الرؤيا في القرآن

    • الرؤيا في القرآن

      رؤيا إبراهيم عليه السلام





      يقول تعالى مخبرا عن خليله إبراهيم عليه الصلاة والسلام إنه بعدما نصره الله تعالى على قومه وأيس من إيمانهم بعدما شاهدوا من الآيات العظيمة هاجر من بين أظهرهم وقال إني ذاهب إلى ربي سيهدين رب هب لي من الصالحين يعني أولادا مطيعين يكونون عوضا من قومه وعشيرته الذين فارقهم .

      فبشرناه بغلام حليم وهذا الغلام هو إسماعيل عليه السلام فإنه أول ولد بشر به إبراهيم عليه السلام وهو أكبر من إسحاق باتفاق المسلمين وأهل الكتاب بل في نص كتابهم أن إسماعيل عليه السلام ولد ولإبراهيم عليه السلام ست وثمانون سنة وولد إسحاق وعمر إبراهيم عليه الصلاة والسلام تسع وتسعون سنة وعندهم أن الله تبارك وتعالى أمر إبراهيم أن يذبح ابنه وحيده وفي نسخة أخرى بكره فأقحموا ههنا كذبا وبهتانا إسحاق ولا يجوز هذا لأنه مخالف لنص كتابهم وإنما أقحموا إسحاق لأنه أبوهم وإسماعيل أبو العرب فحسدوهم فزادوا ذلك وحرفوا وحيدك بمعنى الذي ليس عندك غيره فإن إسماعيل كان ذهب به وبأمه إلى مكة وهو تأويل وتحريف باطل فإنه لا يقال وحيدك إلا لمن ليس له غيره وأيضا فإن أول ولد له معزة ما ليس لمن بعده من الأولاد فالأمر بذبحه أبلغ في الابتلاء والاختبار وقد ذهب جماعة من أهل العلم إلى أن الذبيح هو إسحاق وحكي ذلك عن طائفة من السلف حتى نقل عن بعض الصحابة رضي الله عنهم أيضا وليس ذلك في كتاب ولا سنة وما أظن ذلك تلقي إلا عن أحبار أهل الكتاب وأخذ ذلك مسلما من غير حجة وهذا كتاب الله شاهد ومرشد إلى أنه إسماعيل فإنه ذكر البشارة بغلام حليم وذكر أنه الذبيح ثم قال بعد ذلك وبشرناه بإسحاق نبيا من الصالحين ولما بشرت الملائكة إبراهيم بإسحاق قالوا إنا نبشرك بغلام عليم . وقال تعالى فبشرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب أي يولد له في حياتهما ولد يسمى يعقوب فيكون من ذريته عقب ونسل وقد قدمنا هناك أنه لا يجوز بعد هذا أن يؤمر بذبحه وهو صغير لأن الله تعالى قد وعدهما بأنه سيعقب ويكون له نسل فكيف يمكن بعد هذا أن يؤمر بذبحه صغيرا وإسماعيل وصف ههنا بالحليم لأنه مناسب لهذا المقام .

      وقوله تعالى فلما بلغ معه السعي أي كبر وترعرع وصار يذهب مع أبيه ويمشي معه وقد كان إبراهيم عليه الصلاة والسلام يذهب في كل وقت يتفقد ولده وأم ولده ببلاد فاران وينظر في أمرهما وقد ذكر أنه كان يركب على البراق سريعا إلى هناك والله أعلم وعن ابن عباس رضي الله عنهما ومجاهد وعكرمة وسعيد بن جبير وعطاء الخراساني وزيد بن أسلم وغيرهم فلما بلغ معه السعي بمعنى شب وارتحل وأطاق ما يفعله أبوه من السعي والعمل فلما بلغ معه السعي قال يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى قال عبيد بن عمير رؤيا الأنبياء وحي ثم تلا هذه الآية قال يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى وقد قال ابن أبي حاتم حدثنا علي بن الحسين بن الجنيد حدثنا أبو عبد الملك الكرندي حدثنا سفيان بن عيينة عن إسرائيل بن يونس عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم رؤيا الأنبياء في المنام وحي ليس هو في شيء من الكتب الستة من هذا الوجه وإنما أعلم ابنه بذلك ليكون أهون عليه وليختبر صبره وجلده وعزمه في صغره على طاعة الله تعالى وطاعة أبيه قال يا أبت افعل ما تؤمر أي امض لما أمرك الله من ذبحي ستجدني إن شاء الله من الصابرين أي سأصبر وأحتسب ذلك عند الله عز وجل وصدق صلوات الله وسلامه عليه فيما وعد ولهذا قال الله تعالى واذكر في الكتاب إسماعيل إنه كان صادق الوعد وكان رسولا نبيا وكان يأمر أهله بالصلاة والزكاة وكان عند ربه مرضيا
    • فلما أسلما وتله للجبين أي فلما تشهدا وذكرا الله تعالى إبراهيم على الذبح والولد شهادة الموت وقيل أسلما يعني استسلما وانقادا إبراهيم امتثل أمر الله تعالى لإسماعيل طاعة لله ولأبيه قال مجاهد وعكرمة وقتادة والسدي وابن إسحاق وغيرهم ومعنى تله للجبين أي صرعه على وجهه ليذبحه من قفاه ولا يشاهد وجهه عند ذبحه ليكون أهون عليه قال ابن عباس رضي الله عنهما ومجاهد وسعيد بن جبير والضحاك وقتادة وتله للجبين أكبه على وجهه وقال الإمام أحمد حدثنا شريح ويونس قالا حدثنا حماد بن سلمة عن أبي عاصم الغنوي عن أبي الطفيل عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال لما أمر إبراهيم عليه الصلاة والسلام بالمناسك عرض له الشيطان عند السعي فسابقه فسبقه إبراهيم عليه الصلاة والسلام ثم ذهب به جبريل عليه الصلاة والسلام إلى جمرة العقبة فعرض له الشيطان فرماه بسبع حصيات حتى ذهب ثم عرض له عند الجمرة الوسطى فرماه بسبع حصيات ثم تله للجبين وعلى إسماعيل عليه الصلاة والسلام قميص أبيض فقال له يا أبت إنه ليس لي ثوب تكفنني فيه غيره فاخلعه حتى تكفنني فيه فعالجه ليخلعه فنودي من خلفه أن يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا فالتفت إبراهيم فإذا بكبش أبيض أقرن أعين قال ابن عباس لقد رأيتنا نتتبع ذلك الضرب من الكباش وذكر هشام الحديث في المناسك بطوله ثم رواه أحمد بطوله عن يونس عن حماد بن سلمة عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما فذكره إلا أنه قال إسحاق فعن ابن عباس رضي الله عنهما في تسمية الذبيح روايتان والأظهر عنه إسماعيل لما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى وقال محمد بن إسحاق عن الحسن بن دينار عن قتادة عن جعفر بن إياس عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تبارك وتعالى وفديناه بذبح عظيم قال خرج عليه كبش من الجنة قد رعى قبل ذلك أربعين خريفا فأرسل إبراهيم عليه الصلاة والسلام ابنه واتبع الكبش فأخرجه إلى الجمرة الأولى فرماه بسبع حصيات ثم أفلته عندها فجاء إلى الجمرة الوسطى فأخرجه عندها فرماه بسبع حصيات ثم أفلته فأدركه عند الجمرة الكبرى فرماه بسبع حصيات فأخرجه عندها ثم أخذه فأتى به المنحر من منى فذبحه فوالذي نفس ابن عباس بيده لقد كان أول الإسلام وإن رأس الكبش لمعلق بقرنيه في ميزاب الكعبة حتى وحش يعني يبس .

