العرب في نظر كاتب ياباني
يتسـاءل كثير من العـرب ... كيف استطاعت اليابان أن تدخل عصر التحديث و العولمة
والإنتاج وتحتفظ في الوقت نفسه بموروث اجتماعي, وبناء سياسي تقليدي, وسلوك عام
و خاص لا يتناسب مع نسـق هذا العصر !؟؟؟
هذا التسـاؤل سرده الكاتب الياباني / نوبواكي نوتوهارا
" في كتابه - العرب في نظر اليابانيين – الناشـر : دار الجمل في ألمانيا "
هذا الكاتب الياباني قضى قرابة أربعين عاماً مع العرب ولاحظ ثقافتهم العربية في البوادي
و المدن, وقد أجاد العربية كأحد أبنائها, واطلع على الإنتاج الأدبي العربي وترجم منه إلى اليابانية
أهم ما في الكتاب هو المقارنة بين ما يقوم به العرب, وما بين ما يتوقعه الياباني المعاصر
. ... يلاحظ الكاتب
1 - التوتر غير الخفي في المدن العربية المكتظة بالسكان, و يعتقد الكاتب انه ناتج عن اضطهاد,
فالناس تمشي في الشوارع وكأن عيناً تطاردهم, وجوه جامدة وصامتة وطوابير طويلة, حتى في
التاكسي يواجه الإنسان الاضطهاد فالسائق يختار الراكب حسب المكان الذي يريد الذهاب إليه,
ويرفض أن ينقل الشخص الذي لا يعجبه شكله, أو المكان الذي يقصده, وينتهي الكاتب بالملاحظة أن
(الناس في المدن العربية ليسوا سعداء وليسوا مرتاحين, الناس صامتون لا يتحدثون, لكننا نسمع صرخة
من خلال ذلك الصمت الخانق)!
2 – غياب العدالة يعني غياب المبدأ الأساسي الذي يعتمد عليه الناس في علاقتهم ببعضهم,
لذلك "يكرر الناس في البلاد العربية أن كل شيء ممكن لأن القوانين
السائدة غير مطبقة وغير محترمة".
3 - القانون لا يحمي الناس من الظلم لأنه مخترق, ويأتي نوتوهارا على الكثير من الأحداث و الوقائع,
فالقمع هو "الشيء الوحيد الذي لا يحتاج إلى برهان في البلاد العربية", ومن مظاهر القمع الذي يستغربه
الياباني المعاصر أن "الحاكم" يحكم مدى الحياة في الوقت الذي لا يتجاوز عمر رئيس الوزراء الياباني
في الوظيفة بضع سنين, وان الصحف تمنع من بلد إلى بلد, وان الكتب و المجلات تعرض على الرقابة,
مثل هذه المظاهر لا يتوقع الياباني أن يراها في حياته المعاصرة. ثم يستطرد بالقول أن "من زار اليابان
لا شك يعرف أن هناك سيارات بمكبرات صوت على نواصي الشوارع تهاجم رئيس الوزراء و الحزب
الحاكم دون أن يتعرض لها أحد", ولكن "السلطة و الشخص في البلاد العربية
شيء واحد" وفي معظم البلاد العربية يقول الكاتب أن "المعيار الوحيد لكرامة المواطن ووطنيته هو
مقدار ولائه للحاكم", وهذا كله غريب علينا نحن اليابانيين في الوقت الحاضر.
4 – القمــع يعترف الكاتب بأن اليابان في وقت ما كانت خاضعة لنوع من القمع, لكن اليابانيين
تخلصوا منه وأصبح تاريخاً. يقول "اعتقد أن القمع هو داء عضال في المجتمع العربي
لذا فإن أي كاتب أو باحث يتحدث عن المجتمع العربي من دون وعي هذه الحقيقة البسيطة الواضحة فإنني
لا اعتبر حديثه مفيداً وجدياً" نتيجة القمع - يحاول الناس أن يوحدوا آراءهم وملابسهم
وبيوتهم وتحت هذه الظروف تذوب استقلالية الفرد, ويغيب أيضاً الوعي بالمسؤولية العامة.فالقمع يولد
الخوف وينتج الاحترام الكاذب.
5 - غياب العدالة وبالتالي تغيب المسؤولية العامة,
فالحدائق والشوارع ومناهل المياه ووسائل النقل العامة يدمرها الناس اعتقاداً منهم أنهم يدمروا ممتلكات
الحكومة لا ممتلكاتهم,
6 - تغيب المسؤولية تجاه أفراد المجتمع "فالسجناء السياسيين ضحّوا من اجل
المجتمع, ولكن المجتمع نفسه يضحي بأولئك الرجال الشجعان" الناس في البلاد العربية تتعامل مع
قضية السجين السياسي على أنها قضية فردية على أسرة السجين أن تواجه أعبائها! يتسائل الياباني
باستغراب "افهم أن تضحي السلطة بأفراد متميزين ومفكرين وأدباء وسياسيين وعلماء
وفنانين ولكن لماذا يضحي الشعب نفسه بأولئك الأفراد"!
7 – " الفـرد العربي" , يتناول أفكاره من "خارجه" فيما يستنتج الياباني أفكاره
من الوقائع الملموسة التي يحياها كل يوم في اليابان تضاف حقائق جديدة كل يوم بينما
يكتفي العربي باستعادة الحقائق التي اكتشفها في الماضي البعيد". الأفكار الجاهزة تخرب فهمنا للواقع. "
8 - يقارن الكاتب بين اليابان و العرب فيقول ان اليابانيين "واجهوا تجربة صعبة ومريرة, إذ سيطر
العسكريون على الإمبراطور والسلطة والشعب وقادوا البلاد إلى حروب... لكننا وعينا خطأنا وقررنا
أن نصححه, فأبعدنا العسكر وقررنا أن نبني ما دمره القمع العسكري...",
لقد تعلمنا أن "القمع يؤدي إلى تدمير الثروة الوطنية وقتل الأبرياء, ويؤدي إلى انحراف السلطة والدخول
في ممارسات خاطئة", ثم يضيف أن النقد الذاتي "له قيمة كبرى في حياة الشعوب,
والشعوب بحاجة الى نقد من الداخل ومن الخارج".
9 - يقول الكاتب انه كثيراً ما يتـساءل أصدقائه العرب: لماذا لا يكره اليابانيون أميركا؟ يجيب بأن
"علينا أن نعترف بأخطائنا, لقد استعمرنا شعوباً ودمرنا بلاداً كبيرة, في الصين وكوريا واوكيناوا,
علينا أن ننقد أنفسنا ثم نصحح أخطاءنا ونزيل الانحراف "أما " المشاعر
فإنها مسألة شخصية محدودة لا تصنع مستقبلاً".
10 - الوعي بالمشاكل هو المدخل الصحيح إلى إصلاحها,
لذا يعطف على نظام القيم لدي العربي, ويضرب أمثلة كثيرة على خللها من وجهة نظر اليابانيين.
فالياباني لا يتوقع أن يذهب الى البنك ليصرف مبلغاً من المال ثم يعطيه الصرّاف اقل مما يستحق !
فنظام القيم كما يـراه الكاتب أن فيه خللاً كبيراً لا تستقيم معه التنمية المنشودة.
هذه لمسة سريعة لهذا الكتاب الذي يرى أن هناك نظاماً من القيم العربية تستحق المراجعة.
أما أن يكون الاكتفاء بفهم الكتاب من خلال التعليق عليه فأنا لا أدعي ذلك, لكني اعتقد ان
لدينا جميعاً حاجة الى أن نقرأه بعيون وقلوب مفتوحة.