ويـل لمن يظـن الناس فـيه خـير

    • ويـل لمن يظـن الناس فـيه خـير

      الإنسـان في بعـض الأحـيان تأخـذه الـغـفـلة ، فـيتصـرف تصـرفا لا يـلـيـق بـكـرامة الله له ، فـيـنزل عـن مسـتـواه الـتكـريمي فـينحـط إلى أسـفـل سـافـلين ، فإذا الـتفـت إلى نفـسه ورجـع وراجـع قـبل فـوات الأوان، اسـتـدرك المـوقـف وبــدأ صفحـة جـديـدة، وأحـسن لنفـسه صـنعـا، وعـلم مغـزى حـديث رسـول الله صلى الله عـليه وسلم: ( وأتـبع السـيئة الحـسنة تمحـوهـا، وخـالق الناس بخـلـق حسن )
      ويقـول الله تبارك وتعالى مخـاطـبا المؤمنـين بقـوله: ( يا أيها الـذين آمنـوا لا تخـونـوا الله والـرسـول ، وتخـونـوا أماناتكـم وأنـتـم تعـلـمون . وأعـلـموا أنما أمـوالـكم وأولادكـم فـتـنة ، وأن الله عـنـده أجـر عـظـيم ) سـورة الأنفـال 27:28 .
      وورد في الحـديث النبوي الشريف: ( من طـلب الـدنيا حـلالا في عـفاف، كان في درجـة الشـهـداء) ، وقالوا: العـفاف حـلـية الأشـراف، والعـفـة هي اجـتـنـاب ما لا يحــل ولا يجـمـل، وتـهـذيب النفـس وترويضها عـلى السـلوك الـقـويم، وصـدها عـن الانـغـماس في الشهـوات، وكـبح جماحها هـو انقـاذها من الهـوى، فـما أسـعـد من اسـتطاع أن يملك نفـسه في تلك المـواقـف .
      ولا شـك أن الإنـسان في بعـض الأحـيان ، تمـر به سـاعات حـرجة قـد تطـوح به نـزواته يمينا وشـمالا ، فـيتصـرف تصـرف الخـائـن مـتـوهـما بأنه المحـق فـيـما يأتي وما يـذر، والعـاقـل هـو الـذين يـواجـه الأحـداث بـكل تـعـقـل وتـدبـر، ويملك نفـسه عـن تحـقـيق رغـباتها .
      قال الشـاعـر:
      والنفس كالطفل إن تهمله شب على حب الرضاع وإن تفطمه ينفطم
      وما عـاشـه رجـال حـول الرسـول صلى الله عـليه وسـلم ، مـن الحـوادث الـعـظـيمـة، التي تـجـعـل الـرجـل العـظـيم ، يواجـه تلك الشـدائـد ، بقـلب مؤمن بالله ، مستحضـرا عـظـمة الله في المراقـبة، والله يقـول ( ونبـلوكـم بالشـر والخـير فـتـنـة وإلـينا تـرجـعـون ) سـورة الأنبـياء 35 .
      ثـم أن بعـض الناس يظـنـون، أنه إذا مـا أسـنـد إلى بعـضهـم منصـب من المناصـب إلا لأنهـم أهـل لـذلك المنصـب، وبالتالي هـو تشـريف لهـم ، ولـولا منـزلتهـم العـظـيـمة، والحـقـيقة أن مـن اخـتير لمنصب ما عـليه أن يعـلم ويـدرك أن ذلك المنصب هـو تكـليف لا تشـريف ويـلـزمهـم القـيام به بـكل أمانة وإخـلاص ، وما عـلم أولـئـك وأمثـالهـم أنـهـم خـانـوا الله وخانـوا الـرسـول ، وخـانـوا أمـانـاتهـم، التي وضـعهـا قـائـد السـفـيـنة، فـخـاب ظـنه فـيهـم، وظـنوا أنهـم عـلى شـيء ، ألا إنهـم هـم الـكاذبـون المـنافـقـون .
      ولـكـن الله الـذي لا تخـفى عـليه خـافـية ، يمهـل ولا يهـمل ، فإذا أخـذ الظـالم لا يفـلته، والظـلم ظـلمات يـوم القـيامـة، فـمـن لم يـراقـب الله فـيما ائتمن ، أخـذه الله أخـذ عـزيـز مقـتـدر.
      أين الإيمـان الـذي يـحـض عـلى المحافـظـة عـلى الأمـانة وأدائهـا إلى أهـلها ؟، وهـل أخـذ أمـوال الناس بالباطـل من الأمـانة والإيمـان ؟، قـل هاتـوا بـرهـانكـم إن كـنـتم صـادقـين . فإن ظـن أولـئـك وأمثالهـم ، بأن المـنصب يعـطـيهـم صـلاحـية، للتصـرف في أمـوال الناس بالباطـل، تصـرف المالك للمـمـلوك، فإن الله عـزيـز ذو انـتـقـام، وعـنـد الله تجـتـمع الخـصـوم، فـيأخـذ كل ذي حـق حـقـه، فالله يـقـول : ( اليـوم تجـزى كل نفـس بما كسـبـت، لا ظـلم اليـوم إن الله سـريع الحسـاب )، سـورة غافـر 17.
