
في واحد من أهم الأحداث الطبية التي شهدتها منطقة الشرق الأوسط أخيراً، أقيم المؤتمر العاشر لجمعية الشرق الأوسط للخصوبة MEFS في بيروت، الذي يعد واحداً من أهم المؤتمرات العلمية التي تعقد في المنطقة وتهتم بالخصوبة والعقم عند الرجل والمرأة، وبخاصة في منطقة الشرق الأوسط.
وقد شهد المؤتمر العديد من الفعاليات المهمة، كان على رأسها أبحاث ودراسات جديدة تعطي أملاً حقيقياً لمن يعانون من مشاكل في الإنجاب ليصبح حلم إنجاب طفل يلهو أمام أعينهم قريب المنال.
ولقد شهدت أروقة المؤتمر العديد من المناقشات الساخنة والمحاضرات المثيرة للجدل، لعل أهمها محاضرة الدكتور محمد أبو الغار، التي أكد فيها أن الإنجاب من خلال أسلوب طفل الأنابيب، يجب علينا اعتباره (حلاً مبدئياً وليس حلاً نهائياً)، للحالات التي تواجه مشاكل في الإنجاب. وبمعنى أدق، فإن اللجوء لتقنية أطفال الأنابيب يجب أن يكون أول الحلول المطروحة كقرار أولي للعلاج لمن يعانون مشاكل إنجابية بدلاً من أن يسير المريض أو المريضة في طريق طويل من الفحوصات والتحاليل، وأحياناً الجراحة التي قد تمتد مع جرعات الأدوية لفترات تتجاوز السنتين والثلاث في بعض الأحيان من دون نتيجة إيجابية، والنتيجة النهائية بعد كل هذا العناء هي اللجوء لطريقة الإنجاب عن طريق أطفال الأنابيب. في حين أنه كان من الممكن لنا، اختصار كل هذا الوقت والعناء والتكاليف، باللجوء أولا إلى طبيب متخصص في الخصوبة والعقم، ليضع أمامنا الحقيقة كاملة بأقصر الطرق.
أما البروفيسور جوهانز ايفيرز، الرئيس المنتخب للجمعية الأوروبية للإخصاب والهورمونات في هولندا ESHRE، فقد قدم بحثاً مهماً أيضاً يقيم بشكل موضوعي كل الأبحاث والدراسات المتعلقة بمجال الخصوبة والعقم المقترنة بدلائل علمية لإثبات صحتها وفعاليتها مقارنة بالنتائج التي تقدمها هذه الأبحاث على النطاق العلمي والإنساني.
كما حاضر البروفيسور جان نويل هوج عن احدث وأهم التقنيات التكنولوجية المستخدمة في تصنيع عقاقير علاج العقم النسبي أو نقص الخصوبة، مؤكداً في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، ان إنتاج الهورمونات التي تساعد على علاج نقص الخصوبة باستخدام الجينات الوراثية وهي طفرة علمية بكل المقاييس، بدأت مع التسعينات من خلال إنتاج هورمون RFSH، المصنع باستخدام الجينات الوراثية أو حمض DNA، وبهذا الإنجاز أمكننا التخلص من العديد من المشاكل التي كانت تواجهنا في الهورمونات المصنعة من مصدر حيوي (البول). ولعل أهم هذه المشاكل هو التلوث البروتيني لهذه الهورمونات، ويضيف الدكتور جان نويل ان شركة SERONO السويسرية، تعتبر من أولى الشركات التي قدمت هذا الهورمون خلال السنوات العشر الماضية بداية من هورمون LH وهورمون FSH، حتى هورمون HCG المستخدم في علاج العقم النسبي بهذه التقنية، التي انعكست بشكل مباشر على النتائج الإيجابية المتمثلة في زيادة نسب الحمل، كما انها فعالة قياساً بمثيلتها من الهورمونات المعدلة مما يؤدي إلى استخدامها بنسب أقل في مرحلة العلاج.
