
صحتنا رهن غذائنا. والتحوّلات المعيشية والاجتماعية تطبع حياتنا من عاداتنا ومعيشتنا ونظامنا الغذائي خاصة، لتترك فيه نفحةً تؤثر بشكل مباشر وغير مباشر في صحتنا.
في الواقع، لا تشكل العوامل الممرضة وحدها سبب الإصابة بالداء وإنما طبيعة
الأغذية تدخل في أساس هذه الحلقة. ففي الدول النامية كما في المتقدمة منها، ساهمت طبيعة الأنظمة الغذائية المتبعة في ظهور الأمراض المزمنة. لكن، ليس لكل شيء تأثير سلبي بحت من دون أن يكون له أي طبعة إيجابية.
ففي نهاية القرن الثامن عشر، سمحت الثورة الصناعية وتقدم الزراعة والقطاع الغذائي الزراعي بتخطي عدد كبير من المجاعات حول العالم من جهة. وإنّما أدى استهلاك الدهون والسكريات من جهته ـ عوضاً عن الأطعمة الغنية بالألياف ـ والتناقص التدريجي للحركة البدنية إلى نمو وتكاثر الأمراض المشوهة للأعضاء والأنسجة في الجسم والمؤدية إلى اضطراب وظائفها.
وعلى الرغم من انتشار الوعي في العالم كافة يعتبر الوباء الحالي الأكثر شيوعاً هو البدانة. إذ سجّلت البدانة في العام 1995 حوالي 200 مليون حالة لتبلغ 300 مليون في العام 2000 منها 115 مليوناً في الدول النامية. ويظهر تأثير الثورة الصناعية بوضوح في اليابان مثلاً. فالزيادة الخفيفة والمتكررة للوحدات الحرارية اليومية استمرت في ظل نظام تقليدي يحوي القليل من الدهون والبروتينات الحيوانية. لكن بين عام 1960-1980، تضاعفت كمية الدهون المشبعة والكولسترول وبدأت البدانة بالظهور والانتشار، رافقها نمو سريع ومتزايد للأمراض المخيّة النخاعية والسكري غير معتمد الأنسولين، وأمراض الضغط والقلب وأنواع السرطانات المختلفة والإصابات المزمنة في العظم والمفصل.
وفي البرازيل، انخفضت نسبة سوء التغذية بين 1974-1989 عند الأطفال ما تحت عامهم الخامس 60% بينما زادت بدانة الراشدين من 5.7 إلى 9.6% وقد لاحظ الباحثون أن زيادة البدانة سريعاً تشهدها العائلات ذات الدخل المتوسّط والمنخفض. كما وأن في المدن الكبرى، ينخفض معدل استهلاك الحبوب كافة وأنواع البازلاء والفاصولياء والجذور في حين يزيد استهلاك البيض ومشتقات الحليب، لتبقى نسبة اللحوم والسكاكر مرتفعة بدءاً من عام 1970. وقد كان الحال نفسه في بلدان عدة من قارة آسيا مثل ماليزيا حيث سجلت زيادة الوزن نسبة 27% عام 1990 والفيليبين 14% عام 1995.
لكن، أكثر البلاد غرابة هي الصين. فقد عرف هذا البلد بالذات ارتفاعا ًمفاجئاً في معدل البدانة وزيادة الوزن. وضاعفت الاصلاحات الاقتصادية لعام 1978 المداخيل مما سبب زيادة استهلاك اللحوم والبيض والزيوت لتحلّ مكان الأرز والذرة كمصدر للطاقة والوحدات الحرارية.
في الحقيقة، كان لهذه الظاهرة وقع إيجابي على الأطفال إذ انخفض حجم حالات سوء التغذية لكن في الوقت عينه ارتفعت معدلات البدانة بشكل كبير عند الراشدين (10% عام 1992). وتستمر اليوم آسيا بإيواء أكثر نسبة سوء تغذية تصيب الأطفال والراشدين على السواء.
باختصار، على الصعيد العالمي كان للانتقال الغذائي نحو أنظمة غذائية تعتمد كثافة طاقة عالية تأثيراً إيجابياً. إذ ارتفع معدل العمر وانخفضت نسبة وفيات اليافعين وحالات سوء التغذية.
وتجدر الإشارة إلى أن ظاهرة التمدن السريعة التي تجتاح معظم الدول النامية مسؤولة عن كسر أنماط المعيشة المعتادة مؤدية إلى تغييرات غذائية مثل استهلاك المأكولات الجاهزة التي تحوي عادة كميات كبيرة من الدهون وتناول المشروبات الغازية منها ـ التي تحوي الكثير من السكريات. ذلك بالإضافة إلى تطوير وسائل النقل والتسلية، التي فرضت على المرء نشاطاً بدنياً ضئيلاً لدرجة أن تجاوزت واردات الوحدات الحرارية الحاجة الفيزيولوجية الفعلية بأشواط.
تحياتي الحيدرية أبعثها اليكم
أم حيدر علي