      وقال عبد الرزاق أخبرنا معمر عن الزهري أخبرنا القاسم قال اجتمع أبو هريرة وكعب فجعل أبو هريرة رضي الله عنه يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم وجعل كعب يحدث عن الكتب فقال أبو هريرة رضي الله عنه قال النبي صلى الله عليه وسلم إن لكل نبي دعوة مستجابة وإني قد خبأت دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة فقال له كعب أنت سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال نعم قال فداك أبي وأمي - أو فداه أبي وأمي - أفلا أخبرك عن إبراهيم عليه الصلاة والسلام ؟ إنه لما أري ذبح ابنه إسحاق قال الشيطان إن لم أفتن هؤلاء عند هذه لم أفتنهم أبدا فخرج إبراهيم عليه الصلاة والسلام بابنه ليذبحه فذهب الشيطان فدخل على سارة فقال أين ذهب إبراهيم بابنك ؟ قالت غدا به لبعض حاجته قال فإنه لم يغد به لحاجة إنما ذهب به ليذبحه قالت ولم يذبحه ؟ قال زعم أن ربه أمره بذلك قالت فقد أحسن أن يطيع ربه فذهب الشيطان في أثرهما فقال للغلام أين يذهب بك أبوك ؟ قال لبعض حاجته قال فإنه لا يذهب بك لحاجة ولكنه يذهب بك ليذبحك قال ولم يذبحني ؟ قال يزعم أن ربه أمره بذلك قال فوالله لئن كان الله تعالى أمره بذلك ليفعلن قال فيئس منه فتركه ولحق بإبراهيم عليه الصلاة والسلام فقال أين غدوت بابنك ؟ قال لحاجة قال فإنك لم تغد به لحاجة وإنما غدوت لتذبحه قال ولم أذبحه ؟ قال تزعم أن ربك أمرك بذلك قال فوالله لئن كان الله تعالى أمرني بذلك لأفعلن قال فتركه ويئس أن يطاع .
      وقد رواه ابن جرير عن يونس عن ابن وهب عن يونس بن يزيد عن ابن شهاب قال إن عمرو بن أبي سفيان بن أسيد بن جارية الثقفي أخبره أن كعبا قال لأبي هريرة فذكره بطوله وقال في آخره وأوحى الله تعالى إلى إسحاق أني أعطيتك دعوة أستجيب لك فيها قال إسحاق اللهم إني أدعوك أن تستجيب لي أيما عبد لقيك من الأولين والآخرين لا يشرك بك شيئا فأدخله الجنة .
    • وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبي حدثنا محمد بن الوزير الدمشقي حدثنا الوليد بن مسلم حدثنا عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله تبارك وتعالى خيرني بين أن يغفر لنصف أمتي وبين أن يجيب شفاعتي فاخترت شفاعتي ورجوت أن تكفر الجم لأمتي ولولا الذي سبقني إليه العبد الصالح لتعجلت فيها دعوتي إن الله تعالى لما فرج عن إسحاق كرب الذبح قيل له يا إسحاق سل تعط فقال أما والذي نفسي بيده لأتعجلنها قبل نزغات الشيطان اللهم من مات لا يشرك بك شيئا فاغفر له وأدخله الجنة هذا حديث غريب منكر وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم ضعيف الحديث وأخشى أن يكون في الحديث زيادة مدرجة وهي قوله إن الله تعالى لما فرج عن إسحاق إلى آخره والله أعلم فهذا إن كان محفوظا فالأشبه أن السياق إنما هو عن إسماعيل وإنما حرفوه بإسحاق حسدا منهم كما تقدم وإلا فالمناسك والذبائح إنما محلها بمنى من أرض مكة حيث كان إسماعيل لا إسحاق فإنه إنما كان ببلاد كنعان من أرض الشام .

      وقوله تعالى وناديناه أن يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا أي قد حصل المقصود من رؤياك بإضجاعك ولدك للذبح وذكر السدي وغيره أنه أمر السكين على رقبته فلم تقطع شيئا بل حال بينها وبينه صفحة من نحاس ونودي إبراهيم عليه الصلاة والسلام عند ذلك قد صدقت الرؤيا

      وقوله تعالى إنا كذلك نجزي المحسنين أي هكذا نصرف عمن أطاعنا المكاره والشدائد ونجعل لهم من أمرهم فرجا ومخرجا كقوله تعالى ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب ومن يتوكل على الله فهو حسبه إن الله بالغ أمره قد جعل الله لكل شيء قدرا وقد استدل بهذه الآية والقصة جماعة من علماء الأصول على صحة النسخ قبل التمكن من الفعل خلافا لطائفة من المعتزلة والدلالة من هذه ظاهرة لأن الله تعالى شرع لإبراهيم عليه الصلاة والسلام ذبح ولده ثم نسخه عنه وصرفه إلى الفداء وإنما كان المقصود من شرعه أولا إثابة الخليل على الصبر على ذبح ولده وعزمه على ذلك .

      ولهذا قال تعالى إن هذا لهو البلاء المبين أي الاختبار الواضح الجلي حيث أمر بذبح ولده فسارع إلى ذلك مستسلما لأمر الله تعالى منقادا لطاعته ولهذا قال تعالى وإبراهيم الذي وفى

      وقوله تعالى وفديناه بذبح عظيم قال سفيان الثوري عن جابر الجعفي عن أبي الطفيل عن علي رضي الله عنه وفديناه بذبح عظيم قال بكبش أبيض أعين أقرن قد ربط بسمرة قال أبو الطفيل وجدوه مربوطا بسمرة في ثبير
      وقال الثوري أيضا عن عبد الله بن عثمان بن خثيم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال كبش قد رعى في الجنة أربعين خريفا.
      وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبي حدثنا يوسف بن يعقوب الصفار حدثنا داود العطار عن ابن خثيم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال الصخرة التي بمنى بأصل ثبير هي الصخرة التي ذبح عليها إبراهيم فداء إسحاق ابنه هبط عليه من ثبير كبش أعين أقرن له ثغاء فذبحه وهو الكبش الذي قربه ابن آدم فتقبل منه فكان مخزونا حتى فدي به إسحاق وروي أيضا عن سعيد بن جبير أنه قال كان الكبش يرتع في الجنة حتى شقق عنه ثبير وكان عليه عهن أحمر
      وعن الحسن البصري أنه قال كان اسم كبش إبراهيم عليه الصلاة والسلام جرير وقال ابن جريج قال عبيد بن عمير ذبحه بالمقام وقال مجاهد ذبحه بمنى عند المنحر .
      وقال هشيم عن سيار عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما كان أفتى الذي جعل عليه نذرا أن ينحر نفسه فأمره بمائة من الإبل ثم قال بعد ذلك لو كنت أفتيه بكبش لأجزأه أن يذبح كبشا فإن الله تعالى قال في كتابه وفديناه بذبح عظيم والصحيح الذي عليه الأكثرون أنه يفدي بكبش وقال الثوري عن رجل عن أبي صالح عن ابن عباس في قوله تعالى وفديناه بذبح عظيم قال وعل وقال محمد بن إسحاق عن عمرو بن عبيد عن الحسن أنه كان يقول ما فدي إسماعيل عليه السلام إلا بتيس من الأروى أهبط عليه من ثبير .
      وقد قال الإمام أحمد حدثنا سفيان حدثني منصور عن خاله مسافع عن صفية بنت شيبة قالت أخبرتني امرأة من بني سليم ولدت عامة أهل دارنا أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عثمان بن طلحة رضي الله عنه وقالت مرة إنها سألت عثمان لم دعاك النبي صلى الله عليه وسلم ؟ قال : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم إني كنت رأيت قرني الكبش حين دخلت البيت فنسيت أن آمرك أن تخمرهما فخمرهما فإنه لا ينبغي أن يكون في البيت شيء يشغل المصلي قال سفيان لم يزل قرنا الكبش معلقين في البيت حتى احترق البيت فاحترقا وهذا دليل مستقل على أنه إسماعيل عليه الصلاة والسلام فإن قريشا توارثوا قرني الكبش الذي فدي به إبراهيم خلفا عن سلف وجيلا بعد جيل إلى أن بعث الله رسوله صلى الله عليه وسلم .
    • فصل في ذكر الآثار الواردة عن السلف في أن الذبيح من هو ذكر من قال هو إسحاق عليه الصلا