المثير في هذا المؤتمر، أن احدى الدراسات المهمة، أكدت أن الرجل مسؤول بنسبة %50 على الأقل عن مشاكل الإنجاب، مما يعطي ضوءاً أحمر لكل من يتهم المرأة بأنها العامل الأساسي في عدم إنجاب الأطفال. وقد واجهت هذه الدراسة العديد من المعوقات في منطقة الشرق الاوسط، بينها رفض الرجل الشرقي الاعتراف بهذا الضعف أو العجز وارتباطه ذهنياً عنده بالعجز الجنسي، في حين ان عقم الرجل أو مشكلة نقص الخصوبة هي مسألة عضوية بحتة لا علاقة لها بفحولة الرجل المزعومة أو الإغراءات التي يسعى وراءها التجار لزيادة الفحولة.
ومن أهم الأبحاث التي نوقشت أيضاً بحث مهم يقدم ما يعرف بـ «صمغ الأجنة» EMBRYO GLUE، وهو عبارة عن تركيبة كيميائية تتكون بشكل رئيسي من مادة HYALURONAN، وهي المادة الموجودة في قنوات فالوب والرحم والحويصلات، التي تلعب دوراً رئيسياً في تحويل بطانة الرحم إلى طبقة أكثر ملاءمة من حيث التغذية والنشاط والإفرازات لاستقبال الحمل والاستمرار في تغذية الجنين، ومن خلال اختبار لحوالي 141 حالة أطفال أنابيب يخضعون للظروف نفسها، من حيث العمر ومستوى هورمون FSH في اليوم الثالث من الدورة، وجد ان عدد الأجنة التي تم معها استخدام تقنية صمغ الأجنة أتت بنتائج مذهلة، حيث ارتفعت نسبة الحمل فيها بنسبة %21 زيادة عن مثيلاتها من الأجنة التي تم غرسها ولم تستخدم هذه التقنية.
وفي واحدة من أهم حلقات المناقشة التي اقيمت ضمن فعاليات المؤتمر جاءت طرق العلاج الجديد المستخدمة في تقنية المساعدة على الإخصاب أو ART محط اهتمام جميع محاضري المؤتمر، التي تركزت بشكل مباشر على استخدام أنواع جديدة من العقاقير المساعدة على علاج العقم، بالاضافة إلى تطوير وتعديل المكتشف منها. ويأتي عقار GONAL F هورمون التنشيط الحويصلي، بمثابة أول مستحضر على مستوى العالم، يتم تصنيعه بواسطة الهندسة الوراثية. وكان قد طرح في الأسواق فعلياً عام 1995، في دول الاتحاد الأوروبي، ومن ثم إلى جميع دول العالم. ويعتمد هذا العقار في تركيبته على أكثر من %99.5 من هورمون FSH المسؤول بشكل كبير عن عملية الإباضة، لذلك يعطى كعلاج فعال في حالات العقم النسبي وكعلاج اضافي في حالات التلقيح الاصطناعي وتقنية الإنجاب عن طريق أطفال الأنابيب لما له من قدرة على زيادة فرص حدوث التلقيح ومن ثم حدوث الحمل. وقد أثبت هذا العقار فعلياً زيادة نسبة معدلات الحمل بنسبة تراوح بين 30 و%35 من خلال الدراسة البحثية التي قدمتها الكلية الملكية لأمراض النساء والتوليد بإنجلترا والإحصائيات المسجلة لاستخدام العقار في فرنسا.
كما اثبت هذا العقار GONAL F، أيضاً، فعاليته في علاج حالات عقم الرجال، خاصة تلك التي تعتمد على الفشل في إفراز هورمونات الذكورة وتكوين الحيوانات المنوية وهي مشكلة تصيب ما لا يقل عن 35 ألف رجل في دول الاتحاد الأوروبي وحدها.
