
لطالما اعتقد الطب واعتقدنا ان تقوية العظام والمحافظة عليها من الهشاشة Osteoporosis تتطلب تناول منتجات الحليب بكثرة للحصول على الكالسيوم.
لكن هناك الآن نظرية مثيرة للجدل تقول ان الافراط في تناول منتجات الحليب انما في الواقع يسبب طرد الكالسيوم من العظام وبالتالي يضعفها بدلاً من ان يبنيها كما هو شائع.
فما هو التفسير العلمي لهذه النظرية الجديدة وما مدى صحتها؟
تدعو الى هذه النظرية كل من البروفيسورة جين بلانت والبروفيسورة جيل تايدي.
وأول ملاحظة شدت انتباههما هي انخفاض الاصابات بمرض هشاشة العظام Osteoporosis في البلدان التي تستهلك القليل جداً من منتجات الألبان كالجبن والحليب وبقية المشتقات. وهذا ما دعاهما الى الاستنتاج ان هشاشة العظام وما تسببهُ من كسور، انما هي في الواقع مرض الشعوب التي تستهلك الكثير من منتجات الحليب، بالاضافة الى عادات غذائية سيئة اخرى مثل تناول الاغذية المعلبة او المصنعة وشرب الكحول وقلة الرياضة.
وتقول الباحثتان في كتابهما المشترك (هشاشة العظام وكيفية الوقاية منها ) under standing, Preventing and overcoming osteoporosis، ان الفرد الغربي يتناول يوميا حوالي 1000 ـ 1500 مليغرام من الكالسيوم من منتجات الحليب، مع ذلك فإن معدل الاصابة بمرض هشاشة العظام في الغرب أعلى بكثير من الاقطار الأفريقية والاسيوية التي يبلغ معدل تناول الفرد للكالسيوم فيها 500 مليغرام فقط.
وتضيفان بأن البلدان الأقل استهلاكا للحليب كامل الدسم هي الأقل اصابة بكسور الورك.
وتأتي الباحثتان بملاحظة اخرى، فالاسكيمو الذين هم أكثر سكان الأرض استهلاكا لمنتجات الحليب، حيث يتناولون يومياً اكثر من 2000 مليغرام من الكالسيوم من منتجات الألبان، هم الأكثر اصابة بمرض هشاشة العظام.
اذن، فإن كثرة استهلاك منتجات الألبان حسب هذه النظرية تؤدي الى ضعف العظام. لكن كيف يحدث ذلك؟
الحموضة
حسب رأي البروفيسورتين بلانت وتايدي، فإن كثرة تناول منتجات الألبان وكذلك اللحوم والبيض، تسبب الحموضة في الجسم.
وارتفاع الحموضة في الجسم يعتبر حالة غير صحية، ومن احدى نتائجها على سبيل المثال تشجيع نمو الأورام السرطانية. فهذه الأورام يصعب عليها النمو والتوسع في بيئة قلوية.
وهناك في الجسم ما يعرف بالتوازن الحامضي القلوي (القاعدي) الذي ينبغي ان يستقر عند الرقم 7.4 وذلك لضمان زيادة القلوية على الحامضية قليلاً وبالتالي توفير بيئة صحية للجسم. فالجسم المريض هو عادة جسم مرتفع الحامضية.
وبما ان كثرة تناول منتجات الألبان تسبب ارتفاع الحموضة، فإن الجسم يحاول مقاومة هذه الحالة باستخدام بعض المعادن، ومنها الكالسيوم. وعندما تكون الحموضة مرتفعة جداً فإن هذا يستنزف رصيد الكالسيوم في العظام، وهذا ما يسبب اضعافها وسهولة تكسرها.
وتشير الباحثتان بلانت وتايدي الى ان الدراسات بينت ان كسور الورك عند النساء الخمسينيات ترتبط مباشرة بتناولهن للبروتين الحيواني. بينما لو استبدلنه بالبروتين النباتي (البقوليات) وبنفس الكمية، او حتى اكثر، فإن اصابات الورك تنخفض بشكل كبير.
وقامت الباحثتان بتقسيم الاغذية حسب التأثيرات التي تتركها على الجسم حامضية كانت أو قلوية. وتنصحاننا بتناول 40% من غذائنا فقط، بروتينات (لحوم ومنتجات حليب) لا اكثر وذلك لتقليل الحموضة.