      قال حمزة الزيات عن أبي ميسرة رحمه الله قال : قال يوسف عليه عليه الصلاة والسلام للملك في وجهه ترغب أن تأكل معي وأنا والله يوسف بن يعقوب نبي الله ابن إسحاق ذبيح الله بن إبراهيم خليل الله وقال الثوري عن أبي سنان عن ابن أبي الهذيل أن يوسف عليه السلام قال للملك كذلك أيضا وقال سفيان الثوري عن زيد بن أسلم عن عبد الله بن عبيد بن عمير عن أبيه قال : قال موسى عليه الصلاة والسلام يا رب يقولون بإله إبراهيم وإسحاق ويعقوب فبم قالوا ذلك ؟ قال : إن إبراهيم لم يعدل بي شيء قط إلا اختارني عليه وإن إسحاق جاد لي بالذبح وهو بغير ذلك أجود وإن يعقوب كلما زدته بلاء زادني حسن ظن .
      وقال شعبة عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص قال افتخر رجل عند ابن مسعود رضي الله عنه فقال أنا فلان بن فلان ابن الأشياخ الكرام فقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه ذاك يوسف بن يعقوب بن إسحاق ذبيح الله بن إبراهيم خليل الله . وهذا صحيح عن ابن مسعود رضي الله عنه وكذا روى عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه إسحاق وعن أبيه العباس وعلي بن أبي طالب مثل ذلك وكذا قال عكرمة وسعيد بن جبير ومجاهد والشعبي وعبيد بن عمير وأبو ميسرة وزيد بن أسلم وعبد الله بن شقيق والزهري والقاسم بن أبي برزة ومكحول وعثمان بن أبي حاضر والسدي والحسن وقتادة وأبو الهذيل وابن سابط وهذا اختيار ابن جرير وتقدم روايته عن كعب الأحبار أنه إسحاق وهكذا روى ابن إسحاق عن عبد الله بن أبي بكر عن الزهري عن أبي سفيان عن العلاء بن جارية عن أبي هريرة رضي الله عنه عن كعب الأحبار أنه قال هو إسحاق وهذه الأقوال والله أعلم كلها مأخوذة عن كعب الأحبار فإنه لما أسلم في الدولة العمرية جعل يحدث عمر رضي الله عنه عن كتبه قديما فربما استمع له عمر رضي الله عنه فترخص الناس في استماع ما عنده ونقلوا ما عنده عنه غثها وسمينها وليس لهذه الأمة والله أعلم حاجة إلى حرف واحد مما عنده .
      وقد حكى البغوي القول بأنه إسحاق عن عمر وعلي وابن مسعود والعباس رضي الله عنهم ومن التابعين عن كعب الأحبار وسعيد بن جبير وقتادة ومسروق وعكرمة وعطاء ومقاتل والزهري والسدي قال وهو إحدى الروايتين عن ابن عباس رضي الله عنهما وقد ورد في ذلك حديث لو ثبت لقلنا به على الرأس والعين ولكن لم يصح سنده .
      قال ابن جرير حدثنا أبو كريب حدثنا زيد بن حباب عن الحسن بن دينار عن علي بن زيد بن جدعان عن الحسن عن الأحنف بن قيس عن العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث ذكره قال " هو إسحاق " ففي إسناده ضعيفان وهما الحسن بن دينار البصري متروك وعلي بن زيد بن جدعان منكر الحديث وقد رواه ابن أبي حاتم عن أبيه عن مسلم بن إبراهيم عن حماد بن سلمة عن علي بن زيد بن جدعان به مرفوعا ثم قال قد رواه مبارك بن فضالة عن الحسن عن الأحنف عن العباس رضي الله عنه وهذا أشبه وأصح والله أعلم . "
      ذكر الآثار الواردة بأنه إسماعيل عليه الصلاة والسلام
    • قد تقدمت الرواية عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه إسحاق عليه الصلاة والسلام والله تعالى أعلم .
      وقال سعيد بن جبير وعامر الشعبي ويوسف بن مهران ومجاهد وعطاء وغير واحد عن ابن عباس رضي الله عنهما هو إسماعيل عليه الصلاة والسلام وقال ابن جرير حدثني يونس أخبرنا ابن وهب أخبرني عمرو بن قيس عن عطاء بن أبي رباح عن ابن عباس أنه قال المفدى إسماعيل عليه السلام وزعمت اليهود أنه إسحاق وكذبت اليهود .
      وقال إسرائيل عن ثور عن مجاهد عن ابن عمر رضي الله عنهما قال الذبيح إسماعيل وقال ابن أبي نجيح عن مجاهد هو إسماعيل عليه السلام وكذا قال يوسف بن مهران وقال الشعبي هو إسماعيل عليه الصلاة والسلام وقد رأيت قرني الكبش في الكعبة .
      وقال محمد بن إسحاق عن الحسن بن دينار وعمرو بن عبيد عن الحسن البصري أنه كان لا يشك في ذلك أن الذي أمر بذبحه من ابني إبراهيم إسماعيل عليه السلام قال ابن إسحاق وسمعت محمد بن كعب القرظي وهو يقول إن الذي أمر الله تعالى إبراهيم بذبحه من ابنيه إسماعيل وإنا لنجد ذلك في كتاب الله تعالى وذلك أن الله تعالى حين فرغ من قصة المذبوح من ابني إبراهيم قال الله تعالى وبشرناه بإسحاق نبيا من الصالحين ويقول الله تعالى فبشرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب يقول بابن وابن ابن فلم يكن ليأمره بذبح إسحاق وله فيه من الموعد بما وعده وما الذي أمر بذبحه إلا إسماعيل قال ابن إسحاق سمعته يقول ذلك كثيرا وقال ابن إسحاق عن بريدة بن سفيان الأسلمي عن محمد بن كعب القرظي أنه حدثهم أنه ذكر ذلك لعمر بن عبد العزيز رضي الله عنه وهو خليفة إذ كان معه بالشام فقال له عمر إن هذا لشيء ما كنت أنظر فيه وإني لأراه كما قلت ثم أرسل إلى رجل كان عنده بالشام كان يهوديا فأسلم وحسن إسلامه وكان يرى أنه من علمائهم فسأله عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه عن ذلك قال محمد بن كعب وأنا عند عمر بن عبد العزيز فقال له عمر أي ابني إبراهيم أمر بذبحه ؟ فقال إسماعيل والله يا أمير المؤمنين وإن يهود لتعلم بذلك ولكنهم يحسدونكم معشر العرب على أن يكون أباكم الذي كان من أمر الله فيه والفضل الذي ذكر الله تعالى منه لصبره لما أمر به فهم يجحدون ذلك ويزعمون أنه إسحاق لأن إسحاق أبوهم والله أعلم أيهما كان وكل قد كان طاهرا طيبا مطيعا لله عز وجل وقال عبد الله بن الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله سألت أبي عن الذبيح هل هو إسماعيل أو إسحاق فقال إسماعيل ذكره في كتاب الزهد .
      وقال ابن أبي حاتم وسمعت أبي يقول الصحيح أن الذبيح إسماعيل عليه الصلاة والسلام قال وروي عن علي وابن عمر وأبي هريرة وأبي الطفيل وسعيد بن المسيب وسعيد بن جبير والحسن ومجاهد والشعبي ومحمد بن كعب القرظي وأبي جعفر محمد بن علي وأبي صالح رضي الله عنهم أنهم قالوا الذبيح إسماعيل .
      وقال البغوي في تفسيره وإليه ذهب عبد الله بن عمر وسعيد بن المسيب والسدي والحسن البصري ومجاهد والربيع بن أنس ومحمد بن كعب القرظي والكلبي وهو رواية عن ابن عباس وحكاه أيضا عن أبي عمرو بن العلاء وقد روى ابن جرير في ذلك حديثا غريبا فقال حدثني محمد بن عمار الرازي حدثنا إسماعيل بن عبيد بن أبي كريمة حدثنا عمر بن عبد الرحيم الخطابي عن عبيد الله بن محمد العتبي من ولد عتبة بن أبي سفيان عن أبيه حدثني عبد الله بن سعيد عن الصنابحي قال كنا عند معاوية بن أبي سفيان فذكروا الذبيح إسماعيل أو إسحاق فقال على الخبير سقطتم كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاءه رجل فقال يا رسول الله عد علي مما أفاء الله عليك يا ابن الذبيحين فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقيل له يا أمير المؤمنين وما الذبيحان ؟ فقال إن عبد المطلب لما أمر بحفر زمزم نذر لله إن سهل الله له أمرها عليه ليذبحن أحد ولده قال فخرج السهم على عبد الله فمنعه أخواله وقالوا افد ابنك بمائة من الإبل ففداه بمائة من الإبل والثاني إسماعيل وهذا حديث غريب جدا وقد رواه الأموي في مغازيه حدثنا بعض أصحابنا أخبرنا إسماعيل بن عبيد بن أبي كريمة حدثنا عمرو بن عبد الرحمن القرشي حدثنا عبيد الله بن محمد العتبي من ولد عتبة بن أبي سفيان حدثنا عبد الله بن سعيد حدثنا الصنابحي قال حضرنا مجلس معاوية رضي الله عنه فتذاكر القوم إسماعيل أو إسحاق وذكره كذا كتبته من نسخة مغلوطة. وإنما عول ابن جرير في اختياره أن الذبيح إسحاق على قوله تعالى فبشرناه بغلام حليم فجعل هذه البشارة هي البشارة بإسحاق في قوله تعالى وبشروه بغلام عليم وأجاب عن البشارة بيعقوب بأنه قد كان بلغ معه السعي أي العمل ومن الممكن أنه قد كان ولد له أولاد مع يعقوب أيضا قال وأما القرنان اللذان كانا معلقين بالكعبة فمن الجائز أنهما نقلا من بلاد كنعان قال وقد تقدم أن من الناس من ذهب إلى أنه ذبح إسحاق هناك هذا ما اعتمد عليه في تفسيره وليس إليه بمذهب ولا لازم بل هو بعيد جدا والذي استدل به محمد بن كعب القرظي على أنه إسماعيل أثبت وأصح وأقوى والله أعلم.

