"الرومبيني" الصيني يزيح "الوسيط" الأمريكي عن تداولاته مع الين الياباني.. و"الدولار" يقاوم - جديد جري

    • "الرومبيني" الصيني يزيح "الوسيط" الأمريكي عن تداولاته مع الين الياباني.. و"الدولار" يقاوم - جديد جري


      الرؤية- نجلاء عبدالعال
      -


      بكين وطوكيو تسعيان لتنشيط التجارة وتعظيم دور اليوان على الساحة الدولية
      الإجراء يوفر 3 مليارات دولار سنويًا نتيجة لإلغاء الاعتماد على الدولار كوسيط
      دول الخليج تسهم في تعزيز النمو الصيني عبر صادرات النفط

      خطوة جديدة أطلقها التنين الصيني باعتماد العملة الوطنية اليوان (الرومبيني) في التداول المباشر مع الين الياباني، متخليًا عن الدولار الأمريكي كوسيط في التعامل النقدي بين الماردين الآسيويين.
      الإجراء الصيني كان متوقعًا من قبل ضمن مساعي الصين لتحرير علمتها الوطنية والتي طالما دعت إليها الولايات المتحدة للحد من انخفاض قيمة اليوان أمام الدولار ما يكبد أمريكا خسائر كبيرة جراء رخص سعر المنتج الصيني الذي ينافس بقوة في الأسواق الأمريكية.
      وقبل بدء سريان الإجراء أمس، كان يتم تبادل العملتين اليابانية والصينية عبر نظام يعتمد الدولار كأساس لتحديد سعر الصرف بينهما.
      ومن المتوقع أن تخفض الخطوة الجديدة تكاليف الحوالات المصرفية وتقلل من المخاطر المالية التي تواجهها المؤسسات المالية، وكذلك انعاش سوق طوكيو والحد من هيمنة عملة اليوان على التعاملات التجارية.




      وبعد عقود طويلة تربع الدولار كملك يقف وسيطًا بين معظم التداولات بين العملات، انتفض المارد الآسيوي بعد فترة تحضير طويلة واستطاع أن يزيل هذا الحاجز مع بعض الحذر، أول الاحتياطات اتّخذها البنك المركزي الصيني "بنك الصين الشعبي" الذي ترك لليوان حريّة الحركة لكن بشرط ألا يتعدى هامش تحركه نسبة 3% صعودًا أو هبوطًا من سعر صرفه الأساسي الذي يحدده البنك كل صباح.
      وكانت بورصة طوكيو الأسبق في الافتتاح نظرًا لأنّها تسبق توقيت الصين بساعة ونصف وفيها كانت بداية فتح التعامل حيث تمّ إدراج معدل صرف اليوان والين، وعلى عكس المتوقع لم يتأثر سعر اليوان في أولى المداولات بل جاء مساويًا تقريبًا للمستوى الذي سجله قبل رفع الحاجز الدولاري فسجل اليوان في المعاملات التي جرت بواسطة مصارف يابانية كبرى 12,335 ين ياباني وهو يقترب من سعر البنك المركزي الصيني الذي حدد سعر اليوان بحوالي 12,394 ينا لليوان الواحد.
      ويبدو أنّ خشية التحوّل كانت نذير شؤم على الأسهم اليابانية التي هوت في التعاملات المبكرة أمس الجمعة لتتجه نحو تسجيل تاسع هبوط أسبوعي لها على التوالي، ولم يفلح التعامل المباشر مع الين في التخفيف من تأثير البيانات الاقتصادية الأمريكية الضعيفة التي أذكت مخاوف المستثمرين بشأن النمو العالمي ووسط القلق من تفاقم أزمة ديون منطقة اليورو.
      وأدّى هذا إلى هبوط مؤشر نيكي القياسي لأسهم الشركات اليابانية الكبرى واحدًا بالمئة ليصل إلى 8457.80 نقطة في الدقائق الأولى للتعامل ببورصة طوكيو، بينما انخفض المؤشر توبكس الأوسع نطاقًا بنسبة 1.1 بالمئة إلى 711.74 نقطة.

