحني أنها ما عرفتني ...



      أذكر يومها أني عدتُ إلى المنزل وأنا ممزق القلب، غارق في التساؤل والتفكر، مالذي أصبحت عليه؟! نظرت إلى صورتي بالمرآة، شت، هناك شارب يخط وجهي وبوضوح، وشعر ساقي الذي لم أكن ألحظه كثيراً في السابق بدا لي في غاية الوضوح، حسناً هناك مناطق أخرى كانت قد زحفت إليها الغابات في طريقة تشبه الزحف الصحرواي ... وابوها !


      مالذي أفعله الآن وأنا قد أصبحتُ ما أنا عليه؟! كل صحبي هم أصغر مني سناً، وصحبتي لهم قد تكون مصدراًغير مريح للكثير من الأهالي بالتأكيد .. فالأمر حقاً مخيف، أليس كذلك؟! بدأت أُدخل نفسي في عزلة إخترتها قسراً وإجباراًرافقها تدين حاااااد جداً، للدرجة أن أحد أصدقاء والدي ظل ينتظرني قرابة الساعة بعد صلاة الفجر منتظراً أن أفرغ من صلاتي ليحملني سلاماً لوالدي وغرضاً ما !


      وحيداً لا صحب لي، وجدتني أقرأ كثيراً، وكان أن وقعت بين يدي رواية وا إسلاماه لعلي بن أحمد باكثير التي كانت تُدرّس لطلاب الثانوية آنذاك، فالتهمتها بنهم شديد، فاغرورقت العين بالدموع، وغاص العقل في القلق .. ونبض القلب شيئاً ما، لم أعرف ما هيته في البداية، كانت نبتةً للحب، نمت كحبات الفاصوليا التي أصبحت شجرة تعانق عنان السماء !


      فبدأت أتلصص ناظراً لبنت الجيران التي تصغرني بسنة واحدة، مفتوناً بها رغم كونها ما تزال .. طفلة! ورغم كوني لا أعلم من "الأمر" شيئاً، كنتُ أراها فتنة ما بعدها فتنة، لدرجة أني دعوت الله أن يقيني شر هذه الفتنة وبإلحاح شديد، رغم أنها ما جاوزت مشاعر تستفتز القلب وتزيد نبضاته، رغم أني لا أعلم مالي وما علي، وطفقت أقرأ في الفتاوي لأعلم هل أجازى بذنب ما يفعل بي قلبي .. وتمضي السنون، وتكبر الطفلة لتصبح فتاة، وتكبر إحدى صديقاتها، ويبدأ التنافس، وتكون الأخرى أكثر جرأة وتفهم قبل الأولى أساليب الحب قبل أن أفهمها أنا !


      تهديني قوطي بيبسي مع رسالة على شكل قلب من بعيد لبعيد، وهو أمر لم أستطع فهمه بسهوله في تلك السن المبكرة، وتشب الضرابة بين الصديقتين، لأكون أنا أمير سندريلا فجأة ... (خف علينا) .. يبقى الأمر كذلك حتى يدخل الدش بيتنا، ومعه مذيعات الجزيرة، ليفقد فشكول اليافع كل عناصر التوازن البشري ولأهيم بمذيعة النشرة الإقتصادية حباً وهياماً، وينسى الأولى ومنافستها الثانية وللأبد، لم يستطع والدي تفسير إلحاحي الشديد على مشاهدة النشرة الإقتصادية بالذات، فهو يلاحظ إهتمامي كذلك بنشرات الأخبار الأخرى .. ولكن لماذا الإقتصادية بالذات ؟!!


      أصبح شيئاً ما أكثر نضجاً، مع تزايد الإلتصاق بالدين بعد مرحلة من البعد سببها خلخلة الدش لكل ما أنا عليه قبل ذلك، وتدخل إحداهن حياتي مرة أخرى، مكتملة الإنوثة، في عنفوان المراهقة كذلك، لم أحبها، ولكنها كانت في وعيي، وعلى قدرٍ من النظر، أهدتني أشكالاً دائرية تتصل بشريط من القماش علقتها بجانب سريري قرب الستارة، وتمضي الأيام، لتفيق وتكتب لي في مراسليها التي أجدها في الأماكن التي أتواجد فيها عادة، أنها ما أحبتني، ولكنها مراهقة، وأضحك إذ أني لم أعر للأمر إهتماماً، فأقلب الصفحة، ولكن قبل ذلك أذكر يوم أن إنتشلَ الشريط القماشي لتسقط الأشكال الدائرية تحت السرير وتختفي للأبد.


      وتمضي الأيام، وأجدني في مقاعد الدراسة المتقدمة، في المرحلة الجامعية، وأجدني أتوق إلى من يملأ القلب، هكذا، دون أي تبرير، فأوجه هذه المشاعر يمنةً ويسرةً بينهن، دون أن أصل إلى أي منهن بطبيعة الحال، لفرط الخجل قبل أي شيء آخر، وأصبح مع الوقت رجلاً قد إعتد بعدة الإطلاع والتجربة لمواجهة معترك الحياة في الخارج، وفي نقطة هبوط على كل الأصعدة أجدني أمتهن الترميس على التلفون في مرحلة ما مع إحداهن، وكنتُ أنظر للأمر أنه مفسدة ما بعده مفسدة، يصل الأمر أن تسألني عما أشعر به تجاهها، هل هو الحب؟! فأجدني الوذ بالصمت، نعم كنتُ من الصدق بحيث أني لم أرغب بالكذب عليها .. لينتهي الأمر هنا برمته.


      تمضي سنون الدراسة، وأجدني على مشارف النهاية والولوج إلى عالم الواقع، لأغرق في العشق العفيف، الطاهر، الذي ملئ حياتي بحيث أنها ما عادت تتسع لي، وليدم في القلب من ندوبه وأشجانه الكثير، وتصبح السكنى في القلب من نصيب من لا نصيب له ..


      ويصبح الماضي، على قصره، مضحكاً بأحزانه وأفراحه .. وأتمنى أني لا أعيش حاضراً يكون مراهقة متأخرة لمراهقة مبكرة.


      إلى فشكلة أخرى ..




      المصدر : فشكول


      ¨°o.O ( على كف القدر نمشي ولا ندري عن المكتوب ) O.o°¨
      ---
      أتمنى لكم إقامة طيبة في الساحة العمانية

      وأدعوكم للإستفادة بمقالات متقدمة في مجال التقنية والأمن الإلكتروني
      رابط مباشر للمقالات هنا. ومن لديه الرغبة بتعلم البرمجة بلغات مختلفة أعرض لكم بعض
      المشاريع التي برمجتها مفتوحة المصدر ومجانا للجميع من هنا. تجدون أيضا بعض البرامج المجانية التي قمت بتطويرها بذات الموقع ..
      والكثير من أسرار التقنية في عالمي الثاني
      Eagle Eye Digital Solutions