    • رؤيا يوسف عليه السلام



      يقول تعالى اذكر لقومك يا محمد في قصصك عليهم من قصة يوسف إذ قال لأبيه , وأبوه هو يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم الصلاة والسلام كما قال الإمام أحمد : ثنا عبد الصمد ثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار عن أبيه عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم انفرد بإخراجه البخاري فرواه عن عبد الله بن محمد عن عبد الصمد به وقال البخاري أيضا : ثنا محمد أنا عبدة عن عبيد الله عن سعيد بن أبي سعيد عن أبي هريرة قال : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الناس أكرم ؟ قال أكرمهم عند الله أتقاهم قالوا ليس عن هذا نسألك قال فأكرم الناس يوسف نبي الله ابن نبي الله ابن نبي الله ابن خليل الله قالوا ليس عن هذا نسألك قال فعن معادن العرب تسألوني ؟ قالوا نعم قال فخياركم في الجاهلية خياركم في الإسلام إذا فقهوا ثم قال تابعه أبو أسامة عن عبيد الله .

      وقال ابن عباس رؤيا الأنبياء وحي ; وقد تكلم المفسرون على تعبير هذا المنام أن الأحد عشر كوكبا عبارة عن إخوته وكانوا أحد عشر رجلا سواه والشمس والقمر عبارة عن أمه وأبيه .
      روي هذا عن ابن عباس والضحاك وقتادة وسفيان الثوري وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم وقد وقع تفسيرها بعد أربعين سنة وقيل ثمانين سنة وذلك حين رفع أبويه على العرش وهو سريره وإخوته بين يديه وخروا له سجدا وقال يا أبت هذا تأويل رؤياي من قبل قد جعلها ربي حقا وقد جاء في حديث تسمية هذه الأحد عشر كوكبا فقال الإمام أبو جعفر بن جرير : حدثني علي بن سعيد الكندي ثنا الحكم بن ظهير عن السدي عن عبد الرحمن بن سابط عن جابر قال : أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل من يهود يقال له بستانة اليهودي فقال له يا محمد أخبرني عن الكواكب التي رآها يوسف أنها ساجدة له ما أسماؤها ؟ قال فسكت النبي صلى الله عليه وسلم ساعة فلم يجبه بشيء ونزل عليه جبريل عليه السلام فأخبره بأسمائها قال فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إليه فقال هل أنت مؤمن إذا أخبرتك بأسمائها ؟ قال نعم قال جريان والطارق والديال وذو الكنفات وقابس ووثاب وعموذان والفيلق والمصبح والضروح ذو الفرع والضياء والنور فقال اليهودي إي والله إنها لأسماؤها ورواه البيهقي في الدلائل من حديث سعيد بن منصور عن الحكم بن ظهير وقد روى هذا الحديث الحافظان أبو يعلى الموصلي وأبو بكر البزار في مسنديهما وابن أبي حاتم في تفسيره أما أبو يعلى فرواه عن أربعة من شيوخه عن الحكم بن ظهير به وزاد : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لما رآها يوسف قصها على أبيه يعقوب فقال له أبوه هذا أمر متشتت يجمعه الله من بعد - قال - والشمس أبوه والقمر أمه تفرد به الحكم بن ظهير الفزاري وقد ضعفه الأئمة وتركه الأكثرون وقال الجوزجاني ساقط وهو صاحب حديث حسن ثم ذكر الحديث المروي عن جابر أن يهوديا سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الكواكب التي رآها يوسف ما أسماؤها وأنه أجابه ثم قال تفرد به الحكم بن ظهير وقد ضعفه الأربعة .

      يقول تعالى مخبرا عن قول يعقوب لابنه يوسف حين قص عليه ما رأى من هذه الرؤيا التي تعبيرها خضوع إخوته له وتعظيمهم إياه تعظيما زائدا بحيث يخرون له ساجدين إجلالا واحتراما لا إكراما فخشي يعقوب عليه السلام أن يحدث بهذا المنام أحدا من إخوته فيحسدونه على ذلك فيبغون له الغوائل حسدا منهم له ولهذا قال له لا تقصص رؤياك على إخوتك فيكيدوا لك كيدا أي يحتالوا لك حيلة يردونك فيها ولهذا ثبتت السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا رأى أحدكم ما يحب فليحدث به وإذا رأى ما يكره فليتحول إلى جنبه الآخر وليتفل عن يساره ثلاثا وليستعذ بالله من شرها ولا يحدث بها أحدا فإنها لن تضره وفي الحديث الآخر الذي رواه الإمام أحمد وبعض أهل السنن من رواية معاوية بن حيدة القشيري أنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الرؤيا على رجل طائر ما لم تعبر فإذا عبرت وقعت ومن هذا يؤخذ الأمر بكتمان النعمة حتى توجد وتظهر كما ورد في حديث استعينوا على قضاء الحوائج بكتمانها فإن كل ذي نعمة محسود
    • رؤيا صاحبي السجن