ويقول الدكتور خالد عصمت، المدير الطبي لشركة SERONO السويسرية، التي هي أحدى أهم الشركات العالمية المختصة بإنتاج عقار GONAL F الفعال في علاج العقم: «من المهم جداً وقبل أي شيء، أن نفهم أن نقص الخصوبة أو العقم النسبي هو مرض شائع بين الأزواج، ويمثل حوالي 10 إلى %15 من المتزوجين ويعانون مشاكل في الإنجاب، وهذا المرض لا يدعو للخجل بالمرة، إذ علينا أن نتعامل معه مثل أي مرض ممكن أن يصيب الجهاز الهضمي أو القلب مثلا. ونقص الخصوبة في حد ذاته، ليس معناه العقم بمعناه الشامل، بل يمكن أن نسميه عقماً نسبياً، وهذا العقم النسبي قد يكون في المرأة أو الرجل بنسبة %40 للرجل و%40 للمرأة، أو كليهما معاً بنسبة %10 و%10 من الحالات غير المعروفة الأسباب على وجه الدقة».
ويؤكد الدكتور خالد انه يجب أن يعلم الناس أنه لا علاقة بين فحولة الرجل والإخصاب، كذلك فحولة المرأة والإخصاب، ويوجد عندنا مثلا في الوطن العربي مرض تعدد أكياس المبيض، وهو في الغالب مرتبط بالمرأة البدينة، ويجب ان نشير هنا الى ان البدانة تؤثر بشكل كبير في الإنجاب، وذلك لأنها تؤثر بدرجة ما على نسبة الخصوبة لدى المرأة، وهن يمثلن اكثر من %90 من السيدات اللاتي يعانين من مشاكل الإباضة، وهنا يأتي دور أدوية حث البيوض، خاصة الأنواع المستخدم فيها تقنية الهندسة الوراثية، وهي عقاقير اكثر فعالية قياساً بتلك الأنواع التي كانت تعتمد على استخراج الهورمون من البول، وقد كان (امبول 2مم) من هورمون حث الإباضة يحتاج حوالي 10 ليترات من البول هذا بالاضافة إلى الشوائب التي قد تكون عالقة بالعينة، مما يؤثر في درجة نقائه، وقد انتجت شركة SERONO السويسرية، 3 أنواع من الهورمونات المساعدة على علاج العقم، وهي: هورمون التنشيط الحويصلي FSH، وهو المسؤول عن تنشيط الحويصلة الموجودة في المبيض، الذي يتوفر في عقار GONAL F. وهناك هورمون حث الإباضة لإنتاج البويضة، ويعرف بهورمون LH. وهناك هورمون ثالث يعمل على ثبات البويضة المخصبة بالحيوان المنوي حتى تواصل رحلتها لتكوين الجنين، ويعرف بهورمون HCG. وهذه الهورمونات تم انتاجها بتقنية الهندسة الوراثية، وتعتبر العامل الأساسي لطريقة العلاج بالهورمون، لمن يعانون من العقم النسبي.
هذا وقد قدم المؤتمر بحثاً مهماً عن العلاقة بين الجانب النفسي والوجداني وتأخر الإنجاب أو العقم، وقد أورد هذا البحث علاقة طردية بين التوتر والقلق وتأخر الإنجاب، وقد اعتمد البحث على أن مشكلة العقم قد لا تكون عضوية بالمقام الأول بقدر ما تكون نفسية ايضا. فيقول الدكتور مؤمن كامل، استاذ النساء والتوليد والعقم: «إن المشاعر السلبية كالغضب أو الاكتئاب أو الحزن قد تشكل عبئاً كبيراً وإضافياً على الأزواج الذين يعانون من مشاكل في الإنجاب. فعملياً، نجد أن التوتر والقلق يؤثران بشكل مباشر في إفرازات عنق الرحم، كما يؤديان أيضاً إلى تقلص في عضلات الجسم كعضلات جدار قناة فالوب، مما يؤدي إلى سد فتحة القناة».
تحياتي