المجموعات الغذائية حسب الحموضة والقلوية
> اللحوم، كالغنم ـ البقر ـ الدجاج ـ البط ـ الأرانب.. الخ (حامضية).
> الأسماك وثمار البحر بكل انواعها (حامضية)
> البيض، كبيض الدجاج والبط وغيرهما (حامضية)
> الحليب واللبن والجبن والقشدة والزبد (حامضية)
> البقول والمكسرات والبذور والحبوب (حامضية أو متعادلة) وتشمل: الحمص، العدس، الفاصولياء البيضاء والحمراء، البازلاء، الصنوبر، الجوز، الشعير، البرغل، الشوفان، الخبز، الرز، المعكرونة، التورتيلا والمعجنات، وغيرها.
> الصلصات، وتكون إما حامضية أو متعادلة وتشمل: صلصة الصويا، مكعبات الدجاج واللحم والخضار، صلصات الترياكي والتاماري والواسابي (صلصات يابانية) وغير ذلك.
> السكريات، وهي تقريباً متعادلة وتشمل: العسل والمربيات والشوكولاته السوداء الخالية من الحليب، وغير ذلك.
> الزيوت، وهي متعادلة تقريبا وتشمل: زيت الزيتون والسمسم والصويا والجوز وزبد الفول السوداني والزبد المصنوع من زيت دوار الشمس.
> المشروبات الطبيعية، وهي متعادلة تقريبا وتشمل: شاي الاعشاب والشاي الاخضر ومشروب الكاكاو النقي والماء النقي وغير ذلك.
> الأعشاب الخضراء، وهي قلوية وتشمل: الكزبرة والريحان والثوم والزنجبيل والفلفل الحار والنعناع والكرفس والمرمية والزعتر والفلفل الأسود والهيل والقرفة (الدارسين) والكمون والخردل والتمر هندي والكركم وغير ذلك.
> الخضار والفاكهة، وهي قلوية ومنها:
التفاح والموز والمانجو والبطيخ الأبيض والأحمر والبرتقال والكمثرى والبرقوق والاناناس والكيوي والعنب واليوسف افندي، وعصير الفاكهة، والفاكهة المجففة التي لم يضف اليها عنصر السلفور. اما الخضار فمنها الباذنجان والبروكولي والجزر والقرنبيط والخيار والخس والفطر والبطاطس والسبانخ والطماطم والبصل والفلفل. الخضار المعلبة من دون سكر.
الرأي الآخر
تعليقا على هذه النظرية الجديدة المثيرة للجدل اوضح الدكتور ادوارد هاسكيسون استشاري الامراض الروماتيزمية في (لندن كلينيك) لـ «سيدتي» قائلا:
لا نعتقد ان كل ما ورد في هذا البحث صحيح. فبالنسبة لمنتجات الحليب لا بد للانسان من تناولها ابتداء من سن الولادة وحتى سن 19 سنة لبناء عظام قوية ولتجنب الاصابة بهشاشة العظم في المراحل المتأخرة من العمر، فحينذاك لن ينفع تناول الحليب، لانه حل متأخر. ويضيف: اما بالنسبة للافراط في تناول منتجات الحليب وكونه يطرد الكالسيوم بسبب ارتفاع الحموضة فلا نعتقد بذلك، كما انه ليست هناك ابحاث كافية حول هذا الطرح.
ويختتم الدكتور هاسكيسون توضيحه ل«سيدتي» قائلا: ان هشاشة العظم تنتج عن توقف بناء بروتين العظام وليس عن قلة الكالسيوم، فالكالسيوم موجود. لذا فإن الافراط في تناول منتجات الحليب في سن اليأس ليس هو الحل للهشاشة، لكن يمكن علاجها بالرياضة والغذاء المتوازن وبعض الادوية مع تجنب الادوية الستيرويدية لانها تضعف العظام. وعلى السيدات الابتعاد عن النحافة الشديدة لانها من مسببات هشاشة العظم.
واذا اردنا التعرف على حالة عظامنا ومدى متانتها ونسبة الكالسيوم فيها فقد نحتاج إلى اجراء فحص لكثافة العظام. وهذا الفحص بلغ افضل تطوراته بالتقنية المسماة ديكسا Dexa (Dual Energy X - Ray Absorptiometer).
تحياتي