      قال قتادة: كان أحدهما ساقي الملك والآخر خبازه قال محمد بن إسحاق: كان اسم الذي على الشراب نبوا والآخر مجلث
      قال السدي: كان سبب حبس الملك إياهما أنه توهم أنهما تمالا على سمه في طعامه وشرابه وكان يوسف عليه السلام قد اشتهر في السجن بالجود والأمانة وصدق الحديث وحسن السمت وكثرة العبادة صلوات الله عليه وسلامه ومعرفة التعبير والإحسان إلى أهل السجن وعيادة مرضاهم والقيام بحقوقهم ولما دخل هذان الفتيان إلى السجن تألفا به وأحباه حبا شديدا وقالا له: والله لقد أحببناك حبا زائدا قال بارك الله فيكما إنه ما أحبني أحد إلا دخل علي من محبته ضرر أحبتني عمتي فدخل علي الضرر بسببها وأحبني أبي فأوذيت بسببه وأحبتني امرأة العزيز فكذلك فقالا والله ما نستطيع إلا ذلك ثم إنهما رأيا مناما فرأى الساقي أنه يعصر خمرا يعني عنبا وكذلك هي في قراءة عبد الله بن مسعود "إني أراني أعصر عنبا" ورواه ابن أبي حاتم عن أحمد بن سنان عن يزيد بن هارون عن شريك عن الأعمش عن زيد بن وهب عن ابن مسعود أنه قرأها "أعصر عنبا"
      وقال الضحاك في قوله إني أراني أعصر خمرا يعني عنبا قال وأهل عمان يسمون العنب خمرا
      وقال عكرمة: قال له إنى رأيت فيما يرى النائم أني غرست حبلة من عنب فنبتت فخرج فيها عناقيد فعصرتهن ثم سقيتهن الملك فقال: تمكث فى السجن ثلاثة أيام ثم تخرج فتسقيه خمرا وقال الآخر وهو الخباز: إني أراني أحمل فوق رأسي خبزا تأكل الطير منه نبئنا بتأويله الآية والمشهور عند الأكثرين ما ذكرناه أنهما رأيا مناما وطلبا تعبيره
      وقال ابن جرير: حدثنا وكيع وابن حميد قالا: حدثنا جرير عن عمارة بن القعقاع عن إبراهيم عن عبدالله بن مسعود قال: ما رأى صاحبا يوسف شيئا إنما كانا تحالما ليجربا عليه.

      [وقوله] قال لا يأتيكما طعام ترزقانه إلا نبأتكما بتأويله قبل أن يأتيكما ذلكما مما علمني ربي إني تركت ملة قوم لا يؤمنون بالله وهم بالآخرة هم كافرون
      يخبرهما يوسف عليه أنهما مهما رأيا في منامهما من حلم فإنه عارف بتفسيره ويخبرهما بتأويله قبل وقوعه ولهذا قال قال لا يأتيكما طعام ترزقانه إلا نبأتكما بتأويله ق
      قال مجاهد يقول لا يأتيكما طعام ترزقانه في يومكما إلا نبأتكما بتأويله قبل أن يأتيكما وكذا قال السدي
      وقال ابن أبي حاتم رحمه الله حدثنا علي بن الحسين حدثنا محمد بن العلاء حدثنا محمد بن يزيد شيخ له ثنا رشدين عن الحسن بن ثوبان عن عكرمة عن ابن عباس قال: ما أدري لعل يوسف عليه السلام كان يعتاف وهو كذلك لأني أجد في كتاب الله حين قال للرجلين لا يأتيكما طعام ترزقانه إلا نبأتكما بتأويله قال إذا جاءكم الطعام حلوا أو مرا اعتاف عند ذلك ثم قال ابن عباس: إنما علم فعلم وهذا أمر غريب ثم قال وهذا إنما هو من تعليم الله إياي لأني اجتنبت ملة الكافرين بالله واليوم الآخر فلا يرجون ثوابا ولا عقابا في المعاد.

      [قوله] واتبعت ملة آبائي إبراهيم وإسحاق ويعقوب الآية يقول هجرت طريق الكفر والشرك وسلكت طريق هؤلاء المرسلين صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين وهكذا يكون حال من سلك طريق الهدى واتبع طريق المرسلين وأعرض عن طريق الضالين فإن الله يهدي قلبه ويعلمه ما لم يكن يعلم ويجعله إماما يقتدى به في الخير وداعب إلى سبيل الرشاد ما كان لنا أن نشرك بالله من شيء ذلك من فضل الله علينا وعلى الناس هذا التوحيد وهو الإقرار بأنه لا إله إلا الله وحده لا شريك له ذلك من فضل الله علينا أي أوحاه إلينا وأمرنا به وعلى الناس إذ جعلنا دعاة لهم إلى ذلك ولكن أكثر الناس لا يشكرون أى لا يعرفون نعمة الله عليهم بإرسال الرسل إليهم بل بدلوا نعمة الله كفرا وأحلوا قومهم دار البوار
      وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أحمد بن سنان حدثنا أبو معاوية حدثنا حجاج عن عطاء عن ابن عباس أنه كان يجعل الجد أبا ويقول والله لمن شاء لاعنته عند الحجر ما ذكر الله جدا ولا جدة قال الله تعالى يعني إخبارا عن يوسف واتبعت ملة آبائي إبراهيم وإسحاق ويعقوب

      ثم إن يوسف عليه السلام أقبل على الفتيين بالمخاطبة والدعاء لهما إلى عبادة الله وحده لا شريك له وخلع ما سواه من الأوثان التي يعبدها قومهما فقال " أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار أي الذي دل كل شيء لعز جلاله وعظمة سلطانه.

      ثم بين لهما أن التي يعبدونها ويسمونها آلهة إنما هى جعل منهم وتسمية من تلقاء أنفسهم تلقاها خلفهم عن سلفهم وليس له ذلك مسند من عند الله ولهذا قال ما أنزل الله بها من سلطان أي حجة ولا برهان ثم أخرهم أن الحكم والتصرف والمشيئة والملك كله لله وقد أمر عباده قاطبة أن لا يعبدوا إلا إياه ثم قال تعالى ذلك الدين القيم أي هذا الذي أدعوكم إليه من توحيد الله وإخلاص العمل له هو الدين المستقيم الذي أمر الله به وأنزل به الحجة والبرهان الذي يحبه ويرضاه ولكن أكثر الناس لا يعلمون أي فلهذا كان أكثرهم مشركين وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين
      وقد قال ابن جريج: إنما عدل بهم يوسف عن تعبير الرؤيا إلى هذا لأنه عرف أنها ضارة لأحدهما فأحب أن يشغلهما بغير ذلك لئلا يعاودوه فيها فعاودوه فأعاد عليهم الموعظة وفي هذا الذي قاله نظر لأنه قد وعدهما أو بتعبيرها ولكن جعل سؤالهما له على وجه التعظيم والاحترام وصلة وسببا إلى دمائهما إلى التوحيد والإسلام لما رأى في سجيتهما من قبول الخير والإقبال عليه والإنصات إليه ولهذا لما فرغ من دعوتهما شرع في تعبير رؤياهما من غير تكرار سؤال.