      لقـد أخـذت التخـمة رجـالا ، وعانى الكـثير شـدة الجـوع لما اقـترفـه أولـئـك الـذين جـعـلوا أمـوال الناس نهـبا بين الأغـنياء منهـم ، وذلك بسبب سـطـو رجـال المناصـب العـالية ، عـلى أمـوال الـسـواد الأعـظـم من المحـرومـين ، الـذين لا يجـدون قـوت أنفـسهـم وعـيالهـم ، يعـيشـون عـيشـة الحـرمان ، فـويـل للمتـخـمين من البطـون الجائـعة، المحرومة مـن أبسـط حـقـوقها، التي هي قـوام حـياتهـم .
      إن الـذين ظـنوا أنهـم في مـأمـن، من الحساب والعـقاب، فـذلك ظـن الـذي ظـلـموا فـليحـذر الظالمـون أي منقـلب سـيـنقـلبـون، يـوم لا ينفـع مال ولا بـنـون، إلا من أتى الله بـقـلـب سـليم. ذلك يـوم مجـموع له الناس، وذلك يـوم مشـهـود ، وفي الحـديث النبوي الشـريف: (أي لحـم نـبت من سـحـت فالنار أولى به ـ السـحـت الحـرام ـ ) فـمـا ذا يقـول أولـئـك الـذين أسـرفـوا عـلى أنفـسهـم، وسـول لهـم الشـيطان وأملى لهـم إذا سـألهم الله: (عـن أمـوالهـم من أين اكـتـسبـوها وفـيما أنفـقـوهـا).
      وبعـد كل ما فـعـلـوه وما نهـبـوه وما تصـرفـوا فـيه، يأتي دور الحـكـيـم الحـليم الـرحـيم السخـي الكـريـم، يتصـرف مـعـهـم ومـع من هـم أمثـالهم، تصـرف الـعـاقـل الـذي لـيـس من شـيمه هـتـك الأعـراض، أو البحـث والتـتـبع لهـفـوات الناس وعـوراتهـم، ولـو عـلم أولـئـك وأمثـالهـم أن الله ابتـلى بهـم خـيرهـم ليـضاعـف له الأجـر، ولـو عـلم المظـلوم ما ينـتـظـر الظالم من العـذاب المهـين، ومن الـذل والمهـانـة في الـدنيا ولـعـذاب الآخـرة أشـد وأنـكى، لأشـفـق المظـلـوم عـلى الـظالم ، وماذا عـساه أن يـفـعـل، وقـد بلـغ الـسيل الزبى، وطـف الكـيـل ، وخـاب الظـن ، وذهـبـت الثـقـة والمـرؤة ، مـن الـذين يظـن فـيهـم خـير، وليس فـيهـم خـير لا للـبـلاد ولا للعـباد .
      فـما ذا عـساه أن يـفـعـل ، من ابـتـلي بمـن لا ضـمير لهـم ، ولا يرقـبـون فـي مـؤمن إلا ولا ذمـة، ولم يجـد من أولـئـك من يعـرف ويقـدر المسؤولية، ويكـونـوا عـنـد حسـن الظـن بهـم ، وأن يكـونوا محـل الثـقـة التي وضـعـت فـيهـم ، لـقـد أعـمى أبـصارهـم بـريـق الـدرهـم والـديـنار 0
      إن الله أكـرم الـرجـال مـن كـرم العــنصـر ، ولا تعــرف جـواهـر الرجـال إلا عـنـد تقـلـب الأحـوال ، وعـلى العـاقـل أن يسـعى لـما فـيه الصـلاح ، لخـيري الـدنيا والآخـرة ولـرقي العـبـاد وازدهـار الـبـلاد ، والله يـقـول في كتابه العـزيـز (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ) سـورة المائـدة 2 0
      لـقـد أنعـم الله عـلينا بنعـم كـثير ة، والـواجـب الشـكـر عـلى تـلك النعـم وربطـها بـشكـر المنعـم المتـفـضل ، لـقـد كان من قـبلـنا يسـعى جـاهـدا لتـوفـير ضـروريات الحياة ، أما اليـوم والحـمـد لله فـنحـن نـنعـم بمتطـلبات الحـياة الضـرورية والـكمالية فـكم من المـدارس فـتحـت ، وكم من المـراكـز الصحـيـة والمستـشفـيات أنشـئت ، وكـم من الطـرق شـقـت وعـبـدت ، وكـم من الجـسـور رفـعـت ومـدت ، وكـم من المـرافـق العـامـة شــيـدت ، وكـم من الـرجـال دربـت ، وكـم من الوظـائف اسـتحـدثـت ، وكـل ذلك في مـدة قـصيرة .
      فإذا كان في السـابـق قـد حـرمـنا مـن أبسـط مقـومات الحـياة ، وذلك بسـبب الـظـروف القاسية التي عـاشـها الكـثير مـنا ، وجـعـلـتهـم تلك الظـروف القاسـية يجـوس خـلال البـلـدان بحـثا عـن الـرزق ، متحـملـين في سـبـيـل ذلك كل صـنـوف المهـانـة والـذلة ، وسـوء المـتعـاملة ، فـما من شـدة إلا ويـعـقـبها رخـاء .

      ويـقـول الشـاعـر الحـكـيـم
      ولـرب نـازلة يضـيق بهـا الفـتى ذرعـا وعـنـد الله منها المخـرج
      ضـاقـت فـلما استحكـمت حلقاتها فـرجـت وكـنت أظـنها لا تـفـرج

      منقوول
      0