      اليوان سلاح الصين
      ورغم الانفتاح الاقتصادي التدريجي الذي انتهجته الصين منذ عام 1978 إلا أنّ العملة الصينية اليوان ظلّ السلاح الذي لا تتركه من يدها، حيث استمر البنك المركزي الصيني وحتى الآن المتحكم في سعر صرفه وهو ما آثار كثيرًا حفيظة الإدارة الأمريكية التي رأت فيه تلاعبًا يؤثر على اقتصادها، وكثيرًا ما طالبت الإدارة الأمريكية بأن تسمح الصين لعملتها أن تظهر قوتها الحقيقية أمام الدولار، ويمكن فهم هذا التحفّظ الأمريكي أمام حقيقة أنّ الصين تمتلك أكبر احتياطي نقدي من العملات في العالم بقيمة 2 تريليون و447 مليار دولار، بالإضافة إلى عملة ضعيفة تتحكم بسعرها ليبقى مقارنة بالقيمة الحقيقية التي يجب أن تتواجد عندها.
      وجاء الطلب الأمريكي بإطلاق سراح اليوان بعدة وجوه فكان يبدو ليّنا جدًا عندما يظهر بوجهه الاقتصادي الصريح، لكنّه كثيرًا ما كان يظهر بشكل خفي عندما تتأزم العلاقات بين البلدين، فمرة يصعّد فيها الأمريكان من لهجتهم فيما يخص حقوق الإنسان في الصين ومرة يتحدون رغبات الصين في التوسع اقتصاديًا في دول ذات نفوذ سياسي أمريكي وهكذا تداخلات القضايا الإنسانية والسياسية وعلاقات القوى لتخفي الخلاف الاقتصادي الحقيقي بين الدولار واليوان.
      لكن الواقع أنّ الطريقة الصينية ذاتها مازالت قائمة لتحديد سعر اليوان اليومي بالنسبة للدولار، مع اعتماد هامش تقلب بنسبة 1% فقط وليس 3% كما أتاحت لليوان أمام الين الياباني رغم أنّه حتى أمس الأول فقط كان التبادل بين العملتين اليابانية والصينية يتم عبر نظام يعتمد الدولار كأساس لتحديد سعر الصرف بينهما، ومما كان يجعل 60% من التعاملات الثنائية تتم بالدولار، ورجحت أن يؤدي التداول باستخدام عملتيهما مباشرة إلى توفير نحو ثلاثة مليارات دولار سنويًا.
      اليابان تنتظر الانعاش
      ومن ناحيتها، تنتظر اليابان انتعاشًا اقتصاديًا من وراء قرار التعامل المباشر مع اليوان الصيني، فاليابان تعلم جيدا أنّ الصين سبقتها في ترتيب أقوى الاقتصادات الدولية لتحل محلها في المركز الثاني بعد الولايات المتحدة، وكذلك تنتظر اليابان تحركًا نحو الأمام بعد أن وقعت انتكاسة لاقتصادها ظهرت بقوة في إعلان موازنتها للعام الماضي حيث وقعت فريسة لعجز عجز تجاري في الموازنة العامة اليابانية لأوّل مرة منذ أكثر من ثلاثين عاماً، عندما أعلنت وزارة المالية عن أول عجز تجاري بلغ 2.49 تريليون ين "32 مليار دولار"، في نفس الوقت الذي ارتفعت فيه الواردات 12% وبلغت قيمتها 68.04 تريليون ين، وتراجعت الصادرات 2.7% لتصبح 65.55 تريليون ين.
      وعلى مستوى التعامل بين الولايات المتحدة الأمريكية واليابان يمكن القول أنّ نتيجة اليوم الأول من التعامل المباشر بين الين واليوان هي تسجيل الدولار الأمريكي لأعلى مستوى له في ثلاثة أشهر ونصف أمام الين الياباني في التعاملات الآسيوية، وإن لم يكن نتيجة مباشرة فقط لفتح التعامل المباشر مع اليوان لكن لابد من الأخذ في الاعتبار أنّ هبوط الين أمام العملات الرئيسية أتى بعد أن فاجأ البنك المركزي الياباني الأسواق هذا الأسبوع بزيادة برنامجه لشراء الأصول بمقدار 130 مليار دولار وتحديد مستوى مستهدف للتضخم قدره 1 في المائة.
      صمود وارتفاع