      يقول لهما يا صاحبي السجن أما أحدكما فيسقي ربه خمرا وهو الذي رأى أنه يعصر خمرا ولكنه لم يعينه لئلا يحزن ذاك ولهذا أبهمه في قوله وأما الآخر فيصلب فتأكل الطير من رأسه وهو في نفس الأمر الذي رأى أنه يحمل فوق رأسه خبزا ثم أعلمهما أن هذا قد فرغ منه وهو واقع لا محالة لأن الرؤيا على رجل طائر ما لم تعبر فإذا عبرت وقعت

      وقال الثوري عن عمارة بن القعقاع عن إبراهيم بن عبد الله قال: لما قالا ما قالا وأخبرهما قالا ما رأينا شيئا فقال قضي الأمر الذي فيه تستفتيان ورواه محمد بن فضيل عن عبارة عن إبراهيم عن علقمة عن ابن مسعود به وكذا فسره مجاهد وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم وغيرهم
      وحاصله أن من تحلم بباطل وفسره فإنه يلزم بتأويله والله تعالى أعلم وقد ورد في الحديث الشريف الذي رواه الإمام أحمد عن معاوية بن حيدة عن النبي صلي الله عليه وسلم قال الرؤيا على رجل طائر ما لم تعبر فإذا عبرت وقعت
      وفي مسند أبي يعلى من طريق يزيد الرقاشي عن أنس مرفوعا الرؤيا لأول عابر.
    • رؤيا ملك مصر



      هذه الرؤيا من ملك مصر مما قدر الله تعالى أنها كانت سببا لخروج يوسف عليه السلام من السجن معززا مكرما وذلك أن الملك رأى هذه الرؤيا فهالته وتعجب من أمرها وما يكون تفسيرها فجمع الكهنة والحادة وكبار دولته وأمراءه فقص عليهم ما رأى وسألهم عن تأويلها فلم يعرفوا ذلك واعتذروا إليه بأنها أضغاث أحلام أي أخلاط أحلام اقتضته رؤياك هذه وما نحن بتأويل الأحلام بعالمين أي لو كانت رؤيا صحيحة من أخلاط لما كان لنا معرفة بتأويلها وهو تعبيرها فعند ذلك تذكر الذي نجا من ذينك الفتيين اللذين كانا في السجن مع يوسف وكان الشيطان قد أنساه ما وصاه به يوسف عليه السلام ذكر أمره للملك فعند ذلك تذكر بعد أمة أي مدة وقرأ بعضهم بعد أمة أي بعد نسيان فقال لهم أي للملك والذين جمعهم.

      وقال الذي نجا منهما وادكر بعد أمة أنا أنبئكم بتأويله فأرسلوني لذلك أنا أنبئكم بتأويله أي بتأويل هذا المنام فارسلون أي فابعثون إلى يوسف الصديق إلى السجن ومعنى الكلام فبعثوه فجاء.

      فقال يوسف أيها الصديق أفتنا وذكر المنام الذي رآه الملك فعند ذلك ذكر له يوسف عليه السلام تعبيرها من غير تعنيف للفتى في نسيانه ما وصاه به ومن غير اشتراط للخروج قبل ذلك.

      بل قال تزرعون سبع سنين دأبا أي يأتيكم الخصب والمطر سبع سنين متواليات ففسر البقر بالسنين لأنها تثير الأرض التي تشتغل منها الثمرات والزروع وهن السنبلات الخضر ثم أرشدهم إلى ما يعتدونه في تلك السنين فقال فما حصدتم فذروه في سنبله إلا قليلا مما تأكلون أى مهما استغللتم في هذه السبع السنين الخصب فادخروه في سنبله ليكون أبقى له وأبعد عن إسراع الفساد إليه إلا المقدار الذي تأكلونه وليكن قليلا قليلا لا تسرفوا فيه لتنتفعوا في السبع الشداد وهن السبع السنين المحل التي تعقب هذه السبع المتواليات وهن البقرات العجاف اللاتي تأكل السمان لأن سني الجدب يؤكل فيها ما جمعوه في سني الخصب وهن السنبلات اليابسات وأخبرهم أنهن لا ينبتن شيئا وما بذروه فلا يرجعون منه إلى شيء.

      ولهذا قال يأكلن ما قدمتم لهن إلا قليلا مما تحصنون ثم بشرهم بعد الجدب العام المتوالي بأنه يعقبهم بعد ذلك عام فيه يغاث الناس أي يأتيهم الغيث وهو المطر وتغل البلاد ويعصر الناس ما كانوا يعصرون على عادتهم من زيت ونحوه وسكر ونحوه حتى قال بعضهم: يدخل فيه حلب اللبن أيضا قال علي بن أبي طلحه عن ابن عباس وفيه يعصرون يحلبون.
    • رؤيا النبي عليه الصلاة والسلام



      كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد رأى في المنام أنه دخل مكة وطاف بالبيت فأخبر أصحابه بذلك وهو بالمدينة فلما ساروا عام الحديبية لم يشك جماعة منهم أن هذه الرؤيا تتفسر هذا العام فلما وقع ما وقع من قضية الصلح ورجعوا عامهم ذلك على أن يعودوا من قابل وقع في نفس بعض الصحابة رضي الله عنهم من ذلك شيء حتى سأل عمر بن الخطاب رضي الله عنه في ذلك فقال له فيما قال أفلم تكن تخبرنا أنا سنأتي البيت ونطوف به ؟ قال بلى أفأخبرتك أنك تأتيه عامك هذا ؟ قال لا قال النبي صلى الله عليه وسلم فإنك آتيه ومطوف به وبهذا أجاب الصديق رضي الله عنه أيضا حذو القذة بالقذة
      ولهذا قال تبارك وتعالى لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله هذا لتحقيق الخبر وتوكيده وليس هذا من الاستثناء في شيء وقوله عز وجل آمنين أي في حال دخولكم وقوله محلقين رءوسكم ومقصرين حال مقدرة لأنهم في حال دخولهم لم يكونوا محلقين ومقصرين وإنما كان هذا في ثاني الحال كان منهم من حلق رأسه , ومنهم من قصره وثبت في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال رحم الله المحلقين قالوا والمقصرين يا رسول الله ؟ قال صلى الله عليه وسلم رحم الله المحلقين قالوا والمقصرين يا رسول الله ؟ قال صلى الله عليه وسلم رحم الله المحلقين قالوا والمقصرين يا رسول الله ؟ قال صلى الله عليه وسلم والمقصرين في الثالثة أو الرابعة
      وقوله سبحانه وتعالى : لا تخافون حال مؤكدة في المعنى فأثبت لهم الأمن حال الدخول ونفى عنهم الخوف حال استقرارهم في البلد لا يخافون من أحد وهذا كان في عمرة القضاء في ذي القعدة سنة سبع فإن النبي صلى الله عليه وسلم لما رجع من الحديبية في ذي القعدة رجع إلى المدينة فأقام بها ذا الحجة والمحرم وخرج في صفر إلى خيبر ففتحها الله عليه بعضها عنوة وبعضها صلحا وهي إقليم عظيم كثير النخل والزروع فاستخدم من فيها من اليهود عليها على الشطر وقسمها بين أهل الحديبية وحدهم ولم يشهدها أحد غيرهم إلا الذين قدموا من الحبشة جعفر بن أبي طالب وأصحابه وأبو موسى الأشعري وأصحابه رضي الله عنهم ولم يغب منهم أحد قال ابن زيد إلا أبا دجانة سماك بن خرشة كما هو مقرر في موضعه ثم رجع إلى المدينة فلما كان في ذي القعدة من سنة سبع خرج صلى الله عليه وسلم إلى مكة معتمرا هو وأهل الحديبية فأحرم من ذي الحليفة وساق معه الهدي قيل كان ستين بدنة فلبى وسار أصحابه يلبون فلما كان صلى الله عليه وسلم قريبا من مر الظهران بعث محمد بن سلمة بالخيل , والسلاح أمامه فلما رآه المشركون رعبوا رعبا شديدا وظنوا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يغزوهم وأنه قد نكث العهد الذي بينهم وبينه من وضع القتال عشر سنين فذهبوا فأخبروا أهل مكة فلما جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزل بمر الظهران حيث ينظر إلى أنصاب الحرم بعث السلاح من القسي والنبل والرماح إلى بطن يأجج وسار إلى مكة بالسيوف مغمدة في قربها كما شارطهم عليه فلما كان في أثناء الطريق بعثت قريش مكرز بن حفص فقال يا محمد ما عرفناك تنقض العهد فقال صلى الله عليه وسلم " وما ذاك ؟ " قال دخلت علينا بالسلاح والقسي والرماح فقال صلى الله عليه وسلم " لم يكن ذلك وقد بعثنا به إلى يأجج ؟ " فقال بهذا عرفناك بالبر والوفاء وخرجت رءوس الكفار من مكة لئلا ينظروا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وإلى أصحابه رضي الله عنهم غيظا وحنقا وأما بقية أهل مكة من الرجال والنساء والولدان فجلسوا في الطرق وعلى البيوت ينظرون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه فدخلها عليه الصلاة والسلام وبين يديه أصحابه يلبون , والهدي قد بعثه إلى ذي طوى وهو راكب ناقته القصواء التي كان راكبها يوم الحديبية , وعبد الله بن رواحة الأنصاري آخذ بزمام ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم يقودها وهو يقول : باسم الذي لا دين إلا دينه باسم الذي محمد رسوله


      خلوا بني الكفار عن سبيله
      اليوم نضربكم على تأويله


      كما ضربناكم على تنزيله
      ضربا يزيل الهام عن مقيله


      ويذهل الخليل عن خليله
      قد أنزل الرحمن في تنزيلـه


      في صحف تتلى على رسوله
      بأن خير القتل في سبيله


      يارب إني مؤمن بقيله



      فهذا مجموع من روايات متفرقة قال يونس بن بكير عن محمد بن إسحاق حدثني عبد الله بن أبي بكر بن حزم قال لما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة في عمرة القضاء دخلها وعبد الله بن رواحة رضي الله عنه آخذ بخطام ناقته صلى الله عليه وسلم وهو يقول : خلوا بني الكفار عن سبيله
      إني شهيد أنه رسوله


      خلوا فكل الخير في رسوله
      يارب إني مؤمن بقيله


      نحن قتلناكم على تأويلـه
      كما قتلناكم على تنزيله


      ضربا يزيل الهام عن مقيله
      ويذهل الخليل عن خليله



      وقال عبد الرزاق حدثنا معمر عن الزهري عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال لما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة في عمرة القضاء مشى عبد الله بن رواحة رضي الله عنه بين يديه وفي رواية وابن رواحة آخذ بغرزه وهو رضي الله عنه يقول : خلوا بني الكفار عن سبيله
      قد نزل الرحمن في تنزيله


      بأن خير القتل في سبيلـه
      يارب إني مؤمن بقيلـه


      نحن قتلناكم على تأويلـه
      كما قتلناكم على تنزيلـه


      اليوم نضربكم على تأويله
      ضربا يزيل الهام عن مقيله


      ويذهل الخليل عن خليله
    • وقال الإمام أحمد حدثنا محمد بن الصباح حدثنا إسماعيل يعني ابن زكريا عن عبد الله يعني ابن عثمان عن أبي الطفيل عن ابن عباس رضي الله عنهما قال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما نزل مر الظهران في عمرته بلغ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن قريشا تقول ما يتباعثون من العجف فقال أصحابه لو انتحرنا من ظهرنا فأكلنا من لحمه وحسونا من مرقه أصبحنا غدا حين ندخل على القوم وبنا جمامة قال صلى الله عليه وسلم لا تفعلوا ولكن اجمعوا لي من أزوادكم فجمعوا له وبسطوا الأنطاع فأكلوا حتى تركوا وحشا كل واحد منهم في جرابه ثم أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى دخل المسجد وقعدت قريش نحو الحجر فاضطجع صلى الله عليه وسلم بردائه ثم قال لا يرى القوم فيكم غميزة فاستلم الركن ثم رمل حتى إذا تغيب بالركن اليماني مشى إلى الركن الأسود فقالت قريش ما ترضون بالمشي أما إنكم لتنقزون نقز الظباء ففعل ذلك ثلاثة أشواط فكانت سنة
      قال أبو الطفيل فأخبرني ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل ذلك في حجة الوداع وقال أحمد أيضا حدثنا يونس بن محمد حدثنا حماد بن زيد حدثنا أيوب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه مكة وقد وهنتهم حمى يثرب ولقوا منها سوءا فقال المشركون إنه يقدم عليكم قوم قد وهنتهم حمى يثرب ولقوا منها شرا وجلس المشركون من الناحية التي تلي الحجر فأطلع الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم على ما قالوا فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه أن يرملوا الأشواط الثلاثة ليرى المشركون جلدهم قال فرملوا ثلاثة أشواط وأمرهم أن يمشوا بين الركنين حيث لا يراهم المشركون ولم يمنع النبي صلى الله عليه وسلم أن يرملوا الأشواط كلها إلا إبقاء عليهم فقال المشركون أهؤلاء الذين زعمتم أن الحمى قد وهنتهم هؤلاء أجلد من كذا وكذا أخرجاه في الصحيحين من حديث حماد بن زيد به وفي لفظ قدم النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم صبيحة رابعة يعني من ذي القعدة فقال المشركون إنه يقدم عليكم وفد وقد وهنتهم حمى يثرب فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يرملوا الأشواط الثلاثة ولم يمنعه أن يأمرهم أن يرملوا الأشواط كلها إلا الإبقاء عليهم
      قال البخاري : وزاد ابن سلمة يعني حماد بن سلمة عن أيوب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم لعامه الذي استأمن قال ارملوا ليري المشركين قوتهم والمشركون من قبل قعيقعان وحدثنا محمد حدثنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن عطاء عن ابن عباس رضي الله عنهما قال إنما سعى النبي صلى الله عليه وسلم بالبيت وبالصفا والمروة ليرى المشركون قوته ورواه في مواضع أخر ومسلم والنسائي من طرق عن سفيان بن عيينة به وقال أيضا حدثنا علي بن عبد الله حدثنا سفيان حدثنا إسماعيل بن أبي خالد أنه سمع ابن أبي أوفى يقول لما اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم سترناه من غلمان المشركين ومنهم أن يؤذوا رسول الله صلى الله عليه وسلم انفرد به البخاري دون مسلم
      وقال البخاري أيضا حدثنا محمد بن رافع حدثنا شريح بن النعمان حدثنا فليح وحدثني محمد بن الحسين بن إبراهيم حدثنا أبي حدثنا فليح بن سليمان عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما قال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج معتمرا فحال كفار قريش بينه وبين البيت فنحر هديه وحلق رأسه بالحديبية وقاضاهم على أن يعتمر العام المقبل ولا يحمل سلاحا عليهم إلا سيوفا ولا يقيم بها إلا ما أحبوا فاعتمر صلى الله عليه وسلم من العام المقبل فدخلها كما كان صالحهم فلما أن قام بها ثلاثا أمروه أن يخرج فخرج صلى الله عليه وسلم وهو في صحيح مسلم أيضا وقال البخاري أيضا حدثنا عبيد الله بن موسى عن إسرائيل عن أبي إسحاق عن البراء رضي الله عنه قال اعتمر النبي صلى الله عليه وسلم في ذي القعدة فأبى أهل مكة أن يدعوه يدخل مكة حتى قاضاهم على أن يقيموا بها ثلاثة أيام فلما كتبوا الكتاب كتبوا هذا ما قاضى عليه محمد رسول الله قالوا لا نقر بهذا ولو نعلم أنك رسول الله ما منعناك شيئا ولكن اكتب محمد بن عبد الله قال صلى الله عليه وسلم أنا رسول الله وأنا محمد بن عبد الله ثم قال صلى الله عليه وسلم لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه امح رسول الله قال رضي الله عنه لا والله لا أمحوك أبدا فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم الكتاب وليس يحسن يكتب فكتب هذا ما قاضى عليه محمد بن عبد الله لا يدخل مكة بالسلاح إلا بالسيف في القراب وأن لا يخرج من أهلها بأحد أراد أن يتبعه وأن لا يمنع من أصحابه أحدا إن أراد أن يقيم بها فلما دخلها ومضى الأجل أتوا عليا فقالوا قل لصاحبك اخرج عنا فقد مضى الأجل فخرج النبي صلى الله عليه وسلم فتبعته ابنة حمزة رضي الله عنه تنادي يا عم يا عم فتناولها علي رضي الله عنه فأخذ بيدها وقال لفاطمة رضي الله عنها : دونك ابنة عمك فحملتها فاختصم فيها علي وزيد وجعفر رضي الله عنهم فقال علي رضي الله عنه أنا أخذتها وهي ابنة عمي وقال جعفر رضي الله عنه ابنة عمي وخالتها تحتي وقال زيد رضي الله عنه ابنة أخي فقضى بها النبي صلى الله عليه وسلم لخالتها وقال الخالة بمنزلة الأم وقال لعلي رضي الله عنه أنت مني وأنا منك وقال لجعفر رضي الله عنه أشبهت خلقي وخلقي وقال صلى الله عليه وسلم لزيد رضي الله عنه أنت أخونا ومولانا قال علي رضي الله عنه ألا تتزوج ابنة حمزة رضي الله عنه ؟ قال صلى الله عليه وسلم إنها ابنة أخي من الرضاعة تفرد به هذا الوجه وقوله تعالى فعلم ما لم تعلموا فجعل من دون ذلك فتحا قريبا أي فعلم الله عز وجل من الخيرة والمصلحة في صرفكم عن مكة ودخولكم إليها عامكم ذلك ما لم تعلموا أنتم فجعل من دون ذلك أي قبل دخولكم الذي وعدتم به في رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم فتحا قريبا وهو الصلح الذي كان بينكم وبين أعدائكم من المشركين .