      المفاجأة كانت في صمود العملة الأمريكية، حيث ارتفع مؤشر الدولار إلى أعلى مستوياته في 21 شهرًا مع نفس الوقت الذي بدأت فيه التعاملات المباشرة بين العملتين الآسيويتين، ولم يأت ارتفاع الدولار كرد فعل للتحرك الصيني الياباني لكنّه جاء متأثرًا بتدفقات الطلب عليه باعتباره ملاذًا آمنًا للقيمة وسط قلق المستثمرين من قدرة أسبانيا على زيادة رؤوس أموال قطاعها المصرفي المتداعي وإصلاحها لماليتها العامة.
      ولعلّ النتيجة المتفائلة لوضع الدولار أمام العملات يؤكّد للإدارة الأمريكية أنّ سعيها الحثيث لتحرير سعر اليوان يستحق مزيدًا من العمل، فعندما قام الرئيس الأمريكي باراك أوباما بزيارته الوحيدة إلى الصين كان يحمل معه مطالبات بلهجة قوية من الصين برفع سعر صرف عملتها، لكن السلطات الصينية رفضت ما سمته وقتها "تدخل الغير في سياستها النقدية" وأعلنت أنّها لن تتخذ هذه الخطوة إلا بعد اقتناع تام بعدم تأثيرها سلبا على النمو في الاقتصاد الصيني.
      بعدها توجه وزير الخزانة الأمريكي تيموثي جايتنر على رأس وفد من السياسيين والاقتصاديين لتحقيق هذا الاقتناع التام، ووقتها وفي نهاية مايو من العام الماضي خرج وزير الخزانة الأمريكي من المفاوضات معلنا أنه واثق إلى أبعد الحدود أن الصين في طريقها إلى رفع قيمة اليوان مقابل الدولار.
      العرب على طريق اليوان
      وفيما يخص الاقتصاد العربي وخاصة الخليجي يمكن تحليل الخطوة التي تمت أمس باعتبارها تصرفا صينيا يهدف للابتعاد عن أية ضغوط اقتصادية خارجية تعوق نموها المستمر، وقد استطاعت الصين أن تحقق أعلى معدلات النمو ويمكنها أن تكتفي بتنوع إنتاجها وسوقها المحلي الذي يزيد عن مليار نسمة عن العالم، لكن ما سيظل محورها لهذا النمو ووقود له هو النفط، وهنا تظهر الدول المصدرة له والتبادل الاقتصادي الذي يمكنها تحقيقه مع الصين كأهم لاعبي المرحلة القادمة من الاقتصاد العالمي.
      وبقراءة في البيانات الصادرة من الصين يتضح أنّ حجم الاستثمارات للمؤسسات الصينية في الخارج قد وصل إلى ما يزيد عن 320 مليار دولار أمريكي، مع بلوغ إجمالي أصولها أكثر من 1.6 تريليون دولار أمريكي، كما يعمل نحو 1.2 مليون موظف صيني في خارج البلاد .
      ويمكن رصد حجم الاهتمام الصيني بالدول العربية بشكل عام ودول مجلس التعاون الخليجي بشكل خاص من خلال ما أعلنه وزير الخارجية الصيني يانغ جيه تشي، يوم الخميس الماضي عن أنّ بلاده ستعمل مع الدول العربية على رفع حجم التبادل التجاري بين الجانبين إلى 300 مليار دولار بحلول عام 2014.
      وقال يانغ في كلمته أمام الدورة الخامسة للاجتماع الوزاري لمنتدى التعاون الصيني العربي، إن "تعزيز الصداقة والتعاون بين الصين والدول العربية يمثل متطلبات العصر ومطالب شعوبنا"، داعيًا إلى بذل الجهود المتضافرة من الجانبين لتعميق التعاون الاستراتيجي وتدعيم التنمية المشتركة من خلال تطوير منتدى التعاون الصيني العربي.
      وجاء البيان الذي خرج عن المنتدى مشددًا على تشجيع التعاون في مجالي النفط والغاز الطبيعي بين الجانبين على أساس المنفعة المتبادلة واستخدام الطاقة المتجددة والتعاون التكنولوجي وتبادل الخبرات بين الجانبين العربي والصيني.
      كما حثّ على العمل على إنشاء آلية التعاون الزراعي بين الصين والدول العربية، وتشجيع التعاون الصناعي بينهما.