      ثم قال تبارك وتعالى مبشرا للمؤمنين بنصرة الرسول صلى الله عليه وسلم على عدوه وعلى سائر أهل الأرض هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق أي بالعلم النافع والعمل الصالح فإن الشريعة تشتمل على شيئين علم وعمل فالعلم الشرعي صحيح , والعمل الشرعي مقبول فإخباراتها حق وإنشاءاتها عدل ليظهره على الدين كله أي على أهل جميع الأديان من سائر أهل الأرض من عرب وعجم ومسلمين ومشركين وكفى بالله شهيدا أي أنه رسوله وهو ناصره والله سبحانه وتعالى أعلم .
    • تأويل رؤيا يوسف عليه السلام



      وقوله وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ قال ابن عباس ومجاهد وغير واحد يعني السرير أي أجلسهما معه على سريره وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا أي سجد له أبواه وإخوته الباقون وكانوا أحد عشر رجلا وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ أي التي كان قصها على أبيه من قبل إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا الآية وقد كان هذا سائغا في شرائعهم إذا سلموا على الكبير يسجدون له ولم يزل هذا جائزا من لدن آدم إلى شريعة عيسى عليه السلام فحرم هذا في هذه الملة وجعل السجود مختصا بجناب الرب سبحانه وتعالى هذا مضمون قول قتادة وغيره وفي الحديث أن معاوية قدم الشام فوجدهم يسجدون لأساقفتهم فلما رجع سجد لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ما هذا يا معاذ ؟ فقال إني رأيتهم يسجدون لأساقفتهم وأنت أحق أن يسجد لك يا رسول الله فقال لو كنت آمرا أحدا أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها لعظم حقه عليها وفي حديث آخر : أن سلمان لقي النبي صلى الله عليه وسلم في بعض طرق المدينة وكان سلمان حديث عهد بالإسلام فسجد للنبي صلى الله عليه وسلم فقال لا تسجد لي يا سلمان واسجد للحي الذي لا يموت والغرض أن هذا كان جائزا في شريعتهم ولهذا خروا له سجدا فعندها قال يوسف يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا أي هذا ما آل إليه الأمر فإن التأويل يطلق على ما يصير إليه الأمر كما قال تعالى هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ أي يوم القيامة يأتيهم ما وعدوا به من خير وشر وقوله قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا أي صحيحة صدقا يذكر نعم الله عليه وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ أي البادية قال ابن جريج وغيره كانوا أهل بادية وماشية وقال كانوا يسكنون بالعربات من أرض فلسطين من غور الشام قال وبعض يقول كانوا بالأولاج من ناحية شعب أسفل من حسمى وكانوا أصحاب بادية وشاء وإبل مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ أي إذا أراد أمرا قيض له أسبابا وقدره ويسره إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ بمصالح عباده الحكيم في أقواله وأفعاله وقضائه وقدره وما يختاره ويريده قال أبو عثمان النهدي عن سليمان كان بين رؤيا يوسف وتأويلها أربعون سنة قال عبد الله بن شداد وإليها ينتهي قص الرؤيا رواه ابن جرير وقال أيضا حدثنا عمر بن علي حدثنا عبد الوهاب الثقفي حدثنا هشام عن الحسن قال كان منذ فارق يوسف يعقوب إلى أن التقيا ثمانون سنة لم يفارق الحزن قلبه ودموعه تجري على خديه وما على وجه الأرض عبد أحب إلى الله من يعقوب وقال هشيم عن يونس عن الحسن ثلاث وثمانون سنة وقال مبارك بن فضالة عن الحسن ألقي يوسف في الجب وهو ابن سبع عشرة سنة فغاب عن أبيه ثمانين سنة وعاش بعد ذلك ثلاثا وعشرين سنة فمات وله عشرون ومائة وقال قتادة كان بينهما خمس وثلاثون سنة وقال محمد بن إسحاق : ذكر والله أعلم أن غيبة يوسف عن يعقوب كانت ثماني عشرة سنة قال وأهل الكتاب يزعمون أنها كانت أربعين سنة أو نحوها وأن يعقوب عليه السلام بقي مع يوسف بعد أن قدم عليه مصر سبع عشرة سنة ثم قبضه الله إليه وقال أبو إسحاق السبيعي عن أبي عبيدة عن عبد الله بن مسعود قال : دخل بنو إسرائيل مصر وهم ثلاثة وستون إنسانا وخرجوا منها وهم ستمائة ألف وسبعون ألفا وقال أبو إسحاق عن مسروق دخلوا وهم ثلثمائة وتسعون بين رجل وامرأة فالله أعلم وقال موسى بن عبيدة عن محمد بن كعب القرظي عن عبد الله بن شداد اجتمع آل يعقوب إلى يوسف بمصر وهم ست وثمانون إنسانا صغيرهم وكبيرهم وذكرهم وأنثاهم وخرجوا منها وهم ستمائة ألف ونيف .
    • بسم الله الرحمن الرحيم
      بداية شكرا لك اختي ام حيدر على عالمجهود الطيب والله يكثر من امثالك
      لو سمحت اريد تفسير حلمي في اقصى سرعة حيث انني استخرت على وظيفة لي استمر فيها ام لا فحلمت بعد ان صليت الصبح ونمت ان هناك ثلاث رجال لونهم اسود يعطوني علبة سالتهم ما فيها فقالوا لي ان بها نخاع الظهر استغربت وقالوا لي خذيها واعطيها (لفلان ) مع العلم ان هذا (الفلان ) هو مديري في المؤسسة التي اعمل بها.
      الرجاء الرد على استفساري وشكرا لكم